yass
20/09/2004, 23:05
نعت شخصيات مسيحية سورية مفتي الجمهوري الشيخ أحمد كفتارو الذي توفي مطلع الشهر الجاري في دمشق عن عمر يناهز 89 عاماً.
وأثنت شخصيات دينية مسيحية في سورية على المفتي الراحل، مشيدة بمناقبه، وبدوره في حوار الأديان. وكان كفتارو معروفاً بدوره في التقريب بين أتباع الديانات شخصياً وعبر المجمع الذي يحمل باسمه في دمشق وشارك في حوارات عديدة عُقدت في غير مكان من العالم.
وكتب المطران يوحنا إبراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوذكس بحلب (شمال) مقالاً في نشرة "كلنا شركاء في الوطن" السبت تحت عنوان "وغاب وجه المفتي العام" يقول "كنت على أهبة الاستعداد لحضور المؤتمر العالمي الثامن عشر للحوار ما بين الأديان في ميلانو بين 5 - 7 أيلول 2004، عندما نعت وزارة الأوقاف، وعلماء الأمة الإسلامية، ومجلس الإفتاء الأعلى، والمنظمات والمجامع الإسلامية الدولية والمحلية، فقيد الوطن والإخاء الديني، وأحد كبار رواد الحوار المسيحي الإسلامي سماحة العلامة الشيخ أحمد كفتارو. وقلت لنفسي: إذاً مرة أخرى سيغيب وجه المفتي العام الشيخ أحمد كفتارو عن هذا التجمع العالمي! وشعرت بأن الخسارة التي حلّت برحيله لم تبقَ محصورة بأبناء الفقيد وآله، ولا بِمَنْ يمثل من علماء الأمة الإسلامية، بل شملت هذه الخسارة الفادحة كل دعاة التآخي والمحبة والتسامح والعيش المشترك، ليس فقط في سورية والوطن العربي، وإنما في كل العالم".
وتوفي كفتارو يوم الأربعاء 1 أيلول 2004 في دمشق نتيجة أزمة قلبية، وشُيع في اليوم التالي من الجامع الأموي الكبير في دمشق. ونعت كفتارو شخصيات وهيئات إسلامية سورية وعربية، بينها وزارة الأوقاف السوري ومجمع الشيخ أحمد كفتارو (مجمع أبي النور بدمشق سابقاً)، فضلاً عن جماعة الإخوان المسلمين المعارضة المحظورة، التي يقيم قادتها في المنفى منذ مطلع الثمانينات.
ومضى المطران يوحنا إبراهيم في تأبينه كفتارو قائلاً "من وحي مؤتمر ميلانو العالمي أنقل بعض الانطباعات عن فقيدنا الغالي. كان شعار المؤتمر الديانات والثقافات: الجرأة لصياغة روحانية جديدة للإنسانية، حضره أكثر من ثلاثمائة مشارك، يمثلون ستين دولة في العالم، ومن أديان ومذاهب متعددة، توزعوا على ست وثلاثين طاولة مستديرة، تحدث فيها العشرات، وعادة كانت كلمة سماحة المفتي كفتارو واحدة من أهم المداخلات، نظراً لعلمه الغزير، وأسلوبه الجذاب، وفكره الناضج، وإطّلاعه الواسع، وخبرته المتسمة بالجرأة اللامحدودة لإيصال الكلمة إلى من له آذان صاغية. وعندما ذكرت أمام أحد منظمي هذا المؤتمر وهو المرشد الروحي العام لجماعة سانت إيجيديو المطران باليا الإيطالي نبأ هذا المصاب الجلل، قال لي: سأبوح لك بهذا السر. فقلت وما هو؟ أجاب: كنا في جلسة خاصة مع قداسة البابا يوحنا بولص الثاني في أواخر سنة 1985، وكان قد التقى قبلاً سماحة المفتي كفتارو، فعرض البابا فكرة دعوة رؤساء وممثلي الأديان إلى قمة روحية فريدة من نوعها في مدينة أسيزي/ إيطاليا. وقال البابا للتو: قبل أن أبدأ لتحقيق هذا الحلم الكبير الذي راودني ونحن نعيش في هذا العالم المضطرب، كتبت إلى مفتي سورية العام، أستشيره في هذا المؤتمر الهام. فجاء جواب المفتي العام على الفور: نحن معك، نوافق على هذه القمة لأن فيها الخير للبشرية جمعاء، وفقك الله".
