Nasserm
10/10/2009, 18:06
أيها الفظ.. يا غليظ القلب
د. عوض السليمان*
10/10/2009
لا أعتقد أنه يحق لمثلي أن يخوض في مسألة النقاب من الناحية الشرعية، فهذه المسألة تخص العلماء الثقات وحدهم، وهم من يحسم الأمر في المسألة. إلا أنني أستطيع القول، إن فقهاء الأمة رأوا، على الأقل، أن النقاب ليس ببدعة ولا هو بعادة يهودية، ولا بعادة مستحدثة، كما رأى الموظف في الحكومة المصرية طنطاوي . وأحمد الله الذي منّ علينا فجعل مراجعنا أبا حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، ولم يجعل تلك المراجع، علماء السلطان ومشايخ الحكومات من أصحاب بيريس وبرلسكوني.
وبهذه المقدمة يُعلم أن ليس هدفي من هذا المقال مناقشة مسألة النقاب بحد ذاتها، فهناك من هو أقدر مني على ذلك. لكنني قصدت في هذه العجالة التعليق على غلظة قلب طنطاوي عندما قال لفتاة صغيرة' أمال لو كنت حلوة كنت حتعملي إيه'. ثم تعنيفه للمدرسة الأزهرية حيث خاطبها قائلاً: 'أنا أعرف الدين أكثر منك ومن اللي خلفوك'. وبهذه الجملة أثبت صاحب بيريس أنه لا يعرف من الدين إلا اسمه، فما خرجت مثل هذه الجملة من فيهِ.
محمد صلى الله عليه وسلم الذي عفا عمّن بال في المسجد بل وعمّن حاول قتله، ولا خرجت من أفواه الصحابة الكرام، ولا من أفواه من تبعهم. بل اتهم العلماء أنفسهم على مر العصور بالتقصير وعدم العلم، وما كفّوا عن الدعاء لله أن يعلمهم، ولقد قال مالك رضي الله عنه 'نصف العلم لا أدري'.
أستغرب من هذا الموظف ، الذي تجهّم، وتهجّم على فتاة صغيرة تضع النقاب وجرحها جرحاً عميقاً قد لا يلتئم، وعبس في وجهها، ولو كان الرجل صادقاً وكان مقصده توضيح ما اختلط من الدين، حسب رأيه بالطبع، لتوجه إلى الفتاة برقة وحسن تعامل فأخذها حانياً، وبين لها بالحكمة والموعظة الحسنة أنها أخطأت، ولفعل الشيء نفسه مع المدرسة، ولم يقترب من 'اللي خلفوها'.
تمنيت من شيخ الأزهر، أن يناصح الفتيات اللواتي يمشين في الشوارع شبه عاريات، وتمنيت منه أن يقنع الحكومة المصرية بإغلاق الملاهي ودور العهر في شرم الشيخ، أو أن يقول لنا رأيه في محاولة افتتاح كلية لهز البطون على بعد أمتار من الأزهر الشريف.
ليت طنطاوي اهتم بمعالجة الفساد الذي ينخر عقول وأجساد كثير من الشباب في مصر، حتى أصبح الحشيش ' مشروباً رسمياً' في البلاد. وليته ينظر، إن كان يرى، إلى ما تقوم به بعض الفضائيات المصرية من نشر ثقافة الرذيلة والرقص والانكسار أيضاً. وليته وقف ضد برامج 'الجريئة'، التي تجعل همها نشر الزنا والخنا وإفساد العامة في مصر.
أتساءل لماذا لم يستقل طنطاوي من منصبه عندما منح صاحبه فاروق حسني جائزة الدولة التقديرية للمزور سيد القمني، ولماذا لم يقف في وجه الوزير لما انتقد الحجاب واتهم المحجبات بالإعاقة العقلية.
ولكن عبثاً ننادي، فشيخ الأزهر لم يستقل عندما قام حسني مبارك بمحاصرة غزة، ومحاربة أهلها ولم يستقل عندما قامت الحكومة المصرية بمنع الغذاء والدواء عن أطفال فلسطين. فكيف سيغضب الرجل من زميله فاروق الذي أساء للحجاب وللثقافة الإسلامية في مصر.
قبل سنوات، صرخ طنطاوي في الحاضرين، هذا حقهم وكررها ثلاث مرات، وبذهول الحاضرين من علماء الأزهر الشريف، أكد طنطاوي أن من حق فرنسا أن تمنع الطالبات من ارتداء الحجاب في المدارس العامة، وقال هذا شأن داخلي يخص فرنسا وحدها، وهذه قوانينها. واليوم يعطي الشيخ فرصة لبلاد الغرب أن تهاجم اللباس الإسلامي من جديد، وتعتمد مرة أخرى على آراء هذا الرجل التي لا تمت إلى الإسلام إلا بشكل العباءة والعمامة. ولا شك أنكم قرأتم كما قرأنا ترحيب اليمين الإيطالي بآراء الشيخ 'المستنيرة' ومطالبتهم بحظر النقاب فوراً لأنه مظهر من مظاهر استعباد المرأة.
ربما أعطينا هذا الموضوع أكثر من حقه، ولربما أننا أخطأنا ، فالذي صافح بيريس، بيديه كلتيهما، والذي أبدى استعداده لدعوة رئيس الكيان الصهيوني للأزهر الشريف لن يهمه إساءة لبنت صغيرة في الثاني الإعدادي أو لمدرستها الأزهرية، فقد أساء لملايين المسلمين عندما صافح ذلك الإرهابي وعامله بكل تلك الحفاوة، ولن يأبه الرجل لطالبة ومدرستها وقد أجاز الربا من قبل، ودعم مبارك وصمت عن كل ما فعلته الحكومة المصرية من تذلل للصهاينة.
الأزهر الشريف، ليس مؤسسة مصرية فحسب، بل هو مرجعية عربية وإسلامية، وهو أمانة بيد من يقوم عليها، ولهذا وجب على العلماء الربانيين في هذه المؤسسة الحفاظ عليها من التلوث والدنس، ولئن أصيب الأزهر فأين يتجه الناس. إن الوقوف بحزم ضد سيد طنطاوي لهو اليوم أقل الواجب في سبيل الحفاظ على سمعة الأزهر ونقاءه.
عجباً لموظفي الحكومة المصرية، تراهم أشداء على إخوانهم، ضعفاء أذلاء أمام أعدائهم، وإذ لم يصدق القارئ الكريم فلينظر إلى صور أبو الغيط وهو يقف مع ليفني، وإلى طنطاوي وهو يبتسم لبيريس، ولحسني مبارك وهو يداعب نتنياهو، ثم ليقارن تلك الصور وللأشخاص أنفسهم، عندما يتكلمون عن العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، أو عندما يهاجم شيخ الأزهر فتاة مصرية لم تتم الخامسة عشرة بعد. أليس عجباً عجابا.
* كاتب سوري
د. عوض السليمان*
10/10/2009
لا أعتقد أنه يحق لمثلي أن يخوض في مسألة النقاب من الناحية الشرعية، فهذه المسألة تخص العلماء الثقات وحدهم، وهم من يحسم الأمر في المسألة. إلا أنني أستطيع القول، إن فقهاء الأمة رأوا، على الأقل، أن النقاب ليس ببدعة ولا هو بعادة يهودية، ولا بعادة مستحدثة، كما رأى الموظف في الحكومة المصرية طنطاوي . وأحمد الله الذي منّ علينا فجعل مراجعنا أبا حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، ولم يجعل تلك المراجع، علماء السلطان ومشايخ الحكومات من أصحاب بيريس وبرلسكوني.
وبهذه المقدمة يُعلم أن ليس هدفي من هذا المقال مناقشة مسألة النقاب بحد ذاتها، فهناك من هو أقدر مني على ذلك. لكنني قصدت في هذه العجالة التعليق على غلظة قلب طنطاوي عندما قال لفتاة صغيرة' أمال لو كنت حلوة كنت حتعملي إيه'. ثم تعنيفه للمدرسة الأزهرية حيث خاطبها قائلاً: 'أنا أعرف الدين أكثر منك ومن اللي خلفوك'. وبهذه الجملة أثبت صاحب بيريس أنه لا يعرف من الدين إلا اسمه، فما خرجت مثل هذه الجملة من فيهِ.
محمد صلى الله عليه وسلم الذي عفا عمّن بال في المسجد بل وعمّن حاول قتله، ولا خرجت من أفواه الصحابة الكرام، ولا من أفواه من تبعهم. بل اتهم العلماء أنفسهم على مر العصور بالتقصير وعدم العلم، وما كفّوا عن الدعاء لله أن يعلمهم، ولقد قال مالك رضي الله عنه 'نصف العلم لا أدري'.
أستغرب من هذا الموظف ، الذي تجهّم، وتهجّم على فتاة صغيرة تضع النقاب وجرحها جرحاً عميقاً قد لا يلتئم، وعبس في وجهها، ولو كان الرجل صادقاً وكان مقصده توضيح ما اختلط من الدين، حسب رأيه بالطبع، لتوجه إلى الفتاة برقة وحسن تعامل فأخذها حانياً، وبين لها بالحكمة والموعظة الحسنة أنها أخطأت، ولفعل الشيء نفسه مع المدرسة، ولم يقترب من 'اللي خلفوها'.
