-
دخول

عرض كامل الموضوع : شمس وراء الغيوم


hanny dagher
30/10/2005, 04:00
توارت الشمس وراء الغيوم المتلبدة في السماء، وكان المطر ينهمر بغزارة عندما جلس حاتم ذو الإحدى عشر ربيعاُ برجليه المعاقتين على كرسي بجانب سرير ترقد عليه امه التي تنازع الموت.
كان يراقبها بعينين مليئتين بالدموع. مسك يديها المتجمدتين وضمها وكأنه يودعها الوداع الأخير، وفجأة لمعت السماء ودوى هدير رعد كأنه قبول تقرع لتعلن موت أم حاتم . ثم انطفأ آخر بصيص نار في المدفأة التي كانت بقربه، كانت ملامحه لا تفسر تسمرت الدمعة في عينيه و كاد قلبه يتمزق من شدة ألمه و حزنه لفراق والدته. وفي الركن المقابل كان والده يشيع بنظراته زوجته التي وقفت إلى جانبه في السراء والضراء،
تعينه على تحمل مصاعب دهره وتعضده ضد عثرات الزمان . تبادر إلى مخيلته يوم أعلمه الطبيب بإعاقة ابنه الوحيد كيف وقفت إلى جانبه تقوي من إيمانه بالله وتشد من عزيمته لتحمل ما قدر لهما ولابنهما.
عاد حاتم إلى المدرسة بعد فترة حداد قصيرة على والدته ، وقد غابت البسمة عن وجهه بفقدان من كان يسانده في تحمل مشاق وألم نبذه من قبل معلمته التي كثيراُ ما عبرت أمامه عن تذمرها لوجوده في صفها ، حيث حاولت مراراُ أن تطلب من مدير المدرسة أن يسعى لنقله إلى مدرسة تعنى بالمعاقين ، رافضة فكرة اندماج الأطفال ذوي الحاجات الخاصة مع الأطفال الأصحاء . إلا ان المدير رفض رأيها الخاطئ الذي أثر سلبياُ على علاقة زملاء صفه به. فكثيراُ ما تجاهلت جده واجتهاده ، ورفضت مشاركته في الصف غير معترفة بقدرته الذهنية التي لا تنقص شيئاُعن مقدرة باقي رفاقه لا بل قد يضاهيها في كثير من الأحيان ، ودأبت على تركيز اهتمامها على بعض الطلاب المتميزين في نظرها
وصب نقمتها بسبب ضعف شخصيتها على طلاب آخرين .
جلس في مقعده كئيباُ منزوياُ متذكراُ أمه التي كانت كصندوق لأسراره ،يشكو لها همه ويبوح بفيض مشاعره ورغبته بنظرة اهتمام ورعاية من تلك المعلمة ونظرة حب وتقدير من قبل زملاء صفه .
تذكر كلماتها :"قوّي إيمانك بالله ، وتقبل ما قدر لك ،وطّد خطواتك في دروب العلم والنجاح ."،"يابني اللي خلقك ما بينساك ! لا بد أن يأتي يوم يدركون فيه قيمتك في الحياة" كما تبادر لذهنه وعده لها :" أعدك أن أكون رجلاُ ذا شأن وأن أكون مفخرة لك ولمدرستي ولوطني".
لكن صراخ معلمته وكلامها الجارح التي تحاول من خلاله لفت انتباهه للدرس أيقظ فيه شعوراُ أليماُ بأنه قد فقد مفتاح صندوق أسراره .
لكن بالرغم من كل شيء وفي هذه اللحظة بالذات بكل ما تحمله من تصارع بالمشاعر ، جدد وعده لوالدته بأن يحقق حلمها في الحياة.
لقد كان عنف الحياة لا يضاهي عنف وقساوة زوجة ابيه التي كانت تستقبله بوابل من الشتائم والصراخ
توقظه صباح كل يوم وكأنها غراب قد اعتلى شجرة ليزعج الآخرين بنعيقه الذي يملأ الأجواء
كان طعامه لا يشبع العين ولا يروي القلب مصحوباُ بعبارات آلمته وأفقدته شهيته مرات كثيرة "مكان ما يسري يهري"
وكانت تذهله مقدرتها على قلب هذا المشهد رأساُ على عقب عندما تزورها إحدى جاراتها أو عندما يعود والده من العمل فتصبح ألفاظها لبقة مفعمة بحنان مزعوم
كثيراُ ما ثبطت همته أو ضعفت ثقته بنفسه أ, سيطر عليه شعور بالضعف كاد أن يخنق كل إبداع أو تحد بداخله
ولكنه بكثير من الصبر وبقوة إرادة وإيمان عميق كان يتذكر كلام وتشجيع والدته كلما عاد إلى غرفته التي كانت ملاذه الوحيد
فيشرع بتسطير مشاعره في لوحة تتفجر منها ينابيع الفن والإبداع تالياُ صلاة طالباُ الرحمة لوالدته وأن يشرق فجر يوم جديد مليء بالخير للجميع
جاهد حاتم دائماُ كي يتغلب على إعاقته التي أبت أن تنأى عن مخيلته كلما نزل إلى ملعب المدرسة ليقف من بعيد يحدق تارة بعينيه اللتين ترغرغان دمعاُ يرفض أن ينهمر على وجنتيه ليتحول إلى سيف يكاد أن يشطر قلبه ويراقب رفاق وهم يتناقلون الكرة بأقدامهم الرشيقة ثم ينظر إلى رجليه الهزيلتين العاجزتين اللتين تشلان حركته وتأسران حريته وكأنها أغلال صنعت له خصيصاُ دون سواه ثم يسمع صرخاتهم تعلو فرحاُ وابتهاجاُبالنصر كلما هز الهدف شباك المرمى فترتسم على شفتيه بسمة تعبر عن فرحه لفرحهم متحرقاُ شوقاُ لو كان بمقدوره مشاركتهم اللعب أو الجري وراء الكرة .
كان حاتم أحد الطلاب المشاركين في مسابقة رسم أعلنتها وزارة التربية بالتعاون مع منظمة اليونسيف لتقديم لوحة فنية تعبر عن العنف الذي يعانيه أطفال الحجارة ، ومن يا ترى أقدر منه في تجسيد هذا العنف وهو من ذاق بطش الحياة ومرها ألواناُ ، وهو من تلوع من عنف التمييز والإعاقة دائماُ . فقد خطت أنامله أبدع لوحة استحوذت على إعجاب لجنة الحكم ودهشتهم لما فيها من مشاعر وأحاسيس عميقة فكان يوم زيارة هذه اللجنة إلى المدرسة هو يوم بزوغ أول شعاع نور وأمل في حياة حاتم . حيث حدّث مدير المدرسة اللجنة عن وضع حاتم وإعاقته ، فأثار لديهم حب الفضول للتعرف على ذلك الطفل المبدع الخلاق وهو من ذوي الحاجات الخاصة . فطلبت اللجنة من المدير أن يقيم حفل تكريم له أمام جميع طلاب المدرسة ومعلميها.
كان إعجاب المعلميه بموهبته وبفوزه في تلك اللحظة التي تسلم فيها حاتم كأس فوزه أكبر من دهشتهم ،وعلا تصفيق وصيحات رفاقه تشجيعاُ ومباركة له بفوزه ، وتزايدت خفقات قلبه وأمسى كأنه علم خفاق يرفرف في أعالي السماء فخراُ أو كأنه طبل يعلن حلاوة النصر وزهوته حمل الكأس واتجه به نحو المدير مقدماُ إياه عربون عرفان بالجميل للمدرسة و المدرسين .
وعند عودته إلى البيت كانت زوجة والده بانتظاره مع زمرة من جاراتها اللواتي وصلهن الخبر قبل وصول حاتم .
سلمت عليه الخالة بحرارة ومن ثم قبلت جبينه بشفاه تخفيان تخفيان تحتهما بسمة وشعوراُ جديداُ من الفخر الممزوج بالحب وقالت:"تقبرني يا عين خالتك !" وكان في تلك اللحظة قد تبادر إلى ذهنها مثلاُ شعبياُ يقول :"الحجر اللي ما بيعجبك بفجّك " ولكن طبعاُ لم تجرؤ أن تقوله بل سارعت إلى تقديم واجباتها تجاه الضيوف المهنئين .
وفي هذه اللحظة اتجه حاتم إلى غرفته وجلس أمام صورة أمه مبشراُ إياها بتحقيق نبوأتها به متحدياُ إعاقته متناسياٌ عجزه البدني وكانت عيناه تلمعان ببريق عجيب يشبه بريق ولمعان شمس الحياة المستقبلية

