رومانوس
10/10/2005, 21:51
المقدمة: ماهية علم الجمال
قبل أن أجيب على هذا السؤال لابد من إلقاء نظرة شاملة على مسار تطور مفهوم الجمال منذ عهد الإغريق حتى اليوم . يسمى علم الجمال في اللغات الأوروبية" Esthetic"(استيك ) و هي مشتقة من الكلمة اليونانية "asthesis " و تعني الشعور أو الحس و يعتبر علم الجمال من أقدم العلوم التي تطرق لها الفلاسفة و المعنيون بشؤون الفن و الفكر و الأدب . و نجد في الفلسفتين الصينية و الهندية تأملات جمالية ، و كان فلاسفة الإغريق يعتبرون أن الجمال مادة الفن و إن القبح لا يصلح له ، و لهذا غلب الجمال على فنون الإغريق . و قام هؤلاء الفلاسفة، أمثال هرقليط و ديمقريط و كذلك أفلاطون بتطوير الرؤيا الجمالية، فمثلاً كان أفلاطون يعتبر الفن محاكاة للجمال، أما المتعة الجمالية فإنها تنشأ من الانسجام بين شكل العمل الفني و جمال الفكرة، كما أن الجمال الأصيل يعود إلى الفكرة الجميلة و قد طور أفلاطون مفهومه الجمالي من خلال دراسة الأفكار الذاتية و الموضوعية، ووقف ضد التجارب الفنية في عصره و تطبيقاتها، إلا أن الأفكار عن الفن كمحاكاة للجميل أثرت فيما بعد على تطور علم الجمال تأثيراً إيجابياً .
و تطور علم الجمال تطوراً طردياً مع تطور الشعوب حتى وصل إلى الشكل الحالي المعروف بعلم الجمال و قد تفرق إلى اختصاصاتٍ متعددة، من هنا نرى أن علم الجمال يعالج مسائل أساسية و هي علاقة الأشياء الجمالية مع الواقع إلى جانب قدرة الإنسان الجمالية الذاتية كمخلوق اجتماعي . و لذلك نجد محاولات كثيرة من الفلاسفة للإجابة عن هذه القضية تفاوتت نتائجها و يعود الاختلاف في إجاباتهم إلى أنهم أغفلوا عن توضيح السمات الإجتماعية و التاريخية المتغيرة للصفات الجمالية الموضوعية، فهذه كلها تتطور تاريخياً على أساس العمل البشري باعتباره إنتاجاً إجتماعياً . فالإنسان يغير الطبيعة بعمله و جهده و يطبعها بشخصيته و بقدرته الفكرية و الجسدية الخلاقة، فيصنع لنفسه عالماً مادياً ثانياً.
و الإنسان دائم الحركة يتطور و يطور في الطبيعة، فيؤثر بها و يغيرها، و يتغير هو نفسه معها بعد محاولاته العلمية، لإدراك أسرارها، و السيطرة عليها، و هنا يصبح إجتماعياً واعياً له الحس الإنساني، قادراً على إدراك الخواص الجمالية الموضوعية و تقييمها حسب ذوقه و انفعاله الذاتي . ولهذا يلعب دوراً مهماً في تطور مسيرة الجمال شيء فشيء .
من خلال المقدمة الهامة التي صدّر بها كتابه " محاضرات في الفن الجميل " يمكن أن نلاحظ في هذه المقدمة، فيما يختص بطريقة هيغل في تحليل فلسفته الفنية، انه يعرض فلسفته في الفن من خلال نقده للاتجاهات الفلسفية الرئيسية في تاريخ الفلسفة، و من خلال نقده للاتجاهات المختلفة السائدة في عصره، بمعنى أنه يطرح رؤيته من خلال تحليله النقدي لهذه الاتجاهات المختلفة التي حاولت أن تدرس الجمال و العمل الفني، و لعل السبب الذي جعل هيغل أن يلجأ إلى هذا المنهج في مقدمة كتابه الهام، هو أنه يريد أن يبين منذ البداية أنه حريص أشد الحرص على تقديم فلسفة جمالية، تكون متسقة مع فلسفته الكلية و لهذا فإن كثيراً من النقد الذي يوجه إلى كنط، هو في الحقيقة، قد ذكره من قبل في أماكن متفرقة من ظاهريات الروح، و موسوعة العلوم الفلسفية ، و تاريخ الفلسفة، و لذلك فالاختلافات بين هيغل و غيره من الفلاسفة الذين يذكرهم أيضاً، ليس خلافاً في الرؤى الجمالية فلسفة الفن و إنما هو خلاف عميق الجذور، بينه و بينهم،في رؤية الفلسفة العامة، و لعل خلافه معهم في الجمال و الفن، هو نتيجة للخلاف الجذري بينهم .
· الفن أعلى أشكال الجمال :
الفن _ أو جمال الفن كما يجري وعيه في عقل الإنسان، هو موضوع اهتمام هيغل .و تبعاً لمزاجه هو و لاحتياجات فلسفته، بدا هيغل ميالاً لاعتبار ذلك الجمال الذي نبدعه بوعي منا كأعلى أشكال المطلق أو الروح و لهذا يضع هيغل جمال الطبيعة خارج إطار جمالياته : " ... يبدوا أننا محقون في افتراضاتنا أن جمال الفن هو أعلى من الطبيعة فجمال الفن جمال مبدع، مولود جديد للعقل، و بمقدار ما يبدوا الروح و نتاجه أعلى من الطبيعة و ظواهرها، كذلك يبدوا الفن أعلى من جمال الطبيعة " .
جمال الفن عند هيغل هو تألق الروح ، و هو أكثر إشراقا من جمال الطبيعة . هو لم يكون إذا في وضع من يقول مع
جويس كيلمر J.Kilmer : أظن أني لن أرى أبداً قصيدة لها جمال الشجر
........
القصائد يصنعها المجانين من أمثالي، لكن الله وحده
قادر على صنع الشجر
أما لهيغل فإن الله هو الروح، و الروح يجد في الإنسان أكمل حضور له .
في نتاجات الفن يمكننا أن نتلمس هذا الحضور المثالي لله، للروح على نحو أدق بكثير و أعمق بكثير مما نجده في ظواهر الطبيعة . و في الحقيقة فإن المضمون الروحي للجمال يرتفع مع ارتفاع مستوى الكائنات، أي مع تطورها العضوي. فالزهرة هي أكثر جمالاً من الساقية ،و الحيوان هو أكثر جمالاً من الزهرة، و الإنسان هو أكثر جمالاً من الحيوان، رغم أن الجمال الحقيقي هو نتاج
للموضوع صلة ........
قبل أن أجيب على هذا السؤال لابد من إلقاء نظرة شاملة على مسار تطور مفهوم الجمال منذ عهد الإغريق حتى اليوم . يسمى علم الجمال في اللغات الأوروبية" Esthetic"(استيك ) و هي مشتقة من الكلمة اليونانية "asthesis " و تعني الشعور أو الحس و يعتبر علم الجمال من أقدم العلوم التي تطرق لها الفلاسفة و المعنيون بشؤون الفن و الفكر و الأدب . و نجد في الفلسفتين الصينية و الهندية تأملات جمالية ، و كان فلاسفة الإغريق يعتبرون أن الجمال مادة الفن و إن القبح لا يصلح له ، و لهذا غلب الجمال على فنون الإغريق . و قام هؤلاء الفلاسفة، أمثال هرقليط و ديمقريط و كذلك أفلاطون بتطوير الرؤيا الجمالية، فمثلاً كان أفلاطون يعتبر الفن محاكاة للجمال، أما المتعة الجمالية فإنها تنشأ من الانسجام بين شكل العمل الفني و جمال الفكرة، كما أن الجمال الأصيل يعود إلى الفكرة الجميلة و قد طور أفلاطون مفهومه الجمالي من خلال دراسة الأفكار الذاتية و الموضوعية، ووقف ضد التجارب الفنية في عصره و تطبيقاتها، إلا أن الأفكار عن الفن كمحاكاة للجميل أثرت فيما بعد على تطور علم الجمال تأثيراً إيجابياً .
و تطور علم الجمال تطوراً طردياً مع تطور الشعوب حتى وصل إلى الشكل الحالي المعروف بعلم الجمال و قد تفرق إلى اختصاصاتٍ متعددة، من هنا نرى أن علم الجمال يعالج مسائل أساسية و هي علاقة الأشياء الجمالية مع الواقع إلى جانب قدرة الإنسان الجمالية الذاتية كمخلوق اجتماعي . و لذلك نجد محاولات كثيرة من الفلاسفة للإجابة عن هذه القضية تفاوتت نتائجها و يعود الاختلاف في إجاباتهم إلى أنهم أغفلوا عن توضيح السمات الإجتماعية و التاريخية المتغيرة للصفات الجمالية الموضوعية، فهذه كلها تتطور تاريخياً على أساس العمل البشري باعتباره إنتاجاً إجتماعياً . فالإنسان يغير الطبيعة بعمله و جهده و يطبعها بشخصيته و بقدرته الفكرية و الجسدية الخلاقة، فيصنع لنفسه عالماً مادياً ثانياً.
و الإنسان دائم الحركة يتطور و يطور في الطبيعة، فيؤثر بها و يغيرها، و يتغير هو نفسه معها بعد محاولاته العلمية، لإدراك أسرارها، و السيطرة عليها، و هنا يصبح إجتماعياً واعياً له الحس الإنساني، قادراً على إدراك الخواص الجمالية الموضوعية و تقييمها حسب ذوقه و انفعاله الذاتي . ولهذا يلعب دوراً مهماً في تطور مسيرة الجمال شيء فشيء .
من خلال المقدمة الهامة التي صدّر بها كتابه " محاضرات في الفن الجميل " يمكن أن نلاحظ في هذه المقدمة، فيما يختص بطريقة هيغل في تحليل فلسفته الفنية، انه يعرض فلسفته في الفن من خلال نقده للاتجاهات الفلسفية الرئيسية في تاريخ الفلسفة، و من خلال نقده للاتجاهات المختلفة السائدة في عصره، بمعنى أنه يطرح رؤيته من خلال تحليله النقدي لهذه الاتجاهات المختلفة التي حاولت أن تدرس الجمال و العمل الفني، و لعل السبب الذي جعل هيغل أن يلجأ إلى هذا المنهج في مقدمة كتابه الهام، هو أنه يريد أن يبين منذ البداية أنه حريص أشد الحرص على تقديم فلسفة جمالية، تكون متسقة مع فلسفته الكلية و لهذا فإن كثيراً من النقد الذي يوجه إلى كنط، هو في الحقيقة، قد ذكره من قبل في أماكن متفرقة من ظاهريات الروح، و موسوعة العلوم الفلسفية ، و تاريخ الفلسفة، و لذلك فالاختلافات بين هيغل و غيره من الفلاسفة الذين يذكرهم أيضاً، ليس خلافاً في الرؤى الجمالية فلسفة الفن و إنما هو خلاف عميق الجذور، بينه و بينهم،في رؤية الفلسفة العامة، و لعل خلافه معهم في الجمال و الفن، هو نتيجة للخلاف الجذري بينهم .
· الفن أعلى أشكال الجمال :
الفن _ أو جمال الفن كما يجري وعيه في عقل الإنسان، هو موضوع اهتمام هيغل .و تبعاً لمزاجه هو و لاحتياجات فلسفته، بدا هيغل ميالاً لاعتبار ذلك الجمال الذي نبدعه بوعي منا كأعلى أشكال المطلق أو الروح و لهذا يضع هيغل جمال الطبيعة خارج إطار جمالياته : " ... يبدوا أننا محقون في افتراضاتنا أن جمال الفن هو أعلى من الطبيعة فجمال الفن جمال مبدع، مولود جديد للعقل، و بمقدار ما يبدوا الروح و نتاجه أعلى من الطبيعة و ظواهرها، كذلك يبدوا الفن أعلى من جمال الطبيعة " .
جمال الفن عند هيغل هو تألق الروح ، و هو أكثر إشراقا من جمال الطبيعة . هو لم يكون إذا في وضع من يقول مع
جويس كيلمر J.Kilmer : أظن أني لن أرى أبداً قصيدة لها جمال الشجر
........
القصائد يصنعها المجانين من أمثالي، لكن الله وحده
قادر على صنع الشجر
أما لهيغل فإن الله هو الروح، و الروح يجد في الإنسان أكمل حضور له .
في نتاجات الفن يمكننا أن نتلمس هذا الحضور المثالي لله، للروح على نحو أدق بكثير و أعمق بكثير مما نجده في ظواهر الطبيعة . و في الحقيقة فإن المضمون الروحي للجمال يرتفع مع ارتفاع مستوى الكائنات، أي مع تطورها العضوي. فالزهرة هي أكثر جمالاً من الساقية ،و الحيوان هو أكثر جمالاً من الزهرة، و الإنسان هو أكثر جمالاً من الحيوان، رغم أن الجمال الحقيقي هو نتاج
للموضوع صلة ........