SABE
28/09/2005, 16:19
في البداية كانت الفكرة ....
لم تكن فكرة عابرة و حسب ... بل كانت هدفاً مركزياً ...
تم تحديد الهدف و بعده تحديد المكان : فسحة بيت عربي قديم و تحت ياسمينة مزهرة ...
الزمان : ربيع عام 2005 ...
الروح الهدف : روح نزار قباني .
تم تحضير كل شيء , و ضع البخور بين خمس شمعات و تليت الصلوات المطلوبة ...
بضع دقائق كانت الروح جالسة معي ,,...
روح نزار : من أنت ؟؟ و ماذا تريد ؟؟؟ و أين نحن ؟؟
أجبت : أنا عربي مهلي مهلك , عربي الأب و الأم .. و عربي التفكير .. في الماضي كنت غريباً عن كل شيء , و بالصدفة وصلتك كتاباتك بين يدي .. قرأتها و إقتنعت بها , و نصبتك نبياً على ديني الجديد ... و جعلت كتاباتك كتابي المقدس ....
لكني اكتشفتك بعد فوات الأوان, بعد أن أخذ الله أمانته ...
سألتني أين نحن ؟ نحن الآن في بيت أمك (( أم المعتز )) و تحت ياسمينتك المفضلة التي تربيت و كبرت و تعطرت طفولتك برائحتها ...
طلبت مقابلتك الآن لأنه لم تسنح لي الفرصة لأقابلك و أنت على قيد الحياة . و تشكرك على كل ما قدمته لي و للبشرية جمعاء...
روح نزار : حقاً مكان مميز , و طريقة مميزة و استقبال مميز .... أتعرف أنه لم تفارقني رائحة هذه الياسمينة حتى بعد موتي .. الله قدم لي واحدة مماثلة في الجنة .. حقاً إنه لطيف....
لكن أخبرني ماذا حصل بعد مغادرتي ؟؟
أجبت : من الأفضل لروحك أن تظل راقدة بسلام , لا أريد إزعاجك بالأشياء التي حصلت بعد رحيلك ...
روح نزار : أني مصر !!!!
تابعت : يوم جنازتك كان يوماً عالمياً للكذب , كل من عرفتهم و من لم تعرفهم خرجوا للجنازة , كل من أحبك و من كرهك , كل من كتبت عنه و من لم تكتب عنه ..
جميع المسؤلين الذين كرهتهم , ووصفتهم بالممثلين كانوا هناك .. و استمروا بالتمثيل , لقد كان من السهل عليه زرف دمعتين أمام عدسات الكاميرات , ومن السهل عليهم كتابة خطب و أقاويل (( إن كانوا هم من كتبها ))
و من المتواجدين أيضاً جميع النساء اللواتي أحببتهن و الذين متَّ معهم ألف مرة قبل أن تموت .. ووصفت لنا علاقتك مع كل واحدة منهن بالتفصيل .. لم تكن من هواياتك التشهير, لكن إبداعك رسم لنا ملامح كل واحدة من هؤلاء الحبيبات ... هؤلاء أيضاً كانوا يبكون , لأنهم يعرفون لم يعد يوجد هذا الشخص الذي يخلد مغامراته و مغامراتهم معه بعد الآن ..
و تواجد أيضاً في جنازتك .....
روح نزار مقاطعة : عرفت أن كل هذا سيحصل .. لكن ما يهمني بالموضوع , هل كانت العواصم والمدن العربية موجودة أيضاً ؟؟ لقد كنت أعتبر نفسي ابناً لكل مدينة عربية !!!
أجبت و أنا خجل مما سأقول : دمشق وقفت تنظر من بعيد , لبست الأسود و لوحت لك بمحرمة بيضاء مودعة لك .. كانت أكثر من حزن عليك ... لكنها لم تمشي في الجنازة فقد خجلت منك ... من الكذب الذي رأته في هذه الجنازة و من الشخصيات الكاذبة التي كانت في الجنازة .... لكنها الوحيدة التي لن تنساك أبدا .. لقد انتظرت قدومك آلاف السنين و عندما قدمت إلى هذه الحياة كانت أول من استقبلك ... ربتك .. علمتك من تاريخها ... أعطت جمالها لكتابتك و ربطت اسمها باسمك ...
