-
دخول

عرض كامل الموضوع : قليل من الإيجابية!


yass
30/09/2004, 13:15
ربما كان بعض الناس يهوون النقد ولا يستطيعون التحول عنه لأسباب مختلفة، لكن من الإنصاف القول أيضاً إن آخرين يفرض عليهم الواقع أن يأخذوا هذا المنحى، في ظل وضع لا يحتمل المدح أو الإطراء.

المشكلة تكمن في التقدم الحاصل على الأرض في مقابل متطلبات الواقع وحاجاته. فعندما يتم رفع رواتب الموظفين بنسبة 25 في المائة، فإن هذا لا يمثل إيجابية كبيرة لأن الحاجة أكبر من ذلك بكثير. ومع تقدير قدرات الدولة المالية، فإن عيون المواطنين تتجه إلى جيوب "الفاسدين" الممتلئة.

حين اتجهت الحكومة نحو الانفتاح الاقتصادي وإفساح المجال أمام القطاع الخاص، إذا بالذين جمعوا ثرواتهم من المال العام يستثمرونها الآن في مشروعات القطاع الخاص. ألا يدفع ذلك إلى تفكير يسيء الظن؟

عندما أُعلن عزم السلطات على إطلاق مجموعة من السجناء السياسيين، إذا بالأجهزة الأمنية تعيد نحو نصفهم إلى السجن. ويشبه ذلك كثيراً حين تفرج السلطة عن سجناء انتهت فترة محكوميتهم، فأين اللافت للنظر، لا سيما مع استمرار حملات الاعتقال الجديدة على خلفيات سياسية أو لأسباب مرتبطة بالتعبير عن الرأي؟

حين أعلنت الحكومة الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحظر التعذيب، إذا بالتقارير تتوالى عن أناس توفوا تحت أو نتيجة التعذيب في السجون السورية، فأين التغيير هنا؟

عندما تؤكد الحكومة عزمها على محاربة الفساد، وفعلاً يتم معاقبة عدد من الفاسدين، لكنهم من الفاسدين الصغار، في حين يبقى الفاسدون الكبار في مواقعهم، أو ربما أصبحوا في مواقع أرفع، فكيف يستقيم ذلك؟

عندما تقر الحكومة قانوناً لإنشاء وسائل إعلام خاصة، ولكنها تضع شروطاً وعراقيل في وجه السياسية منها لتقتصر الصحف الجديدة على الإعلانية أو الفنية أو الثقافية، فهل هذا تطور معتبر؟ لا سيما إذا تذكرنا كيف تم سحب ترخيص إحد الصحف بسبب تجاوزها "الخطوط الحمراء" الحكومية.

عندما تؤكد الحكومة سعيها لنشر تكنولوجيا المعلومات وتوسيع استخدام الإنترنت، وتحجب المواقع الالكترونية، بل وتعاقب متصفحيها بالسجن، فأين هي الصورة الإيجابية؟

عندما تقبل السلطة بتسوية أوضاع بعض المنفيين في الخارج، ولكن بـ "القطارة" وبعد المرور بكل البوابات الأمنية، ومع ذلك فإن بعضهم يتعرض للاعتقال لدى عودته؛ فهل هذه إيجابية يُشهد لأصحابها بالإنجاز؟

حين تتبع السلطة سياسة خارجية تقوم على إزالة أسباب غضب الأمريكيين وتقدم التنازلات الواحد تلو الآخر، في مقابل سياسة العصا الغليظة في وجه من يجرؤ من مواطنيها على المطالبة بالحد الأدنى من حقوق المواطنة؛ فهل هذا ينم عن رغبة حقيقية في حماية البلد وحفظ كيانه ووحدته؟

وغير هذا كثير.

الوضع لم يعد يحتمل أنصاف الحلول، وكل اتجاه لتنفيذ إصلاحات أو تغييرات على طريقة الري بالتنقيط، يدفع إلى الاعتقاد بأن الهدف من ذلك تخفيف حدة الاحتقانات الناجمة عن تردي الحالة الاقتصادية المترافقة مع كبت سياسي. ويعزز هذا الاعتقاد الحديث الدائم عن "الثوابت" التي تعني أن لا تغيير حقيقياً سيحصل. ويضاف إلى ذلك أن كثيراً من القوانين والإجراءت "الإصلاحية" لم تُنفذ أو تم التراجع عنها أو أُسيء استخدامها.

ومع ذلك، لا بد من التمييز بين أمرين: الأول النقد الموجه إلى السياسات والإجراءات الحكومية مضافاً إليها تصرفات المتنفذين والممسكين بمفاصل البلد، السياسية منها والاقتصادية، والأمر الثاني الحديث عن تغيير كامل للنظام. وعلى أية حال، فإن أياً من النوعين ليس مسموحاً به في سورية.


رأي أخبار الشرق - 29 أيلول 2004