yass
22/10/2004, 14:07
مساهمة نزار نيوف في أعمال مؤتمر مناقشة مشروع ميثاق الشرف الوطني
المقدم من قبل الإخوان المسلمين في سورية
السيدات و السادة,
الأخوات و الأخوة,
لست صاحب الدعوة إلى هذا المؤتمر, و لست من أهل البيت الذي دعا إليه. و مع ذلك أرجو أن يسمح لي الأخوة الداعون ب"مصادرة" أحد حقوقهم "البروتوكولية" لأرحب بمن لبى هذه الدعوة و حضر, سواء بشكل مباشر أم من خلال رسالة أو ورقة عمل حين لم تسعفه ظروفه الصحية أو شروط إقامتة حيث هو, وأن أشكره على تلبية نداء الواجب شكرا نابعا من صميم القلب. ذلك لأنه- بهذا التجاوب-إنما عبر عن نكران ذات, شخصية و/أو حزبية, و عن إحساس عال بالمسؤولية إزاء وطنه المنكوب و قضاياه و بلاويه المزمنة, ونأى بنفسه عن حظيرة الطواويس التي ما فتئت تزهو بريشها السياسي و الأيديولوجي, رغم أن الرياح التي عصفت خلال العقود الثلاث الأخيرة, داخلا و خارجا, قد اقتلعت هذا الريش من جذوره و تركت أصحابه عراة حتى من الزغب!
لقد علق بعض "المتصيدين" في أوساط المعارضة السورية, المسماة وطنية و ديمقراطية, على دعوة الإخوان المسلمين لي لحضور هذا المؤتمر, و على قبولي المشاركة فيه و ترحيبي به, بأن دعوتهم "موقف إعلامي انتهازي من قبلهم" و تلبيتي الدعوة "موقف سياسي انتهازي من قبلي" , غامزين بذلك من علمانيتي و من حقيقة انتمائي التاريخي إلى اليسار الماركسي, و لكن, قبل كل هذا و ذاك, من حقيقة انتمائي- بحكم المولد- إلى الطائفة العلوية في سورية, و انحداري منها بفعل تصاريف الطبيعة و القدر. و هي الطائفة التي يزعم, داخلا و خارجا, و على نطاق واسع, سواء من منطق الجهل أو بدافع التحريض و التجييش الطائفي و المذهبي, أنها تحكم البلاد و تتصرف بمقدراتها!
لم أكن في سابق أيامي و لن أكن في مقبلها ممثلا لطائفة أو ناطقا باسمها, و مع ذلك ليسمح لي هؤلاء المتصيدون, و أرجو أن يسمح لي الحضور الكريم, بالحديث عن بعض ما يتعلق بهذه الطائفة من منطلق "أهل مكة أدرى بشعابها", آملا إزالة بعض اللبس و "الغموض" الذي يكتنف حقيقتها و حقيقة علاقتها بالنظام, و حقيقة علاقة النظام بها. و هو على أي حال "غموض" ساهم الجميع في تكريسه بهذا الشكل أو ذاك, و ليس ثمة من هو بريء من ذاك, سواء أكان من الطائفة أم من النظام أم من المعارضة, بشقيها الوطني العلماني و الوطني الإسلامي.
لحضرات (و الكثير منكم يعرف مثلي ما سأقوله و يؤمن به كما أومن به) و لأولئك المتصيدين, أحب أن أقول: هناك "علويتان" إذا جاز التعبير, "علوية" ALAWISM مشتقة من منظومة القيم الأخلاقية و السياسية و الاجتماعية التي حملها ونادى بها على بن أني طالب و ميزت سلوكه اليومي و حياته, بكل ما تنطوي عليه من إيمان, قولا و عملا, بالعدالة السياسية والاجتماعية والاحترام حقوق الإنسان ورفض الإساءة لكرامته بأي شكل من الأشكال, و تحت أي ذريعة من الذرائع . و بهذا المعنى فإن علي صدر الدين البيانوني, المراقب العام للإخوان المسلمين, و سركيس سركيس (عافاه الله) و رياض الترك و هيثم مناع و سفيان الثوري وصبحي الحديدي و الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية هم جميعا- كما أزعم- علويون بمقدار ما أن عبدالعزيز الخير و عارف دليلة و نزار نيوف كذلك! و هناك "علوية" Aliism مشتقة صوريا من اسم على بن أبى طالب, و من الانتماء إلى جماعة دينية تاريخية غنوصية Gnostic أسسها, بعد الإمام جعفر الصادق بحوالي أربعة قرون, "أبو عبد الله الخصيبي"- الشخصية اليهودية المنشقة عن المدرسة التوراتية الحاخامية الرسمية و أفكارها المنحدرة من حقبة السبي البابلي, و المنتمية إلى المدرسة "القرائية" Karaism البغدادية التي نشأت في بغداد خلال القرن الثامن الميلادي على أسس التوراتية البابلية نفسها, لكن الرافضة لسنة تفسيرها تلموديا, و للتلمود جملة و تفصيلا, و المطعمة في آن معا بخلاصة أفكار مدرسة "إيونيا" الفلسفية اليونانية. و هي في الإجمال لا علاقة لها, من قريب أو بعيد, لا بعلي بن أبي طالب و لا بجعفر الصادق, ولا حتى بالإسلام ومذاهبه الخمسة (أعني المذهب الجعفري الشيعي ضمنا). ويمكن القول, دون أدنى تحفظ, إن الإساءات والإهانات التي لحقت بعلي و بجعفر الصادق (أبي المذاهب الإسلامية الخمسة) على يدي الخصيبي, و لاسيما الهذيانات و الهلوسات الواردة في رسالة المسماة بـ "الرسالة الراستباشية [كن مسقيما]", لا تعادلهما أية إساءة أو إهانة أخرى أصابت هذين الرجلين العظيمين, من قبل و من بعد, خصوصا ما جاء فيها من "فكر" طائفي و مذهبي حاقد. و إذا ما أضفنا الخزعبلات التي فبركها شيوخ موتورون من هذه الطائفة خلال الحقبة المغولية و التركية, بما انطوت عليه من سخافات و أساطير و من أفكار تحريضية و تجييشية على أسس مذهبية و طائفية هي خلاصة حثالات الفكر القروسطي في هذا المجال, نصبح أمام منظومة متكاملة من منظومات التعبئة و الشحن الطائفي و المذهبي, و الداعية إلى ممارسته قولا و عملا, و إن يكن بشكل باطني و غير طائفي أو مذهبي ظاهرا. و بهذا المعنى فإن رفعت أسد و علي دوبا و علي حيدر و حسن خليل, المنتمين لهذه الطائفة, و هشام بختيار (الاختيار) و مصطفى التاجر و مصطفى طلاس, السنة من حيث انتماؤهم, و كمال يوسف, الماروني من حيث انتماؤه, على سبيل المثال لا الحصر, الذين مارسوا القمع والإرهاب واللصوصية بحق الشعب السوري و مقدراته, و حاربوا بالحديد والنار أي دعوة للعدالة السياسية و الاجتماعية, وانتهكوا أعراض الناس و حقوق الإنسان بأساليب في منتهى الوحشية, وقلة قليلة من أبناء هذه الطائفة)مجموعة من جنرالات الجيش والمخابرات و بارونات الحزب والمؤسسات المدنيين) هم جميعا علويون بمقدار ما كان أبو سفيان و أبو جهل و أبو لهب و أبو حمدان الخصيبي.. علويين! و أكبر مثال على ذلك أن الصراع المكلوب الذي نشب في العام 1984 بين ضواري السلطة لاقتسام آخر ما تبقى نتف وأشلاء الوطن بين أنيابهم و مخالبهم, لم يكن بين "العليَات" و"العمرات" او "الأبوبكرات" , بل بين "العليات" أنفسهم من جهة (أعني على دوبا و على حيدر) و قد تخندق معهم "بكريون" و عمريون" أمثال رئيس الأركان و وزير الدفاع, و بين "عليَات" آخرين مثلهم رفعت الأسد و معه أيضا "بكريون" و "عمريون" آخرون من جهة مقابلة, كان في طليعتهم شهبندر تجار دمشق و أعوانه و نقباؤه المعروف عنهم تاريخيا بأنهم يصفقون لكل قادم منتصر و يبصقون على كل راحل مهزوم!
