-
دخول

عرض كامل الموضوع : هل الليبرالية رديف للديمقراطية؟.. استيراد النماذج الجاهزة طمس للهوية


sheldi
15/08/2009, 04:08
منذ انهيار النظم الاشتراكية في أوروبا الشرقية وفي الاتحاد السوفياتي، وتراجع بعض المحاولات اليسارية في العالم الثالث، انطلق السجال، وخاصة في الغرب، حول العلاقة بين الليبيرالية والديمقراطية؛ ولكن يلاحظ أن طبيعة النقاش في الدول العربية الإسلامية قد تميزت بعدم الوضوح بسبب الجمود الفكري وتغلّب فكرة النموذج الجاهز على البحث في نسيج التجارب والواقع عن فرادة في الحكم. ويلاحظ أيضا وجود الخلط بين الليبرالية الاقتصادية وبين الليبرالية السياسية والثقافية. وعلى كل حال، فإن هذا الخلط قد لعب ولا يزال يلعب دورا مفصليا في تشجيع الانتهازية في كل الميادين، كما أدّى، ولا يزال يؤدي إلى هذه الفوضى السائدة من المحيط إلى الخليج في السياسة، وفي الاقتصاد.. إلخ.

مما يؤسف له فإن بلداننا تفتقد إلى مراكز ومؤسسات البحث الفكري لدراسة قضايا الفكر الديمقراطي والليبرالي دراسة جادة على ضوء خصوصيات المجتمعات العربية. وهنا نشأ مشكل كبير ويتمثل في استعارة الأفكار من الخارج، وكذلك القوالب في مجال الممارسة وفرضها على واقع مختلف عنها ومن الصعب أن تعمل فيه بشكل مثمر.

وبالتالي، فإن القضية المعقدة المطروحة علينا لم تجد من يفكر فيها تفكيرا علميا وهي مدى إمكانية العمل بمناهج سياسية واقتصادية مستمدة من التجارب التاريخية والفكرية والاجتماعية الغربية في مجتمعاتنا التي لم تخرج بعد من التخلف والجهل، ولم تؤسس الدولة الحديثة ومرتكزاتها العلمية والفكرية.

صحيح أن تجارب هذه المجتمعات الغربية التي حققت مجموعة من النجاحات في العمل الديمقراطي فكرا وتطبيقا يمكن الاستفادة منها، ولكن هذه الاستفادة لا يمكن أن تتجسد إذا لم نخضع تلك التجارب لمعايير مجتمعاتنا ومنها المعيار الثقافي بأوسع معاني كلمة الثقافة، وهكذا فإن عمليات التلاقح الفكري له شروطه ومن هذه الشروط مراعاة الخصوصيات الوطنية؛ فالخطوة الأولى تتمثل في فتح حوار مع الأفكار التي يزخر بها العالم المعاصر بعيدا عن التقليد الأعمى والنسخ الكامل.

ومن جهة أخرى فإن السؤال الجوهري الذي يطرح بإلحاح هو: لماذا نرفع شعار الديمقراطية دون أن يحصل البناء الجدي للثقافة الديمقراطية ودون أن يتزامن ذلك مع الممارسة لوضع الأفكار على محك التجربة بكل شجاعة وشفافية وفي إطار مشروع واضح؟ فالمشكلة المزمنة في تاريخ الدولة الوطنية ما بعد الكولونيالية تتلخص في النقل العشوائي للنماذج السياسية والاقتصادية دون تمحيص، وحوار عقلاني مع هذه النماذج المنقولة. على مدى سنوات طويلة لم يتأسس لدينا ما ادعوه بتقليد غربلة الأفكار وإجراء التجارب عليها في الميدان وعلى ضوء استيعاب لمرتكزاتها وفلسفتها.

