ayhamm26
17/10/2009, 00:26
شاب يبلغ الثامنة عشرة من العمر يعتدي على طفلة عمرها سبع سنوات في منطقة الحجر الأسود بدمشق، بعد أن تسلل إلى منزل ذويها في غيابهم، تفاجئه الأم بعودتها فيفر هاربا، والأم المطلقة التي تعرفت إلى المعتدي ترفض تبليغ الشرطة بالحادثة، متذرعة بأن والد طفلتيها سيأخذهما منها في حال معرفته بما جرى، دون أن تلتفت لعلاج الوضع النفسي والصحي المتفاقم لابنتها.
لم يعد من النادر أن نسمع بخبر كهذا عبر المحطات الإذاعية أو التلفزيونية أو نجده على صفحات المطبوعات والمواقع الالكترونية، فقد ازدادت في الفترة الأخيرة أخبار الاعتداءات الجنسية على الأطفال وبخاصة بعد أن تحولت قضية الطفلة "خولة" ذات الأربع سنوات، والتي تم الاعتداء عليها من قبل أربعة شبان في حلب، أثناء حضورها حفل زفاف مع عائلتها هناك، من خبر مؤلم إلى قضية رأي عام هزت المجتمع السوري، وتفاعلت باتجاه تضامن مجتمعي وحملات عدة مدنية وإعلامية للتضامن مع الأطفال ضحايا هذا النوع من العنف الذي تصل نتائجه حد الموت، وللتوعية حول قضيتهم، وتوّجت بزيارة السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء للطفلة خولة في منزل ذويها في حلب للتضامن معها.
الناشطة الاجتماعية وعضوة فريق عمل مرصد "نساء سورية" نورا قريعة، التي رصدت الخبر الوارد من منطقة الحجر الأسود بدمشق وأخبار أخرى لا تقل إيلاما من المحافظات، تعلق على زيادة عدد أخبار الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الفترة الأخيرة مرجعة ذلك إلى عوامل نفسية وسيكولوجية "ليس من الممكن أن يقوم إنسان سوي بهذا الفعل الشاذ مهما تعرض إلى كبت جنسي، إضافة إلى البطالة حيث أن الفراغ في معظم الأحيان يولد انحرافات سلوكية، وعدم نشر الوعي والثقافة الجنسية في الأسرة، إضافة إلى كون المتحرش قد يكون بالأصل ضحية لحادثة اغتصاب أو تحرش في السابق، وكون الطفل مخلوق أضعف".
الخبيرة القانونية المحامية والناشطة الاجتماعية الأستاذة ميساء حليوة التي كثيرا ما توكلت في قضايا كان ضحاياها أطفالا ترى أن حقوق الطفل أصبحت مدعاة للاهتمام خاصة في العقود الأخيرة بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الطفل، إذ شرعت بعد ذلك دول العالم بعقد المؤتمرات و المعاهدات والاتفاقيات للارتقاء بحقوق الطفل التي تشكل المؤشر الحقيقي لدرجة التقدم الحاصل في المجتمع.
"سورية انضمت ووقعت على هذه الاتفاقية بكامل خياراتها السيادية مما يرتب عليها التزاما قانونيا دوليا بإعمال هذه الاتفاقية وإدراجها في القوانين المحلية ولاسيما المادة 19 منها التي تقول بأنه يجب على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير التشريعية القضائية والتربوية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال الانتهاكات والعنف والإساءة البدنية والعقلية بما فيها الإساءة الجنسية، خلافا لمواد أغلب قوانين الدول العربية ومنها سورية التي سعت لتدعيم مركز الولي الذكر: الأب – الجد – العم بسلطة مطلقة على حساب الطفل ومصالحه الفضلى والدنيا، مع إهمال دور الأم التي تتحول إلى خادمة دون أجر لمصلحة الولي".
الأسباب الاجتماعية تقف وراء عدم تبليغ الأهل في حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال
بالإضافة إلى أسباب تتعلق بعدم وجود كوادر مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الجرائم.
توضح نورا هذه العوائق قائلة "هنالك العامل الاجتماعي المتعلق بطبيعة المجتمع الشرقي فإحساس الأهل بالعار يدفعهم إلى الصمت، وهذا العامل يلعب دور أساسيا في ازدياد هذه الأفعال لأن المعتدي يستغل خوف الأهل وقد يرتكب أكثر من جريمة، إضافة إلى عدم وجود محاكم مختصة للأطفال، وغياب الكوادر المؤهلة والقادرة على التعامل بالشكل الصحيح والسليم حين ورود الشكوى إليها".
تتفق الأستاذة ميساء حليوة مع وجهة النظر هذه "في ظل صمت قانوني واجتماعي وأسري تنامت هذه الظاهرة لتصبح ورما سرطانيا يصعب اقتلاعه خصوصا وأن الدراسات قد أوضحت أن 75% من المعتدين هم أقارب الطفل وتربطه بهم علاقة وثيقة وغالبا ما يتم الاعتداء عن طريق التودد أو الترغيب أو الملاطفة أو الرشوى أو الهدايا أو التهديد والترهيب والتخويف من أن إفشاء السر أو الكشف عن المعتدي سيعرضه للخطر وبالتالي لا بد من حماية قانونية للطفل من الاعتداء المنزلي قبل أن تحميه من الخطر الخارجي عن طريق وجود أسر بديلة بوجود مراقبة دورية للأسر التي لديها أطفال تحت الثامنة عشرة تحت طائلة سحب الطفل من عائلته التي لا تؤمن له جو من الأمن والاستقرار لأنه ابن المجتمع وليس ابن هذه الأسرة فقط وبصلاحه يصلح المجتمع، وبفساده يفسد المجتمع".
وفي الحالات القليلة التي يقدم فيها الأهل على التبليغ عن حدوث اعتداء جنسي على أطفالهم فذلك لا يتم دوما بدافع من الوعي بفداحة الجريمة وآثارها الخطرة على حياة طفلهم.
تقول نورا أن "الأهل يبلغون في حالة وجود وعي لدى الأهل بضرورة أن ينال هذا المجرم عقابه العادل دون خوف من المجتمع وتقاليده، وفي حال احتياج المعتدى عليه للعلاج وخصوصا في حالة اغتصاب الإناث فيضطرون تحت ضغط إدارة المستشفى أو الكادر الطبي إلى التبليغ".
الأستاذة ميساء حليوة تروي لنا قصة الطفلة (منال) التي لم تتجاوز الرابعة من العمر لأبوين مطلقين، راجعتها والدتها بشكوى أنها رأت سائلا منويا على ملابس الصغيرة بعد عودتها من زيارة والدها القصيرة وفقا لنظام الإراءة، وبالاستماع إلى أقوال الطفلة شرحت كيف كان والدها يمارس معها في كل مرة تذهب لرؤيته فيها هذه "اللعبة"!
تضيف الأستاذة ميساء "المشكلة الحقيقية أن الأم في مثل هذه الحالات لا تملك حق الادعاء وأقوال الطفل لا يؤخذ بها إلا من باب الاستئناس، وبصعوبة بالغة تمكنت والدة منال من الحفاظ على حضانتها بعد أن قام الأب برفع دعوى افتراء ضدها مطالبا بالحصول على حضانة الطفلة، التي استمر بالاعتداء عليها، بدعوى عدم أهلية الأم لحضانتها!"
عدة انتقادات توجّه إلى كوادر الشرطة والقضاء بخصوص تأهيلها من أجل تعامل أفضل مع ضحايا هذا النوع من الاعتداءات ومع ذويهم.
من جهتها نورا تجد أنه من الهام الإشارة إلى أن الشرطة لدينا قادرة غالبا على القبض على المعتدي "غالبا ما تستطيع كوادر الشرطة إلقاء القبض على المجرم بسبب وجود معلومات لديهم عن المتهمين أصحاب السوابق أو من خلال الأدلة التي يتركها هؤلاء المجرمين".
قصة أخرى لا تقل فظاعة تسردها لنا الأستاذة ميساء منوّهة إلى أن المشكلة ليست في تأهيل الكوادر بل في نظام الولاية المطلقة.
"طفلة تبلغ من العمر 17 سنة قام والدها بقتلها تحت مسمى الشرف بعد ثبوت حملها، تناهى إلى سمع الجوار فيما بعد قول الأم أن الأخ قام باغتصابها تحت التهديد وعند معرفة الأهل تم التستر على الشاب وقتلت الطفلة برخصة قتل الطفلات الممنوحة للولي ووفقا للمادة 548 من قانون العقوبات السوري!".
