-
عرض كامل الموضوع : تداعي أفكار
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -/////////////// استيقظ مبكرا كعادته وكان مزاجه متكدرا...احتسى قهوته الصباحية وأشعل لفافة تبغ وراح ينفث الدخان بعصبية ..أحس بوخز في صدره ...
تبا لهذا الدخان اللعين...
متى سأقلع عن هذه العادة اللعينة..
سخر من نفسه فلقد كانت المرة العاشرة بعد المئة التي يقول فيها الجملة نفسها وفي كل مرة كان يشرع في تدخين لفافة جديدة حتى قبل اكماله للجملة .
لقد استيقظ اليوم على مشاعر مزعجة تنتابه ..لا يدري ما هي؟؟؟!!
أهو حلم قد حلم به مساء أمس جعله متعكر المزاج هكذا؟؟؟
أم هو واقع أليم يعيش به منذ فترة من الزمن؟؟؟
لقد أكتشف فجأة أن حياته بلا معنى أو هدف فطوال حياته وهو يسعى وراء النجاح والسعادة ولم يحصد غير الفشل وخيبات الأمل المتتالية ...
أهو الحظ؟؟؟!!! انه لم يعترف بالحظ يوما
لقد شعر فجأة أن الزمن يمضي بسرعة رهيبة وأنه وحيد...حزين....فاشل
لقد فشل حتى برسم تلك الابتسامة المصطنعة التي أصبحنا نراها كثيرا مرتسمة على وجوه الناس في الاونة الأخيرة
وقف أمام المراّة ليسرح شعره ...صعق بما رأت عيناه
لقد رأى شخصا اّخر ينظر اليه من خلال المراّة..شخصا غريبا عنه
شخصا بدون ملامح محددة ...
شخصا بنظرات تائهة ووجه طويل...لم يكن يعلم من قبل أن وجهه طويلا لهذه الدرجة
حاول أن يبتسم ...فوجد شفتاه ملتصقتان ببعضها البعض كما لو ألصقت بصمغ أجنبي
حاول أن يفتح فمه ..فلم يستطع
لقد نسيت شفتاه طعم الابتسام كما نسي هو طعم السعادة
السعادة..ماهي السعادة؟؟؟؟!!!
هل هي حالة نفسية نقنع بها أنفسنا بأننا نعيشها ؟؟ أم هي هي حقيقة واقعة ولكنها نادرة هذه الايام؟؟؟!!!
سرح شعره بسرعة فلم يعد يحتمل النظر الى المراّة أكثر من ذلك
لم يعد يحتمل أن يرى ما بداخله من ألم وحزن ووحدة قاتلة..
لبس ثيابه على عجل وخرج من البيت ليبدأ يوما جديدا.. يوما اّخر مملا وكئيبا
Kakabouda
20/12/2005, 18:29
ابداع خطه قلمك وسطرته حروفك
كلمات ذات وزن وقيمة
من كاتبة رائعة
دام تألق قلمكِ
تحياتي :سوريا:
kakabouda
شكرا لك على مرورك الطيب وانا سعيدة بأنها قد نالت اعجابك .