إن تجربة الاشتراكية التي مرت بها مجموعة من بلداننا على مدى أكثر من عقدين من الزمن قد باءت بالفشل لأن الذي حصل هو التقليد السافر والشكلي لمجموعة من التجارب الاشتراكية في أوروبا الشرقية وخاصة في يوغسلافيا وكوبا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. إن التجربة الصينية لم تدرس في بلداننا دراسة علمية وميدانية، علما أن هذه التجربة هي الأقرب إلى مجتمعاتنا بحكم انتماء الصين إلى النموذج الإفريقي– الآسيوي للإنتاج الذي يعتمد فكريا ونفسيا وثقافيا على أساس الجماعية.

وفي الوقت الحاضر، فإن بلداننا قد انتقلت بشكل عشوائي أيضا إلى العمل بالليبرالية الاقتصادية في إطار العولمة واقتصاد السوق؛ غير أن استيراد هذا الشكل المادي، والتنظيمي لم يترافق ببناء الأساس الثقافي والفكري؛ وبالمقابل فإننا نجد الفضاء الغربي في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية معبأ بالاجتهادات الفكرية نظريا وتجربيا. ففي هذا الفضاء تلعب مراكز البحث والتفكير داخل الجامعات، وفي المجتمع المدني، وعلى مستوى مؤسسات الإنتاج أدوارا مفصلية وأساسية في إعداد المخططات الاستراتيجية، والتصورات الفكرية العميقة. إن هذه المراكز والمؤسسات تمارس باستمرار التفكير للأمة وللسياسيين وهو الأمر المعدوم في بلداننا.

إذا كانت التعددية الحزبية وسيلة من وسائل الإنتقال إلى الديمقرطية فذلك ينبغي أن يكون واضحا؛ أعني بأن هذه التعددية في حد ذاتها ليست غاية وسدرة المنتهى كما ينظر إليها في بلداننا، إنه لحد الآن لم يحصل نقاش فكري جاد حول ظاهرة التعددية الحزبية ببلداننا؛ هل هي السبيل الملائم لإفراز تعددية المشاريع الوطنية القادرة على تطوير جميع البنيات المشكلة للمجتمع أم أنها تشكل مظلة للتناحر حول السلطة في ذاتها؟ ثم هل الديمقراطية مشروطة مصيريا بهذه التعددية الحزبية أم أنه بالإمكان تحقيقها بدون تشكيل موزاييك من الأحزاب؟ وأكثر من ذلك فإن السؤال الملح هو: هل التعددية الحزبية ببلداننا تعبير عن قوى سياسية واجتماعية متناقضة المصالح، أم أنها مجرد إفراز للطائفية، وللإثنيات وللجهوية والشللية؟.

في اعتقادي، إن طرح قضية الديمقراطية في مجتمعات العالم الثالث وبلداننا جزء منها لا يمكن أن يناقش بمعزل عن مشاغل إنهاء التبعية للأجنبي ولمراكز القوى وعن حل المشكلات الكبرى التي هي عنوان التخلف مثل أزمة السكن وأزمة البطالة والأمية وكذلك سلاسل الأزمات ذات الصلة بالعدالة الاجتماعية ودولة الرعاية الاجتماعية. فالقضاء على مظاهر التخلف تمثل المقدمة الضرورية للشروع في بلورة الفكر الديمقراطي. وبالتالي، فإن بناء ثقافة الدولة لدى الجماهير الشعبية تعد من الشروط الضرورية للبدء في صياغة النظرية الديمقراطية.

سأحاول هنا مناقشة بعض المسائل المتعلقة بهذه النظرية وأرمي إلى إزالة اللبس الذي يرافق الخلط بين فكرة الليبرالية، وفكرة الديمقراطية، سأسعرض هنا المناقشة التي بادر بها واحد من أبرز مفكري إيطاليا وهو نوربيرتو بوبيو.

إن كتابات هذا المفكر تخضع الآن لنقاش ساخن في المشهد السياسي والفكري في الغرب. يميز بوبيو بين الليبرالية وبين الديمقراطية من حيث أن هذين المصطلحين لا يعنيان شيئا واحدا، فهما مصطلحان مختلفان، ولذلك فإن التمحيص مطلوب لإزالة اللبس. ويرى بوبيو أن هذا الاختلاف بينهما لا يعني أنهما لا يتبادلان الاعتماد. يقول بوبيو "إن العلاقة بين الاثنين معقدة وليست بأية حال علاقة التواصل والهوية".