لقد سال حبر كثير و سرت أقاويل كثيرة داخل البلاد و خارجها عن الامتيازات المزعومة التي تحصل عليها هذه الطائفة, و عن أسطورة حكمها لسورية. و من المؤكد أن الوقت لا يسمح بتفنيد هذه الهلوسات و إثبات ضلالها. و لهذا سأكتفي بتقديم مثال نموذجي عن ذلك هو قريتي "بسنديانة" الواقعة في جبال مدينة جبلة الساحلية و على بعد ثلاثين كيلو مترا منها.
يبلغ عدد سكان هذه القرية حوالي ستة آلاف نسمة, و مع ذلك فإنها أنجبت للنظام ـ بحسب إحصاء قديم يعود لعشر سنوات خلت ـ حوالي مائة و أربعين ضابطا من رتبة عقيد و ما فوق. و منهم من يحمل رتبة عماد التي لا يحملها سوى خمسة في الجيش السوري, و قسم كبير منهم كان أو لا يزال أحد مكونات العمود الفقري للنظام و مؤسسته العسكرية و مع هذا ـ أيها الأخوة ـ فإن أصابات القصور الكلوي في هذه القرية قد بلغت حد الوباء (مئات الإصابات) . و قد توفي العديد من الأطفال و الفتيان بسبب ذلك. و هذا كله بسبب اختلاط مياه المراحيض المنزلية المالحة بمياه الينابيع التي يشربها الناس. لأنه ببساطة, و حتى صيف العام الماضي ساعة خروجي من السجن, لم يكن في القرية شبكة صرف صحي! فماذا فعل هؤلاء الجنرالات لأبناء قريتهم (و جميعهم أقرباء بعضهم البعض), و ماذا أعطوهم من امتيازات؟!
لقد تحولت علاقة الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفية العلوية بالنظام إلى ما يشبه العلاقة التي قامت في جنوب أفريقية العنصرية بين الزنوج سكان الأرض و أصحابها الأصليين و بين أصحاب المزارع البيض الغزاة. و ذلك لأن جنرالات الطائفة و باروناتها المدنيين إنما أقاموا مستعمرات حقيقية, بالمعنى الدقيق للكلمة, وسط أبناء منطقتهم, و حولوا هؤلاء إلى عبيد في مزارعهم. و لا تستغربوا إذا قلت لكم إن الحال لا تختلف كثيرا في بلدة "القرداحة" (بلدة الرئيس) و ريفها عما هي عليه في بقية أنحاء سورية!
أما إذا تحدثنا عن المعتقلين السياسيين من أبناء الطائفة, فيكفي أن نقول إنهم الأعلى نسبة في أوساط معتقلي الأحزاب العلمانية, و منهم من استشهد تحت التعذيب كالشاعر و الصحفي منير محمد الأحمد (نجل الشاعر الكبير بدوي الجبل), الذي كنت و السجين السابق فائق المير أسعد الشاهدين الوحيدين على تصفيته تحت التعذيب في الأول من شباط/ فبراير 1992, و الشاعر حسن ديب الخير(من القرداحة) الذي خطفته عصابة من عناصر أمن سرايا الدفاع بأمر من رفعت الأسد و قتلته في سجونها قبل أن تقطع لسانه كما أكد شهود عيان. و ذلك كله بسبب قصيدة اعتبر فيها النظام الوجه الآخر لعدنان عقلة! و إذا كان لا بد أن نضيف مثالا آخر فيكفي أن أذكر توأم روحي المناضل و الكاتب و الصحفي و الطبيب الدكتور عبد العزيز الخير الذي نال أعلى حكم في تاريخ سورية إذا استثنينا الأحكام المؤبدة. لقد حكمه البارونات 22 عاما بعد اعتقاله مطلع العام 1992 ، وهو لا يزال أسيراً في سجن صيدنايا رغم أن جميع رفاقه قد أطلق سراحهم . وغني عن البيان أن عبد العزيز هو قريب الشاعر الشهير حسن الخير، وكلاهما من أبناء بلدة القرداحة ومن أكبر عائلة علوية اشتهرت بعلمها وفقهها وأدبها!
السيدات و السادة
الأخوات والأخوة
قلت في مقالة قبل أيام, وأكرر هنا. بأني كنت و لا زلت, شأني في ذلك شأن الكثيرين من أبناء بلدي- مواطني سورية, أختلف سياسيا و فكريا مع جماعة الإخوان المسلمين,على الأقل لأسباب تتصل بظروف و ملابسات و حيثيات المواجهات الدامية التي شهدتها البلاد نهاية السبعينيات و بداية الثمانينيات الماضية. و لعل البعض اختلف و يختلف معهم, و سيبقى مصرا على ذلك في المستقبل, لأسباب لا علاقة لهل بالفكر أو السياسة أو الثقافة, بل بنمط منحط من التفكر الطائفي و/ أو المذهبي المنحدر من حثالات الذهنية القروسطية التي تكونت في عصر الحوافر المغولية و المملوكية و على وقعها, أو لأسباب لا علاقة لها بهذا أو ذلك, و إنما بسيكولوجية الرعب أو التوق إلى النوم في حضن السلطة مع الإدعاء في الآن نفسه بأنه ينتف لحيتها! غير أن فجوة الخلاف, و لا بد من الاعتراف بذلك , قد تقلصت بشكل ملحوظ, و ربما كبير في بعض الجوانب, لا سيما بعد المراجعات التي قاموا بها خلال السنوات الأخيرة تحت قيادة المراقب العام السابق السيد حسن هويدي, ثم بشكل خاص تحت قيادة مراقبهم الحالي السيد علي صدرالبيانوني, الذي أقل ما يقال فبه انه شخصية جديرة بأن تسمع و جديرة بأن تناقش و جديرة بأن تحاور إلى أبعد حدود الجدية. و قد جربت هذا بنفسي أكثر من مرة و خبرته عن كثب! و كان "ميثاق الشرف الوطني", موضوع مناقشة هذا المؤتمر, خلاصة مكثفة لما أفضت إليه هذه المراجعات, و تعبيرا أساسيا عما توصل إليه "الإخوان" خلالها, و آمل ألا يكون ذلك محطتهم الأخيرة على طريق نقد الذات!
صحيح أن هذه المراجعة غير كافية (و سأبين أدناه أهم سبب من أسباب عدم كفايتها من وجهة نظري), غير أن تحليهم بشجاعة الإقدام عليها سيسجل نقطة لصالحهم, و سيبقى علامة فارقة تميز ذهنيتهم (الحالية على الأقل) عن الذهنية العنجهية التي طبعت و لا تزال تطبع السلطة و طواويسها, فضلا عن عنجهية بعض طواويس المسماة الوطنية و ديمقراطية و يسارية, التي لم تراجع شيئا, أو التي حاولت "المراجعة"فـ" تقيأت"! و علامة التميز هذه تأتي من حقيقة أن المراجعة كانت و لا تزال استحقاقا مطلوبا من السلطة قبل غيرها, كونها ليست اقل مسؤولية عما حدث, بل على العكس من ذلك تماما؛ إنها المسؤول الأساسي و ربما الوحيد عما سال من دماء في شوارع وزواريب سورية, على الأقل من حيث كونها تسيطر على مؤسسات الدولة و تمسك بتلابيبها و توظفها لصالح طبقة من اللصوص و العلق العالق في حلوق سبعة عشر مليون مواطن؛ سلطة شعارها: "كل شيء أو لا شيء", و مقولة لويس السادس عشر: "أنا و من بعدي الطوفان". و من يعترض اعتراضا حقيقيا على ممارسات الفدرالية المافيوية الحاكمة, و ليس اعتراضا شكليا لرفع العتب كما يفعل الكثيرون اليوم حين يضعون ساقا في بور السلطة وأخرى في فلاحة المعارضة,عليه الاختيار بين ثلاثة: السجن أو القتل أو المنفى؛ و إنها لثلاثة أحلاها علقم قد تكون مشكلتنا الأساسية أنه ليس ثمة كثيرون مستعدون لتجرع كأسه!
قلت إن السلطة هي مسؤول الأساسي عما حدث, لأنها احتلت الدولة كأي كولونيالية خارجية ووظفتها لحسابها الخاص, في حين أنه على الدولة, و لكي تستحق هذا الاسم, أن تكون للمجتمع بكليته, لا لشريحة منه أو مجموعة أوليغارشية أو "عصابة شبيحة" و حسب. و تصبح مسئوليتها أكبر إذا علمنا, والبعض لا يريد أن يعلم, أن المواجهة الدموية كانت بين "حليفين موضوعين" تلاقت مصالحهما الانتهازية في لحظة من اللحظات السياسية الحاسمة على ضرورة تفجير الأوضاع وجر البلاد على حمام دم. وأعني الدكتاتورية "العلمانية الكافرة" بقيادة بونابرت البعث الراحل حافظ الأسد, و "الديكتاتورية الإسلاموية المؤمنة" بقيادة عدنان عقلة.. الباقي حيا تحت حماية النظام و مخابراته في إحدي شقق حي "المزة" على ذمة مصادر مخابراتية سورية إن كان تبقى فيها ذو ذمة! بمعنى أن المواجهة لم تكن بين السلطة و الإخوان المسلمين- الحزب السياسي, كما توهم و لا يزال يتوهم الكثيرون, و مثلما هو شائع بفضل البروباجندا الغوغائية التي نجح النظام في تمريرها و تسويقها, بفضل تردد و تلكؤ الإخوان المسلمين (التنظيم التاريخي و الحزب السياسي المعروف), و لا أدري حتى الآن لماذا, في وضع النقاط على الحروف و نشر ما لديهم من وثائق حول "المفاوضات" التي جرت على مرحلتين بينهم و بين النظام أو أواسط الثمانينات في ألمانيا وأمكنة أخرى. و هذا هو بالضبط ما أردت الإشارة إليه بحديثي عن عدم كفاية هذه المراجعة و عن الأمل بأن لا تكون محطتهم الأخيرة.
لقد قفز الإخوان المسلمون قفزة هائلة إلى الأمام حين انتقلوا من المرجعية الدينية إلى المرجعية السياسية في برنامجهم السياسي, و إن لم يشيروا إلى ذلك صراحة. لكن, على أي حال, هذا ما بمكن استقراؤه من وثائقهم خلال السنوات الأخيرة, و بشكل خاص "مشروع الميثاق" الذي نحن بصدده. إلا أن الذي ما برح يشكل حجر عثرة في طريقهم إلى تطبيع العلاقة تطبيعا كاملا مع "المجتمع السياسي" و "المجتمع المدني" في سورية, و أنا لا أضع السلطة في عداد " المجتمع السياسي" لأنها لا زالت "مجتمعا عصبويا أمنيا مافيويا" ما دون السياسي, هو دورهم المفترض في الأحداث الدموية المعروفة.
بحسب معلوماتي, و معلومات الكثيرين غيري, و أرجو أن يدققها لي قادة الإخوان المسلمين الموجودين في هذا القاعة إن كانت غير دقيقة, فإنهم لم يكونوا طرفا في حرب حافظ الأسد- عدنان عقلة. بل على العكس من ذلك, لقد طالبوا المرحوم أكرم الحوراني- بحكم المكانة التي كان يشغلها و بحكم ثقله السياسي و علاقاته العربية-أن يتدخل لدي القيادة العراقية كي توقف إمداداتها بالسلاح لعدنان عقلة "لأن لهذا الخير مشروعه السياسي الخاص الذي لا ينسجم مع المشروع السياسي للإخوان المسلمين, و هو لن يقود البلاد إلا إلى كارثة وطنية كبرى" حسب تعبيرهم الحرفي الذي نقلته لنا أوساط مقربة جدا من المرحوم الحوراني و تعرف أدق التفاصيل عن نشاطاته و علاقته السياسية. و من الواضح أن "جناحا" دمويا متطرفا في النظام السوري على رأسه رفعت الأسد (نائب رئيس الجمهورية و رئيس مكتب الأمن القومي- القيادة السياسية العليا لأجهزة المخابرات و أركان الجيش) و على دوبا عضو هذه القيادة بحكم رئاسته للمخابرات العسكرية, فضلا عن بعض بارونات الجيش الذين تداخلت حساباتهم الطائفية بحساباتهم الاقتصادية المافوية و اللصوصية, لم يكونوا يريدون لحمام الدم أن يقفل أبوابه ، فهو بالنسبة لهم "باب رزق" سياسي اقتصادي طائفي مركب. و من المؤكد أن الرئيس الراحل لم يكن بعيدا جدا عن هذا الموقف, لكنه كان مستعدا- ضمن شروط معينة تكلفه أقل الخسائر السياسية الممكنة ـ لإبرام "معاهدة هدنة", لا سيما و أن نظامه كان يعاني حصارا خانقا على المستوى العربي و الدولي بحكم تداعيات "كامب ديفد". و من الواضح أيضا أن أي "معاهدة هدنة" كان الإخوان المسلمون (الحزب السياسي) هم الطرف الكاسب منها, و ليس عدنان عقلة و جماعته, فهؤلاء كان بالإمكان تصفيتهم عسكريا, و قد حصل هذا فعلا, بينما لا يمكن حل أزمة سياسية بوسائل عسكرية و أمنية. و الدليل أن عدنان عقلة و جماعته أصبحوا جزءا من التاريخ, بينما لا يزال الإخوان المسلمون على قيد الحياة سياسيا (داخليا و خارجيا ، بعكس ما يدعي السيد حسن عبد العظيم) بعد عشرين عاما و بعد حوالي خمسة عشر ألف شهيد منهم يرقد معظمهم في المقابر الجماعية التدمرية أو في خان أبو الشامات ! وأنا بالمناسبة, رضى من رضى واحتج من احتج, أعتبر كل من أعدم أو قتل تحت التعذيب بسبب معتقداته.. شهيدا. و لأن الإخوان المسلمين هم الذين كانوا سيكسبون سياسيا, فقد أحبط بارونات الدم و المال و الأمن في النظام إمكانية قيام مصالحة تاريخية توفر على البلاد كل شلالات الدم تلك.
في الحقيقة ثمة وقائع على الأرض تدعم بقوة فرضيتنا المذكورة أعلاه. و أعني أن الذي كان مستهدفا بالتصفية هم "الإخوان المسلمون"- التنظيم السياسي, و ليس جماعة "الطليعة المقاتلة" و "جماعة الطلائع المقاتلة". و الدليل على ذلك أن المفاوضات التي جرت في ألمانية أسفرت عن إطلاق سراح حوالي خمسمائة مسلح من الجماعتين المذكورتين, و هم أول من يطلق سراحه(!). و قد عمد متطرفو النظام إلى تخريب هذه المفاوضات من خلال قيامهم بإعدام حسني عابو في السجن خلال ربع الساعة الأخير بعدما كانوا تعهدوا بأنه مشمول بعملية إطلاق السراح!
أما الواقعة الثانية فقد كانت حصلت قبل ذلك بسنوات, و أعني لجوء السلطة إلى إصدار القانون 49 للعام 1980 الذي نص على إنزال عقوبة الإعدام بكل من له صلة تنظيمية بحزب الإخوان المسلمين. والمفارقة المذهلة التي تؤكدها معلوماتنا كمناضلين في ميدان حقوق الإنسان, و كسجناء سياسيين سابقين, إن عملية الإعدام أو التصفية تحت التعذيب لم تشمل- مع استثناءات طفيفة- سوى الإسلاميين السياسيين الذين لم يستخدموا حتى شفرة حلاقة, في الوقت الذي أطلق فيه سراح الذين ارتكبوا عمليات التفجير و قتل الأبرياء في الأماكن العامة! و هذا ما يؤكد أن ثمة مؤامرة حقيقية كان بارونات النظام و عدنان عقلة طرفيها و الحليفين الموضوعيين فيها!
أما الواقعة الثالثة فهي إقدام بارونات الأمن- و كما تؤكد معطيات و مصادر عديدة- على تصفية العديد من الكوادر العلمية و العسكرية و الثقافية من أبناء الطائفة العلوية الذين لا يرتاحون لهم أو الذين يختلفون معهم سياسيا, و من ثم اتهام الإخوان المسلمين بأنهم هم من ارتكب ذلك. أي كما يفعل اليوم جنرالات الجزائر. و قد ضربوا عصفورين بحجر واحد من خلال هذا السلوك الإجرامي: أو لهما التخلص من هؤلاء, و ثانيهما تغذية محرك الحقد الطائفي و زيادة سرعة دورانه. و من حق أبناء الطائفة العلوية الآن أن يتساءلوا بصوت عال: من قتل الدكتور محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق و علامة القانون العظيم, و من قتل الطبيب جراح العصبية العبقري محمود شحادة خليل, و من قتل الدكتور الطبيب إبراهيم نعامة (قريب رئيس الجمهورية), و من قتل العميد عبد الكريم رزوق قائد سلاح الصواريخ الأرضية؟ ! هذا كي لا نتساءل عمن قتل الكوادر الأخرى المنحدرة من الطائفة السنية مثل نقيب المحامين نزيه الجمالي أو أولئك الأطباء السبعة ( عمر الشيشكلي وزملاءه) الذين ألقيت جثثهم قرب إحدى القرى العلوية في ريف حماة بعد أن تم التمثيل بها؟!
إن قيام الإخوان المسلمين بنشر ما لديهم من وثائق حول تلك السنوات السوداء, سيساهم إلى حد كبير في العثور على جزء هام من تاريخنا الحقيقي المضيع, و سيقدم لبنة صلبة لبناء تاريخنا القادم. و لهذا اسمحوا لي أن أستغل هذه المناسبة لأناشد قيادتهم العمل على نشر ما لديها من وثائق, و لاسيما تلك المتعلقة بمفاوضاتهم المذكورة مع السلطة ، من أجل العثور على الجزء المفقود من تاريخنا الحقيقي, على الأقل ليعرف المواطنون السوريون أن ما جرعتهم إياه بروباجندا السلطة على مدى عشرين عاما ينبغي تقيؤه قبل أن يفتك بهم و بمستقبل أبنائهم.
السيدات و السادة
الأخوات و الأخوة
أعرف جيدا أن مراسيم افتتاح أي مؤتمر غالبا ما تقتصر على الكلمات القصيرة, و اعرف أني تجاوزت حدود ما هو مخصص لي. و لهذا سأختم حديثي بالإعلان عن ترحيبي بأي قرار ستتخذونه بالأكثرية واضع توقيعي المسبق عليه, كما و أعرب عن ترحيبي بمبادرة الإخوان المسلمين المتمثلة بميثاق الشرف الوطني والدعوة إلى مناقشة, و أعتبره خطوة هامة جدا على الطريق المصالحة الوطنية التي لا بد لاكتمالها من قيام النظام بمبادرة جوابية إيجابية من قبلها تقوم على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين, و إلغاء القانون 49 للعام 1980, ليس لأني ضد عقوبة الإعدام فقط, بل لأن هذا القانون كان و لا يزال أحد المسامير التي دقها النظام في نعش الوحدة الوطنية؛ والكشف عن مصير آلاف المفقودين (و معظمهم من الإخوان المسلمين و ذويهم من الرهائن الأبرياء), و التعويض على أسرهم, مع احتفاظ هؤلاء بحقهم الخاص في ملاحقة القتلة أمام قضاء عادل و نزيه. و لا داع للتذكير ببقية مطالب الشعب السوري وقواه الوطنية و الديمقراطية و الإسلامية, التي أصبحت معروفة جيدا و موضع إجماع من قبل جميع هذه الأطراف أكثر من أي وقت مضى.
قبل أن أودع أبى حين قدومي للعلاج في فرنسا قال لي بالحرف "قد لا نلتقي بعد اليوم مرة أخرى يا نزار, و لهذا سأقول بضع كلمات أرجو أن تعتبرها وصيتي لك: لقد مرت البلاد في محنة نعرف أنا و أنت من كان سببها و مسببها الحقيقي, و أنت بحكم انحدارك من هذه الطائفة تترتب عليك مسؤولية خاصة, فأرجو أن لا تكون شاهد زور فيما ستقوم به أو تقوله". و إنني أرجو أن أكون قد صنت وصية والدي فيما قلته خلال الدقائق الماضية.
شكرا لإصغائكم
والسلام عليكم
نزار نيوف
المقدم من قبل الإخوان المسلمين في سورية
السيدات و السادة,
الأخوات و الأخوة,
لست صاحب الدعوة إلى هذا المؤتمر, و لست من أهل البيت الذي دعا إليه. و مع ذلك أرجو أن يسمح لي الأخوة الداعون ب"مصادرة" أحد حقوقهم "البروتوكولية" لأرحب بمن لبى هذه الدعوة و حضر, سواء بشكل مباشر أم من خلال رسالة أو ورقة عمل حين لم تسعفه ظروفه الصحية أو شروط إقامتة حيث هو, وأن أشكره على تلبية نداء الواجب شكرا نابعا من صميم القلب. ذلك لأنه- بهذا التجاوب-إنما عبر عن نكران ذات, شخصية و/أو حزبية, و عن إحساس عال بالمسؤولية إزاء وطنه المنكوب و قضاياه و بلاويه المزمنة, ونأى بنفسه عن حظيرة الطواويس التي ما فتئت تزهو بريشها السياسي و الأيديولوجي, رغم أن الرياح التي عصفت خلال العقود الثلاث الأخيرة, داخلا و خارجا, قد اقتلعت هذا الريش من جذوره و تركت أصحابه عراة حتى من الزغب!
لقد علق بعض "المتصيدين" في أوساط المعارضة السورية, المسماة وطنية و ديمقراطية, على دعوة الإخوان المسلمين لي لحضور هذا المؤتمر, و على قبولي المشاركة فيه و ترحيبي به, بأن دعوتهم "موقف إعلامي انتهازي من قبلهم" و تلبيتي الدعوة "موقف سياسي انتهازي من قبلي" , غامزين بذلك من علمانيتي و من حقيقة انتمائي التاريخي إلى اليسار الماركسي, و لكن, قبل كل هذا و ذاك, من حقيقة انتمائي- بحكم المولد- إلى الطائفة العلوية في سورية, و انحداري منها بفعل تصاريف الطبيعة و القدر. و هي الطائفة التي يزعم, داخلا و خارجا, و على نطاق واسع, سواء من منطق الجهل أو بدافع التحريض و التجييش الطائفي و المذهبي, أنها تحكم البلاد و تتصرف بمقدراتها!
لم أكن في سابق أيامي و لن أكن في مقبلها ممثلا لطائفة أو ناطقا باسمها, و مع ذلك ليسمح لي هؤلاء المتصيدون, و أرجو أن يسمح لي الحضور الكريم, بالحديث عن بعض ما يتعلق بهذه الطائفة من منطلق "أهل مكة أدرى بشعابها", آملا إزالة بعض اللبس و "الغموض" الذي يكتنف حقيقتها و حقيقة علاقتها بالنظام, و حقيقة علاقة النظام بها. و هو على أي حال "غموض" ساهم الجميع في تكريسه بهذا الشكل أو ذاك, و ليس ثمة من هو بريء من ذاك, سواء أكان من الطائفة أم من النظام أم من المعارضة, بشقيها الوطني العلماني و الوطني الإسلامي.
لحضرات (و الكثير منكم يعرف مثلي ما سأقوله و يؤمن به كما أومن به) و لأولئك المتصيدين, أحب أن أقول: هناك "علويتان" إذا جاز التعبير, "علوية" ALAWISM مشتقة من منظومة القيم الأخلاقية و السياسية و الاجتماعية التي حملها ونادى بها على بن أني طالب و ميزت سلوكه اليومي و حياته, بكل ما تنطوي عليه من إيمان, قولا و عملا, بالعدالة السياسية والاجتماعية والاحترام حقوق الإنسان ورفض الإساءة لكرامته بأي شكل من الأشكال, و تحت أي ذريعة من الذرائع . و بهذا المعنى فإن علي صدر الدين البيانوني, المراقب العام للإخوان المسلمين, و سركيس سركيس (عافاه الله) و رياض الترك و هيثم مناع و سفيان الثوري وصبحي الحديدي و الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية هم جميعا- كما أزعم- علويون بمقدار ما أن عبدالعزيز الخير و عارف دليلة و نزار نيوف كذلك! و هناك "علوية" Aliism مشتقة صوريا من اسم على بن أبى طالب, و من الانتماء إلى جماعة دينية تاريخية غنوصية Gnostic أسسها, بعد الإمام جعفر الصادق بحوالي أربعة قرون, "أبو عبد الله الخصيبي"- الشخصية اليهودية المنشقة عن المدرسة التوراتية الحاخامية الرسمية و أفكارها المنحدرة من حقبة السبي البابلي, و المنتمية إلى المدرسة "القرائية" Karaism البغدادية التي نشأت في بغداد خلال القرن الثامن الميلادي على أسس التوراتية البابلية نفسها, لكن الرافضة لسنة تفسيرها تلموديا, و للتلمود جملة و تفصيلا, و المطعمة في آن معا بخلاصة أفكار مدرسة "إيونيا" الفلسفية اليونانية. و هي في الإجمال لا علاقة لها, من قريب أو بعيد, لا بعلي بن أبي طالب و لا بجعفر الصادق, ولا حتى بالإسلام ومذاهبه الخمسة (أعني المذهب الجعفري الشيعي ضمنا). ويمكن القول, دون أدنى تحفظ, إن الإساءات والإهانات التي لحقت بعلي و بجعفر الصادق (أبي المذاهب الإسلامية الخمسة) على يدي الخصيبي, و لاسيما الهذيانات و الهلوسات الواردة في رسالة المسماة بـ "الرسالة الراستباشية [كن مسقيما]", لا تعادلهما أية إساءة أو إهانة أخرى أصابت هذين الرجلين العظيمين, من قبل و من بعد, خصوصا ما جاء فيها من "فكر" طائفي و مذهبي حاقد. و إذا ما أضفنا الخزعبلات التي فبركها شيوخ موتورون من هذه الطائفة خلال الحقبة المغولية و التركية, بما انطوت عليه من سخافات و أساطير و من أفكار تحريضية و تجييشية على أسس مذهبية و طائفية هي خلاصة حثالات الفكر القروسطي في هذا المجال, نصبح أمام منظومة متكاملة من منظومات التعبئة و الشحن الطائفي و المذهبي, و الداعية إلى ممارسته قولا و عملا, و إن يكن بشكل باطني و غير طائفي أو مذهبي ظاهرا. و بهذا المعنى فإن رفعت أسد و علي دوبا و علي حيدر و حسن خليل, المنتمين لهذه الطائفة, و هشام بختيار (الاختيار) و مصطفى التاجر و مصطفى طلاس, السنة من حيث انتماؤهم, و كمال يوسف, الماروني من حيث انتماؤه, على سبيل المثال لا الحصر, الذين مارسوا القمع والإرهاب واللصوصية بحق الشعب السوري و مقدراته, و حاربوا بالحديد والنار أي دعوة للعدالة السياسية و الاجتماعية, وانتهكوا أعراض الناس و حقوق الإنسان بأساليب في منتهى الوحشية, وقلة قليلة من أبناء هذه الطائفة)مجموعة من جنرالات الجيش والمخابرات و بارونات الحزب والمؤسسات المدنيين) هم جميعا علويون بمقدار ما كان أبو سفيان و أبو جهل و أبو لهب و أبو حمدان الخصيبي.. علويين! و أكبر مثال على ذلك أن الصراع المكلوب الذي نشب في العام 1984 بين ضواري السلطة لاقتسام آخر ما تبقى نتف وأشلاء الوطن بين أنيابهم و مخالبهم, لم يكن بين "العليَات" و"العمرات" او "الأبوبكرات" , بل بين "العليات" أنفسهم من جهة (أعني على دوبا و على حيدر) و قد تخندق معهم "بكريون" و عمريون" أمثال رئيس الأركان و وزير الدفاع, و بين "عليَات" آخرين مثلهم رفعت الأسد و معه أيضا "بكريون" و "عمريون" آخرون من جهة مقابلة, كان في طليعتهم شهبندر تجار دمشق و أعوانه و نقباؤه المعروف عنهم تاريخيا بأنهم يصفقون لكل قادم منتصر و يبصقون على كل راحل مهزوم!
لقد سال حبر كثير و سرت أقاويل كثيرة داخل البلاد و خارجها عن الامتيازات المزعومة التي تحصل عليها هذه الطائفة, و عن أسطورة حكمها لسورية. و من المؤكد أن الوقت لا يسمح بتفنيد هذه الهلوسات و إثبات ضلالها. و لهذا سأكتفي بتقديم مثال نموذجي عن ذلك هو قريتي "بسنديانة" الواقعة في جبال مدينة جبلة الساحلية و على بعد ثلاثين كيلو مترا منها.
يبلغ عدد سكان هذه القرية حوالي ستة آلاف نسمة, و مع ذلك فإنها أنجبت للنظام ـ بحسب إحصاء قديم يعود لعشر سنوات خلت ـ حوالي مائة و أربعين ضابطا من رتبة عقيد و ما فوق. و منهم من يحمل رتبة عماد التي لا يحملها سوى خمسة في الجيش السوري, و قسم كبير منهم كان أو لا يزال أحد مكونات العمود الفقري للنظام و مؤسسته العسكرية و مع هذا ـ أيها الأخوة ـ فإن أصابات القصور الكلوي في هذه القرية قد بلغت حد الوباء (مئات الإصابات) . و قد توفي العديد من الأطفال و الفتيان بسبب ذلك. و هذا كله بسبب اختلاط مياه المراحيض المنزلية المالحة بمياه الينابيع التي يشربها الناس. لأنه ببساطة, و حتى صيف العام الماضي ساعة خروجي من السجن, لم يكن في القرية شبكة صرف صحي! فماذا فعل هؤلاء الجنرالات لأبناء قريتهم (و جميعهم أقرباء بعضهم البعض), و ماذا أعطوهم من امتيازات؟!
لقد تحولت علاقة الأغلبية الساحقة من أبناء الطائفية العلوية بالنظام إلى ما يشبه العلاقة التي قامت في جنوب أفريقية العنصرية بين الزنوج سكان الأرض و أصحابها الأصليين و بين أصحاب المزارع البيض الغزاة. و ذلك لأن جنرالات الطائفة و باروناتها المدنيين إنما أقاموا مستعمرات حقيقية, بالمعنى الدقيق للكلمة, وسط أبناء منطقتهم, و حولوا هؤلاء إلى عبيد في مزارعهم. و لا تستغربوا إذا قلت لكم إن الحال لا تختلف كثيرا في بلدة "القرداحة" (بلدة الرئيس) و ريفها عما هي عليه في بقية أنحاء سورية!
أما إذا تحدثنا عن المعتقلين السياسيين من أبناء الطائفة, فيكفي أن نقول إنهم الأعلى نسبة في أوساط معتقلي الأحزاب العلمانية, و منهم من استشهد تحت التعذيب كالشاعر و الصحفي منير محمد الأحمد (نجل الشاعر الكبير بدوي الجبل), الذي كنت و السجين السابق فائق المير أسعد الشاهدين الوحيدين على تصفيته تحت التعذيب في الأول من شباط/ فبراير 1992, و الشاعر حسن ديب الخير(من القرداحة) الذي خطفته عصابة من عناصر أمن سرايا الدفاع بأمر من رفعت الأسد و قتلته في سجونها قبل أن تقطع لسانه كما أكد شهود عيان. و ذلك كله بسبب قصيدة اعتبر فيها النظام الوجه الآخر لعدنان عقلة! و إذا كان لا بد أن نضيف مثالا آخر فيكفي أن أذكر توأم روحي المناضل و الكاتب و الصحفي و الطبيب الدكتور عبد العزيز الخير الذي نال أعلى حكم في تاريخ سورية إذا استثنينا الأحكام المؤبدة. لقد حكمه البارونات 22 عاما بعد اعتقاله مطلع العام 1992 ، وهو لا يزال أسيراً في سجن صيدنايا رغم أن جميع رفاقه قد أطلق سراحهم . وغني عن البيان أن عبد العزيز هو قريب الشاعر الشهير حسن الخير، وكلاهما من أبناء بلدة القرداحة ومن أكبر عائلة علوية اشتهرت بعلمها وفقهها وأدبها!
السيدات و السادة
الأخوات والأخوة
قلت في مقالة قبل أيام, وأكرر هنا. بأني كنت و لا زلت, شأني في ذلك شأن الكثيرين من أبناء بلدي- مواطني سورية, أختلف سياسيا و فكريا مع جماعة الإخوان المسلمين,على الأقل لأسباب تتصل بظروف و ملابسات و حيثيات المواجهات الدامية التي شهدتها البلاد نهاية السبعينيات و بداية الثمانينيات الماضية. و لعل البعض اختلف و يختلف معهم, و سيبقى مصرا على ذلك في المستقبل, لأسباب لا علاقة لهل بالفكر أو السياسة أو الثقافة, بل بنمط منحط من التفكر الطائفي و/ أو المذهبي المنحدر من حثالات الذهنية القروسطية التي تكونت في عصر الحوافر المغولية و المملوكية و على وقعها, أو لأسباب لا علاقة لها بهذا أو ذلك, و إنما بسيكولوجية الرعب أو التوق إلى النوم في حضن السلطة مع الإدعاء في الآن نفسه بأنه ينتف لحيتها! غير أن فجوة الخلاف, و لا بد من الاعتراف بذلك , قد تقلصت بشكل ملحوظ, و ربما كبير في بعض الجوانب, لا سيما بعد المراجعات التي قاموا بها خلال السنوات الأخيرة تحت قيادة المراقب العام السابق السيد حسن هويدي, ثم بشكل خاص تحت قيادة مراقبهم الحالي السيد علي صدرالبيانوني, الذي أقل ما يقال فبه انه شخصية جديرة بأن تسمع و جديرة بأن تناقش و جديرة بأن تحاور إلى أبعد حدود الجدية. و قد جربت هذا بنفسي أكثر من مرة و خبرته عن كثب! و كان "ميثاق الشرف الوطني", موضوع مناقشة هذا المؤتمر, خلاصة مكثفة لما أفضت إليه هذه المراجعات, و تعبيرا أساسيا عما توصل إليه "الإخوان" خلالها, و آمل ألا يكون ذلك محطتهم الأخيرة على طريق نقد الذات!
صحيح أن هذه المراجعة غير كافية (و سأبين أدناه أهم سبب من أسباب عدم كفايتها من وجهة نظري), غير أن تحليهم بشجاعة الإقدام عليها سيسجل نقطة لصالحهم, و سيبقى علامة فارقة تميز ذهنيتهم (الحالية على الأقل) عن الذهنية العنجهية التي طبعت و لا تزال تطبع السلطة و طواويسها, فضلا عن عنجهية بعض طواويس المسماة الوطنية و ديمقراطية و يسارية, التي لم تراجع شيئا, أو التي حاولت "المراجعة"فـ" تقيأت"! و علامة التميز هذه تأتي من حقيقة أن المراجعة كانت و لا تزال استحقاقا مطلوبا من السلطة قبل غيرها, كونها ليست اقل مسؤولية عما حدث, بل على العكس من ذلك تماما؛ إنها المسؤول الأساسي و ربما الوحيد عما سال من دماء في شوارع وزواريب سورية, على الأقل من حيث كونها تسيطر على مؤسسات الدولة و تمسك بتلابيبها و توظفها لصالح طبقة من اللصوص و العلق العالق في حلوق سبعة عشر مليون مواطن؛ سلطة شعارها: "كل شيء أو لا شيء", و مقولة لويس السادس عشر: "أنا و من بعدي الطوفان". و من يعترض اعتراضا حقيقيا على ممارسات الفدرالية المافيوية الحاكمة, و ليس اعتراضا شكليا لرفع العتب كما يفعل الكثيرون اليوم حين يضعون ساقا في بور السلطة وأخرى في فلاحة المعارضة,عليه الاختيار بين ثلاثة: السجن أو القتل أو المنفى؛ و إنها لثلاثة أحلاها علقم قد تكون مشكلتنا الأساسية أنه ليس ثمة كثيرون مستعدون لتجرع كأسه!
قلت إن السلطة هي مسؤول الأساسي عما حدث, لأنها احتلت الدولة كأي كولونيالية خارجية ووظفتها لحسابها الخاص, في حين أنه على الدولة, و لكي تستحق هذا الاسم, أن تكون للمجتمع بكليته, لا لشريحة منه أو مجموعة أوليغارشية أو "عصابة شبيحة" و حسب. و تصبح مسئوليتها أكبر إذا علمنا, والبعض لا يريد أن يعلم, أن المواجهة الدموية كانت بين "حليفين موضوعين" تلاقت مصالحهما الانتهازية في لحظة من اللحظات السياسية الحاسمة على ضرورة تفجير الأوضاع وجر البلاد على حمام دم. وأعني الدكتاتورية "العلمانية الكافرة" بقيادة بونابرت البعث الراحل حافظ الأسد, و "الديكتاتورية الإسلاموية المؤمنة" بقيادة عدنان عقلة.. الباقي حيا تحت حماية النظام و مخابراته في إحدي شقق حي "المزة" على ذمة مصادر مخابراتية سورية إن كان تبقى فيها ذو ذمة! بمعنى أن المواجهة لم تكن بين السلطة و الإخوان المسلمين- الحزب السياسي, كما توهم و لا يزال يتوهم الكثيرون, و مثلما هو شائع بفضل البروباجندا الغوغائية التي نجح النظام في تمريرها و تسويقها, بفضل تردد و تلكؤ الإخوان المسلمين (التنظيم التاريخي و الحزب السياسي المعروف), و لا أدري حتى الآن لماذا, في وضع النقاط على الحروف و نشر ما لديهم من وثائق حول "المفاوضات" التي جرت على مرحلتين بينهم و بين النظام أو أواسط الثمانينات في ألمانيا وأمكنة أخرى. و هذا هو بالضبط ما أردت الإشارة إليه بحديثي عن عدم كفاية هذه المراجعة و عن الأمل بأن لا تكون محطتهم الأخيرة.
لقد قفز الإخوان المسلمون قفزة هائلة إلى الأمام حين انتقلوا من المرجعية الدينية إلى المرجعية السياسية في برنامجهم السياسي, و إن لم يشيروا إلى ذلك صراحة. لكن, على أي حال, هذا ما بمكن استقراؤه من وثائقهم خلال السنوات الأخيرة, و بشكل خاص "مشروع الميثاق" الذي نحن بصدده. إلا أن الذي ما برح يشكل حجر عثرة في طريقهم إلى تطبيع العلاقة تطبيعا كاملا مع "المجتمع السياسي" و "المجتمع المدني" في سورية, و أنا لا أضع السلطة في عداد " المجتمع السياسي" لأنها لا زالت "مجتمعا عصبويا أمنيا مافيويا" ما دون السياسي, هو دورهم المفترض في الأحداث الدموية المعروفة.
بحسب معلوماتي, و معلومات الكثيرين غيري, و أرجو أن يدققها لي قادة الإخوان المسلمين الموجودين في هذا القاعة إن كانت غير دقيقة, فإنهم لم يكونوا طرفا في حرب حافظ الأسد- عدنان عقلة. بل على العكس من ذلك, لقد طالبوا المرحوم أكرم الحوراني- بحكم المكانة التي كان يشغلها و بحكم ثقله السياسي و علاقاته العربية-أن يتدخل لدي القيادة العراقية كي توقف إمداداتها بالسلاح لعدنان عقلة "لأن لهذا الخير مشروعه السياسي الخاص الذي لا ينسجم مع المشروع السياسي للإخوان المسلمين, و هو لن يقود البلاد إلا إلى كارثة وطنية كبرى" حسب تعبيرهم الحرفي الذي نقلته لنا أوساط مقربة جدا من المرحوم الحوراني و تعرف أدق التفاصيل عن نشاطاته و علاقته السياسية. و من الواضح أن "جناحا" دمويا متطرفا في النظام السوري على رأسه رفعت الأسد (نائب رئيس الجمهورية و رئيس مكتب الأمن القومي- القيادة السياسية العليا لأجهزة المخابرات و أركان الجيش) و على دوبا عضو هذه القيادة بحكم رئاسته للمخابرات العسكرية, فضلا عن بعض بارونات الجيش الذين تداخلت حساباتهم الطائفية بحساباتهم الاقتصادية المافوية و اللصوصية, لم يكونوا يريدون لحمام الدم أن يقفل أبوابه ، فهو بالنسبة لهم "باب رزق" سياسي اقتصادي طائفي مركب. و من المؤكد أن الرئيس الراحل لم يكن بعيدا جدا عن هذا الموقف, لكنه كان مستعدا- ضمن شروط معينة تكلفه أقل الخسائر السياسية الممكنة ـ لإبرام "معاهدة هدنة", لا سيما و أن نظامه كان يعاني حصارا خانقا على المستوى العربي و الدولي بحكم تداعيات "كامب ديفد". و من الواضح أيضا أن أي "معاهدة هدنة" كان الإخوان المسلمون (الحزب السياسي) هم الطرف الكاسب منها, و ليس عدنان عقلة و جماعته, فهؤلاء كان بالإمكان تصفيتهم عسكريا, و قد حصل هذا فعلا, بينما لا يمكن حل أزمة سياسية بوسائل عسكرية و أمنية. و الدليل أن عدنان عقلة و جماعته أصبحوا جزءا من التاريخ, بينما لا يزال الإخوان المسلمون على قيد الحياة سياسيا (داخليا و خارجيا ، بعكس ما يدعي السيد حسن عبد العظيم) بعد عشرين عاما و بعد حوالي خمسة عشر ألف شهيد منهم يرقد معظمهم في المقابر الجماعية التدمرية أو في خان أبو الشامات ! وأنا بالمناسبة, رضى من رضى واحتج من احتج, أعتبر كل من أعدم أو قتل تحت التعذيب بسبب معتقداته.. شهيدا. و لأن الإخوان المسلمين هم الذين كانوا سيكسبون سياسيا, فقد أحبط بارونات الدم و المال و الأمن في النظام إمكانية قيام مصالحة تاريخية توفر على البلاد كل شلالات الدم تلك.
في الحقيقة ثمة وقائع على الأرض تدعم بقوة فرضيتنا المذكورة أعلاه. و أعني أن الذي كان مستهدفا بالتصفية هم "الإخوان المسلمون"- التنظيم السياسي, و ليس جماعة "الطليعة المقاتلة" و "جماعة الطلائع المقاتلة". و الدليل على ذلك أن المفاوضات التي جرت في ألمانية أسفرت عن إطلاق سراح حوالي خمسمائة مسلح من الجماعتين المذكورتين, و هم أول من يطلق سراحه(!). و قد عمد متطرفو النظام إلى تخريب هذه المفاوضات من خلال قيامهم بإعدام حسني عابو في السجن خلال ربع الساعة الأخير بعدما كانوا تعهدوا بأنه مشمول بعملية إطلاق السراح!
أما الواقعة الثانية فقد كانت حصلت قبل ذلك بسنوات, و أعني لجوء السلطة إلى إصدار القانون 49 للعام 1980 الذي نص على إنزال عقوبة الإعدام بكل من له صلة تنظيمية بحزب الإخوان المسلمين. والمفارقة المذهلة التي تؤكدها معلوماتنا كمناضلين في ميدان حقوق الإنسان, و كسجناء سياسيين سابقين, إن عملية الإعدام أو التصفية تحت التعذيب لم تشمل- مع استثناءات طفيفة- سوى الإسلاميين السياسيين الذين لم يستخدموا حتى شفرة حلاقة, في الوقت الذي أطلق فيه سراح الذين ارتكبوا عمليات التفجير و قتل الأبرياء في الأماكن العامة! و هذا ما يؤكد أن ثمة مؤامرة حقيقية كان بارونات النظام و عدنان عقلة طرفيها و الحليفين الموضوعيين فيها!
أما الواقعة الثالثة فهي إقدام بارونات الأمن- و كما تؤكد معطيات و مصادر عديدة- على تصفية العديد من الكوادر العلمية و العسكرية و الثقافية من أبناء الطائفة العلوية الذين لا يرتاحون لهم أو الذين يختلفون معهم سياسيا, و من ثم اتهام الإخوان المسلمين بأنهم هم من ارتكب ذلك. أي كما يفعل اليوم جنرالات الجزائر. و قد ضربوا عصفورين بحجر واحد من خلال هذا السلوك الإجرامي: أو لهما التخلص من هؤلاء, و ثانيهما تغذية محرك الحقد الطائفي و زيادة سرعة دورانه. و من حق أبناء الطائفة العلوية الآن أن يتساءلوا بصوت عال: من قتل الدكتور محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق و علامة القانون العظيم, و من قتل الطبيب جراح العصبية العبقري محمود شحادة خليل, و من قتل الدكتور الطبيب إبراهيم نعامة (قريب رئيس الجمهورية), و من قتل العميد عبد الكريم رزوق قائد سلاح الصواريخ الأرضية؟ ! هذا كي لا نتساءل عمن قتل الكوادر الأخرى المنحدرة من الطائفة السنية مثل نقيب المحامين نزيه الجمالي أو أولئك الأطباء السبعة ( عمر الشيشكلي وزملاءه) الذين ألقيت جثثهم قرب إحدى القرى العلوية في ريف حماة بعد أن تم التمثيل بها؟!
إن قيام الإخوان المسلمين بنشر ما لديهم من وثائق حول تلك السنوات السوداء, سيساهم إلى حد كبير في العثور على جزء هام من تاريخنا الحقيقي المضيع, و سيقدم لبنة صلبة لبناء تاريخنا القادم. و لهذا اسمحوا لي أن أستغل هذه المناسبة لأناشد قيادتهم العمل على نشر ما لديها من وثائق, و لاسيما تلك المتعلقة بمفاوضاتهم المذكورة مع السلطة ، من أجل العثور على الجزء المفقود من تاريخنا الحقيقي, على الأقل ليعرف المواطنون السوريون أن ما جرعتهم إياه بروباجندا السلطة على مدى عشرين عاما ينبغي تقيؤه قبل أن يفتك بهم و بمستقبل أبنائهم.
السيدات و السادة
الأخوات و الأخوة
أعرف جيدا أن مراسيم افتتاح أي مؤتمر غالبا ما تقتصر على الكلمات القصيرة, و اعرف أني تجاوزت حدود ما هو مخصص لي. و لهذا سأختم حديثي بالإعلان عن ترحيبي بأي قرار ستتخذونه بالأكثرية واضع توقيعي المسبق عليه, كما و أعرب عن ترحيبي بمبادرة الإخوان المسلمين المتمثلة بميثاق الشرف الوطني والدعوة إلى مناقشة, و أعتبره خطوة هامة جدا على الطريق المصالحة الوطنية التي لا بد لاكتمالها من قيام النظام بمبادرة جوابية إيجابية من قبلها تقوم على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين, و إلغاء القانون 49 للعام 1980, ليس لأني ضد عقوبة الإعدام فقط, بل لأن هذا القانون كان و لا يزال أحد المسامير التي دقها النظام في نعش الوحدة الوطنية؛ والكشف عن مصير آلاف المفقودين (و معظمهم من الإخوان المسلمين و ذويهم من الرهائن الأبرياء), و التعويض على أسرهم, مع احتفاظ هؤلاء بحقهم الخاص في ملاحقة القتلة أمام قضاء عادل و نزيه. و لا داع للتذكير ببقية مطالب الشعب السوري وقواه الوطنية و الديمقراطية و الإسلامية, التي أصبحت معروفة جيدا و موضع إجماع من قبل جميع هذه الأطراف أكثر من أي وقت مضى.
قبل أن أودع أبى حين قدومي للعلاج في فرنسا قال لي بالحرف "قد لا نلتقي بعد اليوم مرة أخرى يا نزار, و لهذا سأقول بضع كلمات أرجو أن تعتبرها وصيتي لك: لقد مرت البلاد في محنة نعرف أنا و أنت من كان سببها و مسببها الحقيقي, و أنت بحكم انحدارك من هذه الطائفة تترتب عليك مسؤولية خاصة, فأرجو أن لا تكون شاهد زور فيما ستقوم به أو تقوله". و إنني أرجو أن أكون قد صنت وصية والدي فيما قلته خلال الدقائق الماضية.
شكرا لإصغائكم
والسلام عليكم
نزار نيوف