-
دخول

عرض كامل الموضوع : الجماعة المسيحية الشرقية بقيت بالحكمة والتواضع لا بالحماية


keko
21/09/2004, 18:49
المسيحيون رفعوا لواء العروبة وارتبطوا بأدائها، الجماعة المسيحية الشرقية بقيت بالحكمة والتواضع لا بالحماية الأجنبية


أعلت الأمة العربيّة حضارةً ساميةً جاءت تبلور الاكتناه الحيّ للدور الذي تمثله في التاريخ البشري، فجددته كابراً عن كابر، وكأن عهدها أمسى لا ينقضي، مهما جرت في مضماره من شوائب تسري لاهثةً، حتى يبطل فيه نبض الفكر أحياناً...


في هذه الأمة شعبٌ أخذت نفسُهُ باقتفاء درب الناصري فكان مسيحيّاً عربيّاً وعى انتماءه القوميّ والحضاري اليها في كل المقومات التاريخية والثقافية، حتى تضافر على رفع سَمْكِ هذه الأمة قبل الاسلام وبعده. فما من عامل تاريخي أو ثقافي أو انتمائي يقف المسيحي عن ان يأصُل في الأمة العربية، تماماً كما يأصُلُ من هو على الاسلام مقيم. فالمسيحية دخلت الأمة العربية فجر انتشارها، أي ساعة حلول الروح القدس على الحواريين، ففي يوم امتلائهم من الروح كان في أورشليم عرب اهتدوا الى صراط الايمان القويم، على حد ما جاء في الكتاب (أعمال الرسل ـ 11). فالمسيحية الناطقة بالعربية، تاريخ يتصل بالدعوة المسيحية في جزيرة العرب قبل بزوغ الاسلام بقرون ستة، ويتصاعد بعد ذلك مع الاسلام تصاعداً طبيعياً عبر المحجّة التاريخية للتفاعل بينهما في هذه الامة الواحدة .


ان تاريخ المسيحية في الجزيرة يكشف عن تراث يحقق مفهوم الكنيسة الناطقة بالعربية، ليفرع أخيراً الى رفع لواء انتمائها الأصيل الى بلاد العرب على أعلى ساريته والاعتزاز بأغنى معطياته.


فالمسيحية بين العرب، ومنزلتها من التراث العربي الشامل، أنها اتخذت عوامل ارتبطت بتشكيل هذا الارث العربي من أهمها: ـ التاريخ: ان وحدة التاريخ العربي تنشئ تأصّلاً يفضي الى الاعتراف المتبادل بالمساهمات المسيحية والاسلامية في بناء هذه الثقافة، ويخرج بحقيقة ثابتة: هي ان المسيحيين العرب في الجزيرة العربية وأطرافها ينتمون الى العرب العاربة الذين تحدروا من يعرب ويرجعون الى قحطان.


ـ الدّار العربية: فالدار الاسلامية هو اسم يطلقه أهل الاسلام على الديار الاسلامية تمييزاً لها عن الديار غير الاسلامية. وهذه الدار هي رقعة تتوسع مع توسع الاسلام، دون ان تكون بالضرورة عربية. غير ان القسم الأصيل منها كان عربياً أو أنه استعرب في ظل الدعوة الاسلامية، فعُرف بالدار العربية أو البلاد العربية، وما هذه الدّار الا دارٌ مسيحيةٌ أصلاً، كانت في أقسام كبيرة منها عربيةً، وما تبقى كان سريانياً، قبطياً، أو يونانياً استعرب بعد انتشار الاسلام الواسع.


ـ الانتماء العربي: يضفي الانتماء المشترك على هذه الأمة وعياً حياً، يضع الجميع في بوتقة تاريخية ووجودية واحدة يتبلّر منها شعب عريق. ومهما تكاتفت العوامل الخارجية على العصف بهذا الانتماء، فان هذا الوعي يبقى الرد الفاعل عليها، فتظل ترجمته المعاشة استمراراً للتاريخ وتثبيتاً له.