مع تحياتي
ليس في الغابات حزن لا ولا فيها الهموم
فإذا هب نسيم لم تجئ معه السموم
ليس حزن النفس إلا ظل وهم لا يدوم
وغيوم النفس تبدو من ثناياها النجوم
أعطني الناي وغن فالغنا يمحو المحن
وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الزمن
تفضلي هذه القصة للشاعر والأديب السوري محمد علاء الدين عبد المولى وأرجو التمعن فيها جيدا والنقاش حولها إذا أمكن مع شكري وحبي:
الصّديقة
قصة محمد علاء الدين عبد المولى
صديقتي أكره الموت كثيراً وأخاف منه...عندما دخلتُ المقهى كانت صديقتي تنتظرني. على طاولتها فنجان قهوة. وقد انزوى أمامها على الطاولة دفترٌ عرفت من النظرة الأولى أنه دفتر أشعارها. حاولت صديقتي في اللقاء الماضي طمأنتي أن الموت عاديّ ويجب عدم الانسياق وراء المخاوف عندما نفكر به. لكن مع ذلك لم يصل الأمر إلى حدّ اقتناعي بما تقوله ولا إلى انتزاع المخاوف منه. بل على العكس صار الخوف له أشكال مختلفة على مدار الساعة. صافحتها وضغطت على يدها وجلستُ. أجلستُ الدنيا معي. خلعتُ غطاء الصمت وانسكبتُ أتحدّثُ...(سأشتم الكثيرين لأنهم يؤذونني ولم أفعل لهم شيئاً. يشهّرون بي لأني ما زلتُ قادراً على الحب وقول الشعر بجرأة ترعبهم)... (فنجان قهوة من فضلك). اصطدمت قدمي من تحت الطاولة بقدمها. أمر عاديٌّ. لو كنا وحدنا في مكان آخر لكنتُ أريتها ماذا يعني هذا... (منذ متى لم تكتب قصيدة حبّ؟) يا للأنثى العابرة العادية. تريد الخوض في شأنها عبر أسئلة تظنها تدل على ثقافتها... أليس سوى الحب موضوعا للكتابة لنسأل عنه؟ لماذا لم تسألني عن الموت في شعري مثلاً؟ لم أكتب في هذه الفترة إلا قصيدة واحدة (هل هي قصيدة أم نص نثري) اسمها (في الطريق إلى الذبحِ)... أريد أن أحارب هؤلاء. كنت أحسبهم ليسوا أعدائي. ولكنهم خلق هجين لا أطيق وجوده. (هل أنت بحاجة إلى أن تخسر الكتابة ونفسكَ؟ نحن نريدك معنا ولنا. لا تتورط)... كل النساء يرمين هذه الفكرة في وجه المبدع ليصطدن اهتمامه بهنّ. لستُ مباليا بشيء صدقيني. عليّ وعلى أعدائي... فنجان القهوة لم يأت مرة بشكل محترم في هذا المكان مع أن الذي يطلبه أنا. هذه كارثة. النادل أيضا من أعدائي. لأنه على الأقل لا يهتم بهندامه. صحيح ربما لا تبدو ملابسي فاخرة لكنها لا تسيء لمن ينظر فيها. خاصة أنها قد لا تبدو صالحة لصناعة موعد حبّ. ولكن متى كانت الملابس صالحة للحبّ؟... من قال إني أهرب منكِ؟ أقسم بذات النهد والأمّ ذات الورد ومن رمى عليّ ياسمين الوعد إنني لم أتهرّب منها. ولكنني أريد رؤيتها على مزاج مزاجي. قلت لها هل تريدينني منسجما؟ ردت (لا أريدك هادئا أبداً... ولكن صدقني عجزتُ منذ أتيت أن أضبط مشاعرك في نقطة محددة). أنا أعرف أي نقطة تريد ضبطي فيها هذه الصديقة التي تريد من كل لقاءاتنا أن أبتكر لها نظرات شهّاء على قد عيونها. هي لم تسمع من أحد على ما يبدو أنها ليست جميلة. وليس فيها من سحر الأنوثة سوى لمعان عينيها والبريق الدفين فيهما. فهل تقدّر الصديقة أنني لا يمكن أن أشتهي عينيها فقط؟ لا شك أني أشتهي التأمل فيهما. ولكنها حتماً ستعتقد أنها اكتشفت فشلي في محاورة عينيها بطريقة مختلفة. أنا لا أريد من عينيها سوى الصمت واللمعان والتساؤل وهذا ما يجعلها تحتار في أمرها. ماذا يريد بعينيّ هذا الأبله؟ وماذا أريد من سوى عينيها إلا إذا كنتٌ أبلها فعلاً؟ ماذا ستعلق إذا قلت لها (أشتهي عينيكِ)؟ ولكنها ستفاجئني أو ربما فاجأتني بالسؤال لماذا لا تنظر إليّ على الأقلّ؟ آه. فعلا أنا لا أنظر حتى في عينيها اللتين أشتهيهما. فنجان القهوة برد...وأنا ما زلت أبحث عن شيء يقرب بيننا مسافة ما تريده. ولكني سأعجز حتماً. لستِ من أشتهي تعريتها صدقيني ولستِ من سأعشق وأبكي على غيابها ومن حنيني لها. أمس عريتها فعلاً فصعقت بالترهل الذي يبدو على مساحة جسدها. وتلك الرائحة التي لا تغيرها. أسوأ عطر أو كريم لاأدري ما طبيعة هذه الرائحة التي تعجب بها... وهي تجعلني أنفر منها أكثر. هل ثمة شاعر قبلي أغراها بأنها فاتنة ومثيرة؟ ربما كما سمعتُ من أحدهم. لكنها صديقتي ولا أريد أن أحفر لها جحيما جسديا لا تليق بناره حتى ولا بعذابه ولا بلسعاته... كيف أوضح لها ذلك؟ هل تعرفين أنني أكره كل شيء يذكرني بالنهايات والخواتيم؟ كانت صديقتي تنظر بين الفترة والأخرى إلى ساعتها. هذا يعني أنها ستذهب بعد قليل. قالت لي حان موعدها مع طبيب الأعصاب. هل هو كمين آخر لتثير فيّ رغبة التعاطف معها وخوض الحديث عن أسباب وضعها النفسيّ المتأزّم؟ والاعتذار منها إذا كنتُ أنا سبب أزمتها؟ ولكن ما هي أزمتها؟ المضحك أنني فعلا صرت أقرأ في بعض كتب التحليل النفسي علّني ألقي عليها القبض متلبسة بالشذوذ النفسي. يبدو أني أنا الآن في أزمة. حيث اضطررت للمجيء إلى هنا دون أن أملك قرشا واحداً. لا يهم فأنا كائن لا جيوب له وإذا كان لي جيوب فإني أثقبها دائما حتى لا يتملكني الإحساس بأنه قد تبات في جيبي كمية من النقود أكثر من نهار واحد. في ذلك المساء دفعت لي الصديقة مبلغا من المال لتساعدني... عندها شعرتُ بأنها تقف موقف المستبدّة الرقيقة. أمسكت بيديها ولا مست أطراف أصابعها بشفاهي وقلت لها دعي صداقتنا خارج المال... كرهت فعلا وقوفها إلى جانبي... وتمنيت لو لم تعرف مأزقي الماديّ. الآن ستحاسب هي وستشعر بالنصر عليّ... يا رجل ماذا تقول؟ أي نصر؟ نحن أصدقاء جيبي وجيبك واحد... كم أمتلىء بالضجر من هذه الشعارات السياسية المسروقة من الاشتراكية... ستقول لي كذلك إنني قدرتك وأحببتك أكثر لأنك رفعت الكلفة بيننا. هذا ما تريده هي رفع الكلفة بعد أن رفعنا منسوب الحميمية المصطنعة من قبلي على الأقلّ. هي تفرح كلما حدث بيننا شيء يؤكد لها أن الحجاب بيننا يرتفع شيئا فشيئا. مع أن أي حجابٍ بين رجل وامرأة لا يرتفع إلا إذا نزلت الثيابُ. وقد أنزلنا الثياب دون رفع الحجاب. فأية معادلة خائبة أخرج بها كل فترة؟ ولكن متى حدث ذلك؟ هل تحت شجرة التين في الصيف الماضي؟ لقد شهدت علينا كل عناصر الطبيعة في حينها. حتى غبار الشجر يشهد معي. حتى الهواء العاصف المحمّل بغبار الكروم. لم نكن حينها نشرب قهوة. ولم أكن أخاف من الموت. كنت أناديه ليأتي بكامل عدته ويسحبني إلى أي مكان يشاء. لم أعد أنادي الموت. لماذا صرت أخافه؟ آه يا صديقتي. تحت شجرة التين العتيقة التي تذكرنا كان الزمن مختلفا. هل تشعرين الآن بالماء الخارج من حبات التين؟ كان ماء أبيض لزجاً. كان وحده قادراً على طرد الموت. الآن كل مياه العالم لا تقدر على تنظيف رأسي من أشباح الموت. لقد كثرت الجنازات في رأسي إلى حدّ صرت فيه أضطرب من يوم لا جنازة فيه. مع ذلك عندما يهبط الجسد علينا أن نخاف من الموت. حين أجلس مع امرأة جميلة علي أن أخاف من الموت. انتهاؤنا من القهوة يعني موتاً. حياتنا تعني موتاً كذلك. حتى فلسطين تعني موتاً. هل أسأت إليها بذكر فلسطين؟ لا يهمني مادامت اللفظة صارت مجرد لفظة... لملتُ أطرافي. نحّيت فنجان القهوة الفارغ جانباً. اتخذت وضعية القائم من لقاء حبّ. عليّ أن أوحي لها بذلك وإلا ستشعر بالخزي. وعندما ارتفعت قليلاً عن الكرسيّ رأيت ملامح صديقتي تتغير من خلف ستار من الضباب. ثم وقع دفتر الشعر الصغير من يدها إلى جانب حذائها. وقع قلبي وراءه. أردتُ أن أرفع الدفتر انحنيتُ تحت الطاولة... لكن ما هذا الحذاء؟ أين رأيته من قبل؟ إنه حذاء يشبه حذاء زوجتي أعرفه جيداً... مددت إليها الدفتر وأنا أفكر بالحذاء. مستحيل أن يكون مجرد تشابه موديل. فهو ليس وطنيّاً... تناولت الدفتر ثم ناولتني مائة ليرة...(حاسب وخلينا نمشي تأخرنا على الأولاد)...
شباط – 1993
مرحبا أرجو أن تكتبي دائما وتبحثي عن المواضيع المشوقة والجميلة وتعالجيها بأسلوب أدبي وممتع وأتمنى أن تقرئي هذه القصة للقاص والشاعر السوري محمد علاء الدين عبد المولى أرجو توضيح الرأي فيها بعد إذنك شاكرا لك وداعيا لك بالتوفيق.......
العاصي..
تفّاحة المليونير
قصة محمد علاء الدين عبد المولى
أنا الآن رجل ممتلىء بمائة مليون ليرة... مثلما امتلأتُ بمائة مليون دمعة عندما كنتُ صغيراً، ومائة مليون رقعة ونظرةِ بؤس وشفقة مازالت تتحرك على انحناء ظهري... أمي لم ترني في وضعي الجديد... لم تر حتى مزارع التفاح التي كانت تضحكُ عليّ عندما كنتُ أحلم بها... كنت أودُّ نقلها من ذلك الحيّ المنخفض خلف تلّة عذابٍ، وانتظارِ ما لا يأتي إلى قصر من الرخام والكريستال... لكن أمي أدركت أنها لن تحتمل الخروج من ذلك الحي إلا إلى المقبرة... الموت لا يترك حلم أحد يكتمل... أنا عدو الموت لأنه سيدمرني مرة واحدة إلى الأبد. لا بأس إن متُّ بعد ثلاثين عاماً. بهذا أكون قد عشتُ منذ الطفولة حتى الثلاثين ميتا ميتةً مؤقتة. فإذا عشت الآن ثلاثين سنة حيّا حياة حقيقية كان ذلك رائعا. لو أستطيع إدارة شؤون الوقت الخاص بي. أليس كل من يملك الملايين يفكر مثلي؟ لا لا أعتقد أن أحدا مثلي. إنهم مأسورون بذكريات طفولتهم خاصة إذا كانت هذه الطفولة تسبب لهم احمراراً في الوجوه عند تذكرها. أنا لا يهمني إن كان وجهي سيحمرّ أم لا. إني أحب اللون الأحمر كثيراً. منذ طفولتي أحب اللون الأحمر لأنه لون التفاح. ثم ماذا يؤذيني تذكّر طفولتي؟ هل سيخرج الطفل الفقير الوسخُ ويلتهمُ أموالي؟ ماذا سيلتهم؟ شركة السيارات؟ البنايات والعقارات؟ أعتقد أن ذلك الطفل سيكتفي بأن يأكل تفاحة واحدةً، فيرضى ويرجع إلى بيت أمه سعيداً. سأجعلهُ سعيداً بكل تأكيد. فقد عاش سنوات طفولته لا يجد هواء لطائرته الورقية، ولا خيطاناً لطائرته، ولا ورقا ولا طائرة. يلعب بعينه حيث يجوب المكان وامتداد الزمان منذ الفجر حتى المنام، يلعب بأصابعه الباحثة في بقايا الصحون، في سلة المهملات. كم عذبتك معي أيها الطفل وكم تعذبني الآن. هل ولدتك أنا من ضلعي؟ أما كنا معاً جسدا واحدا وأقمطة فقيرة واحدةً ومرضا وثدياً هزيلاً نرضع منه معاً، أنا رشفة وأنت رشفة؟ أما كنا أنت تسكن في أعصابي وأسكن فيك منذ النطفة الأولى. فما بالك تعذبني الآن وتحاكمني؟ أتعرف أنني مستهلكٌ من قِبَلِكَ حتى وأنا في قاعات لذتي المخملية؟ هربت منك إلى بلاد العالم أبيع وأشتري، علني أنسى جلدكَ المتجعد وقرقعة معدتك الخاوية، أنسى رائحة ثيابك المقززة. قررت أن أنسلّ منك إلى الأبد. ليس لأني أخجل منك صدقني، لكن للعذاب الذي تسببه لي. لم أترك عملا وما مارسته، لألغيك من قلبي. وحينما عدتُ محمّلاً بالملايين الملايين فاجأتني في أرض المطار، دخلتَ تحت ثيابي، جلست معي في السيارة، قذفتَ مقلتيك في عمق عيني، ورحت تتشهى أكوام التفاح... التفاح مرة أخرى... التفاح منذ تلك اللحظة التي لم تعد تنساها منذ وقعت عينك على أول وأكبر تفاحة في العالم، لما رأيتها في يد ذلك الطفل ابن الستّ...
كانت أمي لا تطبخ مرة إلا وينقصها مادة من مواد الطعام: ملح، حامض، بقدونس، عدس، خبز... فترسلني إلى جارتنا أشحذ منها ما ينقص وليمتنا العامرة بالحاجات الناقصة. هل أخجل الآن من ذلك؟ في ذلك الوقت لم أكن لأشعر بأي خجل. ظننت العالم كله مثلنا، فما قد ينقصنا قد ينقص أي أسرة. ولكني لم أستطع إلاّ أن أتساءل لماذا لا يدق أحد من جيران المنطقة باب بيتنا، فأفتح لهم وإذ بولدهم الأشقر ذي الشعر المصفف يطلب من أمي رغيف خبز؟ لا بد أنهم يخجلون من فعل ذلك وسوف أخجل أنا في المرات القادمة وأرفض أن أطلب منهم شيئاً، فهم لا يعاملوننا كما نعاملهم. كأنهم لا يحبوننا. أمي قالت لي لولا حبنا لهم ما كنا طلبنا منهم دائماً. فحزنت كثيرا لأنهم لا يحبوننا... وقررت ألا أطرق بابهم مرة ثانية. لكن... الطبخة على النار وليس عندنا زيت. ومرة ليس عندنا حبة رز... ألا ننتظر أبي حتى يعود – لا أدري من أين يعود – ونأخذ منه ثمن الرز والزيت؟ أمي تشاحن أبي لأنه في رأيها يجلس طيلة الوقت مع رفاقه في المقهى ويدخن النارجيلة على حسابهم (ألا تستحي يا رجل؟) ولكنه إذا عاد ولم يجد ما يأكله قلب الدنيا ورفع صوته وهو يشتم ويلعن ويتوعد ثم ينسحب إلى زاوية في الغرفة يطرق رأسه بين يديه... اذهبي إلى الست إنعام واطلب منهم رغيفين... أتوجه كالعادة إلى باب الست إنعام أنقر نقرات خفيفة كما علمتني الست ذات مرة، حين انهلت على الباب ضربا شديداً، وعندما فتحت فوجئت بي وخفت من عينيها اللتين اتسعت حدقتاهما، وأربكتني. ثم لملتُ أنفاسها وثوبها المنفلت عن تكورات صدرها. أخفتها وقربتني منها وقبلتني على خدي بليونة. شعرت في داخلي بشيء يتحرك. قلت لها أمي تريد... وسحبتني وراءها عبر القاعة الكبيرة حيث كان يجلس شخص لم يكن زوجها. نظرت فيه نظرة حاقدة لم أدرك سببها في ذلك الوقت. وأحببت أمي لأنه لا يجيء إليها شخص غير أبي. حتى أقاربي لا يأتون إلينا... ولأنها عندما تفتح الباب لأحد لا تظهر شيئا من صدرها... أعطتني الست ما أريد وقبل أن أغلق الباب ورائي سمعتها تحدث الشخص الذي كان جالسا والتقطت من كلماتها (إنهم فقراء). سألت أمي هل جيراننا فقراء؟ قالت كلنا فقراء لله... مرة ذكّرت أمي بأنها لم تطلب من الست إنعام شيئا من يومين وقد أحزنني ذلك. فقد اشتقت إلى الباب يفتح فتلملم الست ثوبها عن صدرها المتكور المتورد. طمأنتني أمي أننا سنحتاج اليوم إلى قليل من رب البندورة. لم تكمل كلامها إلا وكنت أطرق بهدوء حذر على الباب. فتحت وابتسمت لي. قبّلتني وقادتني إلى المطبخ. يا ربي كم هو كبير. يسعنا أنا وأبي وأمي وبقية إخوتي. لا أدري كيف سبقتني عيني ونظرت من باب المطبخ باتجاه الحديقة، حيث شدّني صوت يدلّ على وجود أطفال. صوت لم يدع لي فرصة لأخجل أو أتردد فالتفتُّ مباشرة ورأيت طفلي الست. ليس في بيتنا حديقة وليس لنا مثل هذه الثياب. شاهدت الفرق بين ثيابنا. وبشكل غريزي قصرت قامتي وتضاءلتُ. تضاءلت أكثر عندما كان أحد الطفلين ممددا في أرجوحته تحت الشجر ورأيت في يده كرة حمراء متوردة لكنه قريبها من فمه ويقضم منها قليلا وهو يتابع (مرجحته). تحرك في داخلي الشيء نفسه الذي تحرك عندما رأيت صدر الست أمه ولكن هذه المرة تحركت معدتي وسال لعابي على كرة حمراء هي تفاحة كبيرة لا شكّ... كيف كان طعم التفاحة تلك؟ ما كان شكل بذورها؟ تفاحة صدر الست ليس لها بذور... وانقهرت وانكسرت بعيني دمعتان فسالتا خفيتين... مسحتهما وأحسست وجهي صغر حتى أصبح بذرة تفاحة... وكبر رأسي حتى صار كبيرا بحجم الكون أي بحجم التفاحة... رأسي والتفاحة توأمان. لكن التفاحة في يد الطفل كبرت. نعم هي تنتفخ ببطءٍ. رأسي صار أصغر منها. جسدي تبع رأسي فصغر... رأيت في أثناء ذلك أبي في المقهى يراقب عربة بائع التفاح الأحمر اللامع وهو يتجاهلها وتقرصه معدته... التفاحة في يد الصغير ما زالت تكبر من خلف دموعي... في الليل رأيت النجوم نقاطا حمراء لامعة كالتفاحات المتكاثرة. يدي تمسك بتفاحة السماء. بتفاحة الست. بتفاحة الصغير. لكن تفاحة الصغير كانت أكبر تفاحة في العالم...
الآن كبرت وامتلأت بملايين الليرات والتفاحات... كبرت وتفاحة الصغير تسبقني وتكبر أكثر مني. كم من التفاح أكلت الآن؟ التهمت أصنافاً منه ما كانت الست تعرفها. لكن تفاحة الصغير أكبر من كل تفاحات العالم. اشتريت مزارع خصصتها للتفاح فقط. قررت اغتيال التفاحة القديمة. وكلما أكلت واحدة تذكرتُ ذلك الشيء القديم الذي تحرك عندما فوجئت الست بي وصدرها مكشوف. الآن ملأت سريري بعشرات التفاحات التي تشبه – وأجمل – من تفاحة الصدر... أحاول استعادة الشيء الذي تحرك بالطريقة نفسها والطعم نفسه والمذاق الغامض المر الحلو نفسه، لكني ضيعته. لقد لمع ذلك الشيء مرة واحدة وانتهى... وصار نسياناً في رف الذاكرة... أحيانا أشعر بالنقمة على كل التفاح القديم وعلى طفل السّتّ وتفاحته اللعينة وما يرافقهما من أحاسيس مهينة... حتى وأنا أجلس في مزرعة من مزارع التفاح أغرق في أشكاله وألوانه. وعندما يزورني الأصدقاء والمعارف البعيدون والقريبون فأنادي على حارس المزرعة... يا عبدو املأ صندوقا من التفاح لكل صغير من الصغار...
16/أيار/1993
لأنك تكتبين فقد أحببت أن أشاركك اهتمامك وألفت اهتمام الأصدقاء جميعهم إلى قصص الأديب السوري محمد علاء الدين عبد المولى وقد أرسلت سابقا قصتين له وها أنا أقدم هذه القصة الملتبسة والتي أثارت كثيرا من ردود الفعل الايجابية والسلبية أكثر فأرجو مشاركتي في قراءتها ونقاشها بصراحة
ودمت ودام الأصدقاء جميعهم
العاصي.....
2ـ فأر ياباني
يُحكى أنّ.../
في فترةٍ من فتراتِ المدّ الفأري في بلد السهول المعبأة بالخيرات والحبوب والأشجار الطيبة قام وفدٌ اقتصاديّ عالي الجودة بزيارة إلى اليابان للبحث هناك مع الخبراء في أفضل السبل للقضاء على الفئران المنتشرة في تلك السهول مما يشكل خطورة فادحة على سير عِجلِ الاقتصاد. لم يقصّر خبراء اليابان في خدمة الوفد الغيور على بلده، فقدموا له فأراً آليا سيوضع أمام أكبر تجمعات فأرية ليخاطب جماهير الفئران الغفيرة والغفورة ويقنعها، من خلال كمية العواطف التي حقن بها على أحدث الطرز العلمية، بأن تتجه هذه الجماهير خلفه بغريزة القطيع بينما هو ذاهب بسرعة متواترةٍ إلى البحر جارفا خلفه جمهورية الفئران بكافة أعلامها المنكسة ومجالسها المهزومة. وسوف ينزل الفأر إلى البحر لتتابعه الفئران منتحرة على الطريقة اليابانية الحديثة.
بعد نجاح خطة الفأر الآلي وسلامة محصولات الخير والعطاء، دغدغت فكرة الفأر الآلي خيال المحارب الأكبر في بلد السهول والخيرات، فهو في زعمه أولى من الآخرين بامتلاك فأر آليّ يستخدمه في أغراض حربية لم يتكلم عنها. لكنه صرح بأنه يريد تطبيق خطة إغراق الفئران على جيوش العدوّ. وقد كاد المشروع يكتمل في ذهنه لولا أنه كعادته غفل عن أهم ما في الأمر. فقد نبهه أصحاب الشأن إلى أن برنامج الفأر الآلي لا يعمل على نطاق البشر، ولا سيما الجيوش المعادية منهم، لأنه برنامج أنشىء وفق معطيات فأرية وليس معطيات عسكرية.
ولأن فرص النصر نادرة ولا تأتي إلا مرة واحدة على ما يبدو، ولأن زمنا طويلاً مضى دون انتصارات، فقد ضرب المحارب الأكبر أخماسا وأسداسا وأحجاراً، فاشتعلت في رأسه الشائب شرارة اعتقد جازماً أنها جهنمية، أين منها خطة الفأر الآليّ. أضمر خطته تحت قبعته السحرية وطار إلى اليابان حاملاً معه أكياساً من النياشين والأوسمة، إذ لم تعد تتسع لها صفحة صدره الضيقة. ولخطورة المشروع المضمر لم يُدْلِ للصحفيين بأية معلومات عن الغاية من زيارته. بل قال لهم عند سلم الطائرة: العمى، أنتم كالفئران تنتظرون مواسم كهذه للانقضاض والقرض... ولكن من يستطيع أن يلعب على رجال الصحافة الغربية؟ فبعد انفضاض الاجتماع المغلق المنغلق المستغلق تسربت أخبار سوف يطير صواب الصحافة لها، لأنتها تشكل قنبلة الموسم الإعلامي. وقد سرَّبها فأر كان يجوس سرّاً بين الأحذية العسكرية المتراصة على طول مساحة أرضية القاعة السرية. ونظراً للحجم الكبير الذي يتمتع به الحذاء العسكري فلم يشعر أحد بهذا الفأر الجاسوس.
جن جنون العالم الأعلى، توجهت الصواريخ النووية كلها باتجاه الشرق، مصوبة رؤوسها دفعة واحدة إلى رأس المحارب الأكبر. حتى أن نافذة غرفة نومه صارت تحت مرصد قاعدة صواريخ مستقلة لها... طارت وفود وحطّت وفود، وقادة اليابان تبدو عليهم وحدهم سمات الهدوء التي ورثوها عن حكمائهم. صرح كبيرهم: ليس من المعقول أن نوافق على هذا العرض لا منن قريب ولا من بعيد، لا الآن ولا في المستقبل، وذلكم ردنا النهائي...
طبيعي أن يصيب العالمَ شيطانُ الجنون والهذيان. وطبيعي أن تضطرب دورات الطمث في رؤوس الدول، وأن تزداد نسبة الإصابات بالنوبات الكلبية في أوساط تجار الحروب. إذ ليس مقبولا ولا بشكل من الأشكال أن يتفتح تفكير الشرق على هذا النمط المرعب من الأفكار الخيالية المدمرة. إن معادلات التاريخ ستتغير تفاعلاتها وتنتج عناصر جديدة تجحظ لها عيون الكوكب البشري ،وسوف يُقضى بعدها على جحافل الفئران التوراتية التي ترعى بيارات البرتقال وأدمغة الفقراء، ويتخلص الشرق من عدوه الأول بكل سهولة ورومانسية.
عاد المحارب الأكبر محاولاً إخفاء خيبة أمله التاريخية. وبينما هو في طائرته المحصنة ضد فئران السماء، كان ذهنه شارداً خلف زمن يأتي يحقق فيه أحلامه العظيمة. أغمض عينيه ورأى إسرائيلياً آليّاً على نمط الفأر الآليّ يقف أمام تجمعات الإسرائيليين... ها هي ذي جموعهم تنقاد طائعة ومختارة خلف الإسرائيلي الآليّ الذاهب بها صوب البحر... ها هو ذا البحر مقبرة الغزاة... استسلم لرعشة النصر تلفّه، وأخذ يرتجف قطعة واحدة، مما سمح للنياشين والأوسمة بإصدار رنين على صدره. أيقظه الرنين، فرك عينيه تجهّم وجهه من جديد. أخرج دفتر مذكراته الخاص وسجل) آه لو بقيت دولة القطب الشمالي الحمراء على ما هي عليه ولم تأكلها الفئران، كنت طرت إليهم وعدت مكللا بالنجاح... عليك اللعنة يا فأرتشوف).وعندما أتوه بصحف العالم قرأ في الصفحة الاستراتيجية أن البيوت البيضوية في العالم تدرس إمكانية اختراع يهوديّ آلي يقود جموع اليهود كلهم في كافة أنحاء العالم باتجاه البر العربي بحيث لا ينتهي القرن الواحد والعشرون إلا وتكون الأرض العربية جزيرة فئران يهودية خصبة...
العاصي
أشكرك على هذه القصص الرائعة الحقيقة أنني لم أسمع من قبل عن هذا الكاتب ولكنني أعجبت بأسلوبه وطريقته في السرد والأسلوب المبطن لمعانيه ولي عودة لمناقشة كل قصة على حدى
مع تحياتي
العزيزة رانيا أشكرك على القراءة وأنتظر رايك بصراحة لأنني أعرف هذا الكاتب جيدا وقد يفيد أن نعرض أفكار قرائه عليه لمناقشته وأتمنى أن تزوديني بقصصك وخواطرك إذا كان لديك شيء متوفر وترغبين في اطلاعي عليه
العاصي يحييك
اخوية نت
بدعم من : في بولتـين الحقوق محفوظة ©2000 - 2015, جيلسوفت إنتربـرايس المحدودة