قانون العقوبات السوري يشتمل على مواد تعاقب كل شخص أكره غير زوجه (ذكر أو أنثى) بالعنف والتهديد على الجماع بالأشغال الشاقة خمسة عشرة سنة، ولا تنقص عن 21 سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره وذهب القانون أيضاً لحماية الشخص المعتدى عليه إذا وقع عليه الفعل نتيجة لنقص نفسي أو جسدي أو نتيجة وقوعه تحت تأثير الخداع فتكون عقوبة الجاني الأشغال الشاقة مدة تسع سنوات.
أما حدوث الجماع مع القاصر فعقوبته الأشغال الشاقة لتسع سنوات إذا كان القاصر لم يتم الخامسة عشرة، ولا تنقص عن خمس عشرة سنة إذا كان القاصر لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، أما إذا كان الجاني أحد أصول القاصر شرعياً أو غير شرعي أو أحد أصهاره لجهة الأصول بل حتى لو كان الجاني شخصاً يمارس على القاصر سلطة فعلية أو شرعية أو أحد خدم أولئك المذكورين أو كان موظفاً في مكتب استخدام أو عاملاً فيه ارتكب هذا الفعل مسيئاً استخدام سلطته ويكون هنا في هذه المادة القاصر متمماً للخامسة عشرة والعقوبة الأشغال الشاقة مدة تسع سنوات (وفقا للمادة 492) بل وتشدد العقوبة عند ارتكابها من قبل من له سلطة على القاصر حسب القواعد العامة لقانون العقوبات.
بينما تجد الأستاذة ميساء أن "القانون السوري ورغم تشدده في العقوبات على الانتهاكات الجنسية الواقعة على الأطفال إلا أنه جعل من الاستحالة إثباتها في كثير من الأحيان طالما أنه لم يخول الطفل المعتدى عليه حق الادعاء وخاصة إذا كان المعتدي أحد الأولياء الذكور، فأصبح الطفل بحاجة إلى وليه للادعاء، وهو بحاجة لوكالة الولي الذي يمارس الانتهاكات الجنسية ضده ليقدم شكوى ضد نفسه، فيكون القانون قد جعل من الولي مدعيا ومدعيا عليه في آن مما يخالف النظام العام ويفقد الطفل أي أمل بالنجاة من تحرش جنسي يمارس كل يوم بحقه في ظل صمت قانوني واجتماعي وأسري لأن القانون لم يخول هيئات المجتمع المدني والناشطين والجمعيات حق الادعاء باسم الطفل مما أدى وسيؤدي لتنامي هذه الظاهرة".
حملة "التضامن مع الطفلة خولة" تطورت إلى حملة "بعّد إيدك عن طفلي"، وصولا إلى المطالبة بإعلان عام 2010 عاما للطفولة، والحملات تستمر للإضاءة على هذه القضايا التي كانت منذ سنوات قريبة خلت من المسكوت عنه.
نورا، التي كانت أولى الشباب السوريين الذين تطوعوا في "حملة التضامن مع الطفلة خولة" وتضم الآن أكثر من خمسة آلاف شاب وشابة عبر الوطن العربي والعالم، ترى أن الأمر بحاجة إلى جهود الجميع ناشطين مجتمعيين وقانونيين وإعلاميين وتربويين.
"نحتاج لتضافر جميع الجهود في جميع المجالات لنشر الوعي بين الأطفال وتدريب الأطفال وتثقيفهم وإعطائهم المعلومات الصحيحة والمبسطة حول التحرش الجنسي وتدريبهم على التصرف بشكل ناجح كأن يهرب من المتحرش أو أن يصرخ ويبتعد عن الأماكن المظلمة وعن الغرباء، إضافة إلى التوعية الأسرية، وعلى الإعلام مسؤولية كبيرة في توعية أفراد المجتمع، وضرورة تكاتف المؤسسات العاملة في مجال الصحة النفسية والمجتمعية وتطوير مهارات العاملين فيها لتقديم التوجيه والإرشاد المناسب للطفل وأسرته وطبعا إدراج الثقافة الجنسية مادة وتدريسها كمادة أساسية في المدارس السورية وهذا دور وزارة التربية".