اميرة الظلام
04/11/2005, 02:21
واااااااايد حلووووه القصه ومؤثره

ميرسي هاني

:D

hanny dagher
04/11/2005, 03:12
واااااااايد حلووووه القصه ومؤثره

ميرسي هاني

:D

شكرا لمرورك اميرة

100 وردة :D :D :D

butterfly
15/11/2006, 14:02
فعلا القصة حلوة :mimo:
وعنتلي كتير ... منيح انو أجت الفرصة وقريتا بعد كل هالوقت :oops:

سرسورة
15/11/2006, 15:39
ميرسي ميمو.....لنكشك القصة...وميرسي هاني ع القصة الحلوة....:D
و رجاع طلعلنا ابداعاتك من اول و جديد...ما تخبيون:D

وشم الجمال
10/11/2007, 10:29
ما أروع أن يتذكر الانسان أن هناك شمسا تخفي اشعتها خلف كل تلك الغيوم التي تحيك الهموم في قلوب البشر
مؤلم هذا الطرح الذي تناولته قصتك لأنه يحكي شيئا نصادفه في كل الازمان والأماكن ...فأنا عندي صديقة تعاني من توقف في النمو ...وكلما قطعنا الشارع يبدأ الاطفال يكيلون عليها التعليقات والضحك لأنها قصيرة ...تقابلهم في ابتسامة تختلط بها دموعي ...ولكنها لم تستسلم بل هي من الاوائل في جامعتها ودائما ما تفرض احترامها على غيرها ... وبالنسبة الك يا هاني اسلوبك بصراحة كتير حلو في عرض القصة وبيجتذب القارئ يعني مو بملل ...وناطرة شي تاني لأقرؤه (يا اخي شو ساوي بموت بالأدب ):D