Nasserm
17/09/2009, 17:53
ارفعوا أيديكم التلفزيونية عن دمشق
نجم الدين سمّان - مجلة شرفات
لست دمشقياً بالنسب، ولا.. بالولادة، لكني دمشقي الهوى والهيام. ومثلي كثيرون.. حتى لو أنهم جاؤوا من أنحاء الأرض، فلمّا شربوا ماءها، وتذوّقوا فواكهها، واستقرّوا فيها، حتى صاروا.. شواماً.
في دمشق.. عائلات من كلّ أصقاع الشرق، ولو أنها مدينة بحرية.. لأضفتُ: ومن كل أنحاء الغرب.
ولطالما تبدّت دمشق الشام في الإبداع: شعراً وقصة ورواية وتشكيلاً وموسيقا وغناء، كامرأة سمراء فاتنة.. يشيخ الزمان فيها ولا تشيخ. أليست تتبدّى هكذا.. في أغنيات فيروز والرحابنة؟!.
ثم هجموا عليها بالكاميرات التلفزيونية مسلسلاً بعد مسلسل، يتوهم فيه صانعوه أنها صورة دمشق، ويصدقهم.. أغلب مشاهديه للأسف!!.
من حمّام القيشاني إلى.. باب الحارة إلى بيت جدّ فلان وست علاّن وخالة فلانة، سيل من المسلسلات، ارتأى صانعوها أن تقتصر على « دمشق العثملية » عادات وتقاليد وأجواء، حتى لو امتدّ بعضها إلى بدايات الانتداب الفرنسي مطلع هذا القرن.
نعم.. لطالما حفلت دمشق بالمروءة والشهامة والزكرتاوية، كما تزيّنت بسحر ورقة نسائها، ولطالما كانت مدينة منفتحة على سواها، وفيها تتداخل الأعراق والجنسيات والأديان والمذاهب.. كلّها.
لكن تلك المسلسلات الشامية التي تنتج بأموال سوانا، تصرّ على تصدير صورة لدمشق تبدو فيها الشام، مجرد حارة منغلقة على نفسها، مجرّد «غيتو» من: الحرملك والزلملك، مجرّد «شوارب» ونساء ثرثارات، مجرّد علاقات اجتماعية متوارثة من عصور الانحطاط.. حتى لو تمّ تطعيمها بنفحات وطنية أو قومية !!، في خلطة لاتستقيم دراميا حتى عند بائعي حيّ البزورية العتيق !!
تلك المسلسلات، وأقصد.. أغلبها، لا ترى سوى دمشق في لحظات سكونها، وليس في لحظات تحوّلها.
والدراما.. هي الإمساك الرهيف بلحظات التحول في المدن وفي الناس.
ولهذا تبدو قصص تلك المسلسلات متشابهة ونمطية وممطوطة بالثرثرة اللفظية ومكرورة إلى درجة الاجترار كما لا تفعل الأبقار في الغوطة الشامية.
دمشق العثملية.. تلك التي يتقمّص أطفالنا شخصياتها التلفزيونية، ليست سوى الوجه الشاحب لدمشق عبر أزمانها الفاتنة، ودمشق.. ليست كذلك، حتى لو أنها مرّت بتلك الحقبة الشاحبة.
يكرّس دمشق /الحارة/ الغيتو.. صناع تلك المسلسلات كما لو أنهم يقولون بالعودة إلى دمشق التي أحرقت مسرح أبي خليل القباني، وجعلته.. يهجرها.
فإذا كان ثمّة إبداع في هذه المسلسلات، فإنه مكرّس لحقبة من دمشق لم تشهد إبداعا، بل.. إنها أحرقته!!.
ذاك الحنين المرضيّ إلى دمشق التلفزيونية تلك.. يقلقني، فليس كلّ ماضٍ في المدن.. مجيداً ورائعاً، فكيف إذا تمّ تكريسه بإصرار، وباستمرار؟!
وليست الدراما في الانكفاء على ماض سكوني على هذه الشاكلة، بل وفي إعادة إنتاجه.. نمطَ تفكيرٍ، ونمطَ حياةٍ، ونمطَ سلوكٍ اجتماعي!!.
دمشق هي.. نزار قباني وغادة السمّان وزكريا تامر وشوقي بغدادي وخيري الذهبي وفواز حداد.. وسواهم.
دمشق هي.. صلاح الدين، ويوسف العظمة ومحمد كرد علي وعبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري وخالد العظم وعدنان المالكي, وكل من استشهد على أسوارها.. منذ آرام دمشق مروراً بالثورة السورية وحتى يوم الناس هذا.. دفاعاً عن مستقبلها وليس عن ماضيها فحسب!.
لا مستقبل في هذه المسلسلات، ولم أر فيها سوى دمشق العثملية في أكثر صورها انغلاقاً، كما لو أنني أقرأ يوميات البديري الحلاّق!.
ارفعوا يدكم التلفزيونية عن دمشق.. رجاءً!!.
نجم الدين سمّان - مجلة شرفات
لست دمشقياً بالنسب، ولا.. بالولادة، لكني دمشقي الهوى والهيام. ومثلي كثيرون.. حتى لو أنهم جاؤوا من أنحاء الأرض، فلمّا شربوا ماءها، وتذوّقوا فواكهها، واستقرّوا فيها، حتى صاروا.. شواماً.
في دمشق.. عائلات من كلّ أصقاع الشرق، ولو أنها مدينة بحرية.. لأضفتُ: ومن كل أنحاء الغرب.
ولطالما تبدّت دمشق الشام في الإبداع: شعراً وقصة ورواية وتشكيلاً وموسيقا وغناء، كامرأة سمراء فاتنة.. يشيخ الزمان فيها ولا تشيخ. أليست تتبدّى هكذا.. في أغنيات فيروز والرحابنة؟!.
ثم هجموا عليها بالكاميرات التلفزيونية مسلسلاً بعد مسلسل، يتوهم فيه صانعوه أنها صورة دمشق، ويصدقهم.. أغلب مشاهديه للأسف!!.
من حمّام القيشاني إلى.. باب الحارة إلى بيت جدّ فلان وست علاّن وخالة فلانة، سيل من المسلسلات، ارتأى صانعوها أن تقتصر على « دمشق العثملية » عادات وتقاليد وأجواء، حتى لو امتدّ بعضها إلى بدايات الانتداب الفرنسي مطلع هذا القرن.
نعم.. لطالما حفلت دمشق بالمروءة والشهامة والزكرتاوية، كما تزيّنت بسحر ورقة نسائها، ولطالما كانت مدينة منفتحة على سواها، وفيها تتداخل الأعراق والجنسيات والأديان والمذاهب.. كلّها.
لكن تلك المسلسلات الشامية التي تنتج بأموال سوانا، تصرّ على تصدير صورة لدمشق تبدو فيها الشام، مجرد حارة منغلقة على نفسها، مجرّد «غيتو» من: الحرملك والزلملك، مجرّد «شوارب» ونساء ثرثارات، مجرّد علاقات اجتماعية متوارثة من عصور الانحطاط.. حتى لو تمّ تطعيمها بنفحات وطنية أو قومية !!، في خلطة لاتستقيم دراميا حتى عند بائعي حيّ البزورية العتيق !!
تلك المسلسلات، وأقصد.. أغلبها، لا ترى سوى دمشق في لحظات سكونها، وليس في لحظات تحوّلها.
والدراما.. هي الإمساك الرهيف بلحظات التحول في المدن وفي الناس.
ولهذا تبدو قصص تلك المسلسلات متشابهة ونمطية وممطوطة بالثرثرة اللفظية ومكرورة إلى درجة الاجترار كما لا تفعل الأبقار في الغوطة الشامية.
دمشق العثملية.. تلك التي يتقمّص أطفالنا شخصياتها التلفزيونية، ليست سوى الوجه الشاحب لدمشق عبر أزمانها الفاتنة، ودمشق.. ليست كذلك، حتى لو أنها مرّت بتلك الحقبة الشاحبة.
يكرّس دمشق /الحارة/ الغيتو.. صناع تلك المسلسلات كما لو أنهم يقولون بالعودة إلى دمشق التي أحرقت مسرح أبي خليل القباني، وجعلته.. يهجرها.
فإذا كان ثمّة إبداع في هذه المسلسلات، فإنه مكرّس لحقبة من دمشق لم تشهد إبداعا، بل.. إنها أحرقته!!.
ذاك الحنين المرضيّ إلى دمشق التلفزيونية تلك.. يقلقني، فليس كلّ ماضٍ في المدن.. مجيداً ورائعاً، فكيف إذا تمّ تكريسه بإصرار، وباستمرار؟!
وليست الدراما في الانكفاء على ماض سكوني على هذه الشاكلة، بل وفي إعادة إنتاجه.. نمطَ تفكيرٍ، ونمطَ حياةٍ، ونمطَ سلوكٍ اجتماعي!!.
دمشق هي.. نزار قباني وغادة السمّان وزكريا تامر وشوقي بغدادي وخيري الذهبي وفواز حداد.. وسواهم.
دمشق هي.. صلاح الدين، ويوسف العظمة ومحمد كرد علي وعبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري وخالد العظم وعدنان المالكي, وكل من استشهد على أسوارها.. منذ آرام دمشق مروراً بالثورة السورية وحتى يوم الناس هذا.. دفاعاً عن مستقبلها وليس عن ماضيها فحسب!.
لا مستقبل في هذه المسلسلات، ولم أر فيها سوى دمشق العثملية في أكثر صورها انغلاقاً، كما لو أنني أقرأ يوميات البديري الحلاّق!.
ارفعوا يدكم التلفزيونية عن دمشق.. رجاءً!!.