فيما الأستاذة ميساء تقول: "جهود المجتمع المدني والهيئات المجتمعية والناشطات والناشطين والجمعيات هي جهود ضرورية، ولكنها ليست كافية، الأساس هو تعديل القانون ليمنح حق الادعاء للضحية أو لمن هو أهل لذلك من مؤسسات رسمية أو مجتمعية أو ناشطين متطوعين".
مجلة ثرى
لم يعد من النادر أن نسمع بخبر كهذا عبر المحطات الإذاعية أو التلفزيونية أو نجده على صفحات المطبوعات والمواقع الالكترونية، فقد ازدادت في الفترة الأخيرة أخبار الاعتداءات الجنسية على الأطفال وبخاصة بعد أن تحولت قضية الطفلة "خولة" ذات الأربع سنوات، والتي تم الاعتداء عليها من قبل أربعة شبان في حلب، أثناء حضورها حفل زفاف مع عائلتها هناك، من خبر مؤلم إلى قضية رأي عام هزت المجتمع السوري، وتفاعلت باتجاه تضامن مجتمعي وحملات عدة مدنية وإعلامية للتضامن مع الأطفال ضحايا هذا النوع من العنف الذي تصل نتائجه حد الموت، وللتوعية حول قضيتهم، وتوّجت بزيارة السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء للطفلة خولة في منزل ذويها في حلب للتضامن معها.
الناشطة الاجتماعية وعضوة فريق عمل مرصد "نساء سورية" نورا قريعة، التي رصدت الخبر الوارد من منطقة الحجر الأسود بدمشق وأخبار أخرى لا تقل إيلاما من المحافظات، تعلق على زيادة عدد أخبار الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الفترة الأخيرة مرجعة ذلك إلى عوامل نفسية وسيكولوجية "ليس من الممكن أن يقوم إنسان سوي بهذا الفعل الشاذ مهما تعرض إلى كبت جنسي، إضافة إلى البطالة حيث أن الفراغ في معظم الأحيان يولد انحرافات سلوكية، وعدم نشر الوعي والثقافة الجنسية في الأسرة، إضافة إلى كون المتحرش قد يكون بالأصل ضحية لحادثة اغتصاب أو تحرش في السابق، وكون الطفل مخلوق أضعف".
الخبيرة القانونية المحامية والناشطة الاجتماعية الأستاذة ميساء حليوة التي كثيرا ما توكلت في قضايا كان ضحاياها أطفالا ترى أن حقوق الطفل أصبحت مدعاة للاهتمام خاصة في العقود الأخيرة بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الطفل، إذ شرعت بعد ذلك دول العالم بعقد المؤتمرات و المعاهدات والاتفاقيات للارتقاء بحقوق الطفل التي تشكل المؤشر الحقيقي لدرجة التقدم الحاصل في المجتمع.
"سورية انضمت ووقعت على هذه الاتفاقية بكامل خياراتها السيادية مما يرتب عليها التزاما قانونيا دوليا بإعمال هذه الاتفاقية وإدراجها في القوانين المحلية ولاسيما المادة 19 منها التي تقول بأنه يجب على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير التشريعية القضائية والتربوية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال الانتهاكات والعنف والإساءة البدنية والعقلية بما فيها الإساءة الجنسية، خلافا لمواد أغلب قوانين الدول العربية ومنها سورية التي سعت لتدعيم مركز الولي الذكر: الأب – الجد – العم بسلطة مطلقة على حساب الطفل ومصالحه الفضلى والدنيا، مع إهمال دور الأم التي تتحول إلى خادمة دون أجر لمصلحة الولي".
الأسباب الاجتماعية تقف وراء عدم تبليغ الأهل في حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال
بالإضافة إلى أسباب تتعلق بعدم وجود كوادر مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الجرائم.
توضح نورا هذه العوائق قائلة "هنالك العامل الاجتماعي المتعلق بطبيعة المجتمع الشرقي فإحساس الأهل بالعار يدفعهم إلى الصمت، وهذا العامل يلعب دور أساسيا في ازدياد هذه الأفعال لأن المعتدي يستغل خوف الأهل وقد يرتكب أكثر من جريمة، إضافة إلى عدم وجود محاكم مختصة للأطفال، وغياب الكوادر المؤهلة والقادرة على التعامل بالشكل الصحيح والسليم حين ورود الشكوى إليها".
تتفق الأستاذة ميساء حليوة مع وجهة النظر هذه "في ظل صمت قانوني واجتماعي وأسري تنامت هذه الظاهرة لتصبح ورما سرطانيا يصعب اقتلاعه خصوصا وأن الدراسات قد أوضحت أن 75% من المعتدين هم أقارب الطفل وتربطه بهم علاقة وثيقة وغالبا ما يتم الاعتداء عن طريق التودد أو الترغيب أو الملاطفة أو الرشوى أو الهدايا أو التهديد والترهيب والتخويف من أن إفشاء السر أو الكشف عن المعتدي سيعرضه للخطر وبالتالي لا بد من حماية قانونية للطفل من الاعتداء المنزلي قبل أن تحميه من الخطر الخارجي عن طريق وجود أسر بديلة بوجود مراقبة دورية للأسر التي لديها أطفال تحت الثامنة عشرة تحت طائلة سحب الطفل من عائلته التي لا تؤمن له جو من الأمن والاستقرار لأنه ابن المجتمع وليس ابن هذه الأسرة فقط وبصلاحه يصلح المجتمع، وبفساده يفسد المجتمع".
وفي الحالات القليلة التي يقدم فيها الأهل على التبليغ عن حدوث اعتداء جنسي على أطفالهم فذلك لا يتم دوما بدافع من الوعي بفداحة الجريمة وآثارها الخطرة على حياة طفلهم.
تقول نورا أن "الأهل يبلغون في حالة وجود وعي لدى الأهل بضرورة أن ينال هذا المجرم عقابه العادل دون خوف من المجتمع وتقاليده، وفي حال احتياج المعتدى عليه للعلاج وخصوصا في حالة اغتصاب الإناث فيضطرون تحت ضغط إدارة المستشفى أو الكادر الطبي إلى التبليغ".
الأستاذة ميساء حليوة تروي لنا قصة الطفلة (منال) التي لم تتجاوز الرابعة من العمر لأبوين مطلقين، راجعتها والدتها بشكوى أنها رأت سائلا منويا على ملابس الصغيرة بعد عودتها من زيارة والدها القصيرة وفقا لنظام الإراءة، وبالاستماع إلى أقوال الطفلة شرحت كيف كان والدها يمارس معها في كل مرة تذهب لرؤيته فيها هذه "اللعبة"!
تضيف الأستاذة ميساء "المشكلة الحقيقية أن الأم في مثل هذه الحالات لا تملك حق الادعاء وأقوال الطفل لا يؤخذ بها إلا من باب الاستئناس، وبصعوبة بالغة تمكنت والدة منال من الحفاظ على حضانتها بعد أن قام الأب برفع دعوى افتراء ضدها مطالبا بالحصول على حضانة الطفلة، التي استمر بالاعتداء عليها، بدعوى عدم أهلية الأم لحضانتها!"
عدة انتقادات توجّه إلى كوادر الشرطة والقضاء بخصوص تأهيلها من أجل تعامل أفضل مع ضحايا هذا النوع من الاعتداءات ومع ذويهم.
من جهتها نورا تجد أنه من الهام الإشارة إلى أن الشرطة لدينا قادرة غالبا على القبض على المعتدي "غالبا ما تستطيع كوادر الشرطة إلقاء القبض على المجرم بسبب وجود معلومات لديهم عن المتهمين أصحاب السوابق أو من خلال الأدلة التي يتركها هؤلاء المجرمين".
قصة أخرى لا تقل فظاعة تسردها لنا الأستاذة ميساء منوّهة إلى أن المشكلة ليست في تأهيل الكوادر بل في نظام الولاية المطلقة.
"طفلة تبلغ من العمر 17 سنة قام والدها بقتلها تحت مسمى الشرف بعد ثبوت حملها، تناهى إلى سمع الجوار فيما بعد قول الأم أن الأخ قام باغتصابها تحت التهديد وعند معرفة الأهل تم التستر على الشاب وقتلت الطفلة برخصة قتل الطفلات الممنوحة للولي ووفقا للمادة 548 من قانون العقوبات السوري!".
