RAMI 1up
05/01/2006, 23:03
بضـاعة الـدين… التجارة الـرابحة
تتحدد القيمة النقدية التي يستطيع الإنسان جنيّها لقاء ما يقوم به من عمل، بمدى إتقانه وبراعته في إنجاز العمل أو المهنة التي يمارسها. فنجاح الطبيب في الحصول على المال يتوقف على صحة تشخيصه للمرض ومن ثم اقتراح العقاقير الشافية له، وكذلك المهندس يتوقف نجاحه على دقة مخططاته العمرانية وجماليتها، أما مهنة التجارة فبالرغم من اعتمادها بشكل رئيسي على تسويق ما ينتجه الآخرين، إلا أنها تعتبر بحق من أقدر المهن على تحويل البارعين فيها من أناس بسطاء أو فقراء في بعض الأحيان إلى وجه من وجهاء المجتمعات المخملية الثرية.
لم تعد التجارة في عصرنا الحالي تقتصر على شراء سلعة ما بسعر محدد من مكان معين ومن ثم بيعها بسعر أعلى في مكان آخر، بل طرأ الكثير من التطورات على هذه المهنة، حيث أن كل تاجر بات يستخدم علامات (ماركات مسجلة) لتمييز سلعته عن باقي السلع المعروضة في السوق، ويبدأ بعد ذلك باستخدام جميع الوسائل الإعلانية المتاحة له لإقناع المستهلك بأن سلعته هي الأفضل مقارنة بمثيلاتها من السلع.
لقد دفع التنافس الشديد بين التجار إلى البحث دوماً عن كل ما هو جديد لتحويله إلى بضاعة، فكانت النتيجة أن بات هؤلاء يتاجرون في كل شيء بدءً من المنتجات الزراعية والصناعية وانتهاءً بمنتجات الإنسان الاجتماعية من فكر وفن وثقافة! ولأن الدين يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الثقافة والفكر لدى معظم الشعوب فلطالما أغرى الكثير من الراغبين بالاغتناء السريع بالمتاجرة به وليتحوّل بعد ذلك على أيديهم من مجرد فكر إنساني نبيل يدعو للترفع عن كل ما هو دنيوي، إلى بضاعة تخضع لقوانين عرض وطلب السوق فتصبح عرضة مثلها مثل باقي السلع للغش والتدليس والتزييف والتزوير، ولتتحول بعدها الكنائس والمساجد من مجرد دُور عبادة إلى دكاكين كثيرة يحمل كل منها اسم معيّن لماركة جديدة، ويُباع فيها الحلال والحرام وتـُفصّل فيها فتاوي حسب الطلب ولا تحكمها سوى قاعدة واحدة هي “الجمهور عاوز كدة”.
إحدى الماركات الدينية التي اشتهرت في العقود الأخيرة من القرن المنصرم هي ماركة الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي بَرع في فهم قوانين السوق الدينية في مصر ونجح بالتالي في احتكارها لسنين طويلة ليبدأ بعد ذلك سعيه نحو تصدير بضاعته إلى الأسواق الإسلامية المجاورة ولينجح أيضاً في جعلها تنافس أشهر البضائع الدينية المحلية هناك، وكانت النتيجة أن تحوّل الشيخ شعراوي من فقير معدم إلى أحد أثرياء القاهرة.
دفعت الشهرة التي حققها الشيخ الشعراوي العديد من الشركات صاحبة رؤوس الأموال النفطية الكبيرة، والتي كانت توظف رؤوس أموالها للمتاجرة بالفن المصري إلى إضافة الدين إلى بضاعتها الفنية فاستغلت مرض الشيخ الشعرواي وبدأت بطرح ماركات جديدة تخلف ماركة الشعراوي.
الشيخ صالح كامل صاحب شبكة “راديو وتلفزيون العرب” وشريكه الأمير الوليد بن طلال صاحب قناة “الموسيقى” سابقاً في تلك الشبكة، ومحطات روتانا الحالية أضافوا إلى محطاتهم الفنية العديدة محطة دينية أطلقوا عليها اسم “إقرأ”. كانت أولى مهام هذه المحطة هي صناعة النجم الذي سيقوم بالترويج لبضاعة الدين، فأطلقت في البداية تجربتها الأولى ماركة “الشيخ عمر عبد الكافي”، ولأن لهذه الشبكة الكثير من الخبرة في صناعة النجوم فقد استطاعت فعلاً أن تجعل من الشيخ “عبد الكافي” نجماً وبسرعة كبيرة، ولكن ضحالة خبرة هذه الشبكة في بدايتها ضمن المجال التجاري الديني أدت إلى فشل تلك التجربة بعد تعرض الشيخ عبد الكافي للعديد من الفضائح وعدم قدرته على الصمود في وجه الماركات الدينية الأخرى المنافسة.