هذا، ويوضح ما يلي: "فإن الليبرالية تدل على مفهوم خاص للدولة بأنها تملك سلطات ووظائف". أما مفهوم الديمقراطية فيدل في كثير من الأحيان "على كثير من الأشكال الممكنة للحكومة". ويبرز المسألة هكذا: "بأن هذه الأشكال الممكنة من الحكم/ الحكومة تستبعد وضع السلطة في "فرد واحد أو بين أيدي فئة قليلة". وهنا يميز بوبيو بين أشكال الدولة الديمقراطية والدولة الاستبدادية، والملكية، والدولة الأوليغارشية.

وفي مناقشة له حول مدى ديمقراطية الدولة الليبرالية يبرز بأن "الدولة الليبرالية ليست بالضرورة ديمقراطية حقا" لأن "هنالك أمثلة تاريخية لدول ليبرالية في مجتمعات، حيث المشاركة في الحكومة كانت محصورة بصرامة عالية في الطبقات الغنية". ومن جهة أخرى فإن بوبيو يعلن عن الكثير من المخاوف بخصوص انزلاقات الديمقراطية وخاصة ما يتعلق بسلطة الأغلبية التي تتحول أحيانا إلى استبداد وإلغاء للفرديات والتمايزات داخل مجتمع من المجتمعات.

إن هذا النموذج من الديمقراطية تفرز بداخلها تناقضات يهدد شرعيتها من الأساس. وهكذا فإن توزيع الحريات لا يتم بعدالة حيث تتهمش الأقلية باسم غلبة الأغلبية،ويحاجج بوبيو بأن الليبرالية فكرة حديثة في حين أن الديمقراطية قديمة تاريخيا؛ وفي الوقت نفسه فإن القضية النظرية المطروحة للنقاش تتمثل في الإجابة عن هذا السؤال: هل بالإمكان إنجاز الديمقراطية بدون الليبرالية؟ وبخصوص هذه النقطة فإن اليسار التقليدي يرى بأن ذلك ممكن وضروري. إن هذا اليسار يعتقد بأن الديمقراطية الحقيقية هي العمل على تقويض التفاوت الطبقي الذي تشجع عليه الليبرالية الاقتصادية.

أما اليسار الجديد فيرى رأيا مختلفا؛ إنه يعتقد بأن تسلط الطبقات الغنية على الثروة يؤدي مباشرة إلى السيطرة على السياسة من قبل هذه الطبقات، ولكن من جهة أخرى فإن هذا اليسار الجديد يدعو إلى تفعيل بعض السمات الليبرالية الثقافية وخاصة الجانب الخاص باحترام الفردية وحريات الأفراد دون أن يؤدي ذلك إلى جعل هذه الحرية سببا لضرب الجماعية والأغلبية. إننا نشهد هنا الدعوة إلى خلق التوازنات بين حقوق الأفراد وحرياتهم وبين الأغبية.

ومن هنا، فإن القضية المطروحة على الساحة الوطنية داخل الفضاء العربي تتعلق أساسا بالبحث في النسيج الاجتماعي المتميز ببلداننا عن صياغة للنظرية الديمقراطية مع التفتح على التجارب النظرية والتطبيقية في العالم. إن هذا التفتح ينبغي أن لا ينقل "الوصفات" نقلا عشوائيا بل إن الأمر يجب أن يتجاوز العادات القديمة في هذا التعامل مع النماذج القائمة في الغرب أو في بلدان أخرى.

فالتجربة قد علمتنا أن الاستيراد للنظرية الاجتماعية، أو السياسية، أو التربوية لا تضمن في الغالب النتائج المرجوة منها حين تصطدم بواقع غريب عنها لا تستطيع أن تفعل فيه أو تحركه نحو التقدم؛ ويؤدي ذلك إلى طمس للهوية من جهة، وإلى تشويه النماذج المستوردة بشكل تعسفي، من جهة أخرى.

أزراج عمر

butterfly
16/08/2009, 20:31
من قرأت لك
:mimo: