نمر سوريا
02/12/2005, 23:37
بيروت - نبيه البرجي:
تيمناً بحصان طروادة، بدأت أوساط سياسية في بيروت تستخدم مصطلح «حصان دمشق» لدى حديثها عن هسام طاهر هسام الذي إذ كان حلاقاً بائساً، وثرثاراً، يتعاطى مع الرؤوس الصغيرة، تحوّل فجأة إلى نجم استخباراتي يحاول أن يلامس الرؤوس الكبيرة... رغم أن الذين أعدوا السيناريو عشية الاستماع إلى الضباط السوريين الخمسة في فيينا، كانوا بارعين جداً في التوقيت، فقد كان واضحاً أن هفوة كبيرة قد حدثت حين ترك لـ«الفنان»، وهو على الخشبة أن يخرج على النص، أو أن يحلل، أو أن يقلد بعض الجهات التي تعاملت على نحو رديء جداً مع القضية، وإلى حد اتهام النائب سعد الحريري بقتل والده. كان لا بد لهسام أن يظهر ثانية في مؤتمر صحافي ليصحح ما ينبغي تصحيحه. لا مجال لإغفال «أهمية» الرجل بالنسبة إلى مندرجات أو حيثيات التقرير الذي رفعه رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس إلى مجلس الأمن الدولي. بدا هسام هسام وكأنه الدجاجة الذهبية التي بعثت بها المعجزة بعدما ظهر أن محمد زهير الصديق ليس أكثر من أفّاك مخاتل ومشبوه. الذين زرعوه دربوه، على نحو متقن ومثير ليقوم بالدور. ولكن لنتوقف هنا عند نقطة دقيقة وهامة جداً. أحد كبار خبراء القانون، وهو نائب، قال إنه لو كانت مذكرة التفاهم الموقعة بين لبنان واللجنة الدولية تطبق على نحو دقيق لما وقعت تلك الأخطاء القاتلة.
ظروفهم غير ظروفنا
يضيف النائب أنه لا يشكك أبداً في مهنية القاضي الألماني، ولا في كفاءة فريقه، لكن هؤلاء ربما كانوا يعملون في ظروف سيكولوجية، أو سياسية، أو حتى استخباراتية، بعيدة عن «ظروفنا»، فلو وضع هسام هسام بين يدي قاضي التحقيق العدلي اللبناني الياس عيد لكشفه هذا الأخير في الحال ولألقاه هو، وليس غيره، وراء القضبان. استطراداً، كان يقتضي على لجنة التحقيق الدولية أن تتعاون بطريقة أكثر شفافية مع القضاء اللبناني. لو حدث هذا لأمكن تجاوز الكثير من الثغرات، فرغم كل التعليقات التي حصلت والتي وصفت ظاهرة هسام بإحدى مسرحيات غوار أو ما شابه، لا مجال لإغفال حقيقة باتت معروفة على الساحة اللبنانية، وهي أن هناك من كان يعتبر أن «الحلاق الثرثار» (كما في إحدى القصص) هو بمثابة «شاهد ملك» في القضية، حتى إذا ما تتبع أحدهم ما كان يقال فيه، فقد كان واضحاً أن الرجل يتصرف، فعلاً، كما يتصرف المهرج (جميل السيد قال لمحاميه أكرم عازوري: من أين أتوا بهذا السعدان؟)، ومع التوقف هنا عند تصديق البعض - وقد نشر ذلك - أن الشاهد السوري كان على مقربة من منطقة الانفجار حين اتصل به مسؤول أمني سوري وسأله أين أنت؟ وحين علم، طلب منه المغادرة في الحال...
هو وخطيبته..
يا للمصادفة أن يكون هسام وخطيبته في المنطقة يتنزه وإياها في منتصف النهار. هو الذي تابع خط سير سيارة الميتسوبيتشي من منطقة الزبداني إلى ثكنة حمانا، ومن هناك إلى بيروت، وهي السيارة التي قيل إنها سرقت من اليابان. هل كان السوريون بحاجة إلى سيارة مسروقة من آخر الدنيا (ومقودها على اليمين) لكي يفعلوا فعلتهم؟ (هذا مع قرينة البراءة بطبيعة الحال). أكثر من جهة تقول إن أخطاء قد حدثت، بمن فيهم قطب سياسي سخر من ظهور هسام الذي لم يخل كلامه عبر الشاشة أو في المؤتمر الصحافي من لقطات ساذجة. الغريب أنه كان باستطاعة مشاهد عادي أن يرى، بالعين المجردة، أين هي نقاط الضعف في كلام الشاهد السوري. هذا لم يكتشفه المحققون الدوليون الذين استندوا إلى كثير من كلامه في تقريرهم. ولعل المثير ما قاله خبير قانوني آخر من إن المشكلة قد تكون في اللغة. هسام كان يتحدث أمام المحقق بوجود مترجم. لو كان هذا المحقق لبنانياً لعرف من «تركيب الجملة» ومن اللهجة أن هسام هسام محتال، وهو الذي امتلأ سجله بشتى أنواع الموبقات، مع ابتزازه لساسة لبنانيين معروفين. وهنا تقول جهات متابعة للتحقيق إن القاضي الألماني تعجل في تقريره، فقد فتحت أمامه في الأسبوعين الأخيرين اللذين سبقا تقديم التقرير الكوة الخليوية الهامة والخطيرة. الأقراص المدمجة بالاتصالات التي حصلت كانت أهم بكثير مما أدلى به الشهود، وأن يظل محيّراً موضوع الإبقاء على هسام هسام خارج إطار أي مراقبة رغم حساسية ما أدلى به، فهل حقاً ما يتردد وراء الستار أنه ترك هكذا لكي يشعر بالأمان، وأن حياته ليست بخطر، وإذ ذاك قد يتصل بمن يعمل معهم أو برجالهم في لبنان فيتم الانقضاض عليهم في الوقت المناسب.
لغز الهروب
رغم المراقبة، إذا كان هناك من مراقبة فعلاً، جرى الإعداد لهربه عشية مثوله أمام الجهة القضائية اللبنانية غداة فراره، ولقد هرب فيما كانت سيارة تنتظره وراء عنبر الجمارك عند نقطة المصنع الحدودية. وبعبارة أخرى، أن هروبه لم يكن عملاً فردياً بل مبرمجاً، وعشية رحلة فيينا، لكي تصدم أقواله المحققين الذين يفترض أن يكونوا قد بنوا أسئلتهم على ما قاله هسام، وإن كان هناك شاهد سوري ثالث هو زياد الحلبي الذي راح الكثيرون في بيروت يسألون ما إذا كان قد تم زرعه في ملفات التحقيق كما زرع الصديق وهسام. والرجلان يتشابهان من حيث الماضي القذر.. ولكن مع توجه الضباط الخمسة إلى العاصمة النمسوية، وقد تكون من أكثر مدن العالم هدوءاً (وتهدئة للأعصاب)، أكدت مراجع سياسية لبنانية أن المحققين الدوليين لم يعدوا أي سؤال انطلاقاً من التقرير السابق، أو من أقوال الشهود، بل إن لدى ديتليف ميليس معلومات بالغة الأهمية تم الحصول عليها في الأسابيع الأخيرة، والكثير منها يتعلق باتصالات هاتفية لمسؤول الأمن السابق في لبنان العميد رستم غزالي، ولمعاونه في بيروت العميد جامع جامع.
أسئلة كهربائية
هذا ما تقوله المصادر التابعة لعملية التحقيق، مضيفة بأن السوريين الخمسة سيكونون أمام «أسئلة كهربائية»، أي أنها ستؤدي إلى إحداث اهتزاز كبير في أجهزتهم العصبية (والتعبير سمعناه من أحد الوزراء). ودون استبعاد أن ينهار أحد هؤلاء، وإن جرى تدريبهم، على حد قول الوزير، بصورة دقيقة على إظهار رباطة الجأش، فالآن ليسوا في المونتي روزا، أسياد المكان، بل هم في مدينة غريبة كلياً عنهم، ولم تطأها أقدامهم - ولا عيونهم - وفي هذه الحال، وحسب قول الباحثين النفسيين، ينخفض مستوى مناعتهم النفسية بما بين 03 و04 في المئة. وبمعنى آخر، إن احتمالات السقوط في زلات اللسان ستكون كبيرة جداً، وإن قالت مراجع لبنانية إن المسألة لم تعد تحتاج إلى مثل هذه الزلات، فالمؤكد أن القاضي الألماني سيوصي القضاء اللبناني بالطلب من السلطات السورية توقيف غزالي وجامع بانتظار أن يتحدد شكل المحكمة: دولية خاصة، أم مختلطة. في كل الأحوال، الأيام الأكثر إثارة بدأت..
تيمناً بحصان طروادة، بدأت أوساط سياسية في بيروت تستخدم مصطلح «حصان دمشق» لدى حديثها عن هسام طاهر هسام الذي إذ كان حلاقاً بائساً، وثرثاراً، يتعاطى مع الرؤوس الصغيرة، تحوّل فجأة إلى نجم استخباراتي يحاول أن يلامس الرؤوس الكبيرة... رغم أن الذين أعدوا السيناريو عشية الاستماع إلى الضباط السوريين الخمسة في فيينا، كانوا بارعين جداً في التوقيت، فقد كان واضحاً أن هفوة كبيرة قد حدثت حين ترك لـ«الفنان»، وهو على الخشبة أن يخرج على النص، أو أن يحلل، أو أن يقلد بعض الجهات التي تعاملت على نحو رديء جداً مع القضية، وإلى حد اتهام النائب سعد الحريري بقتل والده. كان لا بد لهسام أن يظهر ثانية في مؤتمر صحافي ليصحح ما ينبغي تصحيحه. لا مجال لإغفال «أهمية» الرجل بالنسبة إلى مندرجات أو حيثيات التقرير الذي رفعه رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس إلى مجلس الأمن الدولي. بدا هسام هسام وكأنه الدجاجة الذهبية التي بعثت بها المعجزة بعدما ظهر أن محمد زهير الصديق ليس أكثر من أفّاك مخاتل ومشبوه. الذين زرعوه دربوه، على نحو متقن ومثير ليقوم بالدور. ولكن لنتوقف هنا عند نقطة دقيقة وهامة جداً. أحد كبار خبراء القانون، وهو نائب، قال إنه لو كانت مذكرة التفاهم الموقعة بين لبنان واللجنة الدولية تطبق على نحو دقيق لما وقعت تلك الأخطاء القاتلة.
ظروفهم غير ظروفنا
يضيف النائب أنه لا يشكك أبداً في مهنية القاضي الألماني، ولا في كفاءة فريقه، لكن هؤلاء ربما كانوا يعملون في ظروف سيكولوجية، أو سياسية، أو حتى استخباراتية، بعيدة عن «ظروفنا»، فلو وضع هسام هسام بين يدي قاضي التحقيق العدلي اللبناني الياس عيد لكشفه هذا الأخير في الحال ولألقاه هو، وليس غيره، وراء القضبان. استطراداً، كان يقتضي على لجنة التحقيق الدولية أن تتعاون بطريقة أكثر شفافية مع القضاء اللبناني. لو حدث هذا لأمكن تجاوز الكثير من الثغرات، فرغم كل التعليقات التي حصلت والتي وصفت ظاهرة هسام بإحدى مسرحيات غوار أو ما شابه، لا مجال لإغفال حقيقة باتت معروفة على الساحة اللبنانية، وهي أن هناك من كان يعتبر أن «الحلاق الثرثار» (كما في إحدى القصص) هو بمثابة «شاهد ملك» في القضية، حتى إذا ما تتبع أحدهم ما كان يقال فيه، فقد كان واضحاً أن الرجل يتصرف، فعلاً، كما يتصرف المهرج (جميل السيد قال لمحاميه أكرم عازوري: من أين أتوا بهذا السعدان؟)، ومع التوقف هنا عند تصديق البعض - وقد نشر ذلك - أن الشاهد السوري كان على مقربة من منطقة الانفجار حين اتصل به مسؤول أمني سوري وسأله أين أنت؟ وحين علم، طلب منه المغادرة في الحال...
هو وخطيبته..
يا للمصادفة أن يكون هسام وخطيبته في المنطقة يتنزه وإياها في منتصف النهار. هو الذي تابع خط سير سيارة الميتسوبيتشي من منطقة الزبداني إلى ثكنة حمانا، ومن هناك إلى بيروت، وهي السيارة التي قيل إنها سرقت من اليابان. هل كان السوريون بحاجة إلى سيارة مسروقة من آخر الدنيا (ومقودها على اليمين) لكي يفعلوا فعلتهم؟ (هذا مع قرينة البراءة بطبيعة الحال). أكثر من جهة تقول إن أخطاء قد حدثت، بمن فيهم قطب سياسي سخر من ظهور هسام الذي لم يخل كلامه عبر الشاشة أو في المؤتمر الصحافي من لقطات ساذجة. الغريب أنه كان باستطاعة مشاهد عادي أن يرى، بالعين المجردة، أين هي نقاط الضعف في كلام الشاهد السوري. هذا لم يكتشفه المحققون الدوليون الذين استندوا إلى كثير من كلامه في تقريرهم. ولعل المثير ما قاله خبير قانوني آخر من إن المشكلة قد تكون في اللغة. هسام كان يتحدث أمام المحقق بوجود مترجم. لو كان هذا المحقق لبنانياً لعرف من «تركيب الجملة» ومن اللهجة أن هسام هسام محتال، وهو الذي امتلأ سجله بشتى أنواع الموبقات، مع ابتزازه لساسة لبنانيين معروفين. وهنا تقول جهات متابعة للتحقيق إن القاضي الألماني تعجل في تقريره، فقد فتحت أمامه في الأسبوعين الأخيرين اللذين سبقا تقديم التقرير الكوة الخليوية الهامة والخطيرة. الأقراص المدمجة بالاتصالات التي حصلت كانت أهم بكثير مما أدلى به الشهود، وأن يظل محيّراً موضوع الإبقاء على هسام هسام خارج إطار أي مراقبة رغم حساسية ما أدلى به، فهل حقاً ما يتردد وراء الستار أنه ترك هكذا لكي يشعر بالأمان، وأن حياته ليست بخطر، وإذ ذاك قد يتصل بمن يعمل معهم أو برجالهم في لبنان فيتم الانقضاض عليهم في الوقت المناسب.
لغز الهروب
رغم المراقبة، إذا كان هناك من مراقبة فعلاً، جرى الإعداد لهربه عشية مثوله أمام الجهة القضائية اللبنانية غداة فراره، ولقد هرب فيما كانت سيارة تنتظره وراء عنبر الجمارك عند نقطة المصنع الحدودية. وبعبارة أخرى، أن هروبه لم يكن عملاً فردياً بل مبرمجاً، وعشية رحلة فيينا، لكي تصدم أقواله المحققين الذين يفترض أن يكونوا قد بنوا أسئلتهم على ما قاله هسام، وإن كان هناك شاهد سوري ثالث هو زياد الحلبي الذي راح الكثيرون في بيروت يسألون ما إذا كان قد تم زرعه في ملفات التحقيق كما زرع الصديق وهسام. والرجلان يتشابهان من حيث الماضي القذر.. ولكن مع توجه الضباط الخمسة إلى العاصمة النمسوية، وقد تكون من أكثر مدن العالم هدوءاً (وتهدئة للأعصاب)، أكدت مراجع سياسية لبنانية أن المحققين الدوليين لم يعدوا أي سؤال انطلاقاً من التقرير السابق، أو من أقوال الشهود، بل إن لدى ديتليف ميليس معلومات بالغة الأهمية تم الحصول عليها في الأسابيع الأخيرة، والكثير منها يتعلق باتصالات هاتفية لمسؤول الأمن السابق في لبنان العميد رستم غزالي، ولمعاونه في بيروت العميد جامع جامع.
أسئلة كهربائية
هذا ما تقوله المصادر التابعة لعملية التحقيق، مضيفة بأن السوريين الخمسة سيكونون أمام «أسئلة كهربائية»، أي أنها ستؤدي إلى إحداث اهتزاز كبير في أجهزتهم العصبية (والتعبير سمعناه من أحد الوزراء). ودون استبعاد أن ينهار أحد هؤلاء، وإن جرى تدريبهم، على حد قول الوزير، بصورة دقيقة على إظهار رباطة الجأش، فالآن ليسوا في المونتي روزا، أسياد المكان، بل هم في مدينة غريبة كلياً عنهم، ولم تطأها أقدامهم - ولا عيونهم - وفي هذه الحال، وحسب قول الباحثين النفسيين، ينخفض مستوى مناعتهم النفسية بما بين 03 و04 في المئة. وبمعنى آخر، إن احتمالات السقوط في زلات اللسان ستكون كبيرة جداً، وإن قالت مراجع لبنانية إن المسألة لم تعد تحتاج إلى مثل هذه الزلات، فالمؤكد أن القاضي الألماني سيوصي القضاء اللبناني بالطلب من السلطات السورية توقيف غزالي وجامع بانتظار أن يتحدد شكل المحكمة: دولية خاصة، أم مختلطة. في كل الأحوال، الأيام الأكثر إثارة بدأت..