Tarek007
31/10/2005, 06:29
لم يرجع التآلف بعد بين المجتمع السوري والعمل العام.. وذلك لا يعود إلى جفاء المجتمع أو إلى غرور العمل العام...
إرث حقبة الثمانينات الأليم، سياسات التطويع والتلقين والعسكرة التي اتبعت جيلا بعد آخر، والتربية المنزلية القائمة على ثنائية الخوف والسلبية الناجمة عن تجربة المرحلة السابقة.. فضلاً عن مشاكل اقتصادية متردية ومشاكل اجتماعية تزداد عمقاً باضطراد.. ذلك كله، جعل يقظة الحراك العام مرتبكة إلى حد كبير.. خاصة أنه لم يتح لها العودة الهادئة في أجواء الانفتاح وإطلاق الحريات، والاعتراف بالآخر. ما حصل هو العكس تماما، فيما خلا أشهر قليلة أطلق عليها مجازاً إسم "الربيع".
نشطاء المعارضة والمجتمع المدني، يضيفون إلى ما سبق سببا آخر، لا يقل أهمية عما ذُكر. فالشكوى من عزوف الجيل الشاب عن العمل العام، وافتقار الحراك الديمقراطي السوري للدماء الشابة، أمر أصبح مألوفاً سماعه في مناسبات عديدة، وإن كان التعاطي معه يعاكس في أحيان كثيرة ما يقال عنه، كما سنرى لاحقاً.
لكن، في الحقيقة، الحراك الشبابي لم يكن غائبا خلال السنوات الخمس الماضية، بل على العكس، فقد ظهرت بعض الفعاليات التي كانت تنبئ بقادم أفضل، لولا أن تم تطويقها وجرت محاولات القضاء عليها، على اعتبار أن تدخل الشعب في السياسة والشأن العام، هو نوع من التطفل على ما لا يجوز له الاقتراب منه.
***
..."أنتم ماذا تدعون بعضكم البعض"؟ فلم أفهم عليه.. فأخذ يشرح: "يعني ماذا تقول مثلاً عنهم، يعني تقول رفيق، أخي، أم ماذا؟".. فأجبته بسذاجة وتعجب من السؤال: "أقول الشباب"، فلما نطقت بها، قال للكاتب اكتب: "ويصطلحون فيما بينهم على كلمة (شباب) لنداء بعضهم البعض!.." من شهادة حسن خليل الكردي أحد معتقلي داريا المفرج عنهم ـ المقطع مقتبس من التحقيق أمام المحكمة الميدانية العسكرية.
ما قام به شباب وشابات منطقة داريا، ذوو الخلفية الدينية المستنيرة النابذة للعنف والمؤمنة بالعمل المجتمعي المدني سبيلاً للتغيير، هو حراك يستحق التقدير.
"كان شباب داريا هؤلاء وأستاذهم قائمين بشكل أساسي على معهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم في مسجد أنس بن مالك في داريا، ليحولوا المعهد من معهد لتحفيظ القرآن إلى مشروع مؤسسة للتعليم الديني، وليخرجوا من إطار التعليم إلى الاهتمام بقضايا الشارع والتفاعل معها.. ." من الشهادة السابقة. وقد عبر الاهتمام بقضايا الشارع عن نفسه بتنظيم حملات لتنظيف المنطقة.. وإقامة حملات ضد الرشوة.. والدعوة إلى نبذ العنف والتظاهر الصامت احتجاجاً على الاحتلال الأمريكي للعراق.
هذه الأنشطة، بالشكل الحضاري الذي جاءت فيه، وبالأهداف الواعية التي ابتغتها، ومحاولتها مخاطبة الآخر وإيصال رسالتها إليه بوسائل بسيطة ومبتكرة في آن معاً.. هذه الأنشطة كانت سابقة في حراك المجتمع المدني السوري، الذي اختار بالمجمل العناوين العريضة و"القضايا الكبيرة" أساسا لحراكه، ما فوت عليه فرص التواصل مع عدد أوسع من فئات المجتمع، من دون التغاضي عن الظروف الأمنية التي تحد إلى درجة كبيرة من حرية نشاطه..
في أيار 2003 تم اعتقال أكثر من عشرين شابا من المنطقة، بعد سلسلة من الاستدعاءات والمضايقات الأمنية. وفيما أفرج عن معظمهم على دفعات، لا يزال أربعة منهم قيد الاعتقال، يقضون حكماً صدر عن محكمة ميدانية عسكرية بالسجن أربع سنوات بتهمة "تنظيم ديني غير مرخص!!" : عميد في الجامعة (28 عاماً) خريج جامعي (26 عاماً) مهندس ميكانيكي (28 عاماً) ومحاسب (26 عاماً).
في تجربة مختلفة تماماً عن سابقتها، وفيما يشبه عودة الروح إلى الجامعات السورية التي طال مواتها. شارك قرابة 400 طالب وطالبة من مختلف الكليات في اعتصام يوم 25 ـ2ـ 2004 في جامعة حلب.. جرى الاعتصام احتجاجاً على المرسوم الذي قضى بإنهاء التزام الدولة بتعيين خريجي كليات الهندسة في الوظائف العامة.. وهو ما يعطي هذا الحراك أهمية مضاعفة، من حيث كونه أول نشاط طلابي احتجاجي منذ زمن بعيد، يقول فيه الطلاب كلمتهم بأمور تمس صميم مستقبلهم وحياتهم، وذلك بعد أن كان أمر تقرير الأفضل لهم منوطا لسنوات طويلة بـ "الاتحاد الوطني لطلبة سورية" وتوابعه.. فضلاً عن الروح التضامنية التي لفَت الاعتصام بمشاركة طلاب وطالبات من مختلف الكليات، ومن مختلف التيارات بما فيها بعض الطلاب البعثيين والكثير من الطلاب المستقلين.
لم يكن من المتوقع أن تغض السلطة النظر عن هكذا حراك في أكثر الأوساط قابلية للنشاط والعطاء والإزعاج!! تم قمع الاعتصام السلمي بالقوة وتوقيف عدد من الطلاب لعدة ساعات قبل الإفراج عنهم.
تلا ذلك تحويل عدد منهم إلى "لجان الانضباط" التي أصدرت قرارات فصل نهائي من الجامعة بحق خمسة طلاب وطالبات وفصل موقت بحق طالبين بالإضافة إلى توجيه إنذار لأربعة آخرين، توزع الطلاب المفصولون بين كليات الطب والهندسة والحقوق والآداب.
بتاريخ 24 ـ3 ـ 2004 تم اعتقال أحد عشر طالباً من جامعتي دمشق وحلب، في مقهى جامعي بدمشق، كان من بينهم عدد من المفصولين السابق ذكرهم، وفيما أفرج عن تسعة منهم بتاريخ 5 ـ 5 ـ 2004 بقي اثنان قيد الاعتقال و أحيلا إلى "محكمة" أمن الدولة العليا بتهمة "مناهضة أهداف الثورة"، وأفرج عنهما منذ عدة أشهر.
مناهضة أهداف الثورة؟!! تهمة مهيبة، تناسب "خطر" نشاط طلابي مطلبي، يراد وأده.
إرث حقبة الثمانينات الأليم، سياسات التطويع والتلقين والعسكرة التي اتبعت جيلا بعد آخر، والتربية المنزلية القائمة على ثنائية الخوف والسلبية الناجمة عن تجربة المرحلة السابقة.. فضلاً عن مشاكل اقتصادية متردية ومشاكل اجتماعية تزداد عمقاً باضطراد.. ذلك كله، جعل يقظة الحراك العام مرتبكة إلى حد كبير.. خاصة أنه لم يتح لها العودة الهادئة في أجواء الانفتاح وإطلاق الحريات، والاعتراف بالآخر. ما حصل هو العكس تماما، فيما خلا أشهر قليلة أطلق عليها مجازاً إسم "الربيع".
نشطاء المعارضة والمجتمع المدني، يضيفون إلى ما سبق سببا آخر، لا يقل أهمية عما ذُكر. فالشكوى من عزوف الجيل الشاب عن العمل العام، وافتقار الحراك الديمقراطي السوري للدماء الشابة، أمر أصبح مألوفاً سماعه في مناسبات عديدة، وإن كان التعاطي معه يعاكس في أحيان كثيرة ما يقال عنه، كما سنرى لاحقاً.
لكن، في الحقيقة، الحراك الشبابي لم يكن غائبا خلال السنوات الخمس الماضية، بل على العكس، فقد ظهرت بعض الفعاليات التي كانت تنبئ بقادم أفضل، لولا أن تم تطويقها وجرت محاولات القضاء عليها، على اعتبار أن تدخل الشعب في السياسة والشأن العام، هو نوع من التطفل على ما لا يجوز له الاقتراب منه.
***
..."أنتم ماذا تدعون بعضكم البعض"؟ فلم أفهم عليه.. فأخذ يشرح: "يعني ماذا تقول مثلاً عنهم، يعني تقول رفيق، أخي، أم ماذا؟".. فأجبته بسذاجة وتعجب من السؤال: "أقول الشباب"، فلما نطقت بها، قال للكاتب اكتب: "ويصطلحون فيما بينهم على كلمة (شباب) لنداء بعضهم البعض!.." من شهادة حسن خليل الكردي أحد معتقلي داريا المفرج عنهم ـ المقطع مقتبس من التحقيق أمام المحكمة الميدانية العسكرية.
ما قام به شباب وشابات منطقة داريا، ذوو الخلفية الدينية المستنيرة النابذة للعنف والمؤمنة بالعمل المجتمعي المدني سبيلاً للتغيير، هو حراك يستحق التقدير.
"كان شباب داريا هؤلاء وأستاذهم قائمين بشكل أساسي على معهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم في مسجد أنس بن مالك في داريا، ليحولوا المعهد من معهد لتحفيظ القرآن إلى مشروع مؤسسة للتعليم الديني، وليخرجوا من إطار التعليم إلى الاهتمام بقضايا الشارع والتفاعل معها.. ." من الشهادة السابقة. وقد عبر الاهتمام بقضايا الشارع عن نفسه بتنظيم حملات لتنظيف المنطقة.. وإقامة حملات ضد الرشوة.. والدعوة إلى نبذ العنف والتظاهر الصامت احتجاجاً على الاحتلال الأمريكي للعراق.
هذه الأنشطة، بالشكل الحضاري الذي جاءت فيه، وبالأهداف الواعية التي ابتغتها، ومحاولتها مخاطبة الآخر وإيصال رسالتها إليه بوسائل بسيطة ومبتكرة في آن معاً.. هذه الأنشطة كانت سابقة في حراك المجتمع المدني السوري، الذي اختار بالمجمل العناوين العريضة و"القضايا الكبيرة" أساسا لحراكه، ما فوت عليه فرص التواصل مع عدد أوسع من فئات المجتمع، من دون التغاضي عن الظروف الأمنية التي تحد إلى درجة كبيرة من حرية نشاطه..
في أيار 2003 تم اعتقال أكثر من عشرين شابا من المنطقة، بعد سلسلة من الاستدعاءات والمضايقات الأمنية. وفيما أفرج عن معظمهم على دفعات، لا يزال أربعة منهم قيد الاعتقال، يقضون حكماً صدر عن محكمة ميدانية عسكرية بالسجن أربع سنوات بتهمة "تنظيم ديني غير مرخص!!" : عميد في الجامعة (28 عاماً) خريج جامعي (26 عاماً) مهندس ميكانيكي (28 عاماً) ومحاسب (26 عاماً).
في تجربة مختلفة تماماً عن سابقتها، وفيما يشبه عودة الروح إلى الجامعات السورية التي طال مواتها. شارك قرابة 400 طالب وطالبة من مختلف الكليات في اعتصام يوم 25 ـ2ـ 2004 في جامعة حلب.. جرى الاعتصام احتجاجاً على المرسوم الذي قضى بإنهاء التزام الدولة بتعيين خريجي كليات الهندسة في الوظائف العامة.. وهو ما يعطي هذا الحراك أهمية مضاعفة، من حيث كونه أول نشاط طلابي احتجاجي منذ زمن بعيد، يقول فيه الطلاب كلمتهم بأمور تمس صميم مستقبلهم وحياتهم، وذلك بعد أن كان أمر تقرير الأفضل لهم منوطا لسنوات طويلة بـ "الاتحاد الوطني لطلبة سورية" وتوابعه.. فضلاً عن الروح التضامنية التي لفَت الاعتصام بمشاركة طلاب وطالبات من مختلف الكليات، ومن مختلف التيارات بما فيها بعض الطلاب البعثيين والكثير من الطلاب المستقلين.
لم يكن من المتوقع أن تغض السلطة النظر عن هكذا حراك في أكثر الأوساط قابلية للنشاط والعطاء والإزعاج!! تم قمع الاعتصام السلمي بالقوة وتوقيف عدد من الطلاب لعدة ساعات قبل الإفراج عنهم.
تلا ذلك تحويل عدد منهم إلى "لجان الانضباط" التي أصدرت قرارات فصل نهائي من الجامعة بحق خمسة طلاب وطالبات وفصل موقت بحق طالبين بالإضافة إلى توجيه إنذار لأربعة آخرين، توزع الطلاب المفصولون بين كليات الطب والهندسة والحقوق والآداب.
بتاريخ 24 ـ3 ـ 2004 تم اعتقال أحد عشر طالباً من جامعتي دمشق وحلب، في مقهى جامعي بدمشق، كان من بينهم عدد من المفصولين السابق ذكرهم، وفيما أفرج عن تسعة منهم بتاريخ 5 ـ 5 ـ 2004 بقي اثنان قيد الاعتقال و أحيلا إلى "محكمة" أمن الدولة العليا بتهمة "مناهضة أهداف الثورة"، وأفرج عنهما منذ عدة أشهر.
مناهضة أهداف الثورة؟!! تهمة مهيبة، تناسب "خطر" نشاط طلابي مطلبي، يراد وأده.