أعقب تجربة الشيخ عبد الكافي العديد من التجارب التي تتفاوت في أهميتها ومدى نجاحها، ولكن حصيلة تلك التجارب كانت بإطلاق المحطة لماركة جديدة استطاعت من خلالها تلافي معظم عيوب وسلبيات تجاربها السابقة، لتصبح هذه الماركة واسمها “الداعية عمرو خالد” أشهر ماركة دينية إسلامية في وقتنا الحالي! وقد أثمر أيضاً النجاح الساحق الذي حققه الداعية عمرو عن تحوّله من مجرد محاسب تجاري ولاعب كرة قدم مغمور إلى نجم تلفزيوني مثله مثل “نوال الزغبي” التي لم تمانع بإحياء حفل لطاغية كعدي صدام حسين طالما أن الدفع كان بالدولار، وكذلك الداعية عمرو الذي لم يمانع أيضاً بالظهور على أكثر المحطات العربية إباحية والمعروفة بأنها الأكثر مناهضة لصلب ما يدعو إليه، فالمهم هو أن هذه المحطة (Lbc) غمرته بحُسن استضافتها له في فندق الفينيسيا ببيروت وبهداياها القيمة ودولاراتها السخية!
الشبكة التلفزيونية العربية الفنية الأخرى “الأوربت” بالرغم من أنها مغرقة في إباحيتها إلا أنها قررت أيضاً تخصيص جزء هام من استثماراتها للمشاركة في التجارة الدينية، فقدمت لنا العديد من الماركات المسجلة، إلا أن أشهرها على الإطلاق كان ماركة الشيخ خالد الجندي الذي اعترف في لقاء له مع زاهي وهبة ببرنامج “خليك بالبيت” بأنه قد اغتنى بعد فقر مدقع بفضل شهرته التلفزيونية ودروس الدين الخصوصية التي يُعلمها لأبناء الأثرياء، وبرر ذلك بقوله إن هذا أفضل من أن تـُصرف النقود على تعليم أولئك الأبناء الرقص أو الموسيقا!
أحد المظاهر التي نتجت عن التجارة بالفن والدين معاً لدى هذه الشركات هو إفرازها لماركات مسجلة عديدة يختلط فيها الفن بالدين كماركة الداعية الفنان “حسن يوسف” والماركات الكثيرة لما يُسمى بالفنانات التائبات من أمثال سهير البابلي وسهير رمزي وعفاف شعيب وسحر حمدي وغيرهم، اللواتي تحوّلن إلى دعاة أو تخصصن بممارسة فن جديد أطلقوا عليه اسم الفن الإسلامي!!!
في سوريا لا يختلف الأمر عن مصر سوى في كون الشركات التي تاجرت بالدين هي شركات قطاع عام! فلا تزال الدولة هنا تحتكر التجارة بالكثير من السلع ومنها الدين، وقد أطلقت ماركات كثيرة جداً أشهرها الشيخ أحمد كفتارو والشيخ سعيد البوطي. الأول قضى حياته متبوأ منصب مفتي الجمهورية وأمضى آخر سني عمره في حل الخلافات المالية بين أولاده وصهره والتي تجاوزت عشرات ملايين الليرات السورية! والثاني أقنع نفسه في البداية بالاكتفاء بالزوجة الثانية والمرسيدس وهبات كبار التجار الدمشقيين ولجأ إلى استثمار باقي ثروته في كم أفواه المخالفين له من جميع الملل والنحل، وقد أدى نجاح استثماره هذا مؤخراً إلى مضاعفة ثروته لتبلغ بضعة عشرات ملايين الليرات!
الأمر الآخر الذي تميزت به سوريا عن مصر هو ابتداعها لأسلوب التخصص التجاري الديني، فاخترعت ماركة دينية خاصة بالنساء فقط هي ماركة الشيخة “منيرة القبيسي” التي تقطن في أرقى أحياء دمشق وتـَجمع حولها معظم سيدات ذلك الحي وبناته. إن نجاح تجارة هذه الشيخة تجاوز تجميع الثروة ليصل إلى تحويل أتباعها لمجرد دُمى تتحرك بمشيئتها وحدها!
لم يقتصر الاتجار بالدين على عنصر الدعاة فقط بل بات يشمل قراءة القرآن والموالد النبوية وفرق الإنشاد الديني التي تستلزمها الأفراح والأتراح الإسلامية ليـُصبح المقرئ الشيخ “محمد العقاد” منافساً شديداً لعاصي الحلاني وجورج وسوف بإحياء الأعراس السورية!! وقد طال التوسع في تجارة الدين أيضاً أحد أركانه وفروضه الرئيسية المتمثل بالحج، فظهرت ماركات مسجلة خاصة بهذه الفريضة وحدها تحمل أسماء شيوخ ورجال دين بارزين، ويتم تقييمها على أنها من فئة الخمس نجوم سياحية!
بعد هذا العرض السريع للحال الذي وصل إليه الاتجار بالدين، صار لزاماً علينا إنشاء جمعيات تحمي المستهلك من فساد معظم بضائع أولئك التجار والمطالبة بمقاضاتهم ومعاقبتهم أسوة بأمثالهم من تجار الأغذية الفاسدة مثلاً، فضرر الأغذية الفاسدة يقتصر على متناوليها فقط بينما يعمّ ضرر فساد الأفكار وينتشر وتتوارثه الأجيال. كم كنت أتمنى لو يتضمن برنامج تلك الجمعية الخيالية المطالبة بمنع امتهان الدين واتخاذه حرفة يعتاش منها الإنسان، ولكن هالني ما قد يسببه ذلك من زيادة فظيعة في أعداد العاطلين عن العمل، لذلك فإذا قــُدّر لمثل هكذا جمعية بالظهور في مجتمعاتنا في المستقبل البعيد فإني أنصح بالاكتفاء بالمطالبة بمراقبة نوعية البضائع الدينية المعروضة والتأكد من خلوّها التام من السموم.
تتحدد القيمة النقدية التي يستطيع الإنسان جنيّها لقاء ما يقوم به من عمل، بمدى إتقانه وبراعته في إنجاز العمل أو المهنة التي يمارسها. فنجاح الطبيب في الحصول على المال يتوقف على صحة تشخيصه للمرض ومن ثم اقتراح العقاقير الشافية له، وكذلك المهندس يتوقف نجاحه على دقة مخططاته العمرانية وجماليتها، أما مهنة التجارة فبالرغم من اعتمادها بشكل رئيسي على تسويق ما ينتجه الآخرين، إلا أنها تعتبر بحق من أقدر المهن على تحويل البارعين فيها من أناس بسطاء أو فقراء في بعض الأحيان إلى وجه من وجهاء المجتمعات المخملية الثرية.
لم تعد التجارة في عصرنا الحالي تقتصر على شراء سلعة ما بسعر محدد من مكان معين ومن ثم بيعها بسعر أعلى في مكان آخر، بل طرأ الكثير من التطورات على هذه المهنة، حيث أن كل تاجر بات يستخدم علامات (ماركات مسجلة) لتمييز سلعته عن باقي السلع المعروضة في السوق، ويبدأ بعد ذلك باستخدام جميع الوسائل الإعلانية المتاحة له لإقناع المستهلك بأن سلعته هي الأفضل مقارنة بمثيلاتها من السلع.
لقد دفع التنافس الشديد بين التجار إلى البحث دوماً عن كل ما هو جديد لتحويله إلى بضاعة، فكانت النتيجة أن بات هؤلاء يتاجرون في كل شيء بدءً من المنتجات الزراعية والصناعية وانتهاءً بمنتجات الإنسان الاجتماعية من فكر وفن وثقافة! ولأن الدين يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الثقافة والفكر لدى معظم الشعوب فلطالما أغرى الكثير من الراغبين بالاغتناء السريع بالمتاجرة به وليتحوّل بعد ذلك على أيديهم من مجرد فكر إنساني نبيل يدعو للترفع عن كل ما هو دنيوي، إلى بضاعة تخضع لقوانين عرض وطلب السوق فتصبح عرضة مثلها مثل باقي السلع للغش والتدليس والتزييف والتزوير، ولتتحول بعدها الكنائس والمساجد من مجرد دُور عبادة إلى دكاكين كثيرة يحمل كل منها اسم معيّن لماركة جديدة، ويُباع فيها الحلال والحرام وتـُفصّل فيها فتاوي حسب الطلب ولا تحكمها سوى قاعدة واحدة هي “الجمهور عاوز كدة”.
إحدى الماركات الدينية التي اشتهرت في العقود الأخيرة من القرن المنصرم هي ماركة الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي بَرع في فهم قوانين السوق الدينية في مصر ونجح بالتالي في احتكارها لسنين طويلة ليبدأ بعد ذلك سعيه نحو تصدير بضاعته إلى الأسواق الإسلامية المجاورة ولينجح أيضاً في جعلها تنافس أشهر البضائع الدينية المحلية هناك، وكانت النتيجة أن تحوّل الشيخ شعراوي من فقير معدم إلى أحد أثرياء القاهرة.
دفعت الشهرة التي حققها الشيخ الشعراوي العديد من الشركات صاحبة رؤوس الأموال النفطية الكبيرة، والتي كانت توظف رؤوس أموالها للمتاجرة بالفن المصري إلى إضافة الدين إلى بضاعتها الفنية فاستغلت مرض الشيخ الشعرواي وبدأت بطرح ماركات جديدة تخلف ماركة الشعراوي.
الشيخ صالح كامل صاحب شبكة “راديو وتلفزيون العرب” وشريكه الأمير الوليد بن طلال صاحب قناة “الموسيقى” سابقاً في تلك الشبكة، ومحطات روتانا الحالية أضافوا إلى محطاتهم الفنية العديدة محطة دينية أطلقوا عليها اسم “إقرأ”. كانت أولى مهام هذه المحطة هي صناعة النجم الذي سيقوم بالترويج لبضاعة الدين، فأطلقت في البداية تجربتها الأولى ماركة “الشيخ عمر عبد الكافي”، ولأن لهذه الشبكة الكثير من الخبرة في صناعة النجوم فقد استطاعت فعلاً أن تجعل من الشيخ “عبد الكافي” نجماً وبسرعة كبيرة، ولكن ضحالة خبرة هذه الشبكة في بدايتها ضمن المجال التجاري الديني أدت إلى فشل تلك التجربة بعد تعرض الشيخ عبد الكافي للعديد من الفضائح وعدم قدرته على الصمود في وجه الماركات الدينية الأخرى المنافسة.
أعقب تجربة الشيخ عبد الكافي العديد من التجارب التي تتفاوت في أهميتها ومدى نجاحها، ولكن حصيلة تلك التجارب كانت بإطلاق المحطة لماركة جديدة استطاعت من خلالها تلافي معظم عيوب وسلبيات تجاربها السابقة، لتصبح هذه الماركة واسمها “الداعية عمرو خالد” أشهر ماركة دينية إسلامية في وقتنا الحالي! وقد أثمر أيضاً النجاح الساحق الذي حققه الداعية عمرو عن تحوّله من مجرد محاسب تجاري ولاعب كرة قدم مغمور إلى نجم تلفزيوني مثله مثل “نوال الزغبي” التي لم تمانع بإحياء حفل لطاغية كعدي صدام حسين طالما أن الدفع كان بالدولار، وكذلك الداعية عمرو الذي لم يمانع أيضاً بالظهور على أكثر المحطات العربية إباحية والمعروفة بأنها الأكثر مناهضة لصلب ما يدعو إليه، فالمهم هو أن هذه المحطة (Lbc) غمرته بحُسن استضافتها له في فندق الفينيسيا ببيروت وبهداياها القيمة ودولاراتها السخية!
الشبكة التلفزيونية العربية الفنية الأخرى “الأوربت” بالرغم من أنها مغرقة في إباحيتها إلا أنها قررت أيضاً تخصيص جزء هام من استثماراتها للمشاركة في التجارة الدينية، فقدمت لنا العديد من الماركات المسجلة، إلا أن أشهرها على الإطلاق كان ماركة الشيخ خالد الجندي الذي اعترف في لقاء له مع زاهي وهبة ببرنامج “خليك بالبيت” بأنه قد اغتنى بعد فقر مدقع بفضل شهرته التلفزيونية ودروس الدين الخصوصية التي يُعلمها لأبناء الأثرياء، وبرر ذلك بقوله إن هذا أفضل من أن تـُصرف النقود على تعليم أولئك الأبناء الرقص أو الموسيقا!
أحد المظاهر التي نتجت عن التجارة بالفن والدين معاً لدى هذه الشركات هو إفرازها لماركات مسجلة عديدة يختلط فيها الفن بالدين كماركة الداعية الفنان “حسن يوسف” والماركات الكثيرة لما يُسمى بالفنانات التائبات من أمثال سهير البابلي وسهير رمزي وعفاف شعيب وسحر حمدي وغيرهم، اللواتي تحوّلن إلى دعاة أو تخصصن بممارسة فن جديد أطلقوا عليه اسم الفن الإسلامي!!!
في سوريا لا يختلف الأمر عن مصر سوى في كون الشركات التي تاجرت بالدين هي شركات قطاع عام! فلا تزال الدولة هنا تحتكر التجارة بالكثير من السلع ومنها الدين، وقد أطلقت ماركات كثيرة جداً أشهرها الشيخ أحمد كفتارو والشيخ سعيد البوطي. الأول قضى حياته متبوأ منصب مفتي الجمهورية وأمضى آخر سني عمره في حل الخلافات المالية بين أولاده وصهره والتي تجاوزت عشرات ملايين الليرات السورية! والثاني أقنع نفسه في البداية بالاكتفاء بالزوجة الثانية والمرسيدس وهبات كبار التجار الدمشقيين ولجأ إلى استثمار باقي ثروته في كم أفواه المخالفين له من جميع الملل والنحل، وقد أدى نجاح استثماره هذا مؤخراً إلى مضاعفة ثروته لتبلغ بضعة عشرات ملايين الليرات!
الأمر الآخر الذي تميزت به سوريا عن مصر هو ابتداعها لأسلوب التخصص التجاري الديني، فاخترعت ماركة دينية خاصة بالنساء فقط هي ماركة الشيخة “منيرة القبيسي” التي تقطن في أرقى أحياء دمشق وتـَجمع حولها معظم سيدات ذلك الحي وبناته. إن نجاح تجارة هذه الشيخة تجاوز تجميع الثروة ليصل إلى تحويل أتباعها لمجرد دُمى تتحرك بمشيئتها وحدها!
لم يقتصر الاتجار بالدين على عنصر الدعاة فقط بل بات يشمل قراءة القرآن والموالد النبوية وفرق الإنشاد الديني التي تستلزمها الأفراح والأتراح الإسلامية ليـُصبح المقرئ الشيخ “محمد العقاد” منافساً شديداً لعاصي الحلاني وجورج وسوف بإحياء الأعراس السورية!! وقد طال التوسع في تجارة الدين أيضاً أحد أركانه وفروضه الرئيسية المتمثل بالحج، فظهرت ماركات مسجلة خاصة بهذه الفريضة وحدها تحمل أسماء شيوخ ورجال دين بارزين، ويتم تقييمها على أنها من فئة الخمس نجوم سياحية!
بعد هذا العرض السريع للحال الذي وصل إليه الاتجار بالدين، صار لزاماً علينا إنشاء جمعيات تحمي المستهلك من فساد معظم بضائع أولئك التجار والمطالبة بمقاضاتهم ومعاقبتهم أسوة بأمثالهم من تجار الأغذية الفاسدة مثلاً، فضرر الأغذية الفاسدة يقتصر على متناوليها فقط بينما يعمّ ضرر فساد الأفكار وينتشر وتتوارثه الأجيال. كم كنت أتمنى لو يتضمن برنامج تلك الجمعية الخيالية المطالبة بمنع امتهان الدين واتخاذه حرفة يعتاش منها الإنسان، ولكن هالني ما قد يسببه ذلك من زيادة فظيعة في أعداد العاطلين عن العمل، لذلك فإذا قــُدّر لمثل هكذا جمعية بالظهور في مجتمعاتنا في المستقبل البعيد فإني أنصح بالاكتفاء بالمطالبة بمراقبة نوعية البضائع الدينية المعروضة والتأكد من خلوّها التام من السموم.