تمنيت من شيخ الأزهر، أن يناصح الفتيات اللواتي يمشين في الشوارع شبه عاريات، وتمنيت منه أن يقنع الحكومة المصرية بإغلاق الملاهي ودور العهر في شرم الشيخ، أو أن يقول لنا رأيه في محاولة افتتاح كلية لهز البطون على بعد أمتار من الأزهر الشريف.
ليت طنطاوي اهتم بمعالجة الفساد الذي ينخر عقول وأجساد كثير من الشباب في مصر، حتى أصبح الحشيش ' مشروباً رسمياً' في البلاد. وليته ينظر، إن كان يرى، إلى ما تقوم به بعض الفضائيات المصرية من نشر ثقافة الرذيلة والرقص والانكسار أيضاً. وليته وقف ضد برامج 'الجريئة'، التي تجعل همها نشر الزنا والخنا وإفساد العامة في مصر.
أتساءل لماذا لم يستقل طنطاوي من منصبه عندما منح صاحبه فاروق حسني جائزة الدولة التقديرية للمزور سيد القمني، ولماذا لم يقف في وجه الوزير لما انتقد الحجاب واتهم المحجبات بالإعاقة العقلية.
ولكن عبثاً ننادي، فشيخ الأزهر لم يستقل عندما قام حسني مبارك بمحاصرة غزة، ومحاربة أهلها ولم يستقل عندما قامت الحكومة المصرية بمنع الغذاء والدواء عن أطفال فلسطين. فكيف سيغضب الرجل من زميله فاروق الذي أساء للحجاب وللثقافة الإسلامية في مصر.
قبل سنوات، صرخ طنطاوي في الحاضرين، هذا حقهم وكررها ثلاث مرات، وبذهول الحاضرين من علماء الأزهر الشريف، أكد طنطاوي أن من حق فرنسا أن تمنع الطالبات من ارتداء الحجاب في المدارس العامة، وقال هذا شأن داخلي يخص فرنسا وحدها، وهذه قوانينها. واليوم يعطي الشيخ فرصة لبلاد الغرب أن تهاجم اللباس الإسلامي من جديد، وتعتمد مرة أخرى على آراء هذا الرجل التي لا تمت إلى الإسلام إلا بشكل العباءة والعمامة. ولا شك أنكم قرأتم كما قرأنا ترحيب اليمين الإيطالي بآراء الشيخ 'المستنيرة' ومطالبتهم بحظر النقاب فوراً لأنه مظهر من مظاهر استعباد المرأة.
ربما أعطينا هذا الموضوع أكثر من حقه، ولربما أننا أخطأنا ، فالذي صافح بيريس، بيديه كلتيهما، والذي أبدى استعداده لدعوة رئيس الكيان الصهيوني للأزهر الشريف لن يهمه إساءة لبنت صغيرة في الثاني الإعدادي أو لمدرستها الأزهرية، فقد أساء لملايين المسلمين عندما صافح ذلك الإرهابي وعامله بكل تلك الحفاوة، ولن يأبه الرجل لطالبة ومدرستها وقد أجاز الربا من قبل، ودعم مبارك وصمت عن كل ما فعلته الحكومة المصرية من تذلل للصهاينة.
الأزهر الشريف، ليس مؤسسة مصرية فحسب، بل هو مرجعية عربية وإسلامية، وهو أمانة بيد من يقوم عليها، ولهذا وجب على العلماء الربانيين في هذه المؤسسة الحفاظ عليها من التلوث والدنس، ولئن أصيب الأزهر فأين يتجه الناس. إن الوقوف بحزم ضد سيد طنطاوي لهو اليوم أقل الواجب في سبيل الحفاظ على سمعة الأزهر ونقاءه.
عجباً لموظفي الحكومة المصرية، تراهم أشداء على إخوانهم، ضعفاء أذلاء أمام أعدائهم، وإذ لم يصدق القارئ الكريم فلينظر إلى صور أبو الغيط وهو يقف مع ليفني، وإلى طنطاوي وهو يبتسم لبيريس، ولحسني مبارك وهو يداعب نتنياهو، ثم ليقارن تلك الصور وللأشخاص أنفسهم، عندما يتكلمون عن العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، أو عندما يهاجم شيخ الأزهر فتاة مصرية لم تتم الخامسة عشرة بعد. أليس عجباً عجابا.
* كاتب سوري