روح نزار حزينة : بالفعل كانت مميزة دمشق ... و ستبقى أم العواصم ....
و بيروت و باقي العواصم العربية هل كانزا موجودين أيضاً ؟؟؟
أجبت : بيروت أرادت القدوم لتوديعك لكنهم لم يسمحوا لها بعبور الحدود ... و هذا ما حصل مع بعض العواصم أيضاً ... فهم لم يستطيعوا الحصول على فيزا للتنقل بين الحدود العربية لحضور جنازة ابنهم ... أما البعض الآخر من العواصم , فرؤساء بلدانهم لم يسمحوا لهم لأنك رفعت من قبل أقلامك في وجوههم و في وجوه كل من يقف في وجه الحرية ... و اكتفوا بإرسال برقيات تعزية ....
روح نزار : يكفي ... لا أريد أن أعرف المزيد ... عرفت ما قد عرفت , و اكتشفت أن الأوضاع كما هي قبل موتي ... كتاباتي و صرخاتي بقيت في كتبها بين أحضان المكاتب .. و لم تجد من يفتح هذه الكتب و يأخذ منها الكلمة لمحاربة الواقع ...
و أعرف أيضأ (( و قبل أن تخبرني بذلك )) أن الشيء الوحيد الذي تحسن هو أداء لاعبي طاولة الزهر في المقاهي القديمة ... يكفيني هذا .. لا أريد أن أسمع المزيد ... أرجوك أعدني حيثما كنت مستريحاً ...
عندها أطفأت الشمعات .. شربت فنجاناً من القهوة العربية مع حب الهال ... كتبت الحوار الذي دار بيني و بين الروح في مفكرتي ... و عدت للدائرة التي كنت فيها قبل أن أدخل دائرة الشموع ...
سلامات
سعيد 8/5/2005
لم تكن فكرة عابرة و حسب ... بل كانت هدفاً مركزياً ...
تم تحديد الهدف و بعده تحديد المكان : فسحة بيت عربي قديم و تحت ياسمينة مزهرة ...
الزمان : ربيع عام 2005 ...
الروح الهدف : روح نزار قباني .
تم تحضير كل شيء , و ضع البخور بين خمس شمعات و تليت الصلوات المطلوبة ...
بضع دقائق كانت الروح جالسة معي ,,...
روح نزار : من أنت ؟؟ و ماذا تريد ؟؟؟ و أين نحن ؟؟
أجبت : أنا عربي مهلي مهلك , عربي الأب و الأم .. و عربي التفكير .. في الماضي كنت غريباً عن كل شيء , و بالصدفة وصلتك كتاباتك بين يدي .. قرأتها و إقتنعت بها , و نصبتك نبياً على ديني الجديد ... و جعلت كتاباتك كتابي المقدس ....
لكني اكتشفتك بعد فوات الأوان, بعد أن أخذ الله أمانته ...
سألتني أين نحن ؟ نحن الآن في بيت أمك (( أم المعتز )) و تحت ياسمينتك المفضلة التي تربيت و كبرت و تعطرت طفولتك برائحتها ...
طلبت مقابلتك الآن لأنه لم تسنح لي الفرصة لأقابلك و أنت على قيد الحياة . و تشكرك على كل ما قدمته لي و للبشرية جمعاء...
روح نزار : حقاً مكان مميز , و طريقة مميزة و استقبال مميز .... أتعرف أنه لم تفارقني رائحة هذه الياسمينة حتى بعد موتي .. الله قدم لي واحدة مماثلة في الجنة .. حقاً إنه لطيف....
لكن أخبرني ماذا حصل بعد مغادرتي ؟؟
أجبت : من الأفضل لروحك أن تظل راقدة بسلام , لا أريد إزعاجك بالأشياء التي حصلت بعد رحيلك ...
روح نزار : أني مصر !!!!
تابعت : يوم جنازتك كان يوماً عالمياً للكذب , كل من عرفتهم و من لم تعرفهم خرجوا للجنازة , كل من أحبك و من كرهك , كل من كتبت عنه و من لم تكتب عنه ..
جميع المسؤلين الذين كرهتهم , ووصفتهم بالممثلين كانوا هناك .. و استمروا بالتمثيل , لقد كان من السهل عليه زرف دمعتين أمام عدسات الكاميرات , ومن السهل عليهم كتابة خطب و أقاويل (( إن كانوا هم من كتبها ))
و من المتواجدين أيضاً جميع النساء اللواتي أحببتهن و الذين متَّ معهم ألف مرة قبل أن تموت .. ووصفت لنا علاقتك مع كل واحدة منهن بالتفصيل .. لم تكن من هواياتك التشهير, لكن إبداعك رسم لنا ملامح كل واحدة من هؤلاء الحبيبات ... هؤلاء أيضاً كانوا يبكون , لأنهم يعرفون لم يعد يوجد هذا الشخص الذي يخلد مغامراته و مغامراتهم معه بعد الآن ..
و تواجد أيضاً في جنازتك .....
روح نزار مقاطعة : عرفت أن كل هذا سيحصل .. لكن ما يهمني بالموضوع , هل كانت العواصم والمدن العربية موجودة أيضاً ؟؟ لقد كنت أعتبر نفسي ابناً لكل مدينة عربية !!!
أجبت و أنا خجل مما سأقول : دمشق وقفت تنظر من بعيد , لبست الأسود و لوحت لك بمحرمة بيضاء مودعة لك .. كانت أكثر من حزن عليك ... لكنها لم تمشي في الجنازة فقد خجلت منك ... من الكذب الذي رأته في هذه الجنازة و من الشخصيات الكاذبة التي كانت في الجنازة .... لكنها الوحيدة التي لن تنساك أبدا .. لقد انتظرت قدومك آلاف السنين و عندما قدمت إلى هذه الحياة كانت أول من استقبلك ... ربتك .. علمتك من تاريخها ... أعطت جمالها لكتابتك و ربطت اسمها باسمك ...
روح نزار حزينة : بالفعل كانت مميزة دمشق ... و ستبقى أم العواصم ....
و بيروت و باقي العواصم العربية هل كانزا موجودين أيضاً ؟؟؟
أجبت : بيروت أرادت القدوم لتوديعك لكنهم لم يسمحوا لها بعبور الحدود ... و هذا ما حصل مع بعض العواصم أيضاً ... فهم لم يستطيعوا الحصول على فيزا للتنقل بين الحدود العربية لحضور جنازة ابنهم ... أما البعض الآخر من العواصم , فرؤساء بلدانهم لم يسمحوا لهم لأنك رفعت من قبل أقلامك في وجوههم و في وجوه كل من يقف في وجه الحرية ... و اكتفوا بإرسال برقيات تعزية ....
روح نزار : يكفي ... لا أريد أن أعرف المزيد ... عرفت ما قد عرفت , و اكتشفت أن الأوضاع كما هي قبل موتي ... كتاباتي و صرخاتي بقيت في كتبها بين أحضان المكاتب .. و لم تجد من يفتح هذه الكتب و يأخذ منها الكلمة لمحاربة الواقع ...
و أعرف أيضأ (( و قبل أن تخبرني بذلك )) أن الشيء الوحيد الذي تحسن هو أداء لاعبي طاولة الزهر في المقاهي القديمة ... يكفيني هذا .. لا أريد أن أسمع المزيد ... أرجوك أعدني حيثما كنت مستريحاً ...
عندها أطفأت الشمعات .. شربت فنجاناً من القهوة العربية مع حب الهال ... كتبت الحوار الذي دار بيني و بين الروح في مفكرتي ... و عدت للدائرة التي كنت فيها قبل أن أدخل دائرة الشموع ...
سلامات
سعيد 8/5/2005