yass
10/10/2004, 20:24
بقلم : أكرم البني
الحياة
تنوعت الاجتهادات حول أسباب المأزق الذي وضعت السياسية السورية نفسها فيه بإصرارها على تقرير مصير الاستحقاق الرئاسي اللبناني: أهي انجرار إلى فخ نُسجت خيوطه بدقة وإحكام, أم أخطاء في الحسابات وفي تقدير ردود الأفعال المحتملة وخاصة حدة الموقف الفرنسي وتواتر الضغوط الأميركية وحجمها, أم حالة من تشوش الرؤية في تفسير جديد لأغراض السياسة الأميركية: أهي ترمي إلى إحداث تبدلات جدية في البنية السياسية السورية وفي علاقة السلطة مع المجتمع ومع لبنان كما ذهب قرار مجلس الأمن رقم 1559 وقرار الكونغرس لدعم الديموقراطية وحقوق الانسان في سورية, أم لا تتعدى حدود هز العصا لتطويع الدور الإقليمي السوري وإخضاعه لأغراض الهيمنة الأميركية على المنطقة وضمان أمن العراق واستقراره؟ لكن وبغض النظر عن دقة هذه الاجتهادات ومدى صحتها يعتقد الكثيرون أن المأزق الراهن للسياسة السورية كشف بعض ظواهر الاضطراب والارتباك في مواقفها وأسلوب عملها, ما أبان حقيقة ازدواجيتها وأظهر على نحو فاضح الهوة بين ما تدعيه وما تستطيعه, وبين ما تعلنه وما تضمره.
إن كل مطلع على تاريخ السياسة السورية لن يلمس أي جديد نوعي في حركتها الراهنة, بل ثمة إصرار, رغم المتغيرات الحاصلة إقليمياً وعالمياً, على معالم النهج القديم في معالجة المشكلات والأزمات الإقليمية, باعتماد آليات التعبئة الإيديولوجية والحماسة الوطنية, إلى جانب التحلي بمرونة عالية وقدرة عملية على خوض المساومات, وربما تقديم بعض التنازلات, على صعيد نفوذها الإقليمي. ولعل من خبر هذه السياسة جيداً يعرف تماماً أنها, وطيلة تاريخها, وفي أزمات إقليمية أشد حدة, لم تقطع شعرة معاوية مع البيت الأبيض ولم تغلق قنوات الحوار والتفاهم, فكيف الآن وقد ضاق هامش مناورتها إلى حد لم تعهده منذ عقود, ولم يعد بمقدورها تحاشي الحضور الأميركي في المنطقة والتهرب من التعاطي مع بعض مطالبه خاصة تجاه الوضعين العراقي والفلسطيني, وتالياً تجاه العلاقة مع لبنان, لكن مع كثير من المماطلة والتسويف وبضمان أقل الخسائر والأضرار!.
بالطبع بين مظاهر الأخذ والرد وشد الحبال, وفي سياق إصرارهم على تأجيل استحقاق الإصلاح الديموقراطي والتعويل على عامل الوقت على أمل تجيير بعض ما يستجد من أحداث للحفاظ على الوضع القائم وتعزيز أغراض السيادة والسيطرة, من المفيد عند بعض صنّاع السياسة السورية العزف على وتر التحذير من خطورة تغيير الأوضاع في سورية والتهويل بأنه الخيار الأسوأ لأميركا أمام قوة حضور التيار الإسلامي المتشدد الذي يتحين الفرصة للانقضاض على السلطة والمجتمع. ثم ان من الضروري في هذا الظرف العصيب تغطية السلوك العملي التوافقي عبر شن حملة ساخنة, إيديولوجياً وسياسياً, في المستويين الإعلامي والدعائي, تستحضر خطاباً هجومياً مفعماً بلغة لاذعة تندد بالعدوان الإمبريالي ومخططاته وتخلق جواً حماسياً ضد أميركا وفرنسا وإسرائيل في محاولة لإلهاب المشاعر القومية والدينية في النفوس المحبطة واليائسة, بدعوة التهيئة لما يروَّج على أنه معركة مصيرية يقف على نتائجها مستقبل الأمتين العربية والإسلامية!
وما يثير العجب أنه, وبمنتهى البساطة, أضيفت بعد قرار مجلس الأمن رقم 1559, كلمة إلى عبارة الهجمة الأميركية الصهيونية التي درج اعتمادها في توصيف الخندق المعادي, لتصبح الهجمة الأميركية الفرنسية الصهيونية. ولعل ما كان ينقص السياسة السورية فعلاً كي تغدو المعركة متكافئة و"محرزة", أن تسعى إلى ضم الثقل الفرنسي ومن ورائه الأوروبي إلى قوى عدوها التاريخي! ثم ولمزيد من الإيغال في طريق الحشد والتعبئة, بات من الضروري النبش في تاريخ فرنسا الاستعماري والتذكير بارتكاباتها في سورية وغيرها من البلدان العربية التي احتلتها, ربما بقصد إثارة العواطف الوطنية والقومية ضدها, أو لعل الأمر مجرد محاولة لإقناع النفس والآخرين بأن ليس ثمة خلل في الأداء السوري وأن ما حصل من تغيير في الاصطفافات والمواقف ناجم عن مصالح فرنسا الإمبريالية!.
ثم, أليس غريباً أن تتصدر الأحاديث مزايدات وطنية تذهب إلى الاستهزاء بقرار مجلس الأمن الخاص بلبنان وتطالب برفضه وتحدي الإرادة العالمية, لكن ليس استقواءً بتوازن قوى قائم على الأرض بل بالسلوك الإسرائيلي, وبأن "ما حدا أحسن من حدا", وسورية ليست أقل شأناً من إسرائيل التي ما فتئت ترفض قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها وتسخر منها ليغدو من التجني والمعيب اعتبار عملية إعادة انتشار القوات السورية الأخيرة استجابةً لقرار مجلس الأمن, بل من العزة الوطنية خداع النفس وتوهّم خداع الآخرين بمرجعيتها لاتفاق الطائف, وكأن توقيتها ثم الصمت عن تصريحات كوفي عنان وغير مسؤول فرنسي وأميركي بأنها خطوة نحو التعاطي الايجابي مع قرار مجلس الأمن لا تحملان أي قيمة أو إشارة إلى ارتباطها بالقرار المذكور.
وتكتمل الدائرة بالنفخ في شعارات لا تمت إلى الواقع والإمكانيات بأي صلة, عن سورية القوية والمكتفية التي لا تعرف الخضوع أو الاستسلام, وعن حصن القومية الأخير والقادر على مواجهة هذا العدوان الثلاثي الجديد كما نجحت مصر في 1956 في مواجهة مثيله وهزمه!
وطبعاً يسخر أصحاب هذه الشعارات من أي إشارة إلى دروس التجربة العراقية ومآسيها وأيضاً من أية دعوة إلى التروي والتعقل. فجوابهم جاهز أبداً بأنها دعوة إلى الخنوع والاستسلام, ويفاخرون للأسف بما حدث ويحدث في العراق, فيكررون اللازمة ربما لإقناع أنفسهم بصحة عنفوانهم الهجومي قبل إقناع الآخرين به, ومفاده أن سورية غير العراق, وإذا ذاق الأميركيون وأعوانهم في العراق المر, فإنهم سوف يذوقون في سورية المر والعلقم!
من المفارقات المدهشة أن معظم القوى السياسية المعارضة والموالية للنظام تعترف, ضمناً أو جهراً, بالنجاح الذي حققته السلطة السورية في العقود الأخيرة على صعيد إنماء الدور والنفوذ الإقليميين, وأنها استطاعت أخيراً إخراج البلاد من لعبة "الصراع على سورية" ودخول الميدان كرقم فاعل وأحياناً قوي. لكن إذا نجحت السياسة السورية بعقلية وأساليب الماضي في كسب جولات معروفة في غير زمان ومكان, وعززت حضورها الإقليمي وتمكنت من أوراق قوتها, فإن تلك الأساليب فقدت الكثير من جدواها وفاعليتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسيادة الرأس الأميركي في إدارة الصراع العالمي. وزاد الطين بلة احتلال العراق وتراجع ما تملكه سورية من قوى وتحالفات ربطاً مع اهتراء النظام العربي وانحسار الدور الإيراني وخسارة الوزنين الفرنسي والأوروبي بل انتقالهما إلى صفوف أعدائها, ما يعني أن الإصرار على إدارة الأزمة الراهنة بالعقلية والأساليب القديمة قد يفضي إلى عكس النتائج المتوخاة, أو ربما يغدو نوعاً من المغامرة أو المجازفة غير المحسوبة النتائج.
في المقابل, ومع ارتفاع حرارة الضغوط الأميركية والتهديدات الإسرائيلية, تتكثف المهمة الملحة والمجدية في نقل مركز الثقل والاهتمام صوب الداخل والسير قدماً نحو الانفتاح السياسي على المجتمع وقواه الحية. فليس بالتعبئة الإيديولوجية والحماسة تحيا الانتصارات, بل بإرساء ركائزها ومقومات نجاحها على الأرض. وإذا كانت ثمة جدية في الرد على الضغوط والتهديدات الأخيرة وكف أذاها, فالأجدر التوقف أولاً عن إطلاق دعوات الاستقطاب الحادة والمسطحة, مع سورية أو ضدها, والتي عطلت ولا تزال تعطل بناء قاعدة واسعة وعريضة هي ضرورية ومطلوبة في مواجهة ميزان القوى المختل.
والمفترض, ثانياً, بذل جهد حثيث لتحسين صورة سورية في أوساط الرأي العام العربي والعالمي, ولنقلْ تقديم تنازلات جرئية كي تلامس هذه الصورة المعايير والتوجهات العامة حول الحريات وحقوق الانسان, بما في ذلك السعي لصياغة علاقة صحية ومتكافئة مع لبنان ولخلق مواطن حر تتشابك مصالحه مع مصالح الوطن, وتالياً المبادرة لبناء عتبة من الثقة مع المجتمع وردم الهوة بين الأقوال والأفعال وبين المعلن والمضمر, بتوخي الوضوح والصراحة في تفسير حركة المواقف السياسية وأسباب تطورها, ثم العمل على تعزيز الأمل في النفوس برد المظالم إلى أصحابها وإشاعة مناخ صحي يمكّن الناس من تجاوز حال الخوف والسلبية ويحفز دورهم في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة.
الحياة
تنوعت الاجتهادات حول أسباب المأزق الذي وضعت السياسية السورية نفسها فيه بإصرارها على تقرير مصير الاستحقاق الرئاسي اللبناني: أهي انجرار إلى فخ نُسجت خيوطه بدقة وإحكام, أم أخطاء في الحسابات وفي تقدير ردود الأفعال المحتملة وخاصة حدة الموقف الفرنسي وتواتر الضغوط الأميركية وحجمها, أم حالة من تشوش الرؤية في تفسير جديد لأغراض السياسة الأميركية: أهي ترمي إلى إحداث تبدلات جدية في البنية السياسية السورية وفي علاقة السلطة مع المجتمع ومع لبنان كما ذهب قرار مجلس الأمن رقم 1559 وقرار الكونغرس لدعم الديموقراطية وحقوق الانسان في سورية, أم لا تتعدى حدود هز العصا لتطويع الدور الإقليمي السوري وإخضاعه لأغراض الهيمنة الأميركية على المنطقة وضمان أمن العراق واستقراره؟ لكن وبغض النظر عن دقة هذه الاجتهادات ومدى صحتها يعتقد الكثيرون أن المأزق الراهن للسياسة السورية كشف بعض ظواهر الاضطراب والارتباك في مواقفها وأسلوب عملها, ما أبان حقيقة ازدواجيتها وأظهر على نحو فاضح الهوة بين ما تدعيه وما تستطيعه, وبين ما تعلنه وما تضمره.
إن كل مطلع على تاريخ السياسة السورية لن يلمس أي جديد نوعي في حركتها الراهنة, بل ثمة إصرار, رغم المتغيرات الحاصلة إقليمياً وعالمياً, على معالم النهج القديم في معالجة المشكلات والأزمات الإقليمية, باعتماد آليات التعبئة الإيديولوجية والحماسة الوطنية, إلى جانب التحلي بمرونة عالية وقدرة عملية على خوض المساومات, وربما تقديم بعض التنازلات, على صعيد نفوذها الإقليمي. ولعل من خبر هذه السياسة جيداً يعرف تماماً أنها, وطيلة تاريخها, وفي أزمات إقليمية أشد حدة, لم تقطع شعرة معاوية مع البيت الأبيض ولم تغلق قنوات الحوار والتفاهم, فكيف الآن وقد ضاق هامش مناورتها إلى حد لم تعهده منذ عقود, ولم يعد بمقدورها تحاشي الحضور الأميركي في المنطقة والتهرب من التعاطي مع بعض مطالبه خاصة تجاه الوضعين العراقي والفلسطيني, وتالياً تجاه العلاقة مع لبنان, لكن مع كثير من المماطلة والتسويف وبضمان أقل الخسائر والأضرار!.
بالطبع بين مظاهر الأخذ والرد وشد الحبال, وفي سياق إصرارهم على تأجيل استحقاق الإصلاح الديموقراطي والتعويل على عامل الوقت على أمل تجيير بعض ما يستجد من أحداث للحفاظ على الوضع القائم وتعزيز أغراض السيادة والسيطرة, من المفيد عند بعض صنّاع السياسة السورية العزف على وتر التحذير من خطورة تغيير الأوضاع في سورية والتهويل بأنه الخيار الأسوأ لأميركا أمام قوة حضور التيار الإسلامي المتشدد الذي يتحين الفرصة للانقضاض على السلطة والمجتمع. ثم ان من الضروري في هذا الظرف العصيب تغطية السلوك العملي التوافقي عبر شن حملة ساخنة, إيديولوجياً وسياسياً, في المستويين الإعلامي والدعائي, تستحضر خطاباً هجومياً مفعماً بلغة لاذعة تندد بالعدوان الإمبريالي ومخططاته وتخلق جواً حماسياً ضد أميركا وفرنسا وإسرائيل في محاولة لإلهاب المشاعر القومية والدينية في النفوس المحبطة واليائسة, بدعوة التهيئة لما يروَّج على أنه معركة مصيرية يقف على نتائجها مستقبل الأمتين العربية والإسلامية!
وما يثير العجب أنه, وبمنتهى البساطة, أضيفت بعد قرار مجلس الأمن رقم 1559, كلمة إلى عبارة الهجمة الأميركية الصهيونية التي درج اعتمادها في توصيف الخندق المعادي, لتصبح الهجمة الأميركية الفرنسية الصهيونية. ولعل ما كان ينقص السياسة السورية فعلاً كي تغدو المعركة متكافئة و"محرزة", أن تسعى إلى ضم الثقل الفرنسي ومن ورائه الأوروبي إلى قوى عدوها التاريخي! ثم ولمزيد من الإيغال في طريق الحشد والتعبئة, بات من الضروري النبش في تاريخ فرنسا الاستعماري والتذكير بارتكاباتها في سورية وغيرها من البلدان العربية التي احتلتها, ربما بقصد إثارة العواطف الوطنية والقومية ضدها, أو لعل الأمر مجرد محاولة لإقناع النفس والآخرين بأن ليس ثمة خلل في الأداء السوري وأن ما حصل من تغيير في الاصطفافات والمواقف ناجم عن مصالح فرنسا الإمبريالية!.
ثم, أليس غريباً أن تتصدر الأحاديث مزايدات وطنية تذهب إلى الاستهزاء بقرار مجلس الأمن الخاص بلبنان وتطالب برفضه وتحدي الإرادة العالمية, لكن ليس استقواءً بتوازن قوى قائم على الأرض بل بالسلوك الإسرائيلي, وبأن "ما حدا أحسن من حدا", وسورية ليست أقل شأناً من إسرائيل التي ما فتئت ترفض قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها وتسخر منها ليغدو من التجني والمعيب اعتبار عملية إعادة انتشار القوات السورية الأخيرة استجابةً لقرار مجلس الأمن, بل من العزة الوطنية خداع النفس وتوهّم خداع الآخرين بمرجعيتها لاتفاق الطائف, وكأن توقيتها ثم الصمت عن تصريحات كوفي عنان وغير مسؤول فرنسي وأميركي بأنها خطوة نحو التعاطي الايجابي مع قرار مجلس الأمن لا تحملان أي قيمة أو إشارة إلى ارتباطها بالقرار المذكور.
وتكتمل الدائرة بالنفخ في شعارات لا تمت إلى الواقع والإمكانيات بأي صلة, عن سورية القوية والمكتفية التي لا تعرف الخضوع أو الاستسلام, وعن حصن القومية الأخير والقادر على مواجهة هذا العدوان الثلاثي الجديد كما نجحت مصر في 1956 في مواجهة مثيله وهزمه!
وطبعاً يسخر أصحاب هذه الشعارات من أي إشارة إلى دروس التجربة العراقية ومآسيها وأيضاً من أية دعوة إلى التروي والتعقل. فجوابهم جاهز أبداً بأنها دعوة إلى الخنوع والاستسلام, ويفاخرون للأسف بما حدث ويحدث في العراق, فيكررون اللازمة ربما لإقناع أنفسهم بصحة عنفوانهم الهجومي قبل إقناع الآخرين به, ومفاده أن سورية غير العراق, وإذا ذاق الأميركيون وأعوانهم في العراق المر, فإنهم سوف يذوقون في سورية المر والعلقم!
من المفارقات المدهشة أن معظم القوى السياسية المعارضة والموالية للنظام تعترف, ضمناً أو جهراً, بالنجاح الذي حققته السلطة السورية في العقود الأخيرة على صعيد إنماء الدور والنفوذ الإقليميين, وأنها استطاعت أخيراً إخراج البلاد من لعبة "الصراع على سورية" ودخول الميدان كرقم فاعل وأحياناً قوي. لكن إذا نجحت السياسة السورية بعقلية وأساليب الماضي في كسب جولات معروفة في غير زمان ومكان, وعززت حضورها الإقليمي وتمكنت من أوراق قوتها, فإن تلك الأساليب فقدت الكثير من جدواها وفاعليتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسيادة الرأس الأميركي في إدارة الصراع العالمي. وزاد الطين بلة احتلال العراق وتراجع ما تملكه سورية من قوى وتحالفات ربطاً مع اهتراء النظام العربي وانحسار الدور الإيراني وخسارة الوزنين الفرنسي والأوروبي بل انتقالهما إلى صفوف أعدائها, ما يعني أن الإصرار على إدارة الأزمة الراهنة بالعقلية والأساليب القديمة قد يفضي إلى عكس النتائج المتوخاة, أو ربما يغدو نوعاً من المغامرة أو المجازفة غير المحسوبة النتائج.
في المقابل, ومع ارتفاع حرارة الضغوط الأميركية والتهديدات الإسرائيلية, تتكثف المهمة الملحة والمجدية في نقل مركز الثقل والاهتمام صوب الداخل والسير قدماً نحو الانفتاح السياسي على المجتمع وقواه الحية. فليس بالتعبئة الإيديولوجية والحماسة تحيا الانتصارات, بل بإرساء ركائزها ومقومات نجاحها على الأرض. وإذا كانت ثمة جدية في الرد على الضغوط والتهديدات الأخيرة وكف أذاها, فالأجدر التوقف أولاً عن إطلاق دعوات الاستقطاب الحادة والمسطحة, مع سورية أو ضدها, والتي عطلت ولا تزال تعطل بناء قاعدة واسعة وعريضة هي ضرورية ومطلوبة في مواجهة ميزان القوى المختل.
والمفترض, ثانياً, بذل جهد حثيث لتحسين صورة سورية في أوساط الرأي العام العربي والعالمي, ولنقلْ تقديم تنازلات جرئية كي تلامس هذه الصورة المعايير والتوجهات العامة حول الحريات وحقوق الانسان, بما في ذلك السعي لصياغة علاقة صحية ومتكافئة مع لبنان ولخلق مواطن حر تتشابك مصالحه مع مصالح الوطن, وتالياً المبادرة لبناء عتبة من الثقة مع المجتمع وردم الهوة بين الأقوال والأفعال وبين المعلن والمضمر, بتوخي الوضوح والصراحة في تفسير حركة المواقف السياسية وأسباب تطورها, ثم العمل على تعزيز الأمل في النفوس برد المظالم إلى أصحابها وإشاعة مناخ صحي يمكّن الناس من تجاوز حال الخوف والسلبية ويحفز دورهم في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة.