-
دخول

عرض كامل الموضوع : الماركسية المجددة يمكنها أن تغير العالم مرة أخرى


Abu Jnkez
24/09/2009, 16:43
ترجمة د. إبراهيم إستنبولي ـ قاسيون/ كانت السخرية من الماركسية ظاهرة دارجة في عصر التحولات السريعة الذي يطلقون عليه تسمية «سنوات الضباب»، لكن الأزمة العالمية دفعت عتاة الرأسماليين للحديث عن راهنية «التعاليم الخالدة». والآن تتوفر كل الفرص أمام الاتجاه الجديد في الماركسية لأن يملأ الفراغ الإيديولوجي، وأن يحدِّد الهدف بالنسبة للبشرية جمعاء. وقد التقطت وسائل الثقافة الجماهيرية هذا الانبعاث من خلال الفيلم الذي أنتجته هوليود قبل فترة قصيرة وبكلفة مالية هائلة.
«نحن نجلس على برميل مليء باللامساواة، بالظلم والشعور بالخطر» – هذا ما جاء في التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية Amnesty International على لسان أمينها العام إيرِن هان Irene Han. وحسب كلام الأمين العام، إن ذلك البرميل يشبه إلى حد كبير برميل البارود.
على هذا الأساس، كان يمكن قبول الأمين العام لمنظمة العفو الدولية في الحزب الشيوعي. لكنه لا يوجد، للأسف، مثل هذا الحزب. بالتأكيد، ثمة في العالم عدد كبير من التنظيمات التي تحمل اسم أحزاب شيوعية، لكن أياً منها لا يستطيع اليوم تقديم عقيدة متكاملة لبناء مستقبل سعيد.
آخر محاولة جدية في هذا المجال – مجموعة الماركسية التحليلية، التي قام ممثلوها – خبراء الاقتصاد – بتحديث الأساس المنهجي لتعاليم ماركس مستخدمين المنهج الرياضي ومختلف النظريات وأدوات البحث المتوفرة في حوزة الباحث العلمي اليوم. ولكن هذه المجموعة من الباحثين انتهى وجودها للأسف، كمدرسة علمية منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم بعد أن اختفت من الوجود البلاد التي كانت السباقة في محاولة جعل الحكاية واقعاً.

Abu Jnkez
24/09/2009, 16:46
رومانسية علمية
إن النظرية الماركسية، وبالرغم من الصبغة الرومانسية للشيوعية، إنما تقوم على مقدمات جدية. وقبل كل شيء على كشف التناقضات التناحرية (التي تعتبر اليوم من صلب المنظومة). وإذا كان كارل ماركس قد رأى في القرن التاسع عشر أن مثل ذلك التناقض يكمن في الجمع بين الأسلوب الاجتماعي للإنتاج وبين الملكية الخاصة، فإن هذا التناقض اليوم يتخذ شكلاً أكثر عمقاً – بين التمويل الحكومي للإنتاج وبين أسلوب التملك الخاص.
بالفعل، إن جميع الابتكارات التقنية الرئيسية خلال العقود الأخيرة جرت برعاية وتمويل الحكومات الإمبريالية. وهذا لا يشمل الفضاء والطاقة النووية وحسب، بل ويمتد إلى الشبكة العنكبوتية التي أسست لانطلاقتها أبحاث المخابرات المركزية الأمريكية. إلا أن هذه الاكتشافات وعند مرحلة من مراحل تطورها، تتحول إلى ملكية خاصة، بل ويحميها قانون حماية الملكية الفكرية (كبراءة اختراع). بهذه الطريقة يتم حصر الحق في تطوير التكنولوجيا الجديدة.
على سبيل المثال, هذه هي القواعد التي تحكم اليوم سوق البيوتكنولوجيا (التقانات البيولوجية): تموِّل الدولة الرأسمالية الأبحاث، ومن ثم تتحول الصيغ الجاهزة إلى جزء لا يتجزأ من أصول الشركات الخاصة التي يهواها المستثمرون والشركات الاحتكارية في مجال الصناعات الدوائية (والتي لم يعد بمقدورها، كقاعدة، اكتشاف أي جديد). بهذه الطريقة نجد أن التناقض التناحري ينقلب في الواقع إلى كابح لعملية التطور التاريخي.

Abu Jnkez
24/09/2009, 16:49
محرّك التطور الداخلي
إن الجانب الأكثر إيجابية في النظرية المركسية حول التطور الاقتصادي هو بلا جدال، على الأقل بالنسبة للاقتصاديين، الطابع الداخلي Endogenous (من الكلمة اليونانية endo – في داخل، وgenes – يولّد). بكلمة أخرى، إن جميع الشروط والآليات اللازمة للنمو والتراجع ومن ثم الموت متوفرة ضمن المنظومة بحد ذاتها.
لم تصل النظرية المعاصرة للنمو الاقتصادي إلى التفسير الداخلي سوى قبل وقت قصير، وبالاعتماد على جهاز مفرط في رياضيته. علماً أن كل فرد من الحقبة السوفييتية, بمن فيهم التلميذ متوسط التعليم، يعرف أن أهم صفة في عملية الإنتاج الرأسمالي هي طابعه الدوري، وأن أزمة الإفراط في إنتاج السلع تنشأ كل خمس – سبع سنوات تقريباً. ولكي تنشأ مثل هذه الأزمة لا يتطلب الأمر وجود أية عوامل تبرير خارجية، فكلها متوفرة ضمن منظومة الإنتاج بحد ذاتها.
يمكن للرأسماليين أن يتحاشوا مثل تلك الأزمة إما عن طريق تطوير وتوسيع أسواق الاستهلاك أفقياً (بواسطة تأهيل مناطق جديدة لتصريف السلع أو جذب عناصر استهلاك جديدة إلى السوق)، وإما عن طريق خلق أسواق جديدة على حساب جودة التكنولوجيا. لكن تنشأ في الحالة الأولى مخاطر جديدة. وكمثال تقليدي على مثل ذلك النمو نذكر أزمة الرهن العقاري الحالية، التي انفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية في الدرجة الأولى لأن دخل مَن قام بشراء العقارات لم يكن ليسمح لهم باقتنائها، فجاءت لمساعدة البائعين مختلف الأذرع المالية الممكنة وغيرها من «المضخات النقدية» التي تمكنت من دعم التوسع، ولكن لفترة زمنية محدودة.
أما ما يتعلق بالتقنيات الجديدة، فغالباً ما يصطدم الزبون بتحسين جزئي في المنتج الموجود أساساً، أو أنه يصبح ضحية الدعاية التجارية الحاذقة. هذه الميكانيزمات أيضاً غير قادرة على تغيير الأساس في عمل آلية السوق، في حين أنه لم يعد باستطاعة الرأسماليين المعاصرين على الأرجح، أن يبتكروا آليات أساسية خاصة بهم.

الفقر النسبي.. آفة الرأسمالية
إن مقولة إفقار الطبقة العاملة لم تتحول إلى أكثر «الاكتشافات» الماركسية تناقضاً وحسب، بل وأصبحت المادة الأكثر شعبية للسخرية. وبالفعل، منذ أيام ماركس والوضع المادي للعمال في البلدان الصناعية المتطورة يتحسن، كقاعدة. ومع أن ماركس تحدّث عن الإفقار النسبي وليس المطلق، فإن أي مثقف سوفييتي كان جاهزاً ليردد «رائع لو أنه يتم إفقارنا بهذا الشكل».
ومع ذلك فإن المشكلة كانت تقوم في أنه كان من الصعب حقاً رؤية العمال المعدمين، فالأماكن العمالية الشاغرة لم تكن تحفظ في المتاحف كما لو أنها ديناصورات أو ماموث، أما البشر فكانوا مضطرين لأن يتعلموا من جديد، أو أن ينسلخوا عن طبقتهم. والموقف من شريحة الحثالة في المجتمع مختلف تماماً، إلا أنه تبين في زماننا هذا أن الناس في البلدان الأقل تطوراً مستعدون للقيام بالعمل نفسه وبالمستوى نفسه من الجودة لقاء أجر مختلف. وهذا ما صار ينعكس على أجور العمال في البلدان المتطورة.
لقد ظلّت المهارة العالية في قطاعات الاقتصاد ما بعد الصناعي ضمانة لفرص العمل على مدى فترة طويلة. ولكن تطور تكنولوجيا المعلومات بدأ يدمّر بصورة شاملة ليس الوظائف وحسب، بل مهناً بكاملها بما يخصّ الاختصاصات الرفيعة بدون غياب المردود، بل مع زيادة في المردود. وهنا بدأ الطالب يحل محلّ الوسيط التجاري المحترف، وقد أخذ يحمل في يده جهاز هاتف نقال بداية، ولاحقاً قائمة بالعناوين الإلكترونية للزبائن المفترضين. وبدلاً من سائقي التاكسي ظهر سُوّاقٌ وسائط نقل مجهزين بأجهزة اتصال لاسلكي وبأنظمة تحديد المكان عن طريق الأقمار الصناعية، ما جعلهم قادرين على إيجاد أي بقعة أو ركن في المدينة بدون الحاجة إلى عشرين سنة خبرة عمل. كما انقرضوا باعتبارهم طبقة حرفيين، الرسامون الهندسيون، وعلى الصف يقف منتظراً الفنانون التشكيليون ومصممو الديكور ومهندسو الصوت، والوسطاء المصرفيون، والكثير والكثير من المهن الأخرى التي كانت تتطلب يوماً ما مهارة عالية وما يقابلها من أجر لقاء عمل روتيني.
طبقاً لحسابات أجراها خبراء اقتصاد أمريكيون اعتباراً من منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي، كانت الطبقة الوسطى بالتحديد هي المتضرر الأول (من حيث الدخل): جرى ارتفاع في الرواتب والأجور في «أقطاب» السوق – في شريحة المستخدمين أصحاب الأجور المتدنية (ولكن دون أن يبهر هذا الارتفاع الوسيط البنكي أو المسؤول عن التسويق) وبين الأخصائيين أصحاب الأجور العالية جداً (وما يعيق الانتقال إلى تلك الفئة هو القيد أو الحاجز التعليمي – إذ لا يتم قبول الجميع في جامعة مثل هارفرد).

Abu Jnkez
24/09/2009, 16:50
اغتراب كامل عن المكتب والكمبيوتر
ثمة «اكتشاف» آخر كان يحظى بشعبية كبيرة لدى الماركسيين في منتصف القرن العشرين. المقصود هو الغربة التي يعيشها العامل أو الموظف تجاه وسائل الإنتاج. فحتى طبقة المثقفين كانت دوماً تشعر بالتفهّم وبالأسى تجاه البروليتاري الذي يمضي يوم العمل بكامله قرب آلة العمل المقيتة.
لكن هذا التفهّم صار رائجاً من جديد بالتحديد عندما ظهرت فئة كبيرة من الموظفين في المكاتب. فقد تبين أن الكراهية تجاه طاولة المكتب وتجاه الكمبيوتر قد تفوق بكثير المقت تجاه آلة البرادة.. فالعامل الذي كان يمضي يوم عمله «لصالح العم»، كان بإمكانه أن يذهب على الأقل في عطلة نهاية الأسبوع إلى البيت الريفي، ويقوم ببعض الأعمال الخاصة به. أما موظف المكتب، فكيف سيحل معضلة «الاغتراب» تجاه أدوات عمله؟ أن يجري عملية حساب لمصاريف العائلة في برنامج Exel؟ ربما لكي تدمع عيناه فقط من جراء ذلك.

المتاجرة بالمستقبل
لقد أجمع أنصار ومعارضو الماركسية على أن هذه التعاليم ليست نظرية الحاضر وحسب، بل إنها تقدم جواباً واضحاً ودقيقاً لما سيكون في المستقبل، وما الذي يجب فعله لأجل ذلك. والآن بالضبط، أثناء الأزمة العالمية، نحتاج إلى جواب على هذا السؤال. وها هم المسؤولون في منظومة الاحتياط الفيدرالية FRS – قلب المنظومة المالية العالمية – يميلون نحو الاعتقاد الحقيقي بالقضاء والقدر.
«أنتم تعرفون، أنني في واقع الأمر من أنصار نظرية التحطيم الإبداعي»– يعترف على صفحات وول ستريت جورنال رئيس فرع دالاس لمنظومة الاحتياط الفيدرالية ريتشارد فيشر، ويحذّر قائلاً: «إن الجزء التدميري من العملية مؤلم جداً دائماً، ويحمل في طياته تعقيدات سياسية جدية، ويمكنه أن يحرق كما جهنم».
بكلمات أخرى، إنه مستعد للجائحات والانهيارات الاجتماعية والسياسية، متوقعاً أنه في سياق الثورة العالمية سوف يولد النظام العالمي التقدمي.
أما صاحب نظرية التحطيم الإبداعي، عالم الاقتصاد النمساوي جوزيف شومباتر، ورغم أنه ليبرالي كلاسيكي، فهو لم يخفِ يوماً تعاطفه مع الأفكار اليسارية. ومع أنه لم يتفق مع الإيديولوجيا الشيوعية في الجوهر، لكنه أعطاها حقّها من حيث تماسكها الداخلي.
«إن أصحاب النظريات من مختلف الألوان، ومهما كانوا عاجزين من حيث التطبيق، هم أكثر قرباً بالنسبة لنا، كقاعدة، من الممارسين العاديين للسياسة. علاوة على ذلك، إنهم يمتلكون مصادر طاقة داخلية لا يمكن للممارسين أن يفهموها ولا بأي حال» - هذا اقتباس من العمل الرئيسي لعالم الاقتصاد المذكور، من كتابه: «الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية».
وعلى الأرجح، إن العقيدة الجديدة للمستقبل سوف تظهر قريباً في الفضاء الاجتماعي. ومن الممكن جداً أنها ستكون هذه الصياغة أو تلك للماركسية. المهم أن لا تكون الشيوعية البدائية التي نشأت على حطام الحضارة في سياق التدمير الإبداعي.

بقلم ألِكْسي تيخَنَفْ/ (مجلة رجال الأعمال الروس)