-
دخول

عرض كامل الموضوع : لماذا نخاف؟


_ZIAD_
30/08/2009, 02:23
الخوف هذه الكلمة التي تخترق أذهاننا كدوي صاعقة سماوية وتزعزع الذات لا بل تزحزح الصلب من مكانه وليس فقط تؤثر فينا كبشر بل حتى الحيوانات تتأثر بشكل أو بأخر بهذا الحدث الذي به يفقد العاقل لبه ويتصرف بشكل عشوائي جنوني ليس للعقل فيه سلطان على الذات والنفس والتفكير.



يعتبر الخوف من الأمراض التي تؤثر على الإنسان ، وقد ينتج عنه الكثير من المشاكل التي تؤثر على سلوكيات الإنسان المصاب وتضعف من قدرته على التعامل مع الواقع بشكل سليم وطبيعي ولهذا المرض أيضاً انعكاسات على شخصية المريض ، وقد لا يتمكن من تأدية التزاماته تجاه المجتمع والآخرين وهذا المرض منه الظاهري ومنه المخزون فالظاهري يكون محسوساً وملموساً من قبل الآخرين والمخزون لا يعرف به إلا المصاب بهذا النوع من المرض حيث يكون المريض إنساناً مهزوزاً لا يستطيع اتخاذ أي قرار لخوفه الشديد من النتائج التي قد يظن من خوفه إنها ستحدث فيما بعد فيكون مترددا ، والخوف له عدة أشكال فمنه الخوف من المجهول وخوف التخيل والخوف بمفهومه العام ، فكل هذه الأشكال مجتمعة قد تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي مرض الخوف ، أما الخوف من المجهول فهو خوف غير مبرر وهو يعمل على فقدان الثقة بالنفس وقد يكون المرض قد رافق المصاب من فترة الطفولة ، أو نتيجة صدمة قد تعرض لها في إحدى مراحل حياته ، أما بالنسبة للخوف التخيلي فهو بالحقيقة مجرد أوهام داخلية وتخيلات تؤثر على المصاب وتشعره بوجود حقيقة ثابتة لهذا الأمر وهو بالحقيقة مجرد أوهام لا تغني من الحق شيئا ، وقد تكون مرافقة للشخص المصاب منذ الطفولة.



أما القلق والخوف هوالوقوع فريسة لأفكار معينة، والميل نحو القيام بعمل أو سلوك معين، كرد فعل لموقف أو ظرف معين حدث فعلاً أو على وشك الحدوث، يعتبر شيئا طبيعيا في حياة الإنسان اليومية، حيث أن هذه المشاعر حسب رأي خبراء الصحة النفسية ما هي سوى صمام الأمان، والذي يقوم بتحذير الإنسان من وجود خطر ما يهدد الجسم وضرورة تجنب هذا الخطر من خلال سلوك أو ردود فعل معينة,وفي الواقع فإن الجسم يقوم عند حدوث مشاعر الخوف والقلق، بسلسلة من التغييرات الفيزيولوجية الداخلية والتي من شأنها مساعدة الإنسان على التعامل مع موقف الخطر الوشيك سواء بالهرب من الموقف أو مواجهة الموقف.



على أي حال، عندما تصبح مشاعر الخوف والقلق شيئا دائما في حياة الإنسان اليومية وتزداد حدتها وإلى درجة التأثير سلبياً على قدرة الإنسان على القيام بوظائفه اليومية الحياتية بصورة طبيعية وبالكفاءة المعتادة، فإن هذه المشاعر السلبية تتحول إلى مرض أو بالأحرى مجموعة من الأمراض تسمى مجتمعة بأمراض القلق النفسي,وهذه الأمراض متفاوتة في الشدة وفي درجة الخطورة التي تشكلها على صحة الإنسان الجسمية (البدنية) أو النفسية.



إن الخوف الاجتماعي ( الرهاب ) Social Phobia هو أكثر الأمراض المؤثرة على حياة الناس الاجتماعية والتعليمية والعملية وعلاقاتهم الشخصية بصورة كبيرة ويصاب بها حوالي 10% من البشر وهو الرهاب (الخوف) الاجتماعي حالة طبية مرضية مزعجة جداً تحدث في ما يقارب واحد من كل عشرة أشخاص، وتؤدي إلى خوف شديد قد يشل الفرد أحياناً ويتركز الخوف في الشعور بمراقبة الناس.



هذا الخوف أكبر بكثير من الشعور العادي بالخجل أو التوتر الذي يحدث عادة في التجمعات بل إن الذين يعانون من الرهاب (الخوف) الاجتماعي قد يضطرون لتكييف جميع حياتهم ليتجنبوا أي مناسبة اجتماعية تضعهم تحت المجهر. إن علاقاتهم الشخصية ومسيرتهم التعليمية وحياتهم العملية معرضة جميعها للتأثر والتدهور الشديد. وكثير من المصابين يلجأون إلى الإدمان على الكحول أو المخدرات لمواجهة مخاوفهم.



تبين لنا بأن الخوف هو حالة مرضية نعيشها بكامل إرادتنا ولكن يجب أن نتنبه إلى الأمر الأخر في الخوف ألا وهو الخوف المتوارث أو بمعنى أدق ثقافة الخوف التي تكثر في المجتمعات المغلقة والغير متحررة أو تندرج تحت نظام معين من الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وليس هناك أي شعب في الوجود إلا وتأثر بهذه الظاهرة أو المرض فالأمر سيان ولكن تختلف هذه الظواهر من منطقة إلى أخرى ومن شعب إلى أخر وذلك حسب مكان الإقامة وزمانه وأدوات أخرى هي التي تسبب هذه الظاهرة المرضية المتوارثة.



لماذا نخاف من الشرطة؟

لماذا نخاف من فرع الأمن؟

لماذا نخاف من غرفة التحقيق؟

لماذا نخاف من الليل؟

لماذا نخاف الحيوانات؟

لماذا نخاف المسؤولين؟



لماذا ولماذا ولماذا ..... أسئلة كثيرة بحاجة إلى أجوبة حقيقية ومقنعة فالكل بات يعلم بأن الخوف قد تحول إلى حالة يومية نعيشها فالمرء يخاف من رب العمل لكي لا يطرده لأتفه الأسباب والسياسي يخاف من الشرطي وفرع الأمن وغرفة التحقيق والسجن لأنه بالتأكيد ذاق طعم التعامل معهم في أكثر المرات التي يزورهم والليل بحد ذاته يفرض علينا هيبة نخاف من الظلام لمجرد أنه ظلام لا نور فيه لا بل نسعى دائماً إلى قضاء حوائجنا المختلفة قبل قدوم الليل وذلك لتشاءم نفسي قد انتابنا منذ الصغر ونحن نورثه بالمحصلة لأبنائنا.



إن الخوف الذي يتراءى أمام أعيننا يومياً لا بل لحظياً يجعنا نقضي معظم أوقاتنا بالتفكير في زنة هذا العمل أو ذاك الذي تنوي القيام به وبذلك تهدر وقتك كله أو أكثريته على التفكير والذي في النهاية يتغلب عليك الخوف فتلغي المشروع الذي كان في رأسك مهما كانت فائدته ولكن لمجرد أنها محاولة ومغامرة فأنت تترد في تحقيقها لا بل تلغي الفكرة من رأسك نهائياً هذا إذا لم تندم على التفكير فيها أصلاً.



إن الشرطة ولأنها تضرب الناس سواءً كانوا مجرمين أو أبرياء قطاع طرق أو لصوص أو حتى أناس لا دخل لهم في الغلط أبداً ولكن التعامل بالضرب هو الذي خلق لدى الناس حالة لا شعورية بأن مجرد الحديث عن اسم الشرطي يضطربون ويهرعون إلى إظهار حسن النية ويصفي على نفسه الماء الذي لا دخل له فيها ولو أن الشرطة تعاملت فقط مع المجرمين بما يستحقون من عقاب لم تأثر الناس إلى هذه الدرجة وخافوا لمجرد الكلام عنهم أو رؤية أحدهم وهو يسير في الشارع فأنت تلجأ إلى تخويف الطفل المشاكس بالشرطة لكي تجعله يجلس عاقلاً لا بل تريده أن يجلس في حضنك وأنت تخوفه من أشياء أخرى مخيفة للكبار وليست للصغار فقط.



أما الفروع الأمنية وغرف التحقيق فتحمل بين طياتها حالات خوف رهيبة جداً فالتعذيب هو أبسط تعامل مع المحقق معه والضرب واللطم هي أساليب اعتيادية تعود الناس عليها من جراء كثرة مراجعتهم لها وهذا يدل على أن مجرد الدخول إلى الفروع يعني الضرب والخوف الذي يرافق خلجاتك قبل التعذيب حيث الكثير من الناس فقدوا عقولهم وجنوا من هول ما يرون فيها من أساليب وحشية هذا إذا لم تنتهي حياته تحت التعذيب والسجون الصدامية هي خير مثال لهذه المسائل لا بل ابتكر صدام وأعوانه أنواعاً أخرى من أساليب التعذيب التي لم تأتي على خاطر ولا بال أحد والكثير ماتوا وجنوا وأصيبوا بتشوهات في أجسادهم من جراء هذه الممارسات الفظيعة التي يخاف المرء ذكرها فله الحق من يصاب بالهلع والخوف من تذكر أمامه كلمة فرع أمن أو غرفة تحقيق وخاصة إذا كان قد جرب مرة أو أكثر الضيافة عندهم.



أما الليل فالخوف من المجهول كالخوف من المستقبل وخاصة إن بلادنا ليست كالبلاد الأوروبية فالمرء الغني عندنا يجني المال ولا يصرفه وهو متذرع بأن القرش الأبيض هو لليوم الأسود لأن الحياة ليست مستقرة في بلادنا الشرقية كلها فالغني يمكن أن يصبح فقيراً بين ليلة وضحاها لا بل يمكن أن يصل به الفقر إلى أن لا يستطيع تأمين ثمن مداواته وطعامه فله الحق أن يخبأ النقود لكي لا تمر عليه الأيام وتدور به الدنيا ولو كانت المعيشة هنا في بلاد الشرق قاطبة ممكنة أو مؤمنة من قبل الحكومات لما كان الخوف من المستقبل هي حالة خوف حقيقية نعيشها كل دقيقة وكل ثانية والمرأة تخاف العنوسة وغدر الأيام ... الخ من المفاهيم التخويفية والرهاب الذي ينتابنا من جراء التفكير ولو قليلاً بأنفسنا وبمستقبلنا وبحياتنا وبكل شيء فينا.



إنها ثقافة الخوف التي نعيشها وسنورثها لأبنائنا من بعدنا دون أن نضع حلولاً لمنع انتشار ظاهرة مثل هذه الظاهرة ومرض حقيقي كمرض الخوف هذه الثقافة التي تأخذ كل وقتنا وتفكيرنا لمجرد أننا نفكر فالخوف تحول إلى ثقافة نتناولها بيننا ونعيرها إلى غيرنا فلا يمكن أن تكون شرقياً ما لم تخاف من أي شيء سواءً كنت كبيراً أم صغيراً ذكراً أم أنثى الخوف هذه الثقافة المتوارثة التي يجب أن نتخلص منها بطرق علمية صحيحة لكي نحرر الإنسان والمجتمع من هذه القيود التي تكبل حياتنا وتعيقنا من التطور وتجعل مستقبلنا مبهماً نخاف منه.