وأشار إلى أن اللقاء المذكور حصل في مدينة أسيزي "بين رؤساء وممثلي الأديان الكبيرة، وترك أثراً إيجابياً في كل مكان، خاصة لأن كل الدول التي كانت تحارب، استجابت إلى نداء البابا في ذلك اليوم وأعلنت هدنةً بين الجهات المتصارعة والمتناحرة. وكان للهدنة أبعادٌ كبيرة في ذلك الوقت. وأخذت جماعة سانت إيجيديو في روما على عاتقها مواصلة هذا اللقاء من خلال الدعوة إلى لقاءات أخرى حصلت بدءاً من سنة 1987، في روما، ومروراً أيضاً بروما سنة 1988، ووارسو سنة 1988، وباري سنة 1990، ومالطا سنة 1991، وبروكسل سنة 1992، وميلانو سنة 1993، وأسيزي سنة 1994، وفلورانسا سنة 1995، وروما سنة 1996، والبندقية سنة 1997، وبوخارست سنة 1998، وجينوا سنة 1999، وليشبونا سنة 2000، وبرشلونة سنة 2001، وباليرمو سنة 2002، وآخرها في آخن سنة 2003، وفي هذه السنة /2004/ في ميلانو. وفي كل هذه المؤتمرات شاركت شخصيات دينية وفكرية على مستويات عالمية بمداخلات وأحاديث شتى، ولكن كانت شخصية المفتي العام العلامة أحمد كفتارو الأولى والمّميزة فيها. وترك حضوره مع مساهماته في بعض هذه المؤتمرات احتراماً كبيراً أولاً لشخصه، ثم لبلده، فلوطنه العربي الكبير".
وعدد المطران إبراهيم مؤتمرات عديدة شارك فيها المفتي الراحل. وأشار إلى أنه في "جهاد السنوات" الطويلة التي أمضاها من أجل فكرة اللقاء بين الإسلام والمسيحية كان يستند إلى "دراسات وأبحاث في آيات القرآن الكريم ويقول: لقد جعل القرآن بين المسلمين والمسيحيين رابطة روحية يعيشون تحت ظلالها متكاتفين متعاونين، ولا يترك أن تفوته الفرصة وهو يتحدث عن ماضي العلاقات، فيتساءل: فلماذا لا نرى في عصرنا هذا مثل هذا التفتّح والتعاون والتلاقي فيما بيننا؟!".
وأضاف: كان "إيمانه كبيراً بأن للعلماء ورجال الدين دوراً هاماً في هذا المجال، ولهذا لا يكتفي بذكر الحقيقة وإنما يحثهم بقوله: ألسنا نحن علماء ورجال الدين بإمكاننا أن نسهم وإلى حد بعيد في توعية الشعوب من مختلف البلدان والأديان وأن نؤكد لكل الناس أن الله وأنبياء الله وخاصة أبناء شجرة ابراهيم عليه السلام لا ترضى إلا الأخوة والسلام والمحبة بين أبناء البشر، وأن الحقد والعدوان ليسا من تعاليم الأنبياء ووصاياهم؟!".
وأشاد إبراهيم بجرأة الشيخ كفتارو ناقلاً عنه قوله "إنني متفائل ومستبشر، متفائل ولا بد أن المسيحي يعانق المسلم، وأن الإنجيل لا بد وأن يتصافح مع القرآن، إنهما ملتقيان عندنا في الشرق منذ القديم، لكني أرى أنهما سيلتقيان مرة أخرى بإذن الله في عصرنا الحديث وفي كل أنحاء العالم، ليضيفا على الكون روحاً جديدة يشم منها الإنسان رائحة الحب والإخاء والسلام".
وأضاف "سماحته كان من دعاة المصالحة الكاملة بين أبناء وبنات الديانات، يستشهد دائماً بحماية أموال وممتلكات أهل نجران النصارى في عهد الرسول، ويؤكد على الحريات العامة وفي مقدمتها: الحرية الدينية، والاعتقادية، وحق ممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة، خاصة وأن القرآن الكريم قد حذّر من قضية إلغاء الآخر: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) سورة البقرة - الآية 256".
وذكّر المطران يوحنا بحديث كفتارو حين خاطب البابا يوحنا بولص الثاني أثناء زيارته التاريخية إلى مسجد بني أمية الكبير بدمشق في 6 أيار 2001، قائلاً "لقد عشنا في هذه البلاد المباركة قروناً طويلة مسلمين مسيحيين، واقتسمنا خيراتها، وتشاركنا في حلو الحياة ومرها، ونعمنا بفضل الله فيها .. وما الواقع الملموس الذي شاهدتموه بأمِّ أعينكم من التآخي والتعاون، وتعانق المساجد والكنائس، إلا برهان ساطع على وحدة إيمانية متميزة، نفتخر بها، وندعو العالم ليقتدي بهذا العيش الإيجابي المشترك، وكل ذلك نابعٌ من التزامنا بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والتزام أخوتنا المسيحيين بالتعاليم المسيحية السمحة".
وأوضح أن المفتي "كان يتابع أخبار نشاطات الكنائس المسيحية في سورية، ويقوم بواجب التهنئة بالأعياد إلى البطاركة ورؤساء الطوائف المسيحية، مشاركاً إياهم أفراحهم، ويتقبل تهنئتهم بأعياد المسلمين. ومرة كنت إلى جانب قداسة البطريرك يعقوب الثالث عندما جاءه مهنئاً بعيد ميلاد السيد المسيح في دار البطريركية بدمشق، وقال لقداسته: كم استمتعت اليوم صباحاً بخطبة العيد التي استمعت إليها من إذاعة دمشق، فإلى جانب فصاحتكم، ولغتكم العربية التي تدل على طول باعكم فيها، تعلمت الكثير من المعاني السامية لعيد ميلاد السيد المسيح. ولم يجامل سماحته البطريرك يعقوب الثالث وإنما كان يعبر عن مشاعره وأحاسيسه الصادقة تجاه رجل دين كبير ربطته به علاقة صادقة، وصداقة متينة، كانت قدوة لكثيرين من رجال الدين في سورية بلدنا الحبيب".
وختم المطران يوحنا إبراهيم مقاله بالقول "حقاً غاب وجه المفتي العام الشيخ العلاّمة أحمد كفتارو برحيله عن هذه الدنيا، ولكن مواقفه الإنسانية، ورؤيته الصحيحة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وتطبيقه لآيات القرآن الكريم في صور الحياة المتنوعة، وتقديم ذاته قدوة للعمل المشترك من أجل خير الوطن والمواطن، كلّها بصمات خالدة طبعها في صفحات حياة المؤمنين الصادقين بالله، الذين يضعون الإنسان قبل أي شيء آخر في حياتهم، وخدمتهم له، تنطلق من إيمانهم لخدمة الوطن والإنسانية"، وأضاف "إلى مصافِ الذين أرضوا الله بأعمالهم وإنسانيتهم نودّع هذا الشيخ الجليل".
وأثنت شخصيات دينية مسيحية في سورية على المفتي الراحل، مشيدة بمناقبه، وبدوره في حوار الأديان. وكان كفتارو معروفاً بدوره في التقريب بين أتباع الديانات شخصياً وعبر المجمع الذي يحمل باسمه في دمشق وشارك في حوارات عديدة عُقدت في غير مكان من العالم.
وكتب المطران يوحنا إبراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوذكس بحلب (شمال) مقالاً في نشرة "كلنا شركاء في الوطن" السبت تحت عنوان "وغاب وجه المفتي العام" يقول "كنت على أهبة الاستعداد لحضور المؤتمر العالمي الثامن عشر للحوار ما بين الأديان في ميلانو بين 5 - 7 أيلول 2004، عندما نعت وزارة الأوقاف، وعلماء الأمة الإسلامية، ومجلس الإفتاء الأعلى، والمنظمات والمجامع الإسلامية الدولية والمحلية، فقيد الوطن والإخاء الديني، وأحد كبار رواد الحوار المسيحي الإسلامي سماحة العلامة الشيخ أحمد كفتارو. وقلت لنفسي: إذاً مرة أخرى سيغيب وجه المفتي العام الشيخ أحمد كفتارو عن هذا التجمع العالمي! وشعرت بأن الخسارة التي حلّت برحيله لم تبقَ محصورة بأبناء الفقيد وآله، ولا بِمَنْ يمثل من علماء الأمة الإسلامية، بل شملت هذه الخسارة الفادحة كل دعاة التآخي والمحبة والتسامح والعيش المشترك، ليس فقط في سورية والوطن العربي، وإنما في كل العالم".
وتوفي كفتارو يوم الأربعاء 1 أيلول 2004 في دمشق نتيجة أزمة قلبية، وشُيع في اليوم التالي من الجامع الأموي الكبير في دمشق. ونعت كفتارو شخصيات وهيئات إسلامية سورية وعربية، بينها وزارة الأوقاف السوري ومجمع الشيخ أحمد كفتارو (مجمع أبي النور بدمشق سابقاً)، فضلاً عن جماعة الإخوان المسلمين المعارضة المحظورة، التي يقيم قادتها في المنفى منذ مطلع الثمانينات.
ومضى المطران يوحنا إبراهيم في تأبينه كفتارو قائلاً "من وحي مؤتمر ميلانو العالمي أنقل بعض الانطباعات عن فقيدنا الغالي. كان شعار المؤتمر الديانات والثقافات: الجرأة لصياغة روحانية جديدة للإنسانية، حضره أكثر من ثلاثمائة مشارك، يمثلون ستين دولة في العالم، ومن أديان ومذاهب متعددة، توزعوا على ست وثلاثين طاولة مستديرة، تحدث فيها العشرات، وعادة كانت كلمة سماحة المفتي كفتارو واحدة من أهم المداخلات، نظراً لعلمه الغزير، وأسلوبه الجذاب، وفكره الناضج، وإطّلاعه الواسع، وخبرته المتسمة بالجرأة اللامحدودة لإيصال الكلمة إلى من له آذان صاغية. وعندما ذكرت أمام أحد منظمي هذا المؤتمر وهو المرشد الروحي العام لجماعة سانت إيجيديو المطران باليا الإيطالي نبأ هذا المصاب الجلل، قال لي: سأبوح لك بهذا السر. فقلت وما هو؟ أجاب: كنا في جلسة خاصة مع قداسة البابا يوحنا بولص الثاني في أواخر سنة 1985، وكان قد التقى قبلاً سماحة المفتي كفتارو، فعرض البابا فكرة دعوة رؤساء وممثلي الأديان إلى قمة روحية فريدة من نوعها في مدينة أسيزي/ إيطاليا. وقال البابا للتو: قبل أن أبدأ لتحقيق هذا الحلم الكبير الذي راودني ونحن نعيش في هذا العالم المضطرب، كتبت إلى مفتي سورية العام، أستشيره في هذا المؤتمر الهام. فجاء جواب المفتي العام على الفور: نحن معك، نوافق على هذه القمة لأن فيها الخير للبشرية جمعاء، وفقك الله".
وأشار إلى أن اللقاء المذكور حصل في مدينة أسيزي "بين رؤساء وممثلي الأديان الكبيرة، وترك أثراً إيجابياً في كل مكان، خاصة لأن كل الدول التي كانت تحارب، استجابت إلى نداء البابا في ذلك اليوم وأعلنت هدنةً بين الجهات المتصارعة والمتناحرة. وكان للهدنة أبعادٌ كبيرة في ذلك الوقت. وأخذت جماعة سانت إيجيديو في روما على عاتقها مواصلة هذا اللقاء من خلال الدعوة إلى لقاءات أخرى حصلت بدءاً من سنة 1987، في روما، ومروراً أيضاً بروما سنة 1988، ووارسو سنة 1988، وباري سنة 1990، ومالطا سنة 1991، وبروكسل سنة 1992، وميلانو سنة 1993، وأسيزي سنة 1994، وفلورانسا سنة 1995، وروما سنة 1996، والبندقية سنة 1997، وبوخارست سنة 1998، وجينوا سنة 1999، وليشبونا سنة 2000، وبرشلونة سنة 2001، وباليرمو سنة 2002، وآخرها في آخن سنة 2003، وفي هذه السنة /2004/ في ميلانو. وفي كل هذه المؤتمرات شاركت شخصيات دينية وفكرية على مستويات عالمية بمداخلات وأحاديث شتى، ولكن كانت شخصية المفتي العام العلامة أحمد كفتارو الأولى والمّميزة فيها. وترك حضوره مع مساهماته في بعض هذه المؤتمرات احتراماً كبيراً أولاً لشخصه، ثم لبلده، فلوطنه العربي الكبير".
وعدد المطران إبراهيم مؤتمرات عديدة شارك فيها المفتي الراحل. وأشار إلى أنه في "جهاد السنوات" الطويلة التي أمضاها من أجل فكرة اللقاء بين الإسلام والمسيحية كان يستند إلى "دراسات وأبحاث في آيات القرآن الكريم ويقول: لقد جعل القرآن بين المسلمين والمسيحيين رابطة روحية يعيشون تحت ظلالها متكاتفين متعاونين، ولا يترك أن تفوته الفرصة وهو يتحدث عن ماضي العلاقات، فيتساءل: فلماذا لا نرى في عصرنا هذا مثل هذا التفتّح والتعاون والتلاقي فيما بيننا؟!".
وأضاف: كان "إيمانه كبيراً بأن للعلماء ورجال الدين دوراً هاماً في هذا المجال، ولهذا لا يكتفي بذكر الحقيقة وإنما يحثهم بقوله: ألسنا نحن علماء ورجال الدين بإمكاننا أن نسهم وإلى حد بعيد في توعية الشعوب من مختلف البلدان والأديان وأن نؤكد لكل الناس أن الله وأنبياء الله وخاصة أبناء شجرة ابراهيم عليه السلام لا ترضى إلا الأخوة والسلام والمحبة بين أبناء البشر، وأن الحقد والعدوان ليسا من تعاليم الأنبياء ووصاياهم؟!".
وأشاد إبراهيم بجرأة الشيخ كفتارو ناقلاً عنه قوله "إنني متفائل ومستبشر، متفائل ولا بد أن المسيحي يعانق المسلم، وأن الإنجيل لا بد وأن يتصافح مع القرآن، إنهما ملتقيان عندنا في الشرق منذ القديم، لكني أرى أنهما سيلتقيان مرة أخرى بإذن الله في عصرنا الحديث وفي كل أنحاء العالم، ليضيفا على الكون روحاً جديدة يشم منها الإنسان رائحة الحب والإخاء والسلام".
وأضاف "سماحته كان من دعاة المصالحة الكاملة بين أبناء وبنات الديانات، يستشهد دائماً بحماية أموال وممتلكات أهل نجران النصارى في عهد الرسول، ويؤكد على الحريات العامة وفي مقدمتها: الحرية الدينية، والاعتقادية، وحق ممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة، خاصة وأن القرآن الكريم قد حذّر من قضية إلغاء الآخر: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) سورة البقرة - الآية 256".
وذكّر المطران يوحنا بحديث كفتارو حين خاطب البابا يوحنا بولص الثاني أثناء زيارته التاريخية إلى مسجد بني أمية الكبير بدمشق في 6 أيار 2001، قائلاً "لقد عشنا في هذه البلاد المباركة قروناً طويلة مسلمين مسيحيين، واقتسمنا خيراتها، وتشاركنا في حلو الحياة ومرها، ونعمنا بفضل الله فيها .. وما الواقع الملموس الذي شاهدتموه بأمِّ أعينكم من التآخي والتعاون، وتعانق المساجد والكنائس، إلا برهان ساطع على وحدة إيمانية متميزة، نفتخر بها، وندعو العالم ليقتدي بهذا العيش الإيجابي المشترك، وكل ذلك نابعٌ من التزامنا بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والتزام أخوتنا المسيحيين بالتعاليم المسيحية السمحة".
وأوضح أن المفتي "كان يتابع أخبار نشاطات الكنائس المسيحية في سورية، ويقوم بواجب التهنئة بالأعياد إلى البطاركة ورؤساء الطوائف المسيحية، مشاركاً إياهم أفراحهم، ويتقبل تهنئتهم بأعياد المسلمين. ومرة كنت إلى جانب قداسة البطريرك يعقوب الثالث عندما جاءه مهنئاً بعيد ميلاد السيد المسيح في دار البطريركية بدمشق، وقال لقداسته: كم استمتعت اليوم صباحاً بخطبة العيد التي استمعت إليها من إذاعة دمشق، فإلى جانب فصاحتكم، ولغتكم العربية التي تدل على طول باعكم فيها، تعلمت الكثير من المعاني السامية لعيد ميلاد السيد المسيح. ولم يجامل سماحته البطريرك يعقوب الثالث وإنما كان يعبر عن مشاعره وأحاسيسه الصادقة تجاه رجل دين كبير ربطته به علاقة صادقة، وصداقة متينة، كانت قدوة لكثيرين من رجال الدين في سورية بلدنا الحبيب".
وختم المطران يوحنا إبراهيم مقاله بالقول "حقاً غاب وجه المفتي العام الشيخ العلاّمة أحمد كفتارو برحيله عن هذه الدنيا، ولكن مواقفه الإنسانية، ورؤيته الصحيحة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وتطبيقه لآيات القرآن الكريم في صور الحياة المتنوعة، وتقديم ذاته قدوة للعمل المشترك من أجل خير الوطن والمواطن، كلّها بصمات خالدة طبعها في صفحات حياة المؤمنين الصادقين بالله، الذين يضعون الإنسان قبل أي شيء آخر في حياتهم، وخدمتهم له، تنطلق من إيمانهم لخدمة الوطن والإنسانية"، وأضاف "إلى مصافِ الذين أرضوا الله بأعمالهم وإنسانيتهم نودّع هذا الشيخ الجليل".