sona78
01/11/2009, 11:19
إيلي شلهوب
يبدو أن مرحلة جديدة من الانتظار والترقّب، عنوانها هذه المرة «التجاوب الحذر»، قد أطلّت على المنطقة على خلفيّة المفاوضات الأميركية ـــــ الإيرانية التي تخوضها طهران كعادتها وفقاً لآليات عمل البازار وحياكة السجاد، وواشنطن بخلفية المستميت للتوصل إلى تسوية خشية من عواقب الخيارات البديلة.
الإشارات الأولى للرد الإيراني على «مسوّدة البرادعي» تنسف فكرة مشروع الاتفاق من الأساس، أي إخراج معظم اليورانيوم المخصّب من إيران، ما يطيل أمد مشروعها النووي لعام على الأقل: تسليم وتسلّم (الوقود النووي) بالتزامن وعلى مراحل، ما يعطي إيران فرصة تعويض النقص من اليورانيوم المخصّب أولاً بأول، وبالتالي الحفاظ على المخزون العام.
لا شك في أن عامل فقدان الثقة بين الأطراف المعنية يؤدي دوراً محورياً في ما يجري: طهران تخشى خيانة الغرب وعدم إعادة اليورانيوم خاصتها إليها فور خروجه من الأراضي الإيرانية. واشنطن تخشى تلاعب الجمهورية الإسلامية عبر استغلال فترة التهدئة والمحادثات لصناعة قنبلة نووية إذا ما بقي هذا اليورانيوم في إيران.
كذلك الأمر بالنسبة إلى حال التنسيق الأميركي ـــــ الروسي حول هذا الملف، الذي دفعت الولايات المتحدة ثمنه سلفاً (التراجع عن مشروع الدرع الصاروخية، على ما أفاد روبرت كايغان). يبدو واضحاً أن العم سام يخشى أن ينكث الدب الروسي بوعده دعم فرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية إذا عرقلت اتفاق فيينا. يقال الأمر نفسه عن المخاوف الإيرانية من أن تنكث فرنسا بوعودها (وقد فعلتها مع طهران في السابق)، هي التي ستتولى مهمة تحويل اليورانيوم الإيراني المخصب في روسيا إلى وقود نووي لمفاعل الأبحاث الإيراني.
هناك أيضاً الخلفيات التي يدير كل طرف المفاوضات وفقاً لها: طهران تسعى جاهدة لعدم حشر باراك أوباما في الزاوية، وبالتالي دفعه إلى خيارات أكثر قساوة، حتى لو كان لا يريدها أو عاجزاً عن تطبيقها (عقوبات إضافية أو حتى ضربة عسكرية). إدارة أوباما تضع كل بيضها في سلّة المحادثات، لعلمها بانعدام الخيارات البديلة، أو على الأقل لا جدواها، عدا عن عواقبها (لعل حديث كلينتون، المعروفة بتشددها حيال الملف الإيراني، عن أن واشنطن مستعدة للمضي بالمفاوضات إلى أن تبلغ نهاياتها، أبلغ إشارة إلى ذلك). موسكو تنزع للحفاظ على الوضع القائم (إيران بطموحات نووية على علاقة متوترة مع الغرب)، على قاعدة أن جمهورية إسلامية مسلحة نووياً خطيرة على الخاصرة الجنوبية للدب الروسي، كما أن إيران على علاقة جيدة بالغرب مسيئة لنفوذ موسكو في الشرق الأوسط. أما باريس فلا يبدو أن لها هماً سوى إبقاء موطئ قدم في المنطقة، عدا عن مصالح شركاتها التي سبق أن اختبرت كم خسرت من جراء ما حدث في العراق.
الغريب في ما يجري مصدره إسرائيل، حيث وصف بنيامين نتنياهو اتفاق فيينا بأنه «خطوة أولى إيجابية»، علماً بأن الموقف الرسمي لتل أبيب هو أنها لا ترضى بأي حل لا يوقف التخصيب الإيراني كلياً. لعله أدرك أن مصير هذا الاتفاق هو الفشل، وبالتالي يريد أن يبيع موقفاً لإدارة أوباما من الجيب الإيراني، أو هو جاء في إطار توجه جديد لوضع حد للجعجعة الإسرائيلية حول عمل عسكري من نوع ما. جعجعة كانت المؤشر الأبرز على عجز تل أبيب عن الإقدام على عمل كهذا (كان الصمت المطبق ميزة الفترة التي سبقت قصف مفاعل تموز ومنشأة دير الزور).
مهما يكن من أمر، فإن ما يجري مع إيران في هذا الملف لا بد من أن ينعكس على حراك الكثير من الفاعلين في المنطقة، حلفاء أكانوا أم أعداءً. في مقدمة هؤلاء سوريا التي تُعدّ نفسها لكل الاحتمالات: صفقة تؤدي إلى تسوية شاملة، أو أزمة تقود إلى حرب إقليمية. تحالفها العريق مع إيران، والممتد لنحو ثلاثين عاماً، لا يمنعها من المناورة بهدف حجز مقعد لها في المعادلة الإقليمية المقبلة بقواها الذاتية، النابعة أصلاً من دورها كعامل استقرار ومن تحالفاتها التي تعطيها القدرة على التأثير بمسار الأحداث في أكثر من بقعة، في مقدمها لبنان وفلسطين والعراق.
من هنا يمكن فهم التصريح الأخير لبشار الأسد عن رغبة سوريا في استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل برعاية تركية. إعلان أراده رسالة (بات مؤكداً أنها لا تزعج إيران) للولايات المتحدة (الماضية قدماً في التقرب من دمشق) وبدرجة أقل للاتحاد الأوروبي (الذي يحثّ عاصمة الأمويين على توقيع اتفاق الشراكة). مثلها طبعاً مثل الرسالة الموجهة عبر لبنان (الدفع باتجاه المسارعة إلى تأليف حكومة) إلى... السعودية.
اللافت هنا أيضاً سرعة تلقّف الدولة العبرية، على لسان إيهود باراك، (رغم التصريحات الأخرى اللاحقة) لهذه البادرة. تلقّف حمل في طياته غزلاً تمثل في الإقرار الضمني بالاستعداد للانسحاب من كامل هضبة الجولان المحتلة.
المضحك المبكي في ما يجري هو تزامن مجموعة من الأحداث، أبرزها الاندفاع الإسرائيلي ـــــ الأميركي ـــــ الأوروبي نحو دمشق التي تبدو سلطات بغداد متمسكة بالعمل على محاصرتها، بل «محاكمتها» لغاية في نفس يعقوب.
من جريدة الاخبار
يبدو أن مرحلة جديدة من الانتظار والترقّب، عنوانها هذه المرة «التجاوب الحذر»، قد أطلّت على المنطقة على خلفيّة المفاوضات الأميركية ـــــ الإيرانية التي تخوضها طهران كعادتها وفقاً لآليات عمل البازار وحياكة السجاد، وواشنطن بخلفية المستميت للتوصل إلى تسوية خشية من عواقب الخيارات البديلة.
الإشارات الأولى للرد الإيراني على «مسوّدة البرادعي» تنسف فكرة مشروع الاتفاق من الأساس، أي إخراج معظم اليورانيوم المخصّب من إيران، ما يطيل أمد مشروعها النووي لعام على الأقل: تسليم وتسلّم (الوقود النووي) بالتزامن وعلى مراحل، ما يعطي إيران فرصة تعويض النقص من اليورانيوم المخصّب أولاً بأول، وبالتالي الحفاظ على المخزون العام.
لا شك في أن عامل فقدان الثقة بين الأطراف المعنية يؤدي دوراً محورياً في ما يجري: طهران تخشى خيانة الغرب وعدم إعادة اليورانيوم خاصتها إليها فور خروجه من الأراضي الإيرانية. واشنطن تخشى تلاعب الجمهورية الإسلامية عبر استغلال فترة التهدئة والمحادثات لصناعة قنبلة نووية إذا ما بقي هذا اليورانيوم في إيران.
كذلك الأمر بالنسبة إلى حال التنسيق الأميركي ـــــ الروسي حول هذا الملف، الذي دفعت الولايات المتحدة ثمنه سلفاً (التراجع عن مشروع الدرع الصاروخية، على ما أفاد روبرت كايغان). يبدو واضحاً أن العم سام يخشى أن ينكث الدب الروسي بوعده دعم فرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية إذا عرقلت اتفاق فيينا. يقال الأمر نفسه عن المخاوف الإيرانية من أن تنكث فرنسا بوعودها (وقد فعلتها مع طهران في السابق)، هي التي ستتولى مهمة تحويل اليورانيوم الإيراني المخصب في روسيا إلى وقود نووي لمفاعل الأبحاث الإيراني.
هناك أيضاً الخلفيات التي يدير كل طرف المفاوضات وفقاً لها: طهران تسعى جاهدة لعدم حشر باراك أوباما في الزاوية، وبالتالي دفعه إلى خيارات أكثر قساوة، حتى لو كان لا يريدها أو عاجزاً عن تطبيقها (عقوبات إضافية أو حتى ضربة عسكرية). إدارة أوباما تضع كل بيضها في سلّة المحادثات، لعلمها بانعدام الخيارات البديلة، أو على الأقل لا جدواها، عدا عن عواقبها (لعل حديث كلينتون، المعروفة بتشددها حيال الملف الإيراني، عن أن واشنطن مستعدة للمضي بالمفاوضات إلى أن تبلغ نهاياتها، أبلغ إشارة إلى ذلك). موسكو تنزع للحفاظ على الوضع القائم (إيران بطموحات نووية على علاقة متوترة مع الغرب)، على قاعدة أن جمهورية إسلامية مسلحة نووياً خطيرة على الخاصرة الجنوبية للدب الروسي، كما أن إيران على علاقة جيدة بالغرب مسيئة لنفوذ موسكو في الشرق الأوسط. أما باريس فلا يبدو أن لها هماً سوى إبقاء موطئ قدم في المنطقة، عدا عن مصالح شركاتها التي سبق أن اختبرت كم خسرت من جراء ما حدث في العراق.
الغريب في ما يجري مصدره إسرائيل، حيث وصف بنيامين نتنياهو اتفاق فيينا بأنه «خطوة أولى إيجابية»، علماً بأن الموقف الرسمي لتل أبيب هو أنها لا ترضى بأي حل لا يوقف التخصيب الإيراني كلياً. لعله أدرك أن مصير هذا الاتفاق هو الفشل، وبالتالي يريد أن يبيع موقفاً لإدارة أوباما من الجيب الإيراني، أو هو جاء في إطار توجه جديد لوضع حد للجعجعة الإسرائيلية حول عمل عسكري من نوع ما. جعجعة كانت المؤشر الأبرز على عجز تل أبيب عن الإقدام على عمل كهذا (كان الصمت المطبق ميزة الفترة التي سبقت قصف مفاعل تموز ومنشأة دير الزور).
مهما يكن من أمر، فإن ما يجري مع إيران في هذا الملف لا بد من أن ينعكس على حراك الكثير من الفاعلين في المنطقة، حلفاء أكانوا أم أعداءً. في مقدمة هؤلاء سوريا التي تُعدّ نفسها لكل الاحتمالات: صفقة تؤدي إلى تسوية شاملة، أو أزمة تقود إلى حرب إقليمية. تحالفها العريق مع إيران، والممتد لنحو ثلاثين عاماً، لا يمنعها من المناورة بهدف حجز مقعد لها في المعادلة الإقليمية المقبلة بقواها الذاتية، النابعة أصلاً من دورها كعامل استقرار ومن تحالفاتها التي تعطيها القدرة على التأثير بمسار الأحداث في أكثر من بقعة، في مقدمها لبنان وفلسطين والعراق.
من هنا يمكن فهم التصريح الأخير لبشار الأسد عن رغبة سوريا في استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل برعاية تركية. إعلان أراده رسالة (بات مؤكداً أنها لا تزعج إيران) للولايات المتحدة (الماضية قدماً في التقرب من دمشق) وبدرجة أقل للاتحاد الأوروبي (الذي يحثّ عاصمة الأمويين على توقيع اتفاق الشراكة). مثلها طبعاً مثل الرسالة الموجهة عبر لبنان (الدفع باتجاه المسارعة إلى تأليف حكومة) إلى... السعودية.
اللافت هنا أيضاً سرعة تلقّف الدولة العبرية، على لسان إيهود باراك، (رغم التصريحات الأخرى اللاحقة) لهذه البادرة. تلقّف حمل في طياته غزلاً تمثل في الإقرار الضمني بالاستعداد للانسحاب من كامل هضبة الجولان المحتلة.
المضحك المبكي في ما يجري هو تزامن مجموعة من الأحداث، أبرزها الاندفاع الإسرائيلي ـــــ الأميركي ـــــ الأوروبي نحو دمشق التي تبدو سلطات بغداد متمسكة بالعمل على محاصرتها، بل «محاكمتها» لغاية في نفس يعقوب.
من جريدة الاخبار