ـ اللغة العربية: هي محور يدور حوله الوعي القومي العربي، اذ ان اللغة وسيلة الفكر والتعبير، بدونها ينقطع الافصاح عن الفكر والاحساس والايمان. فالعرب المسيحيون أبلغوا بشرى ايمانهم بها. فكانوا أسياداً عظاماً فيها. لذلك ارتبطت اللغة العربية ارتباطاً مباشراً بنشاط المسيحيين العرب، فتساوقت ومصطلح ايمانهم المسيحي فأغنوها أيّما اغناء، فحازوا قصب السبق في تطويرها وانمائها.


ـ التراث العربي: ان الآراء والمفاهيم والأنماط الحضارية العربية المتناقلة جيلاً بعد جيل في تفاعل وتبلّر هي مجد يتحدّر من الأصول الواحدة، مهما تعددت طرائق التفكير والمعتقد والمفهوم. لذلك يبقى هذا المظهر العلمي والأدبي والاجتماعي، بداوياً أكان أم حضارياً، رؤيةً تُلهم وتتوهج.


وبما ان هذه العوامل تعلّم الولاء للتاريخ والأمّة، من غير الانغلاق على أمميّة ضيّقة، فلا بد ان ينظر الباحث الى الماضي ليأخذ عبرة ودرساً من التاريخ المسيحي في العالم العربي قبل دخول الاسلام، فيدرك الظروف التاريخية التي تفاعلت مع ظهور الاسلام في محيط يحمل طابعاً مسيحياً خاصاً. ان الكشف عن التاريخ المشرقي يُنزل المسيحية المنزلة الحية المرموقة لها في تاريخ العرب، لأنها واقع أصيل يتصل بالأساس التاريخي القديم، ويتصاعد مع التصاعد التاريخي العربي الواسع.


المسيحية أم المسيحيين؟ لا نستطيع ان نفصل مسألة المسيحية عن المسيحيين، لأن كل عقيدة أو فكرة يجب ان تجد انساناً يجسدها ويعرّفها الى العالم من خلال حياته، فتظهر أهميّة العقيدة من خلال قدرتها على التأثير في أفكار الانسان وأعماله. ولنفرض أنه يمكننا فصل الانسان عن عقيدته الا أنه لا يمكننا فصل المسيحية عن المسيحيين.


مشكلة المستقبل تكمن في تصورنا اياه بعيد المنال وصعب الفهم. وبالرغم من ذلك يبقى أقرب الينا مما نظن، فهو بالواقع أقرب الينا من الماضي، لأن الماضي يظهر دائماً كأنه حلقة مقفلة في سلسلة، بينما يكون المستقبل حلقة مفتوحة، وبناءً عليه يمكننا ان نمسك جانباً واحداً منه ونستدل من الباقي لنفهم الوضع كله. فاذا كان المستقبل يُستنبط من الحاضر وبقدر كبير من الماضي، نستطيع ان نتكلم عن المسيحية في الدار العربية، فنصل الى لبِّ الموضوع: ما هو مستقبل المسيحية؟ بالطبع يختلف هذا السؤال عن سؤال آخر: ما هو مستقبل المسيحيين؟ والاختلاف يكمن في: أولاً: اذا ارتقى المسيحيون في الدار العربية الى مستوى مسئوليتهم، يستطيعون اذن أخذ المبادرة في مستقبلهم. وبالتالي معالجة الأمور بخلاف السلوك الذي يسيرون عليه اليوم. عندئذ يصبح الكفاح من أجل المستقبل ممكناً وذلك بقدر ما يبقى الحاضر مفتوحاً على المستقبل ولا يتحول الى دائرة مقفلة.


ثانياً: بامكان المسيحيين ان يفقدوا في الدار العربية أبعاد التطورات الحاصلة في المنطقة المتمثلة في اليقظة الاسلامية والتطورات التي تنتج عنها. بعض هذه التطورات ظاهر، أما البعض الآخر فغير ظاهر، اذ يكتنفه كثير من الغموض.


ثالثاً: بامكان الفكر المسيحي في الدار العربية ان يبدأ بدراسة موضوع أساس كان مغموراً في اللاوعي منذ الفتح العربي، ولم يبدأ في الظهور على الملأ في نطاق الحياة السياسية. وهو يكمن في مسألة البقاء والاستمرار. أصبح هذا الموضوع يشكل نقطة التحول منذ انشاء دولة اسرائيل في عام 1948، لأن القضايا السياسية والعسكرية التي أفرزها وجود هذه الدولة، قد ساعدت على تفريغ هذه الدار من المسيحيين، اضافة الى ما قد أفرزته الحرب الأهلية اللبنانية وحربا الخليج.


ان بقاء المسيحية المشرقية ضمن الدول العربية والاسلامية هي خير برهان على تسامح الاسلام من وقت الى آخر. بحيث يتبين لنا في الوقت الحاضر أنه عندما ظهر الاسلام في القرن السابع كان سكان هذه المنطقة هم من المسيحيين، كما لوحظ ان انخفاض عدد المسيحيين ابتدأ يتزامن مع التطورات السياسية والاجتماعية التي ظهرت ابتداءً من الحكم المملوكي، غير العربي


العقيدة ـ بين الصراع والمستقبل يجب ان ندرك تمام الادراك ان الصراع بين الأفكار هو كفاح بدون تخطيط واضح، كفاح ولد في طبيعة الانسان نفسه بحيث أنه لم يكن هناك على سبيل المثال أي ارتباط تاريخي أو ديني أو ثقافي بين أفلاطون وفرويد، الا أنهما ساهما في النضال الفكري الذي دام مئات السنين، وما زال مستمراً حتى وصلنا الى النزاع الحالي. ليس للانسانية أي فكرة في تخطيط هذا الكفاح أو غاية ما من خلاله. ولذا لا يمكننا تحديد مستقبل فكرة أو عقيدة ما بدقة، ولا نستطيع ان نعرف ماذا سيحصل بعد ألف عام على صعيد الحياة الفكرية، اذ من الممكن ان تعود فكرة الازدواجية بين الجسد والعقل لتحيا مجدداً أو ربما ستدفن نهائياً. جلّ ما نعرف، اذا أردنا التكلم بدقة، أنه يمكن القول ان تاريخ الأفكار وحياتها وأوقاتها لا يمكن التكهن بها، ولكننا نستطيع ان نحسب حياة جماعات بشرية. نستطيع القول ان مصير وحياة الفرد قد يتوقفان على ما نسميه «القضاء والقدر» ولكن مصير وحياة الجماعة مبنيان على قواعد محددة وثابتة.


لقد توصلنا الى هذا المبدأ بواسطة دراسة دقيقة لما حصل على مدى تاريخ الانسان بشموليته. وهنا نكتفي بعرض بعض الأمثلة التي تبرهن بأن الجماعة البشرية تعيش أو تموت بموجب قانون دقيق، وأن الجماعة لا تستطيع ان تموت جزافاً.


لقد سجل لنا تاريخ البشرية عدداً من القوانين تقوم على أساسها استمرارية «الجماعة»، ويمكننا تصنيفها بعنوان واحد ورد في الموعظة على الجبل، اذ قال يسوع: «طوبى للودعاء فانهم يرثون الأرض» (متى 5/4). ليس الودعاء هم الذين تنازلوا عن استعمال السيف فحسب، بل الذين يحملون راية التقدم البشري بالتربية والتعليم، ونشر المباديء البناءة والتغلب على الجهل، وهذه الوسائل تظهر كلها من الخارج وكأنها وديعة تماماً، الا أنها من جهة أخرى، تشكل مجابهة مع القوة الغاشمة التي تغلل البشرية.


يكمن القانون الأول للبقاء بتأهل «الجماعة» لتقديم الخدمات مفضّلة ذلك على السيطرة والتحكم. هذه الحقيقة يسجلها تاريخ الشرق. فأبناء «الجماعة» المسيحية العربية المشرقية قد خدموا المجتمعات التي كانوا وما زالوا يتواجدون فيها، فهم لم يشهروا السيف ولم يشتركوا بالمؤامرات، ولم يتحالفوا مع أي دولة أجنبية، ولم يقدموا مساعدة لأي دولة خارج حدود بلادهم حيث يتواجدون. بقيت «الجماعة» المسيحية العربية المشرقية وطنية بكل معنى الكلمة. ثم ان النقطة الأساس تشير الى أنهم عاشوا بموجب مباديء التواضع والحكم، لا بموجب الحماية الأجنبية «لأن كل حماية اشفاق، وكل اشفاق تعال» كما يقول المطران جورج خضر.


ان المجتمع العالمي نفسه سينقسم من خلال التقدم التقني الى أقلية قوية وأكثرية ضعيفة، وسيشكل المسيحيون الأقلية في الأكثرية الضعيفة. فان كان العدد صغيراً فالايمان يجب ان يكون عظيماً، عاملاً بالرجاء ومحبة الآخرين.


ان القانون الآخر للبقاء يكمن في صمود «الجماعة» معتمداً ومرتكزاً على التطوير الروحي للنفس. لقد تطورت هذه الروحانية بوساطة القدّاس اليومي والصوم والطقوس الدينية والمسارّة. وتستحق التجارب المشرقية، من صوم وصلاة ومسارّة، دراستها ليس في مضمون النصوص فحسب، بل وبالأحرى درس المقاييس والظروف المحيطة بالأوضاع والخلفيات التاريخية التي أدت الى تطوير تلك الصلوات. وليس عجيباً ان عدد أيام الصوم زادت الى ان شملت ثلثي السنة، وأن التفاصيل والثوابت التاريخية تؤكد بأنه منذ الفتح العربي الاسلامي ولغاية بداية العهد العثماني كان زمن عدم الاستقرار وفقدان الأمن والتقلبات السياسية والجوع، وحركات الجيوش الواسعة والمعارك بلا نهاية. ان الصوم هو الاعتصام بالمقاومة النفسية وهو رفض لحياة الملذات. بالطبع لم يكن في ذلك الزمان أي رفاهية بالحياة، ومع ذلك كان هناك رفض التبعية لما هو خارج الانسان.


النهضة بين البيوقراطية والعلمنة لقد أصبحت مصر بعد الفتح العثماني وبداية تاريخها الحديث أحد أهم المراكز التجارية مع أوروبا حتى قبل شق قناة السويس. ولم يكن بناء قناة السويس سوى تعبير بسيط عن أهمية الحركة التجارية في الشرق الأوسط وفي مصر خاصة.


لقد تطور القانون المصري منذ عهد محمد علي آخذاً من التشريع الفرنسي جميع البنود التي تنظم التجارة التي من شأنها تسهيل العلاقات مع أوروبا. وبناءً عليه نستطيع القول ان الوضع الاقتصادي والسياسي في أوروبا أدخل اجبارياً تغييرات اجتماعية واقتصادية، ولاحقاً تغييرات سياسية على المنطقة، فكان هذا بداية العصر الحديث في الشرق الأوسط، ونقصد هنا الـ 150 سنة الأخيرة. لا حاجة هنا لأن ندخل بتفاصيل التطورات السياسية والعسكرية، ولكن ما حصل كان حركة باتجاه نهضة في الشرق تقابلها هزيمة سياسية نتيجة الاحتلال الفرنسي والبريطاني للمنطقة، والتي امتدت من العراق الى السودان وافريقيا الشمالية. كان هذا عنصراً أساساً فاعلاً في تغيير الوضع السياسي، بحيث أدى الى نمو القوى الوطنية التي ثارت ضد الاحتلال الفرنسي والبريطاني. وتجدر الاشارة هنا الى وجود خطين رئيسين: الخط الوطني العلماني الذي تبلّر في ثورة 1919 بانشاء حزب الوفد المصري، الذي يدعو من خلال مبادئه الى انشاء الدولة العلمانية على غرار الطراز الأوروبي؛ والخط الديني الذي بدأ مع حركة الوهابيين في العربية السعودية وبعدها مع الحركة المهدية في السودان، وبعدها تعاليم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.


ان خيبة الأمل الكبيرة التي أصابت المفكرين العرب من خلال عدم قدرة الأحزاب السياسية العربية التي تبنت الطراز الغربي على وضع حد للاحتلال الأجنبي، أدت الى انشاء وتكريس حكومات عسكرية في مصر وسوريا والعراق. نستبعد نجاح الدول الأوروبية في التعاطي بالأخص مع الحكومات العسكرية نظراً لعدم قدرتها على خلق الأجواء الملائمة مع الأحزاب السياسية. ثم ان الكتب الكثيرة التي نشرت في هذا المجال تزودنا بمعلومات مهمة عنها وعن أبعادها، ولذا لا نريد ان نتعمق أكثر في ظاهرة الحكم العسكري في البلدان العربية بل يمكن استنتاج نظرتين رئيستين: ـ لقد حكمت المنطقة العربية وعلى مدى مئة سنة أنظمة عسكرية بحيث ندر وجود الحكومات غير العسكرية أو الحكومات التي لم يساندها الجيش. وليس نشوء الحكومات العسكرية منذ خمسينيات القرن العشرين سوى عودة الى نظام الحكم الذي كان سائداً في عهد الفاطميين.


ـ ان المفكرين المسلمين يرفضون نموذج الدولة العثمانية، لأن وضع نظام هدفه توحيد الجميع واقصاء الدين من الحياة السياسية، عن طريق انشاء الدولة العلمانية، كانت أصداؤه وخيمة عند المسلمين.


أما العلمانية فهي غريبة عن الاسلام للأسباب التالية: ـ ان الاسلام دين ودنيا، حكم ودين في الوقت نفسه، أي أنه نظام حكم.


ـ الدولة العلمانية في الغرب تعني الدولة الملحدة.


ـ ان فصل الدين عن الدولة أدى الى انحطاط المدنيّة الغربية، فهي تعاني من تفسخ معنوي وروحي.


والسؤال هو: لماذا استرد التيار الاسلامي قوته وأصبح يشكل تهديداً مباشراً لبعض الحكومات حتى العربية منها، بالرغم من ان دساتيرها تنص بصراحة على ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة؟ هناك جملة أسباب نذكر أهمها: ـ عدم الثقة الكاملة بالنظام العلماني نظراً الى أنه دام فقط 50 سنة كان خلالها تحت الاحتلال. بمعنى آخر، ان تجربة الدولة الديمقراطية العلمانية كانت وجيزة جداً.


ـ ان الحرب العربية الاسرائيلية أدت الى تناقض فكري ما بين الحقائق السياسية والعسكرية.


ـ لقد فشلت الحكومات العربية العسكرية في ايجاد خط ديني وطني للفكر السياسي رغم أنه يدعم الحرية ويمحو مختلف أوجه الظلم الاجتماعي. لقد حلوا الأحزاب السياسية ولكنهم لم يؤسسوا أحزاباً جديدة.


ـ ان النظرية الدينية تتضمن في طياتها نوعاً من الحلم الذي نراه في «المدينة الفاضلة» التي أعلن عنها الفارابي، حيث لا يوجد في المدينة ظلم أو خداع أو غش، ويحكمها الله العلي القدير؛ وتلك هي فكرة أبي علاء المودودي فيلسوف الاخوان المسلمين، وبناءً عليه يكون الحكم الديني هو المسند الأفضل لمواجهة تحديات الحياة.


فيما يخص الجماعة المسيحية، من الجلي ان العوامل السلبية التي توشح حياتها هي وراء تآكلها الداخلي. نذكر من بين هذه العوامل: ـ الفردانية في الرتبية المسيحية: ما زالت معظم الكنائس المشرقية تعمل دون نظام كنسي فاعل يستطيع ان يلبي احتياجات الكنيسة بصورة عامة. فالأنظمة الحالية فيها ما زالت تسمح للقيادي الكنسي، بغض النظر عن رتبته، وفي كثير من الأحيان، ان يتصرف بصورة انفرادية وكأنه العالِم وحده بكل العلوم، معتمداً في ذلك على المفهوم الخاطيء للتدبير الكنسي! ـ أزمة الهوية المسيحية: حيث اليوم تدخل كنيسة المشرق حاملة أقدم هوية في التاريخ الى أزمة هوية، فيموت أشهر قديسيها ولا يعرفهم أحد الا قلة لا تزيد على العشرات. ان الفكر المشرقي المسيحي بحاجة الى العودة الى جذور هويته الروحية والتاريخية، اذ ان «جهلنا للتقليد الحيّ الفعّال وكسلنا هو الذي يُبقي الكنيسة مادة للكتب الموضوعة على الرف»