sheldi
06/11/2009, 19:32
أميركا الأوبامية عملاق مسلوب الإرادة سقوط "التغيير" انه الانحسار الكبير للنفوذ الاميركي في الشرق الأوسط، وهو مرادف لسقوط “التغيير” الذي وعد به باراك أوباما الاميركيين والعالم كله قبل عشرة أشهر. من القاهرة الى اسطنبول، ومن طهران الى تل أبيب، المشهد الشرق اوسطي يدخل مرحلة جديدة من التعقيد، والرئيس الاميركي الذي جاء يحمل الأمل بات عملاقا مسلوب الارادة بعد أقل من سنة على تسلمه ادارة الأزمات التي ورثها عن سلفه. حرب افغانستان تتواصل بإيقاعات متصاعدة، والانسحاب من العراق يتعثر، والمبادرة الاوبامية في الشرق الأوسط لم تولد بعد، وصدقية الولايات المتحدة على المحك اكثر من اي وقت آخر.
ما هي أسباب الخسائر الاميركية الجديدة ولماذا ينحسر الظل الاميركي عن المنطقة؟ ما الذي تبدّل في توازن القوى الاقليمي وماذا تحديدا عن زمن الانحسار المصري؟ استطراداً: في اي اتجاه تسير المنطقة وما هو سيناريو المرحلة المقبلة؟
هل تستطيع أميركا تحمّل خسارة الشرق الأوسط، كما تحمّلت (بنجاح) خسارة الهند الصينية في سبعينيات القرن العشرين؟ وإذا ما كان الجواب بالنفي، ماذا في وسعها أن تفعل؟
لماذا نطرح هذين السؤالين الآن؟ لأسباب عدة: الضربة الأخيرة التي تلقتها الولايات المتحدة من إسرائيل حليفتها التاريخية الأكبر، تكاد تبزّ في خطورتها الضربات لهيبتها ونفوذها على يد خصومها في العراق وأفغانستان وإيران. فتلّ أبيب، برفضها التجاوب مع مقترحات واشنطن المتمحورة حول حل الدولتين في فلسطين، كانت تنسف في الواقع كل الاستراتيجية الإقليمية الجديدة التي كان الرئيس أوباما ينوي طرحها خلال شهر رمضان أو في خواتيمه. وهذه كانت بمثابة نكسة استراتيجية أقسى من النكسات العسكرية. فهذه الأخيرة يمكن تعويضها بمعارك أو حروب أخرى، فيما الأولى عصية عن التعويض السريع أو البسيط، لأنها تضرب أسس القوة الأميركية وتهز الثقة بقدرتها على بسط نظامها.
وصورة أميركا الآن في الشرق الأوسط، حتى بالنسبة إلى أقرب أصدقائها العرب والأتراك، هي أنها عملاق مسلوب الإرادة، قصير النفَس في الحرب ومنقطع الأنفاس في السلم، ولا يُركن إليه لتحقيق الأمن والاستقرار. وحين يكون الأمر على هذا النحو مع الأصدقاء، فهل يُلام الخصوم الإيرانيون إن هم اعتقدوا أنه في وسعهم التلاعب بذيل النمر الأميركي من دون حساب لعضّات أنيابه؟ بل هل يُلام الحلفاء الإسرائيليون إن هم استنتجوا أنهم يستطيعون في أي وقت فتح الجبهات والحروب، ثم نيل الموافقة (أو المشاركة) الأميركية عليها لاحقاً؟
ثمة حقاً أزمة عجز أميركي قد لا تكون مسبوقة، منذ أن ورثت الولايات المتحدة النفوذ الأمبراطوري الفرنسي والبريطاني في المنطقة غداة حرب السويس في العام 1956، ثم توّجته في العام 1979 في كامب ديفيد بتحّول مصر من خصم إلى حليف استراتيجي. فلا هي قادرة على كسب الحروب في المنطقة، ولا في مقدروها صنع السلام.
وهذا ما يعيدنا إلى سؤالينا الأولين: هل تستطيع أميركا تحمّل خسارة الشرق الأوسط؟
الجواب السريع، والبديهي، هو كلا. فما هو في الميزان هنا لا يقل عن كونه معركة حياة أو موت للزعامة العالمية الأميركية، لأن من يسيطر على صنابير النفط الشرق أوسطي، يُمسك بقارة أوراسيا برمتها (وبالتالي العالم) من خناقهما. وللتذكير: النفط كان هو قلب الحربين العالميتين الأولى والثانية وعقلهما. ولولا أن الولايات المتحدة سيطرت على امداداته في تلك الفترة (بمشاركة حماسية من عمالقة صناعة النفط الأميركية) لما تمكّنت من صنع النصر. فالبترول بكل أشكاله المُكررة أو المُصنعة كان، ولا يزال، مادة أولية لا غنى عنها لبناء مدرجات الطائرات، ولصنع التولوين (العنصر الرئيس للـ”تي.أن.تي” والقنابل)، والمطاط الصناعي للعجلات، ووقود البنزين (خصوصا على مستوى الأوكتان- 100) المُستخدم في الدبابات والشاحنات وسيارات الجيب والطائرات. هذا من دون أن ننسى دور النفط كمزيّت لكلٍ من الآلات والأسلحة وللاقتصاد المدني برمته في آن. والآن، أهمية النفط باتت أخطر مما كانت عليه خلال الحربين العالميتين، بسبب قرب وصوله إلى ذروة الانتاج، وبالتالي بدء هبوطه التنازلي وتحوّله بشكل خطر إلى سلعة نادرة.
لكن، ماذا في وسع واشنطن أن تفعل إذا لم يكن بمقدورها أن تغادر ببساطة الشرق الأوسط؟
أمران اثنان: الأول، طيّ صفحة المشروع الكبير والطموح للرئيس بوش ومحافظيه الجدد لإعادة بناء الشرق الأوسط الكبير، مُني بتعثّر ذريع وسقط مضرّجاً بدمائه. والثاني، رسم استراتيجية جديدة لا تكون فيها هي وحدها اللاعب الوحيد المُقرر لمصير هذه المنطقة الشاسعة.
إدارة أوباما قطعت شوطاً لا بأس به في ما يتعلق بالأمر الأول. بل انها وصلت إلى البيت الأبيض وهي ترفع شعار تنظيف وإعادة ترتيب “البيت الأميركي” في الشرق الأوسط الذي عاث فيه المحافظون الجدد فوضى غير خلاقة وتدميراً غير بنّاء. بيد أنها لا تزال تتخبط حول ما يعنيه قفل هذا الفصل من التاريخ الأميركي. فهي قررت بالفعل الانسحاب من العراق، لكنها تريد مواصلة السيطرة عليه. وهي تريد الانسحاب من أفغانستان، لكن ليس قبل تلقين طالبان درساً عسكرياً قاسياً، ثم إجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات حول شروط هذا الانسحاب.
هذا التخّبط طبيعي، وقد شهدته كل المشاريع الإقليمية السابقة لإعادة بناء الشرق الأوسط في القرن العشرين: من النظام البريطاني- الفرنسي في سايكس- بيكو إلى النظام الناصري، مروراً بالمشروع الإسرائيلي، وانتهاء الآن بالمشروع الإيراني. كل هذه المشاريع تحطمت على صخرة كثرة اللاعبين والتعقيدات في الشرق الأوسط واحتاجت إلى وقت لترتيب خواتيمها. وهكذا الأمر الآن بالنسبة إلى المشروع الأميركي.
الأمر الثاني، أي رسم استراتيجية جديدة، طبخة يبدو أنه وضعت على نار حامية في مطابخ صنع القرار الأميركي، وهي تستند برمتها إلى فكرة العودة إلى مفهوم لعبة موازين القوى التقليدية في الشرق الأوسط. كتب غريغوري غوز الثالث، بروفسور العلوم السياسية في جامعات فيرمونت وهارفارد والكويت: يتعيّن على أميركا تذكير نفسها بقواعد اللعبة المحلية في الشرق الأوسط القائمة على التنافس التقليدي على النفوذ بين القوى الإقليمية. صحيح أنها باستخدامها أدوات النفوذ التقليدية لمواجهة خصومها وتغيير التوجهات الاستراتيجية للاعبين الإقليميين الثانويين تعود إلى السياسات الكلاسيكية، لكن هذا بالتحديد ما تحتاج إليه الآن الولايات المتحدة لتنضم إلى اللعبة مجدداً”. وغوز يدعو واشنطن، بكلمات أوضح، إلى قبول دور القوة الإقليمية جنباً إلى جنب مع بقية السرب الإقليمي في المنطقة (إيران، تركيا، مصر، إسرائيل وسوريا). ورغم أن هذا أقل طموحاً بكثير من قدرات وطاقات دولة عظمى، إلا أنه متطابق مع وقائع هذه المنطقة المُعقّدة والعصية على الفهم والإدارة.
لكن، ماذا يعنيه الدور “الإقليمي” والسياسات التقليدية؟
إنه يعني، على سبيل المثال، شراء ورشوة و”استئجار” قبائل الباشتون في أفغانستان بدل مقاتلتها (كما يقترح بخبث فريد زكريا)، مثلما تم “استئجار” بعض القوى في العراق. كما يعني ضرب القوى الإقليمية بعضها ببعض، كما فعلت أميركا في الثمانينيات بين العراق وإيران، وكما قد تفعل الآن بين إيران وإسرائيل. ثم أنه يعني أيضاً تخلّي أميركا عن أي مشاريع لإقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة، والاستعاضة عن ذلك بصراعات موازين القوى التي لا تنتهي. وهذا قد يحقق لواشنطن هدفين في آن: مواصلة السيطرة على النفط، وفرصة البقاء في الشرق الأوسط إلى أجل غير محدود.
استراتيجية “شريرة”؟ أجل، لكنها واقعية. لكن، ورغم الشر المحتمل الكامن في التوجهات الأميركية الجديدة، إلا أن هذه الأخيرة تتضمن اعتراف واشنطن بأن الشرق الأوسط على وشك الدخول في مرحلة انقلابات استراتيجية بعيدة المدى تطاول بنية النظام الإقليمي برمته. والواقع ان هذه الانقلابات تحدث أمام أعيننا مباشرة الآن في هذا النظام عبر دخول تركيا بقوة على خطه. ثم أنه قد يتجسّد أكثر في وقت لاحق في دولة محورية أخرى في المنطقة هي مصر.
لنبدأ مع تركيا.
ما هي أسباب الخسائر الاميركية الجديدة ولماذا ينحسر الظل الاميركي عن المنطقة؟ ما الذي تبدّل في توازن القوى الاقليمي وماذا تحديدا عن زمن الانحسار المصري؟ استطراداً: في اي اتجاه تسير المنطقة وما هو سيناريو المرحلة المقبلة؟
هل تستطيع أميركا تحمّل خسارة الشرق الأوسط، كما تحمّلت (بنجاح) خسارة الهند الصينية في سبعينيات القرن العشرين؟ وإذا ما كان الجواب بالنفي، ماذا في وسعها أن تفعل؟
لماذا نطرح هذين السؤالين الآن؟ لأسباب عدة: الضربة الأخيرة التي تلقتها الولايات المتحدة من إسرائيل حليفتها التاريخية الأكبر، تكاد تبزّ في خطورتها الضربات لهيبتها ونفوذها على يد خصومها في العراق وأفغانستان وإيران. فتلّ أبيب، برفضها التجاوب مع مقترحات واشنطن المتمحورة حول حل الدولتين في فلسطين، كانت تنسف في الواقع كل الاستراتيجية الإقليمية الجديدة التي كان الرئيس أوباما ينوي طرحها خلال شهر رمضان أو في خواتيمه. وهذه كانت بمثابة نكسة استراتيجية أقسى من النكسات العسكرية. فهذه الأخيرة يمكن تعويضها بمعارك أو حروب أخرى، فيما الأولى عصية عن التعويض السريع أو البسيط، لأنها تضرب أسس القوة الأميركية وتهز الثقة بقدرتها على بسط نظامها.
وصورة أميركا الآن في الشرق الأوسط، حتى بالنسبة إلى أقرب أصدقائها العرب والأتراك، هي أنها عملاق مسلوب الإرادة، قصير النفَس في الحرب ومنقطع الأنفاس في السلم، ولا يُركن إليه لتحقيق الأمن والاستقرار. وحين يكون الأمر على هذا النحو مع الأصدقاء، فهل يُلام الخصوم الإيرانيون إن هم اعتقدوا أنه في وسعهم التلاعب بذيل النمر الأميركي من دون حساب لعضّات أنيابه؟ بل هل يُلام الحلفاء الإسرائيليون إن هم استنتجوا أنهم يستطيعون في أي وقت فتح الجبهات والحروب، ثم نيل الموافقة (أو المشاركة) الأميركية عليها لاحقاً؟
ثمة حقاً أزمة عجز أميركي قد لا تكون مسبوقة، منذ أن ورثت الولايات المتحدة النفوذ الأمبراطوري الفرنسي والبريطاني في المنطقة غداة حرب السويس في العام 1956، ثم توّجته في العام 1979 في كامب ديفيد بتحّول مصر من خصم إلى حليف استراتيجي. فلا هي قادرة على كسب الحروب في المنطقة، ولا في مقدروها صنع السلام.
وهذا ما يعيدنا إلى سؤالينا الأولين: هل تستطيع أميركا تحمّل خسارة الشرق الأوسط؟
الجواب السريع، والبديهي، هو كلا. فما هو في الميزان هنا لا يقل عن كونه معركة حياة أو موت للزعامة العالمية الأميركية، لأن من يسيطر على صنابير النفط الشرق أوسطي، يُمسك بقارة أوراسيا برمتها (وبالتالي العالم) من خناقهما. وللتذكير: النفط كان هو قلب الحربين العالميتين الأولى والثانية وعقلهما. ولولا أن الولايات المتحدة سيطرت على امداداته في تلك الفترة (بمشاركة حماسية من عمالقة صناعة النفط الأميركية) لما تمكّنت من صنع النصر. فالبترول بكل أشكاله المُكررة أو المُصنعة كان، ولا يزال، مادة أولية لا غنى عنها لبناء مدرجات الطائرات، ولصنع التولوين (العنصر الرئيس للـ”تي.أن.تي” والقنابل)، والمطاط الصناعي للعجلات، ووقود البنزين (خصوصا على مستوى الأوكتان- 100) المُستخدم في الدبابات والشاحنات وسيارات الجيب والطائرات. هذا من دون أن ننسى دور النفط كمزيّت لكلٍ من الآلات والأسلحة وللاقتصاد المدني برمته في آن. والآن، أهمية النفط باتت أخطر مما كانت عليه خلال الحربين العالميتين، بسبب قرب وصوله إلى ذروة الانتاج، وبالتالي بدء هبوطه التنازلي وتحوّله بشكل خطر إلى سلعة نادرة.
لكن، ماذا في وسع واشنطن أن تفعل إذا لم يكن بمقدورها أن تغادر ببساطة الشرق الأوسط؟
أمران اثنان: الأول، طيّ صفحة المشروع الكبير والطموح للرئيس بوش ومحافظيه الجدد لإعادة بناء الشرق الأوسط الكبير، مُني بتعثّر ذريع وسقط مضرّجاً بدمائه. والثاني، رسم استراتيجية جديدة لا تكون فيها هي وحدها اللاعب الوحيد المُقرر لمصير هذه المنطقة الشاسعة.
إدارة أوباما قطعت شوطاً لا بأس به في ما يتعلق بالأمر الأول. بل انها وصلت إلى البيت الأبيض وهي ترفع شعار تنظيف وإعادة ترتيب “البيت الأميركي” في الشرق الأوسط الذي عاث فيه المحافظون الجدد فوضى غير خلاقة وتدميراً غير بنّاء. بيد أنها لا تزال تتخبط حول ما يعنيه قفل هذا الفصل من التاريخ الأميركي. فهي قررت بالفعل الانسحاب من العراق، لكنها تريد مواصلة السيطرة عليه. وهي تريد الانسحاب من أفغانستان، لكن ليس قبل تلقين طالبان درساً عسكرياً قاسياً، ثم إجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات حول شروط هذا الانسحاب.
هذا التخّبط طبيعي، وقد شهدته كل المشاريع الإقليمية السابقة لإعادة بناء الشرق الأوسط في القرن العشرين: من النظام البريطاني- الفرنسي في سايكس- بيكو إلى النظام الناصري، مروراً بالمشروع الإسرائيلي، وانتهاء الآن بالمشروع الإيراني. كل هذه المشاريع تحطمت على صخرة كثرة اللاعبين والتعقيدات في الشرق الأوسط واحتاجت إلى وقت لترتيب خواتيمها. وهكذا الأمر الآن بالنسبة إلى المشروع الأميركي.
الأمر الثاني، أي رسم استراتيجية جديدة، طبخة يبدو أنه وضعت على نار حامية في مطابخ صنع القرار الأميركي، وهي تستند برمتها إلى فكرة العودة إلى مفهوم لعبة موازين القوى التقليدية في الشرق الأوسط. كتب غريغوري غوز الثالث، بروفسور العلوم السياسية في جامعات فيرمونت وهارفارد والكويت: يتعيّن على أميركا تذكير نفسها بقواعد اللعبة المحلية في الشرق الأوسط القائمة على التنافس التقليدي على النفوذ بين القوى الإقليمية. صحيح أنها باستخدامها أدوات النفوذ التقليدية لمواجهة خصومها وتغيير التوجهات الاستراتيجية للاعبين الإقليميين الثانويين تعود إلى السياسات الكلاسيكية، لكن هذا بالتحديد ما تحتاج إليه الآن الولايات المتحدة لتنضم إلى اللعبة مجدداً”. وغوز يدعو واشنطن، بكلمات أوضح، إلى قبول دور القوة الإقليمية جنباً إلى جنب مع بقية السرب الإقليمي في المنطقة (إيران، تركيا، مصر، إسرائيل وسوريا). ورغم أن هذا أقل طموحاً بكثير من قدرات وطاقات دولة عظمى، إلا أنه متطابق مع وقائع هذه المنطقة المُعقّدة والعصية على الفهم والإدارة.
لكن، ماذا يعنيه الدور “الإقليمي” والسياسات التقليدية؟
إنه يعني، على سبيل المثال، شراء ورشوة و”استئجار” قبائل الباشتون في أفغانستان بدل مقاتلتها (كما يقترح بخبث فريد زكريا)، مثلما تم “استئجار” بعض القوى في العراق. كما يعني ضرب القوى الإقليمية بعضها ببعض، كما فعلت أميركا في الثمانينيات بين العراق وإيران، وكما قد تفعل الآن بين إيران وإسرائيل. ثم أنه يعني أيضاً تخلّي أميركا عن أي مشاريع لإقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة، والاستعاضة عن ذلك بصراعات موازين القوى التي لا تنتهي. وهذا قد يحقق لواشنطن هدفين في آن: مواصلة السيطرة على النفط، وفرصة البقاء في الشرق الأوسط إلى أجل غير محدود.
استراتيجية “شريرة”؟ أجل، لكنها واقعية. لكن، ورغم الشر المحتمل الكامن في التوجهات الأميركية الجديدة، إلا أن هذه الأخيرة تتضمن اعتراف واشنطن بأن الشرق الأوسط على وشك الدخول في مرحلة انقلابات استراتيجية بعيدة المدى تطاول بنية النظام الإقليمي برمته. والواقع ان هذه الانقلابات تحدث أمام أعيننا مباشرة الآن في هذا النظام عبر دخول تركيا بقوة على خطه. ثم أنه قد يتجسّد أكثر في وقت لاحق في دولة محورية أخرى في المنطقة هي مصر.
لنبدأ مع تركيا.