sona78
25/10/2009, 18:36
مقدمة:
لا أدري إن كان سقوط التفاحة باعثا لإكتشاف قانون الجاذبية، فكثير من الأمور تبدأ بسخرية لاذعة، تلتقطها عين ناقدة، ثم تؤول إلى حقيقة جديدة لا يأتيها الباطل..
قبل إكتشاف اللغة المسمارية لوادي النهرين (في القرن 19)، كانت أوروبا تنظر لأسفار العهد القديم بإعتبارها تاريخا حقيقيا للعالم. وما أن بدأت رحلة فك شيفرة ألواح بابل وآشور وأوغاريت، وما سبقها من نقوش مصرية، حتى تكشف غطاء القصص التوراتي وبانت عوراته ومدى إرتباط مقدسه بميثولوجيا الشرق القديم.
مع نهاية القرن العشرين وبعد قرن من التنقيب الأركيولوجي ونبش أرض فلسطين، رفع الكثير الراية البيضاء، فعلوم الأركيولوجيا أثبتت أسطورية عصر الآباء (بين 1800ق.م و970 ق.م ) وأثبتت تهافت روايته، التي حبكت خيوطها مع الأب إبراهيم ثم الخروج من مصر بقيادة موسى وإقتحام كنعان، وصولا للمملكة الموحدة لداوود وسليمان (يهودا والسامرة فيما بعد).
فكل هذه الأحداث أصبحت تراثا قصصيا أنتجته مخيّلة الكهنة والكتبة. لكن التعرف على التراث اللغوي القديم (الآكادي والمصري والأرامي ..إلخ) أدخل علوم اللسانيات في مرحلة معرفية شائكة. و أسقطها أحيانا في دوائر تأولية مغلقة.. وذلك بسبب مقدمات خاطئة فرضت نفسها على ذهنية البحث. فكثير من الباحثين الأوائل كانوا مسكونين بهاجس لاهوتي، لإثبات حقيقة الكتاب المقدس، وتأكيد جغرافيته أو حبيسين للنسق الكرنولوجي وهيمنة الحقب الزمنية المقدسة.. حتى نيوتن نفسه لم يكن قادرا على تحدي فكرة خلق العالم بستة أيام، ولا غاليله الذي إرتجفت مفاصله عندما واجهته المحكمة بقصة يشوع وإقتحامه لكنعان، وكيف أوقف الله الشمس في السماء. وهذا دليل على بطلان نظريته.
المهم أن علوم اللسانيات وبحوث المقارنة شقت طريقها بوعورة.. وإختصارا أود في هذه المطالعة التوقف عند محطات لغوية صرفة، تتناول ظاهرة المكونات والدلالات للأسماء المهمة التي تناولها تراث المقدس (اليهو ـ مسيحي والإسلامي) ففيها يقبع جزء مهم من آلية السرد الأسطوري، وربما يكشف بدون عناء كيف وَظّفت الرواية تلك الأسماء [أغلب الظن أنها ألقاب أطلقها الكتبة ( أو الحكواتية) أثناء بناء الدراما القصصية للأديان]
الأسماء في التراث اليهو ـ مسيحي:
النظر مليا في الأسماء التي أطلقها العهد القديم على الشخصيات المقدسة، تستحق بحثا طويلا لأنها كثيرة جدا وتغطي حقبا زمنية مختلفة، لكن روابطها اللغوية والدلالية (السيمانتية) مع لغات المشرق القديمة لا تحتاج عبقرية لتأويلها، فكثير منها أسماء مركبة منذورة للإله، أو ترتبط بمهنة أو بيئة جغرافية أو تقترن بصفات جسمانية أو معنوية. والكثير منها دُمج مع الإله البابلي الكنعاني "إيل" كإسرائيل وميخائيل.. والبداية تشير إلى سياق قصصي توليفي، ففي سفر التكوين نعلم أن الله أمر "ابرام" بتبديل إسمه ليصبح "إبراهيم" [أب (الكثيرين) أو الأمم] بالتأكيد نحن لا نملك وثائق دامغة حول هذا الإتصال الإبراهيمي بالإله
لكن الملفت أن إبنه " إسماعيل" (سمع الله) تمت تسميته أيضا من قبل الملاك شخصيا، الذي سمع إستغاثة أمه "هاجر" المصرية في البرية، فرقّ قلبه عليها. بيد أن أمثال الهولندي راينهارد دوزي (1) وقفوا عند إشارة توراتية، تحدثت عن رحيل سبط شمعون ( أحد الإسباط الإثني عشر) أيام الملك شاوول وداوود، وإقامتهم في أرض الحجاز، وهذه الإشارات دعته للإعتقاد بأن قصة إسماعيل (أو إشمعيل) وهاجر التوراتية هي حشو تاريخي أحدثه مدوّنو التوراة متأخراً، لتبرير رحيل آل شمعون، وما دفعه لهذا الإعتقاد، التشابه اللفظي والدلالي بين " إشمعيل وشمعون" كما أنه برأي البعض مؤشر لبزوغ نجم "العرب" وبالتالي كان على كتبة التوراة التودد لهم ومنحهم شرف القربى، فتركوا الملاك يقول للسيدة هاجر: قومي إحملي الصبيّ وخذي بيده فسأجعله أمة عظيمة. سفر التكوين (19, 21)
وإختصارا يمكن لقارئ التوراة أن يجد عددا لا حصر له من الأمثلة التي ربطت الأسماء بتطور النسيج الروائي للسرد، فإسحق (من ضحك) ويعقوب خرج من رحم أمه ممسكا بعقب توأمه "عيسو" وأيضا فإن عصر ماقبل الطوفان ربط أسماء آدم وحواء بدلالات حادثة الخلق في فردوس عدن (فردوس:لفظ يخص حدائق البيوت في فارس القديمة) ففي تلك الفترة المغرقة بالقدم إعتقد كتبة الأسطورة أن الإله لا يتحدث إلا العبرية ( بالحقيقة هي نفسها الكنعانية)
العهد الجديد:
هنا لا بد من وقفة طويلة، فنحن في حقبة تاريخية شديدة التداخل، تهيمن عليها الثقافة الهلينية (اليونانية الرومانية) ففلسطين، كانت حينها ولاية رومانية تابعة لأغسطس قيصر ومندوبه السامي هيرودوس (ملك اليهودية)، نحن أمام كيان ثقافي تمتع بنوع من الإستقلال الديني منذ أيام الحكم الفارسي لأرحششتا الأول، وتعيين ساقيه "نحميا" حاكما على يهودا. ومع السيطرة الهلينية بدأ هذا الإستقلال الديني يفقد تماسكه إثر إنشقاق طبقتي الصدوقيين والفريسيين. لكن هذه الإستقلالية الدينية اليهودية إستمرت بشكل متذبذب، وصولا للقرن الخامس ميلادي، حتى أن القيصر المسيحي المتزمت والورع تيودوسيوس الأول، أعدم نائبه (حاكم فلسطين) بسبب إهانته لبطريرك اليهود. (2)
لكن التناقض الجدلي والخفي في مفاصل هذا النسيج التاريخي، كان حضور اللغة الآرامية، فالتاريخ يُعلمنا أن يهود الحقبة الهلينية، كانوا يتكلمون الآرامية ويكتبون بعض أدبهم باليونانية (وهذا لغز محيّر، فلماذا تركوا لغة المقدس العبراني؟) لهذا وجب على المسيح أن يتحدث لغة آرامية، كانت قد إمتدت في العالم القديم لتصبح أيضا لغة الثقافة في المشرق القديم، وصولا إلى قصور الساسانيين.
إلا أن قارئ الإناجيل وأعمال الرسل والتراث الكنسي، سيصطدم مباشرة بنوع من المركبات اللغوية، التي تطرح كثيرا من علامات الإستفهام، تصل أحيانا إلى حالة من الإرتباك الشديد والتأويل القسري للأحداث والأسماء.. فلو إستعرضنا قائمة أسماء الرسل وآباء الكنيسة سنجد أنها تخفي هذا الواقع المركب لصيرورة الحدث المسيحي. وبإختصار شديد أقدم فيما يلي إطلالة فيلولوجية قد تساعد في فهم طبيعة السرد الروائي للحدث:
أسماء يشوع ومريم والرسل:
من المثير حقا أن نعرف أن مصادر الأنتيكا الرومانية، التي تناولت قصة "المسيح" كانت ضئيلة، واقتصرت على بعض الإشارات الهزيلة، التي تعرضت لحادثة صلبه دون سيرته وتعاليمه. فجوزيفيوس فلافيوس (3) ذكر مثلا إعدام "يعقوب" ووصفه بأنه أخو يسوع الملقب بالمسيح، بيد أن معظم الباحثين يعتبرون هذه الإشارة حشوا متأخرا (ناهيك عن النقد الحديث الذي يعتبر فلافيوس نفسه أحد مفبركات القرون الوسطى)
أما تيتوس فيُخبر في حولياته عام 117م أن القيصر نيرون إتهم مسيحيين بحرق روما عام 64 م وهؤلاء ينتسبون للمدعو Christus الذي أعدم في عهد تيبريوس بأمر الحامي بيلاطوس.
أيضا فإن سويتون يذكر عام 120م في سيرة القيصر كلاوديوس، أنه قد طرد من روما يهودا إتهموا بالتحريض على الشغب، وهم من أنصار شخص يُسمى Chrestos .. وفي كل الأحوال لا يوجد مصادر (غير كنسية) تؤكد القصة المسيحية..
1ـ أيضا أسم " يسوع" كان هدية إلهية كما يصفها متى 1:20 في حلم يوسف إذ يخبره الملاك: يا يوسف إبن داوود، لا تخف إن مريم إمرأة لك، فهي حبلى من الروح القدس، وستلد إبنا تسميه يسوع، لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم. (إنتهى) ولا أدري لماذا أسماه يسوع فنبوءة أشعيا 14:7تقول: ستلد العذراء إبنا يُدعى "عمانوئيل" أي الله معنا؟
وبالعودة للقاموس نستنتج أن إسم يشوع مركب من جذر"يهوا" والفعل" شوع" (أن تكون نبيلا، أو تطلب عونا ) أو " يَشع" (خلّص، ساعد) وهكذا فإن تأويله يتطابق مع ما ورد في متى: الله هو المخلّص. وأيضا لا يوجد شهود عيان لتأكيد حلم السيد يوسف. فلا بد من إعتباره لقبا أسقطه عليه السرد الروائي.
