-
دخول

عرض كامل الموضوع : يوم المعتقل السياسي... الاعتقال وحقوق المعتقل السياسي


yass
25/09/2004, 00:31
بقلم : رزان زيتون (محامية ناشطة في حقوق الإنسان في سورية)



مازالت أشباح صور تتراءى لي حول "زيارة خاصة" كانت والدتي تصطحبني فيها في طفولتي البعيدة، كنا نذهب إلى سجن عرفت فما بعد أنه "سجن صيدنايا" ، لزيارة قريب لنا معتقل.



- ماذا فعل؟ "عمل بالسياسة" تجيبني والدتي.



في ذلك الوقت ومن خلال "تنصتي" على أحاديث الكبار، تعلمت أن أولئك الذين "يعملون في السياسة" يسجنون في مكان بعيد، يزورهم أقاربهم في فترات متباعدة، ويحملون لهم طعاما يسرق الحراس معظمه ‍‍!!. لكن وقتا طويلا استغرقني حتى علمت أن لهؤلاء الأشخاص عالما آخر يعيشونه، منذ لحظة اعتقالهم وحتى ما بعد الإفراج عنهم، أبسط ما يقال فيه أنه غير إنساني .



هذا على الرغم من أن الجريمة السياسية بمفهومها القانوني، تعتبر سببا في منح المعتقل ظروفا أفضل من نظيره المسجون لأسباب جنائية أو مدنية في معظم قوانين العالم. مع الأخذ بالاعتبار أن معظم حالات الاعتقال لأسباب أمنية في سورية، وخاصة في الوقت الحالي، لا ينطبق عليها وصف الجريمة السياسية، بل هي لا تشكل جرما أصلا، لأنها تقوم على انتهاك الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، وتأتي غالبا نتيجة ممارستهم لها.



ومع ذلك يتم التعامل مع المعتقل السياسي ومع مختلف معتقلي الرأي والضمير، بمنطق يستبعد القانون بشكل شبه تام، في عملية تعسفية تتجاهل مواطنة السجناء السياسيين وتحرمهم من الحقوق التي تترتب عليها. هذا في الوقت الذي يقرأ فيه طلاب كلية الحقوق في جامعة دمشق ما جاء في مادة العقوبات في بحث الجريمة السياسية من أن "التشريعات الحديثة أحسنت صنعا حين ميزت المجرمين السياسيين عن المجرمين العاديين في إجراءات المحاكمة وفي العقاب وفي المعاملة العقابية فهم لا يرتكبون جرائمهم تحقيقا لمصالحهم الأنانية والشخصية، بل يرتكبونها حسب اعتقادهم على الأقل تحقيقا للمصلحة العامة ولأهداف الشعب وغاياته وانطلاقا من مبادئ العقيدة التي يعملون لنصرتها."!!

********


"لم أعد أفكر في المستقبل، أن أُعتقل، ممكن، أن أتعرض للتعذيب والشتم والإهانة، هذا أصبح أكثر من عادي لكثرة ما تعرضت له...لم أعد أشعر بإنسانيتي" معتقل سياسي سابق



تتجسد معاملة الفروع الأمنية المختلفة - التي تتولى مسألة الاعتقال والتحقيق - مع معتقلي الرأي والضمير، بنقطتين أساسيتين: معاملتهم كأشخاص لا حقوق لهم من جهة، وتجريدهم من إنسانيتهم عبر معاملة تتقصد الحط من كرامتهم بشتى الوسائل.



ويعتبر احترام الكرامة الإنسانية من الحقوق الأساسية التي يتوجب حمايتها للمعتقلين والسجناء كافة. حيث تنص المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء التي اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1990 على أنه "1. يعامل كل السجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر".



كما ينص المبدأ الأول من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن التي اعتمدت عام 1988، على أن : "يعامل جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنساني الأصيلة". وطبيعي أن إنكار صفة الإنسانية عن أي كان، تستتبع إنكار حقوقه كافة، وفي مقدمتها الحق في الحياة.

******

مايزال العمل بالقانون رقم 49 لعام 1980 ساري المفعول حتى الآن والذي يقضي في مادته الأولى بأن "يعتبر مجرما يعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين". ويحاكم حاليا أمام المحاكم الاستثنائية العديد من المعتقلين وفقا لهذا القانون.علما أن المشرع السوري ألغى عقوبة الإعدام في الجريمة السياسية في مادته 197 ع.ع واستبدل بها عقوبة الاعتقال المؤبد.



وجدير بالذكر أن سورية لم توقع على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد عام 1989 ودخل حيز النفاذ عام 1991 وبموجبه يحظر تطبيق عقوبة الإعدام في الدول المصدقة عليه. ويستتبع انتهاك الحق في الحياة ، استسهال تعريض المعتقل لشتى صنوف الآلام الجسدية والنفسية في انتهاك واضح لحق الحماية من التعذيب.

********

"أول ما تبادر لذهني لحظة رؤيته، أحدب نوتردام الشهير، كان ظهره مقوسا ومحدودبا بشكل كبير، بعد اطلاعي على التقارير الطبية وسماعي قصته، تبين أنه أثناء تعرضه للتعذيب في بدايات اعتقاله، تهشمت فقرات من عموده الفقري تحت تأثير الضرب المبرح على منطقة الظهر، ولم تتم معالجتها فالتأمت على تشوهها." ناشط في حقوق الإنسان



يندر أن يعتقل شخص لأسباب سياسية- أمنية من غير أن يتعرض للتعذيب الجسدي أو النفسي أو كليهما معا. خاصة مع استمرار العمل بالمادة 16 من قانون إحداث إدارة أمن الدولة التي تحمي مرتكبي التعذيب من أية مساءلة قانونية.



وماتزال آثار التعذيب في حالات لا تحصى ، بادية على الضحايا حتى بعد انقضاء أعوام على حصولها، وهي تتجلى إما بعجز جسدي في أحد الأعضاء، أو باضطرابات نفسية مستديمة، ويؤدي التعذيب في حالات أخرى إلى الوفاة، بدون أية مساءلة للمتسبب بها.



ويمارس التعذيب بوسائله المختلفة، التي جاءت على ذكرها التقارير المحلية والدولية لحقوق الإنسان، إما بهدف الحصول على اعترافات معينة، أو كإجراء عقابي لا أكثر: "قال لي المحقق، نعرف أنه ليس لديك ما تقوله، نحن نضربك لكي "نكسر أنفك المرتفع"!!! معتقل سابق.



لم تصادق سورية على اتفاقية مناهضة التعذيب التي بدأ نفاذها عام 1987، ومع ذلك فالدستور السوري في مادته 28ف3 التي تنص على أنه "لا يجوز تعذيب أحد جسديا أو معنويا أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك"، ويحرم صراحة اللجوء إلى التعذيب الجسدي والنفسي، فضلا عن أن تحريم التعذيب ملزم للدول كافة بموجب القانون الدولي العرفي.



نص المبدأ السادس من المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء على أنه: "لا يجوز إخضاع أي شخص يتعرض لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا يجوز الاحتجاج بأي ظرف كان كمبرر للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"



وذهبت المادتين 31-32 من مجموعة المبادئ السياسية السابق ذكرها إلى أبعد من ذلك حين ذكرت بالتفصيل بعض الممارسات اللاإنسانية التي لا يجوز إنزالها بالسجين في حال من الأحوال: "31. العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة، وأية عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، محظورة كليا كعقوبات تأديبية." ويعتبر من أبرز أشكال التعذيب النفسي أو المعنوي ، عزل المعتقل نهائيا عن العالم الخارجي وعدم إبلاغ عائلاتهم بمكان تواجدهم أو التهم الموجهة إليهم، وانتهاك حقه في الحماية من "الاختفاء القسري".

*******

"اعتقل زوجي منذ سنتين ونصف، ولا أعرف عنه أي شيء منذ ذلك الوقت، ذهبت إلى الفرع الذي اعتقله عدة مرات، لكنهم رفضوا إعطائي أية معلومات عنه، فوجئت مؤخرا، بدعوتي إلى ذات الفرع، تم التحقيق معي حول زوجي الذي لا أعلم مصيره، واستدعيت عدة مرات كانت كالجحيم بالنسبة لي لسوء معاملتي والإهانة التي تلقيتها، ومع ذلك لم أسمع كلمة واحدة عن مصير زوجي" زوجة معتقل





يعتبر الاختفاء القسري للمعتقلين السياسيين في سورية من بديهيات الاعتقال، في معظم الحالات، ولا يسمح للعائلة بالسؤال عن المفقود، أو يتم إنكار وجوده في الفرع المعني، وقد يستمر ذلك شهورا أو سنوات.



ووفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، يعتبر الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية، ونصت مختلف المواثيق الدولية ذات الصلة على جملة من الأمور يجب مراعاتها لحماية المعتقلين والسجناء من الاختفاء القسري.



فقد نصت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (1977) على أنه :في أي مكان يوجد فيه مسجونين، يتوجب مسك سجل مجلد ومرقم الصفحات، تورد فيه المعلومات التالية بشأن كل معتقل:



(أ) تفاصيل هويته،



(ب) أسباب سجنه والسلطة المختصة التي قررته،



(ج) يوم وساعة دخوله وإطلاق سراحه.



(2) لا يقبل أي شخص في أية مؤسسة جزائية دون أمر حبس مشروع تكون تفاصيله قد دونت سلفا في السجل.



وحتى في حال الكشف عن مكان وجود المعتقل ، قد يمضي وقت طويل قبل أن تتمكن عائلته من رؤيته والاطمئنان عليه في انتهاك صريح "لحق المعتقل في التواصل مع العالم الخارجي".

*******


"لم يسمحوا لي بزيارة ولدي رغم مضي أكثر من سنة على اعتقاله، منذ فترة ذهبت إلى الفرع طردني الحراس من أمام الباب، وعندما رفضت المغادرة وجهوا بنادقهم تجاهي مهددين وهم يصرخون في وجهي "الزيارة ممنوعة". والدة معتقل



يعتبر عزل المعتقلين السياسيين عن العالم الخارجي لمدد طويلة في سورية، أحد أشكال العقوبة الإضافية التي تمارس ضدهم.ويشكل هذا العزل، عقوبة مزدوجة للمعتقل وعائلته، وقد ذكر المقرر الخاص للتعذيب أن "الاعتقال المطول بمعزل عن العالم الخارجي في مكان سري قد يصل إلى حد التعذيب" .



علما أن مئات المعتقلين في سجن صيدنايا بعضهم محروم من الزيارة نهائيا منذ سنوات عديدة، ومجموعة منهم حرمت من الزيارة في آب 2002، وماتزال حتى اللحظة، والباقون يتلقون زيارات كل سنة أو ستة أشهر فقط‍‍!!



أما في الفروع الأمنية فتكاد الزيارة تكون ممنوعة نهائيا، إلا في حالات نادرة مهما طال بقاء المعتقل في الفرع، وحتى إذا تمت محاكمة المعتقل فإن السماح بزيارته يبقى منوطا بالفرع الأمني المعني الذي يعود له منح الإذن من منعه.



مع العلم أن الحق في الزيارة فضلا عن هدفه المعنوي فهو يحقق هدفا ماديا من خلال تزويد المعتقل بالمال والأدوية والحاجيات الضرورية المختلفة التي لا يتم تأمينها من قبل إدارة السجن، في ظروف اعتقال بالغة السوء يسود فيها الفساد وعدم التقيد بنظام السجون والمعايير الدنيا لحقوق السجناء.



وينص المبدأ 15 من مجموعة المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء على أنه " بصرف النظر عن الاستثناءات الواردة في الفقرة 4 من المبدأ 16 والفقرة 3 من المبدأ 18 لا يجوز حرمان الشخص المحتجز أو المسجون من الاتصال بالعالم الخارجي، وخاصة بأسرته أو محاميه، لفترة تزيد عن أيام"، كما ينص المبدأ التاسع عشر على أنه: يكون للشخص المحتجز أو المسجون الحق في أن يزوره أفراد أسرته بصورة خاصة وفى أن يتراسل معهم. وتتاح له فرصة كافية للاتصال بالعالم الخارجي، رهنا بمراعاة الشروط والقيود المعقولة التي يحددها القانون أو اللوائح القانونية".



من ناحية أخرى، في حال السماح للمعتقل بالاستعانة بمحام، لا يسمح للوكيل الالتقاء بموكله على انفراد وفقا لما تقتضيه المعايير الدولية ، بل يكون اللقاء بحضور عنصر أمني دائما. ينص المبدأ 18 على أنه:" 4- يجوز أن تكون المقابلات بين الشخص المحتجز أو المسجون ومحاميه على مرأى من أحد موظفي إنفاذ القوانين، ولكن لا يجوز أن تكون على مسمع منه".



وطبيعي أن العزل عن العالم الخارجي ، هو أحد أسباب انتهاك الحق في "إجراءات ومحاكمة عادلة".

*******


"تم توقيعي على إفادتي تحت الضرب وأنا مغلق العينين، وعندما احتججت في المحكمة أن هذه الإفادة غير صحيحة، وانتزعت مني تحت التعذيب، هزء القاضي مني وهو يقول، سبحان الله جميعكم انتزعت اعترافاتكم تحت التعذيب؟" معتقل سابق



يبدأ انتهاك حقوق المعتقل في سورية، منذ اللحظة الأولى التي يتم فيها اعتقاله، حيث يتعرض غالبا للتعذيب للحصول على اعترافات تحت الإكراه، تستخدم أثناء محاكمته. على الرغم من أن القانون الدولي لحقوق الإنسان فضلا عن القوانين المحلية تحرم استخدام الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب: "المبدأ 16- يحظر استغلال حالة الشخص المحتجز أو المسجون استغلالا غير لائق بغرض انتزاع اعتراف منه أو إرغامه على تجريم نفسه بأية طريقة أخرى أو الشهادة ضد أي شخص آخر.



2. لا يعرض أي شخص أثناء استجوابه للعنف أو التهديد أو لأساليب استجواب تنال من قدرته على اتخاذ القرارات أو من حكمه على الأمور". كما استقر الاجتهاد القضائي السوري على أن" الاعتراف المشوب بالإكراه لا يصح التعويل عليه كدليل إثبات في الدعوى" و "أن الاعتراف في المسائل الجزائية من العناصر التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحته وقيمته في الإثبات ولمحكمة الموضوع البحث في صحة ما يدعيه المدعى عليه من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه عن طريق الضغط والتعذيب".



بعد انتهاء التحقيق في الفرع الأمني قد يحال المعتقل إلى القضاء الاستثنائي: محكمة أمن الدولة العليا- المحكمة الميدانية العسكرية- القضاء العسكري بما له من اختصاص استثنائي برؤية قضايا معينة وفقا لقانون الطورائ. وجميع هذه المحاكم تفتقر إلى المعايير الدنيا للعدالة، والقرارات التي تصدر عنها ذات طابع أمني - سياسي، وليس قانوني.



ولعل أخطر هذه المحاكم على الإطلاق هي المحكمة الميدانية العسكرية، فهي محكمة سرية تماما، لا يسمح فيها بتوكيل محام ولا تطبق القوانين النافذة، ويصدر الحكم عنها بصفتها هيئة عسكرية ولا يبلغ الحكم حتى للمحكوم عليه.

*********

"أنتم تطالبون كمنظات حقوق إنسان طوال الوقت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، لكن يفوتكم ما هو أهم، المطالبة بتحسين ظروف الاعتقال إلى حين تتم الاستجابة إلى مطالبتكم بالإفراج، كنا نعيش ظروف بالغة السوء، تفاصيل كثيرة بالغة الأهمية، مثلا نحن في سجن صيدنايا، لا يوجد لدينا تدفئة، الرطوبة قاتلة، وأشياء أخرى كثيرة يطول شرحها" معتقل سابق في سجن صيدنايا



تعتبر ظروف الاعتقال في الفروع الأمنية، قياسية من حيث رداءتها: اكتظاظ وقذارة وعدم توفر عناية صحية وطعام قليل وسيء ..... وقد تتحسن ظروف الاعتقال في السجن بعد الانتقال من الفرع، إلا أنها لاترقى على الإطلاق إلى المعايير الدنيا لحقوق السجناء. علما أن مجموعة المبادئ المتعلقة بحقوق السجناء تنص على أنه "لمراقبة مدى دقة التقيد بالقوانين والأنظمة ذات الصلة، يقوم بتفقد أماكن الاحتجاز بصفة منتظمة أشخاص مؤهلون ومتمرسون تعينهم وتسألهم سلطة مختصة مستقلة تماما عن السلطة التي تتولى مباشرة إدارة مكان الاحتجاز أو السجن.



إلا أن مثل هذه الرقابة إما شبه غائبة ، أو حاضرة بدون أية فعالية كما يبدو من تصريح وزير الدفاع السابق لأحد المواقع الالكترونية منذ فترة قريبة بأنه ، كان يزور السجون بانتظام ويصدر الأوامر والتوجيهات التي تقع ضمن صلاحياته ، ما يعني أن السوء البالغ في ظروف الاعتقال هو جزء من سياسة السلطة تجاه المعتقلين السياسيين.



هذا وتنص المواثيق الدولية على جملة من الأمور، يجب أن توفر للسجين جنائيا كان أو سياسيا أو مدنيا، ومن ذلك ما نصت عليه مجموعة المبادئ سابقة الذكر من أنه:



10. توفر لجميع الغرف المعدة لاستخدام المسجونين، ولا سيما حجرات النوم ليلا، جميع المتطلبات الصحية، مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية، وخصوصا من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين والإضاءة والتدفئة والتهوية.



11. في أي مكان يكون على السجناء فيه أن يعيشوا أو يعملوا:



(أ) يجب أن تكون النوافذ من الاتساع بحيث تمكن السجناء من استخدام الضوء الطبيعي في القراءة والعمل، وأن تكون مركبة على نحو يتيح دخول الهواء النقي سواء وجدت أم لم توجد تهوية صناعية،



(ب) يجب أن تكون الإضاءة الصناعية كافية لتمكين السجناء من القراءة والعمل دون إرهاق نظرهم.



11. يجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية في حين ضرورتها وبصورة نظيفة ولائقة.



13. يجب أن تتوفر منشآت الاستحمام والاغتسال بالدش بحيث يكون في مقدور كل سجين ومفروضا عليه أن يستحم أو يغتسل، بدرجة حرارة متكيفة مع الطقس، بالقدر الذي تتطلبه الصحة العامة تبعا للفصل والموقع الجغرافي للمنطقة، على ألا يقل ذلك عن مرة في الأسبوع في مناخ معتدل.




14. يجب أن تكون جميع الأماكن التي يتردد عليها السجناء بانتظام في المؤسسة مستوفاة الصيانة والنظافة في كل حين.



19. يزود كل سجين، وفقا للعادات المحلية أو الوطنية، بسرير فردى ولوازم لهذا السرير مخصصة له وكافية، تكون نظيفة لدى تسليمه إياها، ويحافظ على لياقتها، وتستبدل في مواعيد متقاربة بالقدر الذي يحفظ نظافتها.



20. (1) توفر الإدارة لكل سجين، في الساعات المعتادة، وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم.



علما أن أبرز مظاهر سوء ظروف الاعتقال في سورية، تردي الرعاية الصحية للمعتقلين.

*******


"لم نفاجأ بوفاته داخل المعتقل، كان طبيب السجن طوال الوقت يقول أنه يعيش بقلب ميت، وقد عرض على اللجنة الطبية عدة مرات، وأوصت بالإفراج عنه لكنه بقي قيد الاعتقال" معتقل سابق



"جاء عنصر أمن أثناء تواجدي لدى المحقق وأخبره أن أحد المعتقلين يحتضر، فرد المحقق: اتركه يموت هذا ال..." معتقل سابق



يثير موضوع الرعاية الصحية للمعتقلين السياسيين نقطتين، أولاهما شبه انعدام الرعاية الصحية للمعتقلين في الفروع الأمنية، وتدني مستواها في السجون ، وثانيهما الاحتفاظ بالمعتقلين المصابين بأمراض عضال رغم توصية اللجان الطبية بالإفراج عنهم.



ويذكر أنه يوجد حاليا في سجن صيدنايا حوالي مئة مريض بمرض عضال، من بينها، حالات أصيب أصحابها بأمراض نفسية خطيرة وبعضهم فقد عقله تماما وآخرون مصابون بأمراض جسدية خطيرة ومع ذلك لم يفرج عنهم حتى اللحظة. وتنص مجموعة المبادئ المتعلقة بحقوق السجناء على أنه:



22. يجب أن توفر في كل سجن خدمات طبيب مؤهل واحد على الأقل، يكون على بعض الإلمام بالطب النفسي. وينبغي أن يتم تنظيم الخدمات الطبية على نحو وثيق الصلة بإدارة الصحة العامة المحلية أو الوطنية. كما يجب أن تشتمل على فرع للطب النفسي لتشخيص بقية حالات الشذوذ العقلي وعلاجها عند الضرورة.



(2) أما السجناء الذين يتطلبون عناية متخصصة فينقلون إلى سجون متخصصة أو إلى مستشفيات مدنية. ومن الواجب، حين تتوفر في السجن خدمات العلاج التي تقدمها المستشفيات، أن تكون معداتها وأدواتها والمنتجات الصيدلانية التي تزود بها وافية بغرض توفير الرعاية والمعالجة الطبية اللازمة للسجناء المرضي، وأن تضم جهازا من الموظفين ذوى التأهيل المهني المناسب.



ولا تقتصر سوء المعاملة على المعتقلين من الذكور ، بل تتعداه إلى النساء والأطفال أيضا.

**********


"قالوا لها أنه سيتم عرضها على طبيب لاختبار عذريتها.. كانت تبكي بشدة وهي تسأل ما علاقتكم، كنا جميعا نبكي بينما كانت تساق إلى "الطبيب".



معتقلة سابقة في أحد الفروع الأمنية



هذه القصة حدثت منذ أشهر قريبة، ولمن لا يعلم فاختبار العذرية هو أحد أشكال الانتهاك الجنسي الذي تتعرض له النساء في السجون، ويعتبر أحد أشكال التعذيب التي جاءت على ذكرها تقارير المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في أنحاء العالم .



باتت أخبار اعتقال النساء لأسباب أمنية أقل تداولا في الوقت الحالي، لكن هذا لا يعني أنها لا تمارس، بل إن مختلف الفروع الأمنية تحتوي على غرف خاصة بالنساء، بعضهن يتعرضن للتعذيب الشديد فضلا عن الانتهاك الجنسي، ولعل عدم تناول هذا الموضوع في تقارير المنظمات المعنية بحقوق الإنسان يعود إلى الصعوبة في رصد هذا الجانب من جوانب الاعتقال ، بسبب تكتم النساء على ماتعرضن له لأسباب اجتماعية، فضلا عن حالة الرعب التي يعشنها بعد الإفراج عنهن.

************

"اعتقل ولدي حين كان في السادسة عشرة من عمره، حوكم أمام محكمة ميدانية، وقد انتهى حكمه منذ سنوات لكنه ما يزال قيد الاعتقال منذ ثلاثة وعشرين عاما." والدة أحد المعتقلين



اعتقل ولدي وعمره 14 عاما، تعرض للتعذيب وهو الآن يحاكم أمام محكمة استثنائية، أتساءل ما هي الدولة التي تخاف طفلا ابن 14عاما" والدة أحد المعتقلين



تنص المادة الثالثة من قانون الأحداث على أن: الأحداث الذين أتموا العاشرة ولم يتموا الثامنة عشرة يسالون جزائيا ولا يعد قصرهم مانعا من موانع العقاب ولكن مع ذلك لا تفرض بحقهم أي عقوبة لان مسؤوليتهم الجزائية هي مسؤولية ناقصة، ويكتفى بفرض تدابير الإصلاح عليهم كتسليم الحدث إلى أبويه أو إلى وليه الشرعي أو إلى احد أفراد أسرته أو وضعه في مركز الملاحظة أو في معهد خاص بإصلاح الأحداث أو حجزه في مأوى احترازي..الخ. "



لم يسلم الأطفال من الانتهاكات المختلفة لحقوقهم، وقد جاءت تقارير منظمات حقوق الإنسان في سورية على ذكر حالات عدة لأحداث عوملوا معاملة البالغين ، فاعتقلوا وعذبوا وحوكموا أمام محاكم استثنائية، بتهم سياسية عقوبتها تصل حد الإعدام. وبعضهم قضى في المعتقل سنوات عديدة، وللمثال فقط ، يحاكم حاليا مصعب الحريري الذي اعتقل في عام 2002 وعمره لا يتجاوز الرابعة عشر عاما بتهمة "الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين " وفقا للمادة 1 من القانون49 التي تعاقب مرتكبها "بالإعدام"!!!



وتنص اتفاقية الطفل لعام 1989 التي صادقت عليها سورية في المادة (37) على: " تكفل الدول الأطراف:



(أ) ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدي الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم،



(ب) ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة،



(ج) يعامل كل طفل محروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصلة في الإنسان، وبطريقة تراعى احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه. وبوجه خاص، يفصل كل طفل محروم من حريته عن البالغين، ما لم يعتبر أن مصلحة الطفل تقتضي خلاف ذلك، ويكون له الحق في البقاء على اتصال مع أسرته عن طريق المراسلات والزيارات، إلا في الظروف الاستثنائية،



بالإضافة إلى كل ما سبق، لا تنتهي معاناة المعتقل مع الإفراج عنه، بل إن هذا التاريخ يعتبر بداية لمعاناة جديدة من نوع آخر.



******************



"لم أستطع أن أجد أي عمل بعد خروجي من السجن، فأنا مجرد مدنيا ومحجور عليّ، قلت أعاود الكتابة في بعض الصحف، أرسلت مقالة إلى إحداها نالت موافقة رئيس التحرير،وبعد أيام أعادوا لي المقالة وقالوا، جاءتنا تعليمات أن لا" نتعامل" معك، زوجتي وأطفالي مازالوا بدون مورد مادي، كيف يمكن أن أستمر في الحياة بهذا الشكل؟" معتقل سابق





قد يبدو الحديث عن تعويض المعتقلين السياسيين وإعادة تأهيلهم بما يكفل تذليل الصعوبات كافة التي يتعرضون لها بعد اعتقالهم، قد يبدو شيئا من الترف ، حيث أن هذه الخطوة عادة ما تأتي بعد مصالحة وطنية يفرج فيها عن المعتقلين السياسيين كافة ، وتكون من بين خطوات أخرى للمصالحة بين السلطة والمجتمع .لكن الواقع المؤلم للمعتقلين بعد الإفراج عنهم ، يجعل وضعهم بعد الإفراج على ذات السوية مع قضية الاعتقال التعسفي.



حيث تشمل العقوبات الجنائية السياسية وفقا لقانون العقوبات السوري :الاعتقال المؤبد- الاعتقال المؤقت- الإقامة الجبرية - التجريد المدني. أما العقوبات الجنحية السياسية فهي الحبس البسيط - الإقامة الجبرية- الغرامة.



ويحكم بالتجريد المدني في الجرائم السياسية ذات الوصف الجنائي كعقوبة أصلية، كما يحكم به كعقوبة فرعية ملازمة للعقوبات الجنائية عامة، ويستمر مفعوله حتى السنة العاشرة على تنفيذ العقوبة الأصلية. مع الإشارة إلى أن إعادة الاعتبار القضائية تتطلب انقضاء مهلة سبع سنوات على الجناية وثلاث على الجنحة تبدأ من تاريخ الإفراج عن المحكوم عليه.



علما أن التجريد المدني يستوجب :العزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات العامة والحرمان من معاش تجريه الدولة والعزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات في إدارة الطائفة أو النقابة التي ينتمي إليها المحكوم علي والحرمان من معاش أو مرتب تجريه هذه الطائفة والحرمان من حق تولي مدرسة وأية مهمة في التعليم العام أوالخاص .....الخ"



أما الحجر فهو يفقد المحكوم عليه سلطة ممارسة حقوقه على أملاكه وهو ينتهي بمجرد الإفراج عن المحكوم عليه بعد انتهاء تنفيذ عقوبته. وبالتالي يشكل التجريد المدني للمعتقل المحكوم عليه ، عبئا إضافيا وانتهاكا آخرا لحقوقه يستمر إلى ما بعد الإفراج عنه بمدة طويلة.



من ناحية أخرى، فإن حالات لا تحصى من المفرج عنهم ، مصابون بأمراض خطيرة نتيجة التعذيب خاصة في فترات التحقيق الأولى ولسوء ظروف الاعتقال وضعف الرعاية الصحية،تحتاج إلى علاج طويل ومكلف وأحيانا غير مقدور عليه في سورية.



فإما أن تكون عائلة المعتقل غير قادرة على تغطية نفقات علاجه، وإذا ما سنحت له فرصة العلاج في الخارج، نجد مشكلة عدم السماح له بالحصول على جواز سفر وبالتالي يبقى رهينة العوز والمرض بعد الإفراج عنه.



وينص الإعلان بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة الذي اعتمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 1985 في مادته 19على أنه "ينبغي للدول أن تنظر في أن تدرج في القانون الوطني قواعد تحرم إساءة استعمال السلطة وتنص على سبل انتصاف لضحاياها. وينبغي، بصفة خاصة، أن تشمل سبل الانتصاف هذه رد الحق أو الحصول على تعويض أو كليهما، وما يلزم من مساعدة ومساندة مادية وطبية ونفسية واجتماعية."



كما يتضمن جملة من المبادئ منصوص عليها في القسم المعنون ب العلاقات الاجتماعية والرعاية بعد السجن، تتناول أدق التفاصيل التي تعترض حياة المفرج عنه:



79. تبذل عناية خاصة لصيانة وتحسين علاقات السجين بأسرته، بقدر ما يكون ذلك في صالح كلا الطرفين.



80. يوضع في الاعتبار، منذ بداية تنفيذ الحكم، مستقبل السجين بعد إطلاق سراحه، ويشجع ويساعد على أن يواصل أو يقيم، من العلاقات مع الأشخاص أو الهيئات خارج السجن، كل ما من شأنه خدمة مصالح أسرته وتيسير إعادة تأهيله الاجتماعي.



81. (1) على الإدارات والهيئات الحكومية أو الخاصة، التي تساعد الخارجين من السجن على العودة إلى احتلال مكانهم في المجتمع، أن تسعى بقدر الإمكان لجعلهم يحصلون على الوثائق وأوراق الهوية الضرورية، وعلى المسكن والعمل المناسبين، وعلى ثياب لائقة تناسب المناخ والفصل، وأن توفر لهم من الموارد ما يكفى لوصولهم إلى وجهتهم ولتأمين أسباب العيش لهم خلال الفترة التي تلي مباشرة إطلاق سراحهم.



(2) يجب أن تتاح للممثلين الذين تعتمدهم الأجهزة المذكورة إمكانية دخول السجن والالتقاء بالسجناء، ويجب أن يستشاروا بشأن مستقبل السجين منذ بداية تنفيذ عقوبته.



**********



حتى لو تجاوزنا عدم وجود مبرر قانوني لمعظم حالات الاعتقال السياسي في سورية، ولو فرضنا جدلا صحة هذا الاعتقال، فإن ذلك لا يبرر بحال من الأحوال انتهاك حقوق المعتقل السياسي جملة، مع الأخذ بالاعتبار أن المواثيق الدولية التي عنيت بحقوق السجين، تناولت مختلف السجناء بمن فيهم من ارتكب جرائم جنائية خطرة تمس حقوق الأفراد والمجتمع، فكيف بالمعتقل السياسي الذي ارتكب "جرم" التعبير عن رأيه أو المساهمة في الحياة العامة في بلده "تحقيقا للمصلحة العامة ولاهداف الشعب وغاياته وانطلاقا من مبادئ العقيدة التي يعملون لنصرتها" وفق ما يتعلم الطلاب الحقوقيون في الجامعات السورية.