Kakabouda
23/11/2004, 12:17
كانت سارة طفلة التاسعة في الصف الرابع الابتدائي .. وكنت أعطيهم حصتين في الأسبوع ... كانت نحيلة الجسم .. أراها دوماً شاردة الذهن .. يغالبها النعاس كثيراً .. كانت شديدة الإهمال في دراستها .. بل في لباسها وشعرها. دفاترها كانت هي الأخرى تشتكي الإهمال والتمزق حاولت مراراً أن ألفت نظرها كي تعتني بنفسها ودراستها .. فلم أفلح كثيراً لم يجد معها ترغيب أو ترهيب ولا لوم أو تأني ذات يوم حضرت إلى المدرسة في الساعة السادسة قبل طابور الصباح بساعة كاملة تقريباً ... كان يوماً شديد البرودة .. فوجئت بمنظر لن أنســـــاه دخلت المدرسة فرأيت في زاوية من ساحتها طفلتين صغيرتين .. قد انزويتا على بعضيهما .. نظرت من بعيد فإذ بهما تلبسان ملابس بيضاء لا تقي جسديهما النحيلة من شدة البرد .. أسرعت إليهما دون تردد ..
وإذ بي ألمح ( سارة ) تحتضن أختها الصغرى ( رهف) الطالبة في الصف الأول الابتدائي . وتجمع كفيها الصغيرتين المتجمدتين وتنفخ فيهما بفمها !! وتفركهما بيديها منظر لا يمكن أن أصفه .. وشعور لا يمكن أن أترجمه دمعت عيناي من هذا المنظر المؤثر ناديتها : سارة ما الذي أتى بكما في هذا الوقت !؟ ولماذا لم تلبسا لباساً يقيكما من البرد فازدادت سارة التصاقاً بأختها ووارت عني عينيها البريئتين وهما تخفيان عني الكثير من المعاناة والألم التي فضحتها دمعة لم أكن أتصورها ضممت الصغيرة إليّ .. فأبكاني برودة وجنتيها وتيبس يديها أمسكت بالصغيرتين فأخذتهما معي إلى مكتبي أدخلتهما .. وخلعت الجاكيت الذي ألبسه وألبسته للصغيرة أعدت على سارة السؤال : سارة ما الذي أتى بك إلى المدرسة في هذا الوقت المبكر ومن الذي أحضركما؟
قالت ببراءتها : لا أدري السائق هو الذي أحضرنا
قلت : ووالدك؟
قالت : والدي مسافر والسائق هو الذي اعتاد على إحضارنا حتى بوجود والدي
قلت : وأمــــك؟ أمك يا سارة كيف أخرجتكما بهذه الملابس الصيفية في هذا الوقت؟ لم تجب وكأني طعنتها بسكين
قالت رهف ( الصغيرة ) : أمي عند أخوالي
قلت : ولماذا تركتكم .. ومنذ متى !؟
قالت رهف من زمان .. من زمان)
قلت : سارة هل صحيح ما تقوله رهف؟
قالت : نعم يا أستاذ من زمان ووالدتي عند أخوالي فوالدي قد طلقها وضربها فذهبت وتركتنا وبدأت تبكي هدأتهما وأنا أشعر بمرارة المعاناة وخشيت أن يفقدا الثقة في أمهما أو أبيهما
قلت لها : ولكن والدتكما تحبكما أليس كذلك؟
قالت سارة : نعم وأنا أحبها لكن والدي وزوجته ثم استرسلت في البكاء
قلت لها : ما بهما ألا ترين أمك يا سارة ؟
قالت : لا أنا منذ زمن لم اراها أنا يا أستاذ في غاية الشوق اليها
قلت : ألا يسمح لك والدك بالذهاب اليها؟
قالت : كان يسمح لنا لكنه منذ أن تزوج لم يعد يسمح لنا
قلت لها : ياسارة زوجة أبيك مثل أمك وهي تحبكم
قاطعتني سارة وقالت : لا لا يا أستاذ أمي حنونة هذه تضربنا ودائما تشتم والدتي
قلت لها : ومن يتابعكما في الدراسة؟
قالت : لا أحد يتابعنا .. وزوجة والدي تخبر والدي أنها تدرسنا
قلت : ومن يجهز ملابسكما وطعامكما ؟
قالت : الخادمة وبعض الأيام أنا لأن زوجة والدي تمنعها وتأمرها بتننظيف البيت أو تأخذهاها إلى أهلها وأنا أجهز ملابسي وملابس رهف مثل اليوم ,اغرورقت عيناي بالدموع فلم أعد أحتمل حاولت رفع معنوياتها فقلت : لكنك الآن كبيرة ويعتمد عليك
قالت : نحن لانريد منها شيئا
قلت : ولماذا لم تلبسا لباساً شتويا في هذا اليوم ؟
قالت : هي منعتني وقالت لي خذي هذه الملابس واذهبي الآن للمدرسة وأخرجتني من الغرفة وأقفلتها ,قدم المعلمون والطلاب للمدرسة ..
قلت لسارة بعد أن أدركت عمق المعاناة والمأساة التي تعيشها مع أختها: لا تخرجا للطابور وسأعود إليكما بعد قليل خرجت من عندهما وأنا أشعر بألم يعتصر قلبي ويقطع فؤادي ما ذنب الصغيرتين؟ ما الذي اقترفتاه ؟
حتى تكونا ضحية لخلاف أسري وطلاق وفراق أين الرحمة ؟ أين الضمير ؟ أين الدين ؟ بل أين الإنسانية ؟أسئلة وأسئلة ظلت حائرة في ذهني سمعت قصصا كثيرة مشابهة قرأت في بعض الكتب مثيلاً لها لكنني كنت أتصور أن في ذلك نوعا من المبالغة حتى عايشت أحداثها قررت أن تكون قضية سارة ورهف هي قضيتي جمعت المعلومات عنهما . وعن أسرة أمهما وعرفت أنها تسكن دمشق سألت الموجه بالمدرسة عن والد سارة وهل يراجعه؟أفادني أنه طالما كتب له واستدعاه فلم يجب وأضاف: الغريب أن والديهما يحمل درجة الماجستير قال عن سارة:كانت سارة قمة في النظافة والاهتمام وفجأة تغيرت حالتها من منتصف الصف الثالث عرفت فيما بعد أنه منذ وقع الطلاق حاولت الاتصال بوالدها فلم أفلح فهو كثير الأسفار والترحال وبعد جهد حصلت على هاتف أمها استدعيت سارة يوما إلى غرفتي وقلت لها : سارة لتعتبريني عمك أو والدك ولنحاول أن نصلح الأمور مع والدك ولتبدأي في الاهتمام بنفسك نظرت إليَّ ولم تجب وكأنها تستفسر عن المطلوب
قلت لها : حتماً والدك يحبك ويريد لك الخير ولا بد أن يشعر بأنك تحبيه ويلمس اهتمامك بنفسك وبأختك وتحسنك في الدراسة أحد الأسباب هزّتَ رأسها موافقةً
قلت لها : لنبدأ باهتمامك بواجباتك اجتهدي في ذلك
قالت : أنا أرغب في حل واجباتي لكن زوجة والدي لاتدعني
قلت : أبداً هذا غير معقول أنت تبالغين
قالت : أنا ما أكذب هي دائما تكلفني باعمال المنزل وتنظيف الحديقة صدقوني كأنني أقرأ قصة في كتاب أو أتابع مسلسلة كتبت أحداثها من نسج الخيال
قلت : حاولي أن لا تذهبي إلى البيت إلا وقد قمتي بحل ما تستطيعن من واجباتك,رأيتها خائفةً مترددة وإن كان لديها استعداد
قلت لها ( محفزاً ) : سارة لو تحسنت قليلاً سأعطيك مكافأة هي أغلى مكافأة تتمنيها نظرت إليَّ وكأنها تسأل عن ماهيتها
قلت : سأجعلك تكلمين أمك بالهاتف من المدرسة لم أكن أتصور أن يُحْدِثَ هذا الوعد ردة فعل كبيرة لكنني فوجئت بها تقوم وتقبل رأسي مسرعة وتقبض على يدي اليمنى وتقبلها وهي تقول :
أرجوك يا أستاذ أنا في غاية الشوق لأمي ولكن أرجو ألا يعلم والدي
قلت لها : ستكلمينها بإذن الله شريطة أن تعديني أن تجتهدي
قالت : أعدك
بدأت سارة تهتم بنفسها وواجباتهاوساعدني في ذلك بقية المعلمين فكانوا يجعلونها تحل واجباتها في حصص الفراغ أو في حصة التربية الفنية ويساعدونها على ذلك كانت ذكية سريعة الحفظ فتحسن مستواها في أسبوع واحد استأذنت المدير يوماً أن نهاتف والدتهافوافق اتصلت في الساعة العاشرة صباحا فردت امرأة كبيرة في السن
قلت لها : والدة سارة موجودة
قالت : ومن يريدها؟
قلت : معلم سارة
قالت : أنا جدتها يابني ما أخبارها حسبي الله على من كان سببا حسبي الله على من حرمها منها هدأتها قليلاً فعرفت منها بعض قصة معاناة ابنتها
قالت : لحظة وسأناديها وكادت ان تطير من الفرح
جاءت والدة سارة المكلومة مسرعة حدثتني وهي تبكي
قالت : أستاذ ماهي أخبارسارة) طمني الله يطمنك بالجنة)
قلت : سارة بخير وعافية وهي مشتاقة اليك
قالت : وأنا ولم أعد أسمع إلا بكاءها ونشيجها
قالت وهي تحاول كتم العبرات : أستاذ أرغب في سماع صوتها وصوت رهف أنا منذ خمسة أشهر لم أسمع صوتهم لم أتمالك نفسي فدمعت عيناي يا لله أين الرحمة ؟ أين حق الأم ؟
قلت : حسنا ستكلمينها وباستمرار لكن أرغب في أن تساعدينني في محاولة الرفع من مستواها شجعيها على الاجتهاد لنحاول تغييرها لنبعث بذلك رسالة إلى والدها
قالت : والدها سامحه الله كنت له نعم الزوجة ولكن لا أقول إلا سامحه الله
ثم قالت : المهم أرغب أن أكلمهم واسمع أصواتهم
قلت : حالاً لكن كما وعدتني لا تتحدثين في مشاكلها مع زوجة أبيها أو أبيها
قالت : حسنا
دعوت سارة ورهف إلى غرفة المدير وأغلقت الباب
قلت : سارة هذه أمك تريد أن تكلمك لم تنبت ببنت شفه أسرعت إليَّ وأخذت السماعة من يدي وقالت : أمي أمي تحول الحديث إلى بكاء
(إذا اختلطت دموع في خدود ***** تبين من بكى ممن تباكا )
تركتها تفرغ ألماً ملأ فؤادها وشوقاً سكن قلبها حدثتها خمسة عشر دقيقة أما رهف فكان حديثها معها قصة أخرى كان بكاء وصراخ من الطرفين
ثم أخذتُ السماعة منهما وكأنني أقطع طرفاً من جسمي فقالت لي : سأدعو لك ليلاً ونهاراً لكن لا تحرمني من سارة وأختها ولا تعلم والدهما بذلك
قلت : لن تحرمي من محادثتهم بعد اليوم وودعتها
قلت لسارة بعد أن وضعت سماعة الهاتف : انصرفي وهذه المكالمة مكافأة لك على اهتمامك الفترة الماضية وسأكررها لك إن اجتهدت أكثر
عادت الصغيرة وتوجهت لي بالشكر وخرجت وقد افترَّ عن ثغرها الصغير ابتسامة فرح ورضى
قالت : أوعدك يا أستاذ أن اجتهد وأجتهد
مضت الأيام وسارة من حسن إلى أحسن تتغلب على مشاكلها شيئاً فشيئا رأيت فيه كل معاني الصمود والإباء وفي نهاية الفصل لأول ظهرت النتائج فإذا بسارة التي اعتادت أن يكون ترتيبها بعد العشرين في فصل عدد طلابه ( 26 ) طالباً تحصل على الترتيب السابع دعوتها إليَّ وقد أحضرت لها ولأختها هدية قيمة وقلت لها : نتيجتك هذه هي رسالة إلى والدك ثم سلمتها الهدية وشهادة تقدير على تحسنها وأرفقت بها رسالة مغلقة بعثتها لأبيها كتبتها كما لم أكتب رسالة من قبل كانت من عدة صفحات بعثتها ولم أعلم ما سيكون أثرها وتقبلها من قبله خالفني البعض ممن استشرتهم وأيد البعض خشينا أن يشعر بالتدخل في خصوصياته
ولكن الأمانة والمعاناة التي شعرت بها دعت إلى كل ما سبق ذهبت سارة بالشهادة والرسالة والهدية بعد أن أكدت عليها أن تضعها بيد والدها وفي صبيحة اليوم التالي قدمت للمدرسة الساعة السابعة صباحاً وإذ بسارة قد لبست أجمل الملابس تمسك بيدها رجلاً حسن الهيئة والهندام أسرعت إليَّ وسلمت علي وجذبتني كي تقبل رأسي
وقالت : أستاذ هذا هو والدي
ليتكم رأيتم الفرحة في عيون الصغيرة ليتكم رأيتم الاعتزاز بوالدها ليتكم معي لشعرتم بسعادة لا تدانيها سعادة أقبل الرجل فسلم عليّ وفاجأني برغبته في تقبيل رأسي فأبيت فأقسم أن يفعل أردت الحديث معه فقال : أخي لا تزد جراحي جراحا يكفيني ما سمعته من سارة ورهف عن معاناتهما مع ابنة عمي ( زوجتي( نعم أنا الجاني والمجني عليه
أنا الظالم والمظلوم لكنني أعدك أن تتغير أحوال سارة ورهف وأن أعوضهما عما مضى وبالفعل تغيرت أحوالهما فأصبحتا من المتفوقين وأصبحت زيارتهما لأمهما بشكل مستمر
قال الأب وهو يودعني : ليتك تعتبر سارة ابنة لك
قلت له : كم يشرفني أن تكون سارة ابنتي
وإذ بي ألمح ( سارة ) تحتضن أختها الصغرى ( رهف) الطالبة في الصف الأول الابتدائي . وتجمع كفيها الصغيرتين المتجمدتين وتنفخ فيهما بفمها !! وتفركهما بيديها منظر لا يمكن أن أصفه .. وشعور لا يمكن أن أترجمه دمعت عيناي من هذا المنظر المؤثر ناديتها : سارة ما الذي أتى بكما في هذا الوقت !؟ ولماذا لم تلبسا لباساً يقيكما من البرد فازدادت سارة التصاقاً بأختها ووارت عني عينيها البريئتين وهما تخفيان عني الكثير من المعاناة والألم التي فضحتها دمعة لم أكن أتصورها ضممت الصغيرة إليّ .. فأبكاني برودة وجنتيها وتيبس يديها أمسكت بالصغيرتين فأخذتهما معي إلى مكتبي أدخلتهما .. وخلعت الجاكيت الذي ألبسه وألبسته للصغيرة أعدت على سارة السؤال : سارة ما الذي أتى بك إلى المدرسة في هذا الوقت المبكر ومن الذي أحضركما؟
قالت ببراءتها : لا أدري السائق هو الذي أحضرنا
قلت : ووالدك؟
قالت : والدي مسافر والسائق هو الذي اعتاد على إحضارنا حتى بوجود والدي
قلت : وأمــــك؟ أمك يا سارة كيف أخرجتكما بهذه الملابس الصيفية في هذا الوقت؟ لم تجب وكأني طعنتها بسكين
قالت رهف ( الصغيرة ) : أمي عند أخوالي
قلت : ولماذا تركتكم .. ومنذ متى !؟
قالت رهف من زمان .. من زمان)
قلت : سارة هل صحيح ما تقوله رهف؟
قالت : نعم يا أستاذ من زمان ووالدتي عند أخوالي فوالدي قد طلقها وضربها فذهبت وتركتنا وبدأت تبكي هدأتهما وأنا أشعر بمرارة المعاناة وخشيت أن يفقدا الثقة في أمهما أو أبيهما
قلت لها : ولكن والدتكما تحبكما أليس كذلك؟
قالت سارة : نعم وأنا أحبها لكن والدي وزوجته ثم استرسلت في البكاء
قلت لها : ما بهما ألا ترين أمك يا سارة ؟
قالت : لا أنا منذ زمن لم اراها أنا يا أستاذ في غاية الشوق اليها
قلت : ألا يسمح لك والدك بالذهاب اليها؟
قالت : كان يسمح لنا لكنه منذ أن تزوج لم يعد يسمح لنا
قلت لها : ياسارة زوجة أبيك مثل أمك وهي تحبكم
قاطعتني سارة وقالت : لا لا يا أستاذ أمي حنونة هذه تضربنا ودائما تشتم والدتي
قلت لها : ومن يتابعكما في الدراسة؟
قالت : لا أحد يتابعنا .. وزوجة والدي تخبر والدي أنها تدرسنا
قلت : ومن يجهز ملابسكما وطعامكما ؟
قالت : الخادمة وبعض الأيام أنا لأن زوجة والدي تمنعها وتأمرها بتننظيف البيت أو تأخذهاها إلى أهلها وأنا أجهز ملابسي وملابس رهف مثل اليوم ,اغرورقت عيناي بالدموع فلم أعد أحتمل حاولت رفع معنوياتها فقلت : لكنك الآن كبيرة ويعتمد عليك
قالت : نحن لانريد منها شيئا
قلت : ولماذا لم تلبسا لباساً شتويا في هذا اليوم ؟
قالت : هي منعتني وقالت لي خذي هذه الملابس واذهبي الآن للمدرسة وأخرجتني من الغرفة وأقفلتها ,قدم المعلمون والطلاب للمدرسة ..
قلت لسارة بعد أن أدركت عمق المعاناة والمأساة التي تعيشها مع أختها: لا تخرجا للطابور وسأعود إليكما بعد قليل خرجت من عندهما وأنا أشعر بألم يعتصر قلبي ويقطع فؤادي ما ذنب الصغيرتين؟ ما الذي اقترفتاه ؟
حتى تكونا ضحية لخلاف أسري وطلاق وفراق أين الرحمة ؟ أين الضمير ؟ أين الدين ؟ بل أين الإنسانية ؟أسئلة وأسئلة ظلت حائرة في ذهني سمعت قصصا كثيرة مشابهة قرأت في بعض الكتب مثيلاً لها لكنني كنت أتصور أن في ذلك نوعا من المبالغة حتى عايشت أحداثها قررت أن تكون قضية سارة ورهف هي قضيتي جمعت المعلومات عنهما . وعن أسرة أمهما وعرفت أنها تسكن دمشق سألت الموجه بالمدرسة عن والد سارة وهل يراجعه؟أفادني أنه طالما كتب له واستدعاه فلم يجب وأضاف: الغريب أن والديهما يحمل درجة الماجستير قال عن سارة:كانت سارة قمة في النظافة والاهتمام وفجأة تغيرت حالتها من منتصف الصف الثالث عرفت فيما بعد أنه منذ وقع الطلاق حاولت الاتصال بوالدها فلم أفلح فهو كثير الأسفار والترحال وبعد جهد حصلت على هاتف أمها استدعيت سارة يوما إلى غرفتي وقلت لها : سارة لتعتبريني عمك أو والدك ولنحاول أن نصلح الأمور مع والدك ولتبدأي في الاهتمام بنفسك نظرت إليَّ ولم تجب وكأنها تستفسر عن المطلوب
قلت لها : حتماً والدك يحبك ويريد لك الخير ولا بد أن يشعر بأنك تحبيه ويلمس اهتمامك بنفسك وبأختك وتحسنك في الدراسة أحد الأسباب هزّتَ رأسها موافقةً
قلت لها : لنبدأ باهتمامك بواجباتك اجتهدي في ذلك
قالت : أنا أرغب في حل واجباتي لكن زوجة والدي لاتدعني
قلت : أبداً هذا غير معقول أنت تبالغين
قالت : أنا ما أكذب هي دائما تكلفني باعمال المنزل وتنظيف الحديقة صدقوني كأنني أقرأ قصة في كتاب أو أتابع مسلسلة كتبت أحداثها من نسج الخيال
قلت : حاولي أن لا تذهبي إلى البيت إلا وقد قمتي بحل ما تستطيعن من واجباتك,رأيتها خائفةً مترددة وإن كان لديها استعداد
قلت لها ( محفزاً ) : سارة لو تحسنت قليلاً سأعطيك مكافأة هي أغلى مكافأة تتمنيها نظرت إليَّ وكأنها تسأل عن ماهيتها
قلت : سأجعلك تكلمين أمك بالهاتف من المدرسة لم أكن أتصور أن يُحْدِثَ هذا الوعد ردة فعل كبيرة لكنني فوجئت بها تقوم وتقبل رأسي مسرعة وتقبض على يدي اليمنى وتقبلها وهي تقول :
أرجوك يا أستاذ أنا في غاية الشوق لأمي ولكن أرجو ألا يعلم والدي
قلت لها : ستكلمينها بإذن الله شريطة أن تعديني أن تجتهدي
قالت : أعدك
بدأت سارة تهتم بنفسها وواجباتهاوساعدني في ذلك بقية المعلمين فكانوا يجعلونها تحل واجباتها في حصص الفراغ أو في حصة التربية الفنية ويساعدونها على ذلك كانت ذكية سريعة الحفظ فتحسن مستواها في أسبوع واحد استأذنت المدير يوماً أن نهاتف والدتهافوافق اتصلت في الساعة العاشرة صباحا فردت امرأة كبيرة في السن
قلت لها : والدة سارة موجودة
قالت : ومن يريدها؟
قلت : معلم سارة
قالت : أنا جدتها يابني ما أخبارها حسبي الله على من كان سببا حسبي الله على من حرمها منها هدأتها قليلاً فعرفت منها بعض قصة معاناة ابنتها
قالت : لحظة وسأناديها وكادت ان تطير من الفرح
جاءت والدة سارة المكلومة مسرعة حدثتني وهي تبكي
قالت : أستاذ ماهي أخبارسارة) طمني الله يطمنك بالجنة)
قلت : سارة بخير وعافية وهي مشتاقة اليك
قالت : وأنا ولم أعد أسمع إلا بكاءها ونشيجها
قالت وهي تحاول كتم العبرات : أستاذ أرغب في سماع صوتها وصوت رهف أنا منذ خمسة أشهر لم أسمع صوتهم لم أتمالك نفسي فدمعت عيناي يا لله أين الرحمة ؟ أين حق الأم ؟
قلت : حسنا ستكلمينها وباستمرار لكن أرغب في أن تساعدينني في محاولة الرفع من مستواها شجعيها على الاجتهاد لنحاول تغييرها لنبعث بذلك رسالة إلى والدها
قالت : والدها سامحه الله كنت له نعم الزوجة ولكن لا أقول إلا سامحه الله
ثم قالت : المهم أرغب أن أكلمهم واسمع أصواتهم
قلت : حالاً لكن كما وعدتني لا تتحدثين في مشاكلها مع زوجة أبيها أو أبيها
قالت : حسنا
دعوت سارة ورهف إلى غرفة المدير وأغلقت الباب
قلت : سارة هذه أمك تريد أن تكلمك لم تنبت ببنت شفه أسرعت إليَّ وأخذت السماعة من يدي وقالت : أمي أمي تحول الحديث إلى بكاء
(إذا اختلطت دموع في خدود ***** تبين من بكى ممن تباكا )
تركتها تفرغ ألماً ملأ فؤادها وشوقاً سكن قلبها حدثتها خمسة عشر دقيقة أما رهف فكان حديثها معها قصة أخرى كان بكاء وصراخ من الطرفين
ثم أخذتُ السماعة منهما وكأنني أقطع طرفاً من جسمي فقالت لي : سأدعو لك ليلاً ونهاراً لكن لا تحرمني من سارة وأختها ولا تعلم والدهما بذلك
قلت : لن تحرمي من محادثتهم بعد اليوم وودعتها
قلت لسارة بعد أن وضعت سماعة الهاتف : انصرفي وهذه المكالمة مكافأة لك على اهتمامك الفترة الماضية وسأكررها لك إن اجتهدت أكثر
عادت الصغيرة وتوجهت لي بالشكر وخرجت وقد افترَّ عن ثغرها الصغير ابتسامة فرح ورضى
قالت : أوعدك يا أستاذ أن اجتهد وأجتهد
مضت الأيام وسارة من حسن إلى أحسن تتغلب على مشاكلها شيئاً فشيئا رأيت فيه كل معاني الصمود والإباء وفي نهاية الفصل لأول ظهرت النتائج فإذا بسارة التي اعتادت أن يكون ترتيبها بعد العشرين في فصل عدد طلابه ( 26 ) طالباً تحصل على الترتيب السابع دعوتها إليَّ وقد أحضرت لها ولأختها هدية قيمة وقلت لها : نتيجتك هذه هي رسالة إلى والدك ثم سلمتها الهدية وشهادة تقدير على تحسنها وأرفقت بها رسالة مغلقة بعثتها لأبيها كتبتها كما لم أكتب رسالة من قبل كانت من عدة صفحات بعثتها ولم أعلم ما سيكون أثرها وتقبلها من قبله خالفني البعض ممن استشرتهم وأيد البعض خشينا أن يشعر بالتدخل في خصوصياته
ولكن الأمانة والمعاناة التي شعرت بها دعت إلى كل ما سبق ذهبت سارة بالشهادة والرسالة والهدية بعد أن أكدت عليها أن تضعها بيد والدها وفي صبيحة اليوم التالي قدمت للمدرسة الساعة السابعة صباحاً وإذ بسارة قد لبست أجمل الملابس تمسك بيدها رجلاً حسن الهيئة والهندام أسرعت إليَّ وسلمت علي وجذبتني كي تقبل رأسي
وقالت : أستاذ هذا هو والدي
ليتكم رأيتم الفرحة في عيون الصغيرة ليتكم رأيتم الاعتزاز بوالدها ليتكم معي لشعرتم بسعادة لا تدانيها سعادة أقبل الرجل فسلم عليّ وفاجأني برغبته في تقبيل رأسي فأبيت فأقسم أن يفعل أردت الحديث معه فقال : أخي لا تزد جراحي جراحا يكفيني ما سمعته من سارة ورهف عن معاناتهما مع ابنة عمي ( زوجتي( نعم أنا الجاني والمجني عليه
أنا الظالم والمظلوم لكنني أعدك أن تتغير أحوال سارة ورهف وأن أعوضهما عما مضى وبالفعل تغيرت أحوالهما فأصبحتا من المتفوقين وأصبحت زيارتهما لأمهما بشكل مستمر
قال الأب وهو يودعني : ليتك تعتبر سارة ابنة لك
قلت له : كم يشرفني أن تكون سارة ابنتي