قانون العقوبات السوري يشتمل على مواد تعاقب كل شخص أكره غير زوجه (ذكر أو أنثى) بالعنف والتهديد على الجماع بالأشغال الشاقة خمسة عشرة سنة، ولا تنقص عن 21 سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره وذهب القانون أيضاً لحماية الشخص المعتدى عليه إذا وقع عليه الفعل نتيجة لنقص نفسي أو جسدي أو نتيجة وقوعه تحت تأثير الخداع فتكون عقوبة الجاني الأشغال الشاقة مدة تسع سنوات.
أما حدوث الجماع مع القاصر فعقوبته الأشغال الشاقة لتسع سنوات إذا كان القاصر لم يتم الخامسة عشرة، ولا تنقص عن خمس عشرة سنة إذا كان القاصر لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، أما إذا كان الجاني أحد أصول القاصر شرعياً أو غير شرعي أو أحد أصهاره لجهة الأصول بل حتى لو كان الجاني شخصاً يمارس على القاصر سلطة فعلية أو شرعية أو أحد خدم أولئك المذكورين أو كان موظفاً في مكتب استخدام أو عاملاً فيه ارتكب هذا الفعل مسيئاً استخدام سلطته ويكون هنا في هذه المادة القاصر متمماً للخامسة عشرة والعقوبة الأشغال الشاقة مدة تسع سنوات (وفقا للمادة 492) بل وتشدد العقوبة عند ارتكابها من قبل من له سلطة على القاصر حسب القواعد العامة لقانون العقوبات.
بينما تجد الأستاذة ميساء أن "القانون السوري ورغم تشدده في العقوبات على الانتهاكات الجنسية الواقعة على الأطفال إلا أنه جعل من الاستحالة إثباتها في كثير من الأحيان طالما أنه لم يخول الطفل المعتدى عليه حق الادعاء وخاصة إذا كان المعتدي أحد الأولياء الذكور، فأصبح الطفل بحاجة إلى وليه للادعاء، وهو بحاجة لوكالة الولي الذي يمارس الانتهاكات الجنسية ضده ليقدم شكوى ضد نفسه، فيكون القانون قد جعل من الولي مدعيا ومدعيا عليه في آن مما يخالف النظام العام ويفقد الطفل أي أمل بالنجاة من تحرش جنسي يمارس كل يوم بحقه في ظل صمت قانوني واجتماعي وأسري لأن القانون لم يخول هيئات المجتمع المدني والناشطين والجمعيات حق الادعاء باسم الطفل مما أدى وسيؤدي لتنامي هذه الظاهرة".
حملة "التضامن مع الطفلة خولة" تطورت إلى حملة "بعّد إيدك عن طفلي"، وصولا إلى المطالبة بإعلان عام 2010 عاما للطفولة، والحملات تستمر للإضاءة على هذه القضايا التي كانت منذ سنوات قريبة خلت من المسكوت عنه.
نورا، التي كانت أولى الشباب السوريين الذين تطوعوا في "حملة التضامن مع الطفلة خولة" وتضم الآن أكثر من خمسة آلاف شاب وشابة عبر الوطن العربي والعالم، ترى أن الأمر بحاجة إلى جهود الجميع ناشطين مجتمعيين وقانونيين وإعلاميين وتربويين.
"نحتاج لتضافر جميع الجهود في جميع المجالات لنشر الوعي بين الأطفال وتدريب الأطفال وتثقيفهم وإعطائهم المعلومات الصحيحة والمبسطة حول التحرش الجنسي وتدريبهم على التصرف بشكل ناجح كأن يهرب من المتحرش أو أن يصرخ ويبتعد عن الأماكن المظلمة وعن الغرباء، إضافة إلى التوعية الأسرية، وعلى الإعلام مسؤولية كبيرة في توعية أفراد المجتمع، وضرورة تكاتف المؤسسات العاملة في مجال الصحة النفسية والمجتمعية وتطوير مهارات العاملين فيها لتقديم التوجيه والإرشاد المناسب للطفل وأسرته وطبعا إدراج الثقافة الجنسية مادة وتدريسها كمادة أساسية في المدارس السورية وهذا دور وزارة التربية".
فيما الأستاذة ميساء تقول: "جهود المجتمع المدني والهيئات المجتمعية والناشطات والناشطين والجمعيات هي جهود ضرورية، ولكنها ليست كافية، الأساس هو تعديل القانون ليمنح حق الادعاء للضحية أو لمن هو أهل لذلك من مؤسسات رسمية أو مجتمعية أو ناشطين متطوعين".
مجلة ثرى