شكو زولو
09/10/2004, 10:58
في لسان العرب تجد كلمة صديق في باب صَدََقَ. واذا كانت الحروف هي اياها في الكلمتين فعمق المعنى واحد. ويقال صادقت انسانا اي خاللته. ويقال تصادقا في الحديث وفي المودة. فأنت تصدق الآخر للمودة والنصيحة وكأنه يقول ان الود يفرض النصح. هكذا يكون الصديق المواصل. هذا في اللغة وهذا ايضا في الفكر. فاذا وجب النصح فأنت الى الاخر والى طهارته ولست الى أناك المغلقة التفهة. فما من علاقة سليمة الا اذا توافر لديك شيء من البر. لولاها توضع حصرا في مرتبة العاطفة.
من هنا ان افراد العصابة ليسوا بأصدقاء. كذلك الحاسدون ومن تنافسوا في سبيل الربح ولو كانت بينهم ولائم ومن استبدوا. هناك نفاق كبير بين من يتعاملون في اصطفاف سياسي كاذب وانجراف الى المجد الباطل بتملق الكبار. التوحد بالآخرين لا يصدر الا عن نفس صافية اذ ليس من وحدة في الدجل. والدجل تمسرح يتخذ وجه الود.
ولكن ما لي وللآثام أرويها. الجمال الروحي وحده منقذ ووحده يعليك وهو موطن المودات الكبرى فإن الصديق الكبير هو الله فاذا غدوت كليمه تقدر ان تكلم الناس بما عندك منه. والتبليغ الالهي اذا صدر منك يجعل الآخر في سلام وهذا شرط لالتقاء قلبين بما فيهما من ثقافة الهية. الصداقة في ذروتها ملعب تقوى. لا يفرض ذلك ان يكون الاثنان متدينين بقوة. لكن البهاء الروحي الذي يشكل وحده القلب هو هيكلية الصداقة. غير ذلك غنج ودلال ومنفعة دنيا. التواد الكبير يفترض علوا عن هذا العالم.
بسبب من هذه الشفافية تجعل صديقك عديلا اي انك لا ترى بسبب الحب فرقا بينك وبينه او شرخا. فاذا بان لك مثلا انك تفوقه علما لا تولي هذا التفوق قيمة لان الحب يردم الهوة. واذا فاقت المرأة رفيقتها حسنا فتعتقد ان السمو الخلقي في رفيقتها يفوق كل حسن. ذلك ان الصداقة من عالم القيمة لا من عالم الكم. ولا يؤثر الصديق نسيبا له جاف الشعور على صديق ملؤه الطراوة. ان الصداقة هي النسابة.
لذلك يفرح الصديق بكل نعمة تهبط على صديقه وكأنها هبطت عليه هو بعدما صار واحدا. هذا لا يعني ان الاخر نسخة عنا. حسبنا ان يكون منزلا للحقيقة. الحقيقة في الاخر تنشئني انا وارتفع بها لان الصداقة مشاركة في الجمالات الداخلية وليست مجرد تعاطف على مستوى الشعور. فانت تحزن لكي ترفع الحزن عنه. وانت تمسح كل دمعة من عينيه لانك تريده في فرح ينعشه. لذلك تصبح ضامنا له داعما اياه فيما يقبل عليه من فكر صالح وعمل طيب فتصونه اذا اعترته مصيبة وتبكي عند سقوطه وتجهد لرفعه. ذلك انك معه على عهد ولن تكسر العهد ولو كان عليك ان تموت.
فأنت ما انت لانه يحبك على نفسه. ويعرف من انتباهك اليه ومن خدمتك انك لا تغادره ابدا ولا تسلمه الى مغامرة شهوته فانه اذا مات فيها ينقطع عن العطاء فقد يصبح سقوطه خطرا عليك. فانت يقظ حتى لا يفنى كما انت في دوام اليقظة على نفسك لئلا تفنى. ذلك انك لا تتحقق الا بالاخر. فان لم يكن الاخر فانت سجين نفسك. غير ان الحقيقة الكاملة ان كلا منكما يتحقق بالله ويرى الاخر من خلال الله الساكن فيه. والرب هو الذي يجعل بينكما تجانسا. ولولاه لكان كل منكما فريسة نزاوته والنزوة عداء او مشروع عداء. ذلك انها انطواء وقاتلة تاليا للاثنينية التي لا تأخذ مداها الا بالثالوثية اي بالطرف الاول الجامع بين اثنين واذا اردت ان تسميه القيم فلا مانع عندي حتى تكتشف ان القيم ما برزت في حضارة الناس الا من الكلمات التي فاه بها الله.
ومما يدل على ذلك انك ترى احيانا شيخا مسلما وكاهنا على احر ما تكون عليه الصداقة ولا تفسير عندي لذلك الا لكونهما يطلبان الله فتقاربا بسبب من هذا الطلب. وعرفت هذه الظاهرة عند علماء اليهودية والمسيحية والاسلام في الاندلس الذين كانوا يتحابون ويتناقشون معا. كما عرفت بين ملحد ومؤمن قربى لا بعدها قربى. الصداقة لا تقوم اذاً على قناعات مشتركة ولكن على ما وراء القناعات اي على الصدق والنقاوة وهما قيمتان تسندان في اعماق الشخص اكثر من عقيدة او تسندان الخلو من اية عقيدة. ان الاختلاف الموضوعي بين اهل العقائد لا ينشىء بالضرورة خلاف قلوب. لذلك ان “المحبة قوية كالموت”.
الى هذا تبقى الصداقة سرا مثل كل الاشياء العميقة في الوجود. لماذا جذبني هذا دون ذاك ولماذا ثبتت المحبة طوال العمر؟ احيانا تموت صداقات بالخيبة اذ تكون نشأت عن اوهام، عن صورة صنعتها في نفسي عن الاخر ولما انكشفت الحقيقة صدمت. هناك عواطف تخبو ونفوس تفتر فما من صداقة ان لم يلهبها انقداح من وقت الى اخر ويغنيها اكتشاف اعماق في الاخر كانت محجوبة. الخطر في ان تطرح عنك صداقات مطيبة لحياتك ومغنية. والخوف ان تبدلها بعلاقات سطحية لا تغنيك. والخوف الاكبر اذا ادركت الشيخوخة ان تنأى عن اصحابك اذ تفقد الصبر على التفاعل. تكون، اذ ذاك ذاهبا الى الموت العاطفي. الشيخ يحيا بقلبه كما يستمر بعقله الذي يجب الا يضعف. والقلب يتمرن كالعقل.
ںں***
كتبت في موضع ان الصداقة اسمى شعور عند الانسان اذ قارنته بالحب. لست اعلم على وجه الدقة اذا كان هذا صحيحا. فقد لاح لي لما وضعت هذا الكلام ان الصداقة هي الشعور الوحيد الذي لا تلعب الاناوية او عشق الانا فيه دورا. الحب بين الذكر والانثى لا يمكن ان يتحرر من جدلية الأخذ والعطاء او من رجاء الاخذ. فيه كل الفيض الكياني ولكنه لا يخلو من حساب. اما الصداقة فهي الشعور الوحيد الذي لا يخامره حساب ولا يلعب فيه الجسد دورا. هو اقرب ما يكون الى الحالة الملائكية. الصداقة انشاد وارتفاع اثنين الى وجه الحقيقة بلا متعة ولا كسب من طبيعة الدنيا.
غير اننا على مشاعر مختلفة لكل منها دور. فللحب مقام وللصداقة مقام وقد لا تجوز المقارنة. فالمعشوق ليس صديقا والصديق ليس معشوقا بمعنى انك في الصداقة تحافظ على حريتك دائما وتنشئ نفسك ونفس الاخر بارتفاع روحي يلامس التصوف.
ں***
هل من صداقة معقولة بين رجل وامرأة؟ السؤال يستتبع سؤالا اخر: على اي مستوى من العمق تكون؟ اذا القضية عنت نوعا من المرافقة في العمل اليومي او زيارات عائلية اي علاقة سطحية او شبه سطحية فنحن لسنا في نطاق الصداقة الفريدة، المنفردة المفترضة الخلوة والقائمة على التداخل الصميمي بين كائنين. شوق اللقاء وامرأة محددة لا تحضنه الصداقة وحدها ما لم يكن عند المرء طاقة كبيرة على عدم التحرك العاطفي وانضباط كبير ووقار. ولكن اذا امسى حضور امرأة حاجة عندك ملحة فالتماس هذا الحضور لا يسمّى صداقة. مرة قال لي رجل متزوج: انا التقي زميلة مرة في الشهر في مقهى وندخن النارجيلة. هل في هذا خطأ؟ اجبته: ما من شك في انك تكون اقرب الى الهدوء اذا دخنتما النارجيلة في حضرة زوجتك في بيتك.
ں***
يبقى ان التواصل تطلبه الحياة فيك لاننا في طبيعتنا كائنات حوارية. المحبة في ذهابها وايابها هي وحدة شخصيتك كما هي وحدة الله في العقيدة المسيحية. ما من نمو فيك الا اذا اتكأت على صدر صديق كما اتكأ يوحنا الانجيلي على صدر المعلم في العشاء الاخير. ولكونه كان قادرا على ان يتلقى في اذنه النبضات من قلب المسيح سمي “التلميذ الذي كان يسوع يحبه”. بلا هذا التواصل بينك وبين رفيقين لك او اكثر تكون مختنقا في صحراء هذا الوجود.
المطران جورج خض
من هنا ان افراد العصابة ليسوا بأصدقاء. كذلك الحاسدون ومن تنافسوا في سبيل الربح ولو كانت بينهم ولائم ومن استبدوا. هناك نفاق كبير بين من يتعاملون في اصطفاف سياسي كاذب وانجراف الى المجد الباطل بتملق الكبار. التوحد بالآخرين لا يصدر الا عن نفس صافية اذ ليس من وحدة في الدجل. والدجل تمسرح يتخذ وجه الود.
ولكن ما لي وللآثام أرويها. الجمال الروحي وحده منقذ ووحده يعليك وهو موطن المودات الكبرى فإن الصديق الكبير هو الله فاذا غدوت كليمه تقدر ان تكلم الناس بما عندك منه. والتبليغ الالهي اذا صدر منك يجعل الآخر في سلام وهذا شرط لالتقاء قلبين بما فيهما من ثقافة الهية. الصداقة في ذروتها ملعب تقوى. لا يفرض ذلك ان يكون الاثنان متدينين بقوة. لكن البهاء الروحي الذي يشكل وحده القلب هو هيكلية الصداقة. غير ذلك غنج ودلال ومنفعة دنيا. التواد الكبير يفترض علوا عن هذا العالم.
بسبب من هذه الشفافية تجعل صديقك عديلا اي انك لا ترى بسبب الحب فرقا بينك وبينه او شرخا. فاذا بان لك مثلا انك تفوقه علما لا تولي هذا التفوق قيمة لان الحب يردم الهوة. واذا فاقت المرأة رفيقتها حسنا فتعتقد ان السمو الخلقي في رفيقتها يفوق كل حسن. ذلك ان الصداقة من عالم القيمة لا من عالم الكم. ولا يؤثر الصديق نسيبا له جاف الشعور على صديق ملؤه الطراوة. ان الصداقة هي النسابة.
لذلك يفرح الصديق بكل نعمة تهبط على صديقه وكأنها هبطت عليه هو بعدما صار واحدا. هذا لا يعني ان الاخر نسخة عنا. حسبنا ان يكون منزلا للحقيقة. الحقيقة في الاخر تنشئني انا وارتفع بها لان الصداقة مشاركة في الجمالات الداخلية وليست مجرد تعاطف على مستوى الشعور. فانت تحزن لكي ترفع الحزن عنه. وانت تمسح كل دمعة من عينيه لانك تريده في فرح ينعشه. لذلك تصبح ضامنا له داعما اياه فيما يقبل عليه من فكر صالح وعمل طيب فتصونه اذا اعترته مصيبة وتبكي عند سقوطه وتجهد لرفعه. ذلك انك معه على عهد ولن تكسر العهد ولو كان عليك ان تموت.
فأنت ما انت لانه يحبك على نفسه. ويعرف من انتباهك اليه ومن خدمتك انك لا تغادره ابدا ولا تسلمه الى مغامرة شهوته فانه اذا مات فيها ينقطع عن العطاء فقد يصبح سقوطه خطرا عليك. فانت يقظ حتى لا يفنى كما انت في دوام اليقظة على نفسك لئلا تفنى. ذلك انك لا تتحقق الا بالاخر. فان لم يكن الاخر فانت سجين نفسك. غير ان الحقيقة الكاملة ان كلا منكما يتحقق بالله ويرى الاخر من خلال الله الساكن فيه. والرب هو الذي يجعل بينكما تجانسا. ولولاه لكان كل منكما فريسة نزاوته والنزوة عداء او مشروع عداء. ذلك انها انطواء وقاتلة تاليا للاثنينية التي لا تأخذ مداها الا بالثالوثية اي بالطرف الاول الجامع بين اثنين واذا اردت ان تسميه القيم فلا مانع عندي حتى تكتشف ان القيم ما برزت في حضارة الناس الا من الكلمات التي فاه بها الله.
ومما يدل على ذلك انك ترى احيانا شيخا مسلما وكاهنا على احر ما تكون عليه الصداقة ولا تفسير عندي لذلك الا لكونهما يطلبان الله فتقاربا بسبب من هذا الطلب. وعرفت هذه الظاهرة عند علماء اليهودية والمسيحية والاسلام في الاندلس الذين كانوا يتحابون ويتناقشون معا. كما عرفت بين ملحد ومؤمن قربى لا بعدها قربى. الصداقة لا تقوم اذاً على قناعات مشتركة ولكن على ما وراء القناعات اي على الصدق والنقاوة وهما قيمتان تسندان في اعماق الشخص اكثر من عقيدة او تسندان الخلو من اية عقيدة. ان الاختلاف الموضوعي بين اهل العقائد لا ينشىء بالضرورة خلاف قلوب. لذلك ان “المحبة قوية كالموت”.
الى هذا تبقى الصداقة سرا مثل كل الاشياء العميقة في الوجود. لماذا جذبني هذا دون ذاك ولماذا ثبتت المحبة طوال العمر؟ احيانا تموت صداقات بالخيبة اذ تكون نشأت عن اوهام، عن صورة صنعتها في نفسي عن الاخر ولما انكشفت الحقيقة صدمت. هناك عواطف تخبو ونفوس تفتر فما من صداقة ان لم يلهبها انقداح من وقت الى اخر ويغنيها اكتشاف اعماق في الاخر كانت محجوبة. الخطر في ان تطرح عنك صداقات مطيبة لحياتك ومغنية. والخوف ان تبدلها بعلاقات سطحية لا تغنيك. والخوف الاكبر اذا ادركت الشيخوخة ان تنأى عن اصحابك اذ تفقد الصبر على التفاعل. تكون، اذ ذاك ذاهبا الى الموت العاطفي. الشيخ يحيا بقلبه كما يستمر بعقله الذي يجب الا يضعف. والقلب يتمرن كالعقل.
ںں***
كتبت في موضع ان الصداقة اسمى شعور عند الانسان اذ قارنته بالحب. لست اعلم على وجه الدقة اذا كان هذا صحيحا. فقد لاح لي لما وضعت هذا الكلام ان الصداقة هي الشعور الوحيد الذي لا تلعب الاناوية او عشق الانا فيه دورا. الحب بين الذكر والانثى لا يمكن ان يتحرر من جدلية الأخذ والعطاء او من رجاء الاخذ. فيه كل الفيض الكياني ولكنه لا يخلو من حساب. اما الصداقة فهي الشعور الوحيد الذي لا يخامره حساب ولا يلعب فيه الجسد دورا. هو اقرب ما يكون الى الحالة الملائكية. الصداقة انشاد وارتفاع اثنين الى وجه الحقيقة بلا متعة ولا كسب من طبيعة الدنيا.
غير اننا على مشاعر مختلفة لكل منها دور. فللحب مقام وللصداقة مقام وقد لا تجوز المقارنة. فالمعشوق ليس صديقا والصديق ليس معشوقا بمعنى انك في الصداقة تحافظ على حريتك دائما وتنشئ نفسك ونفس الاخر بارتفاع روحي يلامس التصوف.
ں***
هل من صداقة معقولة بين رجل وامرأة؟ السؤال يستتبع سؤالا اخر: على اي مستوى من العمق تكون؟ اذا القضية عنت نوعا من المرافقة في العمل اليومي او زيارات عائلية اي علاقة سطحية او شبه سطحية فنحن لسنا في نطاق الصداقة الفريدة، المنفردة المفترضة الخلوة والقائمة على التداخل الصميمي بين كائنين. شوق اللقاء وامرأة محددة لا تحضنه الصداقة وحدها ما لم يكن عند المرء طاقة كبيرة على عدم التحرك العاطفي وانضباط كبير ووقار. ولكن اذا امسى حضور امرأة حاجة عندك ملحة فالتماس هذا الحضور لا يسمّى صداقة. مرة قال لي رجل متزوج: انا التقي زميلة مرة في الشهر في مقهى وندخن النارجيلة. هل في هذا خطأ؟ اجبته: ما من شك في انك تكون اقرب الى الهدوء اذا دخنتما النارجيلة في حضرة زوجتك في بيتك.
ں***
يبقى ان التواصل تطلبه الحياة فيك لاننا في طبيعتنا كائنات حوارية. المحبة في ذهابها وايابها هي وحدة شخصيتك كما هي وحدة الله في العقيدة المسيحية. ما من نمو فيك الا اذا اتكأت على صدر صديق كما اتكأ يوحنا الانجيلي على صدر المعلم في العشاء الاخير. ولكونه كان قادرا على ان يتلقى في اذنه النبضات من قلب المسيح سمي “التلميذ الذي كان يسوع يحبه”. بلا هذا التواصل بينك وبين رفيقين لك او اكثر تكون مختنقا في صحراء هذا الوجود.
المطران جورج خض