2ـ "ماريا " Maira": اللفظ اللاتيني لمريم، وتشترك العربية والارامية واليونانية في تلفظه بصيغة "مريم" وهو إسم توراتي لأخت موسى وهارون، ومصدره غامض (البعض يعيده إلى جذر مصري Mry بمعنى: المحبوبة، والبعض إلى جذر عبري Mra بمعنى: سمّن علف (من تسمين العجول) وكإجتهاد شخصي أعتقد أنه يرتبط بالجذر الأرامي Mr وهو لقب للملك الآرامي بمعنى: سيّد، ولا تزال الكنائس الشرقية تطلق على القديسين لقب "مار" مثل مار مارون ومار تقلا.. وبهذا فإن الإسم على الأرجح، لقب تفخيمي أسقطه المؤلف بمعنى: سيدة. (سنأتي لاحقا بمزيد من التفصيل)
3ـ في إنجيل متى 10:1ومرقس 3:16ولوقا 6:12 نعلم بقائمة تضمّ أسماء تلامذة المسيح: أولهم سمعان (بطرس) وأخوه أندراوس ( وكلاهما من صيادي الأسماك قرب بحيرة طبرية) ويعقوب إبن زبدي وأخوه يوحنا وفيليبس وبرتولماوس وتوما ومتى جابي الضرائب، ويعقوب بن حلفى وتدّاوس وسمعان الوطني الغيور ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلم يسوع.
ومع الإختلافات في تلك القائمة، إلا أن سرد الأناجيل يُحدث إلتباسا في عدد من الشخصيات، فتدّاوس مثلا يظهر أحيانا بإسم "يهوذا" وهو غير يهوذا الإسخريوطي كما في إنجيل يوحنا 22: 14 وبما أن الإلتباسات والتفاصيل كثيرة، وبعيدة عن صلب الموضوع، سأقتصر على العرض اللساني وما يتعلق به:
ـ سمعان: أطلق عليه المسيح إسم "بطرس" والكلمة يونانية وتعنى: الصخرة؟؟ وتذكر بمقولة المسيح: بطرس أنت الصخرة وعليها سأبني كنيستي. وهو ينتمي لمنطقة الجليل والسؤال البديهي: لماذا يختار يسوع، الآرامي اللغة، لقبا يونانيا لتلميذه؟
ـ متى: من الأصل العبري ماتيتياهو ويعني: هدية الله، ولا يُوجد ما يؤكد أنه كاتب إنجيل متى
ـ أندراوس أخ سمعان (بطرس): الإسم يوناني، وأي عين بصيرة سترى تناقضا ما، فكيف لعائلة يهودية ذات طقوس توراتية معقدة، أن تطلق على أحد أبنائها إسما يونانيا وعلى الآخر إسما آراميا ـ عبريا؟ أم أن يهود ذلك العصر كانوا مودرن، ومقتنعين بالتعدد الثقافي والأثني ؟ أم أن الصورة التاريخية التي وصلتنا كانت مشوّهة ومستعصية على الفهم؟
ـ يعقوب ابن زبدي وأخوه يوحنا: لا يُوجد ما يؤكد أن الأخير هو صاحب إنجيل يوحنا المعروف
ـ أيضا فيليبوس، وبرتولماوس أسماء يونانية بإمتياز
ـ توما: مشتق من اللفط الآرامي "توأم"
ـ يهوذا الإسخريوطي: إسمه الأول يعود لأحد الأسباط الإثني عشر، أما لقبه فيعود لقرية في اليهودية إسمها إسخريوط، وهو الوحيد الذي ينتمي لليهودية بعكس التلاميذ (الرسل) الآخرين الذين أتو من الجليل.
. بولس: إسمه القديم "شاول" وقد إستبدله، بُعيد إعتناقه المسيحية إئر حصول معجزة أصابته بالعمى، أثناء مطاردته للمسيحين، قرب دمشق. وبولس : كلمة يونانية Paullos وتعني: الصغير
ومن الضرورة بمكان التوقف عند مرقس ولوقا، كونهما من كتبة الإنجيل.
ـمرقس: إسمه مشتق من اللاتينية Mart cosوتعني المنذور لمارس (إله الحرب الروماني) وهذا الإسم كان يُطلق على مواليد شهر مارس
ـ لوقا : إسم لاتيني مشتق من Lucanus، ويطلق على القادمين من منطقة لوكانا في جنوب إيطاليا، ويقول الموروث أن لوقا ولد في أنطاكيا وإعتنق المسيحية على يد بولس وتوفي في اليونان.
بعد هذا الموجز، وبالنظر للإلتباسات الكثيرة في الأسماء ومرجعيتها اللغوية، إضافة إلى تداخل مريمات عديدة في الأحداث (مريم الأم، والمجدلية، وأم يعقوب الصغير)، فقد إستوقفني إسم التلميذ (الصحابي الكبير) يهوذا الإسخريوطي، بإعتباره رمز الخيانة، فهو الذي سلّم المسيح للصلب، مقابل قبضه ثلاثين من الفضة، والغريب أنه الوجيد الذي يرجع بأصوله لمنطقة اليهودية، ناهيك عن إسمه اليهودي الخالص، أما المؤسسون والواعظون الكبار كبولس وبطرس فقد إتخذوا ألقابا يونانية، كذلك هو الحال مع الإنجليين مرقس ولوقا، الذين تدرّعا بأسماء لاتينية؟..
وهذا يوحي بأن التوليف الراوئي للإناجيل تعمد تجريم وشيطنة اليهود، من خلال رمزية الأسماء التي خلعها على أبطال الرواية. ويبدو أن الأمر قد حدث أثناء إعتناق الدولة الرومانية للمسيحية، فكلنا يتذكر كيف أن الوالي بيلاطوس غسل يديه من دم الصديق (يسوع) وكأنه يُعلن براءة روما من دمه، في حين تُركت غوغاء اليهودية المدفوعة من الكهنة وسدنة الهيكل تصرخ: أصلبه أصلبه!!
وفي هذا السياق أنقل نقدا صارما مثلته آراء بالداوفBaldauf كامماير Kammeier الذيّن كانا على قناعة، بأن تأملا عميقا للأناجيل وأعمال الرسل يمنح إنطباعا بأنها كُتبت من أناس لم يعرفوا فلسطين جيداً ولا اليهودية وطقوسها المعقدة، ولم يُلموا باليونانية إلا كلغة أجنبية، مع جهل مطلق بالآرامية!!
الأسماء في التراث الإسلامي:
بداية لابد من التأكيد ان الدراسات الإسلامية عموما، وقعت بين الفينة والفينة ضحية لدوائر تأولية مغلقة، لعدم وجود علوم قاموسية تصلنا بالمرحلة السابقة لعربية سيبويه الكلاسيكية، وأحيانا ظهرت ميول مفرطة لدى بعض الباحثين بإعتماد تأويلات تعتمد مرجعيات لسانية أخرى. إن تأخر التدوين والخط العربي، لايعني مطلقا حداثة اللغة العربية وأسبقية اللغات الكتابية الأخرى عليها، فالعربية كانت أداة مهمة لتفسير لغات الأركيولوجيا، وعليه لا يمكن تجاهل أقدميتها.. إن المؤشرات العامة تدل على أن قاموس (لغة سيبويه) قد إبتلع فيضا هائلا من مفردات وكلمات اللغات القديمة، ووطنها داخل لغة متطورة ذات طاقة حركية عالية.
الملاحظة الثانية تتعلق بطبيعة السؤال عن الأسماء المؤسسة للتراث الإسلامي، فكاتب السطور يعتقد بوجود ثقب زمني يفصل الأحداث المبكرة للإسلام عن مرحلة التدوين، فكلنا يعلم أن سيرة إبن هشام أو تاريخ الواقدي أو الصحاح الستة قد دونت بعد مرور مرحلة طويلة سادها النقل الشفهي. مما جعل تلك الأحداث عرضة للتساؤل التاريخي.خصوصا بوجود صمت للمصادر اليهودية والنسطورية واليعقوبية والقبطية والبزنطية، التي أغمضت عيونها عن لحظات تشكّل الإسلام. وهذا أمر محيّر جدا ؟
وقد جرت محاولات عديدة لرصد التقاطعات اللغوية، عبر دراسات مقارنة، لكن مواجهة مباشرة مع القاموس العربي قد تبدو مفيدة، لتفسير أسماء الشخصيات المؤسسة، وعلاقتها الدلالية بظروف وآلية السرد الروائي..
قبل سنين قرأت "في مدارات صوفية" للراحل هادي العلوي، بأن لفظ محمد مجرد صفة وان إسمه الحقيقي "قثم".. ملاحظة عابرة لا تحرك عقيرة البحث، ثم تكررت الحالة أثناء مطالعتي للأسباني انطونيو غالا، الذي إعتقد أن إسم طارق بن زياد (فاتح الأندلس) هو حديث العهد في قائمة الأسماء العربية، ومن المستبعد أن يُكنّى به قائد بربري، إذ إن بعض الدراسات النقدية الحديثة تشكك أصلا برواية فتح الأندلس، وتعتبرها حكاية أسطورية لماضي ضبابي، لذا إقترح أن يكون طارق هو تصحيف لإسم قائد قوطي منشق: تاريكس، على وزن رودريكس (لذريق: آخر ملوك القوط)
هذه الإفتراضات دفعت كاتب السطور لإلقاء نظرة على لسان العرب لإبن منظور (ل.ع) والقاموس المحيط للفيروزآبادي (ق.م)، ومقاييس اللغة لأحمد بن فارس (م. ل)، وهو معجم يضم بين محتوياته كتاب العين للفراهيدي، وهو أقدم محاولة قاموسية عربية. وفيما يلي خارطة لبعض الأسماء الإسلامية المؤسسة:
لا أدري إن كان سقوط التفاحة باعثا لإكتشاف قانون الجاذبية، فكثير من الأمور تبدأ بسخرية لاذعة، تلتقطها عين ناقدة، ثم تؤول إلى حقيقة جديدة لا يأتيها الباطل..
قبل إكتشاف اللغة المسمارية لوادي النهرين (في القرن 19)، كانت أوروبا تنظر لأسفار العهد القديم بإعتبارها تاريخا حقيقيا للعالم. وما أن بدأت رحلة فك شيفرة ألواح بابل وآشور وأوغاريت، وما سبقها من نقوش مصرية، حتى تكشف غطاء القصص التوراتي وبانت عوراته ومدى إرتباط مقدسه بميثولوجيا الشرق القديم.
مع نهاية القرن العشرين وبعد قرن من التنقيب الأركيولوجي ونبش أرض فلسطين، رفع الكثير الراية البيضاء، فعلوم الأركيولوجيا أثبتت أسطورية عصر الآباء (بين 1800ق.م و970 ق.م ) وأثبتت تهافت روايته، التي حبكت خيوطها مع الأب إبراهيم ثم الخروج من مصر بقيادة موسى وإقتحام كنعان، وصولا للمملكة الموحدة لداوود وسليمان (يهودا والسامرة فيما بعد).
فكل هذه الأحداث أصبحت تراثا قصصيا أنتجته مخيّلة الكهنة والكتبة. لكن التعرف على التراث اللغوي القديم (الآكادي والمصري والأرامي ..إلخ) أدخل علوم اللسانيات في مرحلة معرفية شائكة. و أسقطها أحيانا في دوائر تأولية مغلقة.. وذلك بسبب مقدمات خاطئة فرضت نفسها على ذهنية البحث. فكثير من الباحثين الأوائل كانوا مسكونين بهاجس لاهوتي، لإثبات حقيقة الكتاب المقدس، وتأكيد جغرافيته أو حبيسين للنسق الكرنولوجي وهيمنة الحقب الزمنية المقدسة.. حتى نيوتن نفسه لم يكن قادرا على تحدي فكرة خلق العالم بستة أيام، ولا غاليله الذي إرتجفت مفاصله عندما واجهته المحكمة بقصة يشوع وإقتحامه لكنعان، وكيف أوقف الله الشمس في السماء. وهذا دليل على بطلان نظريته.
المهم أن علوم اللسانيات وبحوث المقارنة شقت طريقها بوعورة.. وإختصارا أود في هذه المطالعة التوقف عند محطات لغوية صرفة، تتناول ظاهرة المكونات والدلالات للأسماء المهمة التي تناولها تراث المقدس (اليهو ـ مسيحي والإسلامي) ففيها يقبع جزء مهم من آلية السرد الأسطوري، وربما يكشف بدون عناء كيف وَظّفت الرواية تلك الأسماء [أغلب الظن أنها ألقاب أطلقها الكتبة ( أو الحكواتية) أثناء بناء الدراما القصصية للأديان]
الأسماء في التراث اليهو ـ مسيحي:
النظر مليا في الأسماء التي أطلقها العهد القديم على الشخصيات المقدسة، تستحق بحثا طويلا لأنها كثيرة جدا وتغطي حقبا زمنية مختلفة، لكن روابطها اللغوية والدلالية (السيمانتية) مع لغات المشرق القديمة لا تحتاج عبقرية لتأويلها، فكثير منها أسماء مركبة منذورة للإله، أو ترتبط بمهنة أو بيئة جغرافية أو تقترن بصفات جسمانية أو معنوية. والكثير منها دُمج مع الإله البابلي الكنعاني "إيل" كإسرائيل وميخائيل.. والبداية تشير إلى سياق قصصي توليفي، ففي سفر التكوين نعلم أن الله أمر "ابرام" بتبديل إسمه ليصبح "إبراهيم" [أب (الكثيرين) أو الأمم] بالتأكيد نحن لا نملك وثائق دامغة حول هذا الإتصال الإبراهيمي بالإله
لكن الملفت أن إبنه " إسماعيل" (سمع الله) تمت تسميته أيضا من قبل الملاك شخصيا، الذي سمع إستغاثة أمه "هاجر" المصرية في البرية، فرقّ قلبه عليها. بيد أن أمثال الهولندي راينهارد دوزي (1) وقفوا عند إشارة توراتية، تحدثت عن رحيل سبط شمعون ( أحد الإسباط الإثني عشر) أيام الملك شاوول وداوود، وإقامتهم في أرض الحجاز، وهذه الإشارات دعته للإعتقاد بأن قصة إسماعيل (أو إشمعيل) وهاجر التوراتية هي حشو تاريخي أحدثه مدوّنو التوراة متأخراً، لتبرير رحيل آل شمعون، وما دفعه لهذا الإعتقاد، التشابه اللفظي والدلالي بين " إشمعيل وشمعون" كما أنه برأي البعض مؤشر لبزوغ نجم "العرب" وبالتالي كان على كتبة التوراة التودد لهم ومنحهم شرف القربى، فتركوا الملاك يقول للسيدة هاجر: قومي إحملي الصبيّ وخذي بيده فسأجعله أمة عظيمة. سفر التكوين (19, 21)
وإختصارا يمكن لقارئ التوراة أن يجد عددا لا حصر له من الأمثلة التي ربطت الأسماء بتطور النسيج الروائي للسرد، فإسحق (من ضحك) ويعقوب خرج من رحم أمه ممسكا بعقب توأمه "عيسو" وأيضا فإن عصر ماقبل الطوفان ربط أسماء آدم وحواء بدلالات حادثة الخلق في فردوس عدن (فردوس:لفظ يخص حدائق البيوت في فارس القديمة) ففي تلك الفترة المغرقة بالقدم إعتقد كتبة الأسطورة أن الإله لا يتحدث إلا العبرية ( بالحقيقة هي نفسها الكنعانية)
العهد الجديد:
هنا لا بد من وقفة طويلة، فنحن في حقبة تاريخية شديدة التداخل، تهيمن عليها الثقافة الهلينية (اليونانية الرومانية) ففلسطين، كانت حينها ولاية رومانية تابعة لأغسطس قيصر ومندوبه السامي هيرودوس (ملك اليهودية)، نحن أمام كيان ثقافي تمتع بنوع من الإستقلال الديني منذ أيام الحكم الفارسي لأرحششتا الأول، وتعيين ساقيه "نحميا" حاكما على يهودا. ومع السيطرة الهلينية بدأ هذا الإستقلال الديني يفقد تماسكه إثر إنشقاق طبقتي الصدوقيين والفريسيين. لكن هذه الإستقلالية الدينية اليهودية إستمرت بشكل متذبذب، وصولا للقرن الخامس ميلادي، حتى أن القيصر المسيحي المتزمت والورع تيودوسيوس الأول، أعدم نائبه (حاكم فلسطين) بسبب إهانته لبطريرك اليهود. (2)
لكن التناقض الجدلي والخفي في مفاصل هذا النسيج التاريخي، كان حضور اللغة الآرامية، فالتاريخ يُعلمنا أن يهود الحقبة الهلينية، كانوا يتكلمون الآرامية ويكتبون بعض أدبهم باليونانية (وهذا لغز محيّر، فلماذا تركوا لغة المقدس العبراني؟) لهذا وجب على المسيح أن يتحدث لغة آرامية، كانت قد إمتدت في العالم القديم لتصبح أيضا لغة الثقافة في المشرق القديم، وصولا إلى قصور الساسانيين.
إلا أن قارئ الإناجيل وأعمال الرسل والتراث الكنسي، سيصطدم مباشرة بنوع من المركبات اللغوية، التي تطرح كثيرا من علامات الإستفهام، تصل أحيانا إلى حالة من الإرتباك الشديد والتأويل القسري للأحداث والأسماء.. فلو إستعرضنا قائمة أسماء الرسل وآباء الكنيسة سنجد أنها تخفي هذا الواقع المركب لصيرورة الحدث المسيحي. وبإختصار شديد أقدم فيما يلي إطلالة فيلولوجية قد تساعد في فهم طبيعة السرد الروائي للحدث:
أسماء يشوع ومريم والرسل:
من المثير حقا أن نعرف أن مصادر الأنتيكا الرومانية، التي تناولت قصة "المسيح" كانت ضئيلة، واقتصرت على بعض الإشارات الهزيلة، التي تعرضت لحادثة صلبه دون سيرته وتعاليمه. فجوزيفيوس فلافيوس (3) ذكر مثلا إعدام "يعقوب" ووصفه بأنه أخو يسوع الملقب بالمسيح، بيد أن معظم الباحثين يعتبرون هذه الإشارة حشوا متأخرا (ناهيك عن النقد الحديث الذي يعتبر فلافيوس نفسه أحد مفبركات القرون الوسطى)
أما تيتوس فيُخبر في حولياته عام 117م أن القيصر نيرون إتهم مسيحيين بحرق روما عام 64 م وهؤلاء ينتسبون للمدعو Christus الذي أعدم في عهد تيبريوس بأمر الحامي بيلاطوس.
أيضا فإن سويتون يذكر عام 120م في سيرة القيصر كلاوديوس، أنه قد طرد من روما يهودا إتهموا بالتحريض على الشغب، وهم من أنصار شخص يُسمى Chrestos .. وفي كل الأحوال لا يوجد مصادر (غير كنسية) تؤكد القصة المسيحية..
1ـ أيضا أسم " يسوع" كان هدية إلهية كما يصفها متى 1:20 في حلم يوسف إذ يخبره الملاك: يا يوسف إبن داوود، لا تخف إن مريم إمرأة لك، فهي حبلى من الروح القدس، وستلد إبنا تسميه يسوع، لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم. (إنتهى) ولا أدري لماذا أسماه يسوع فنبوءة أشعيا 14:7تقول: ستلد العذراء إبنا يُدعى "عمانوئيل" أي الله معنا؟
وبالعودة للقاموس نستنتج أن إسم يشوع مركب من جذر"يهوا" والفعل" شوع" (أن تكون نبيلا، أو تطلب عونا ) أو " يَشع" (خلّص، ساعد) وهكذا فإن تأويله يتطابق مع ما ورد في متى: الله هو المخلّص. وأيضا لا يوجد شهود عيان لتأكيد حلم السيد يوسف. فلا بد من إعتباره لقبا أسقطه عليه السرد الروائي.
2ـ "ماريا " Maira": اللفظ اللاتيني لمريم، وتشترك العربية والارامية واليونانية في تلفظه بصيغة "مريم" وهو إسم توراتي لأخت موسى وهارون، ومصدره غامض (البعض يعيده إلى جذر مصري Mry بمعنى: المحبوبة، والبعض إلى جذر عبري Mra بمعنى: سمّن علف (من تسمين العجول) وكإجتهاد شخصي أعتقد أنه يرتبط بالجذر الأرامي Mr وهو لقب للملك الآرامي بمعنى: سيّد، ولا تزال الكنائس الشرقية تطلق على القديسين لقب "مار" مثل مار مارون ومار تقلا.. وبهذا فإن الإسم على الأرجح، لقب تفخيمي أسقطه المؤلف بمعنى: سيدة. (سنأتي لاحقا بمزيد من التفصيل)
3ـ في إنجيل متى 10:1ومرقس 3:16ولوقا 6:12 نعلم بقائمة تضمّ أسماء تلامذة المسيح: أولهم سمعان (بطرس) وأخوه أندراوس ( وكلاهما من صيادي الأسماك قرب بحيرة طبرية) ويعقوب إبن زبدي وأخوه يوحنا وفيليبس وبرتولماوس وتوما ومتى جابي الضرائب، ويعقوب بن حلفى وتدّاوس وسمعان الوطني الغيور ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلم يسوع.
ومع الإختلافات في تلك القائمة، إلا أن سرد الأناجيل يُحدث إلتباسا في عدد من الشخصيات، فتدّاوس مثلا يظهر أحيانا بإسم "يهوذا" وهو غير يهوذا الإسخريوطي كما في إنجيل يوحنا 22: 14 وبما أن الإلتباسات والتفاصيل كثيرة، وبعيدة عن صلب الموضوع، سأقتصر على العرض اللساني وما يتعلق به:
ـ سمعان: أطلق عليه المسيح إسم "بطرس" والكلمة يونانية وتعنى: الصخرة؟؟ وتذكر بمقولة المسيح: بطرس أنت الصخرة وعليها سأبني كنيستي. وهو ينتمي لمنطقة الجليل والسؤال البديهي: لماذا يختار يسوع، الآرامي اللغة، لقبا يونانيا لتلميذه؟
ـ متى: من الأصل العبري ماتيتياهو ويعني: هدية الله، ولا يُوجد ما يؤكد أنه كاتب إنجيل متى
ـ أندراوس أخ سمعان (بطرس): الإسم يوناني، وأي عين بصيرة سترى تناقضا ما، فكيف لعائلة يهودية ذات طقوس توراتية معقدة، أن تطلق على أحد أبنائها إسما يونانيا وعلى الآخر إسما آراميا ـ عبريا؟ أم أن يهود ذلك العصر كانوا مودرن، ومقتنعين بالتعدد الثقافي والأثني ؟ أم أن الصورة التاريخية التي وصلتنا كانت مشوّهة ومستعصية على الفهم؟
ـ يعقوب ابن زبدي وأخوه يوحنا: لا يُوجد ما يؤكد أن الأخير هو صاحب إنجيل يوحنا المعروف
ـ أيضا فيليبوس، وبرتولماوس أسماء يونانية بإمتياز
ـ توما: مشتق من اللفط الآرامي "توأم"
ـ يهوذا الإسخريوطي: إسمه الأول يعود لأحد الأسباط الإثني عشر، أما لقبه فيعود لقرية في اليهودية إسمها إسخريوط، وهو الوحيد الذي ينتمي لليهودية بعكس التلاميذ (الرسل) الآخرين الذين أتو من الجليل.
. بولس: إسمه القديم "شاول" وقد إستبدله، بُعيد إعتناقه المسيحية إئر حصول معجزة أصابته بالعمى، أثناء مطاردته للمسيحين، قرب دمشق. وبولس : كلمة يونانية Paullos وتعني: الصغير
ومن الضرورة بمكان التوقف عند مرقس ولوقا، كونهما من كتبة الإنجيل.
ـمرقس: إسمه مشتق من اللاتينية Mart cosوتعني المنذور لمارس (إله الحرب الروماني) وهذا الإسم كان يُطلق على مواليد شهر مارس
ـ لوقا : إسم لاتيني مشتق من Lucanus، ويطلق على القادمين من منطقة لوكانا في جنوب إيطاليا، ويقول الموروث أن لوقا ولد في أنطاكيا وإعتنق المسيحية على يد بولس وتوفي في اليونان.
بعد هذا الموجز، وبالنظر للإلتباسات الكثيرة في الأسماء ومرجعيتها اللغوية، إضافة إلى تداخل مريمات عديدة في الأحداث (مريم الأم، والمجدلية، وأم يعقوب الصغير)، فقد إستوقفني إسم التلميذ (الصحابي الكبير) يهوذا الإسخريوطي، بإعتباره رمز الخيانة، فهو الذي سلّم المسيح للصلب، مقابل قبضه ثلاثين من الفضة، والغريب أنه الوجيد الذي يرجع بأصوله لمنطقة اليهودية، ناهيك عن إسمه اليهودي الخالص، أما المؤسسون والواعظون الكبار كبولس وبطرس فقد إتخذوا ألقابا يونانية، كذلك هو الحال مع الإنجليين مرقس ولوقا، الذين تدرّعا بأسماء لاتينية؟..
وهذا يوحي بأن التوليف الراوئي للإناجيل تعمد تجريم وشيطنة اليهود، من خلال رمزية الأسماء التي خلعها على أبطال الرواية. ويبدو أن الأمر قد حدث أثناء إعتناق الدولة الرومانية للمسيحية، فكلنا يتذكر كيف أن الوالي بيلاطوس غسل يديه من دم الصديق (يسوع) وكأنه يُعلن براءة روما من دمه، في حين تُركت غوغاء اليهودية المدفوعة من الكهنة وسدنة الهيكل تصرخ: أصلبه أصلبه!!
وفي هذا السياق أنقل نقدا صارما مثلته آراء بالداوفBaldauf كامماير Kammeier الذيّن كانا على قناعة، بأن تأملا عميقا للأناجيل وأعمال الرسل يمنح إنطباعا بأنها كُتبت من أناس لم يعرفوا فلسطين جيداً ولا اليهودية وطقوسها المعقدة، ولم يُلموا باليونانية إلا كلغة أجنبية، مع جهل مطلق بالآرامية!!
الأسماء في التراث الإسلامي:
بداية لابد من التأكيد ان الدراسات الإسلامية عموما، وقعت بين الفينة والفينة ضحية لدوائر تأولية مغلقة، لعدم وجود علوم قاموسية تصلنا بالمرحلة السابقة لعربية سيبويه الكلاسيكية، وأحيانا ظهرت ميول مفرطة لدى بعض الباحثين بإعتماد تأويلات تعتمد مرجعيات لسانية أخرى. إن تأخر التدوين والخط العربي، لايعني مطلقا حداثة اللغة العربية وأسبقية اللغات الكتابية الأخرى عليها، فالعربية كانت أداة مهمة لتفسير لغات الأركيولوجيا، وعليه لا يمكن تجاهل أقدميتها.. إن المؤشرات العامة تدل على أن قاموس (لغة سيبويه) قد إبتلع فيضا هائلا من مفردات وكلمات اللغات القديمة، ووطنها داخل لغة متطورة ذات طاقة حركية عالية.
الملاحظة الثانية تتعلق بطبيعة السؤال عن الأسماء المؤسسة للتراث الإسلامي، فكاتب السطور يعتقد بوجود ثقب زمني يفصل الأحداث المبكرة للإسلام عن مرحلة التدوين، فكلنا يعلم أن سيرة إبن هشام أو تاريخ الواقدي أو الصحاح الستة قد دونت بعد مرور مرحلة طويلة سادها النقل الشفهي. مما جعل تلك الأحداث عرضة للتساؤل التاريخي.خصوصا بوجود صمت للمصادر اليهودية والنسطورية واليعقوبية والقبطية والبزنطية، التي أغمضت عيونها عن لحظات تشكّل الإسلام. وهذا أمر محيّر جدا ؟
وقد جرت محاولات عديدة لرصد التقاطعات اللغوية، عبر دراسات مقارنة، لكن مواجهة مباشرة مع القاموس العربي قد تبدو مفيدة، لتفسير أسماء الشخصيات المؤسسة، وعلاقتها الدلالية بظروف وآلية السرد الروائي..
قبل سنين قرأت "في مدارات صوفية" للراحل هادي العلوي، بأن لفظ محمد مجرد صفة وان إسمه الحقيقي "قثم".. ملاحظة عابرة لا تحرك عقيرة البحث، ثم تكررت الحالة أثناء مطالعتي للأسباني انطونيو غالا، الذي إعتقد أن إسم طارق بن زياد (فاتح الأندلس) هو حديث العهد في قائمة الأسماء العربية، ومن المستبعد أن يُكنّى به قائد بربري، إذ إن بعض الدراسات النقدية الحديثة تشكك أصلا برواية فتح الأندلس، وتعتبرها حكاية أسطورية لماضي ضبابي، لذا إقترح أن يكون طارق هو تصحيف لإسم قائد قوطي منشق: تاريكس، على وزن رودريكس (لذريق: آخر ملوك القوط)
هذه الإفتراضات دفعت كاتب السطور لإلقاء نظرة على لسان العرب لإبن منظور (ل.ع) والقاموس المحيط للفيروزآبادي (ق.م)، ومقاييس اللغة لأحمد بن فارس (م. ل)، وهو معجم يضم بين محتوياته كتاب العين للفراهيدي، وهو أقدم محاولة قاموسية عربية. وفيما يلي خارطة لبعض الأسماء الإسلامية المؤسسة: