It's me
02/08/2009, 20:18
إن السؤال الملحّ الذي يجب أن يُطرح، (بعد أن عرفنا كيف فقد حسين يده، وكيف استعادها، أو كيف صنعها بالمعنى الاستعاري الذي بنيت عليه الرواية) هو: ولماذا فقد يده؟
بالرجوع إلى السيرة التفصيلية الخاصة بعائلته لا نجد لهذا الحدث جذرا فيها، غير أن جده السابع وُلد توأما هو الآخر، مع اختلاف واضح، أن التوأمين القديمين كانا من مشيمة واحدة وكانا ملتصقين بكتفيهما، وقد جرى الفصل بينهما بآلة حادة، بعد أن أكملا سنوات الرضاعة، وإنما أقول سنوات الرضاعة تحديدا لأنها كانت ثلاث سنوات، ذلك أن ضعف الغذاء وازدحام التوأمين، جعلهما يخرجان قبل وقتهما بثلاثة أشهر، ما تطلب جهدا مضاعفا في نموهما وإرضاعهما، امتد ثلاث سنين. ثم: في حرب ضروس نشبت لسبب تافه بين عشيرتهما وقبيلة مجاورة، قطعت يد رجل من بني عمومة جده الثالث، بعدما ضُربتْ بالسيف. غير أن مائة عام تلت ذلك لم تُوسَمْ بأي حدث مشابه، وإنما تُوّجت في نهايتها بما جرى له.
إنها منطقة لا يتاح للخيال المجرد أن يبحثها، لأنها شديدة الحساسية بالنسبة للقارئ، فلا يمكن لي أن أزعم أن أباه أو أحدا من ذوي قرابته فقد يده هو الآخر، وأن ما جرى لحسين إنما هو تكرار محض؛ ذلك أن هذا الادعاء، حتى وإن افترضنا أنه جائز الوقوع في دنيانا، فهو غير جائز في دنيا الرواية. لأن الواقع الحقيقي لا يقلد شيئا، ولا يستقي المثال إلا مما يجري له، وأما واقع الرواية فهو يقلد واقعا يحاول أن يحتفظ بقوانينه ويتمثل به، وإذا اختلت بعض شروطه بناء على تواطؤ بين الكاتب وقارئه، فيجب أن يقف الاختلال عند هذا الحد، لكيلا ينفصم هذا التواطؤ من أوثق عراه. وكثيرا ما تنتابني مثل هذه الحيرة حين أكتب أعمالا لها هذه البصمة، فأبحث في العلوم أو في الأساطير أو في كتب الأدب عن جذور لتجربتي، إما من باب نشدان الأصالة وعدم التكرار، وإما من باب دراسة الخيارات التي أقدم عليها الكتاب في هذا الشأن ورصد أدنى الفروق أو التشابهات بينها، لعلي أكتشف خيطا معينا يكشف لي طريقتهم في التعامل معها.
ما السبب الكامن وراء فقدان اليد؟ في التراث الأدبي العربيّ تحتشد الأمثلة والأسباب، وخاصة في كتب الوعظ والتحذير من الظلم، فلا تقطع يد المرء، ولا تصاب بالآكلة إلا لاستيفاء عقوبة، وليس في الأمر ابتكار، فاتصال الإنسان العربي والمسلم بثقافة العقوبة، هو كاتصال كلّ من يحمل في وجدانه وجذوره التاريخية ثقافة دينيّة مبنيّة على ابتغاء الخلاص الأخروي، وعلى طلب النجاة من القصاص قبل طلب الجائزة على المنجز. والحكاية تقول إن تاجرا غصب حق فقير ضعيف، يعود إلى منزله، ويطلب من زوجته تجيهز سمكة مشوية، لخليقٌ بأن تفتح تلك السمكة فمها وتعضه في إبهامه، وهو حقيق بأن يصاب بالآكلة، وبأن تقطع كفه، فذراعه، فعضده، حتى يعيد إلى ذلك المسكين حقه، هذا ما تقرره الحكاية. وإن سارقاً يقتطع مالا خاصاً بغير حقه، أو قاطعا للطريق، ليستحقان في نصوص العقوبة أن تقطع أيديهما، وهكذا...
وقد حاولت في الجانب النفسي، أن أراسل طبيبا نفسيّا في هذا الشأن، ولكن السؤالات الروائية تبدو ساذجة وتافهة لأول وهلة، وتشكك المسؤول في حسن نية السائل، ولم تكن معرفتي بالرجل عميقة إلى الحد الذي يدفعني إلى المخاطرة، فاضطررت إلى أن أملأ له ورقة بالمجاملات، خاتما إياها بسؤال وحيد، لكنه سؤال جبان، ولا يصب في خدمة روايتنا، كان السؤال: ما الذي يدفع رجلا لأن يتخيل أن يده مقطوعة؟ هل توجد حالة نفسية مماثلة لهذا الوصف؟ فأجابني إجابة مقتضبة عائمة ومشوبة بالافتعال وعدم الاهتمام، والأسوأ: بعدم التردد! يحيلني فيها إلى احتمال عدد من الأمراض، كالشيزوفرينيا، وكالهلاوس الناتجة من خلل الخلايا العصبية أو الإدمان، محذرا في الوقت نفسه من أن بعض الحالات لا يقدم فيها المريض على البوح بمعاناته إما لضعف ينتابه في القدرة على التعبير وإما لشعوره بالخجل أو الخذلان. تلك هي الإجابة التي وصلتني ومع ذلك لم يتغير رأيي الذي قضى بعدم استعدادي لطرح السؤال الحقيقي على أي كان، ولعل ذلك عائد إلى تشاؤمي من تسريب تفاصيل عملي الأدبي بطريقة فجة، خوفا من أن تعود تلك الفجاجة وتلتصق بالعمل نفسه التصاقا لا فكاك منه.
الرواية غريبة وجميلة جدا
لتحميلها
من هنا (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)
بالرجوع إلى السيرة التفصيلية الخاصة بعائلته لا نجد لهذا الحدث جذرا فيها، غير أن جده السابع وُلد توأما هو الآخر، مع اختلاف واضح، أن التوأمين القديمين كانا من مشيمة واحدة وكانا ملتصقين بكتفيهما، وقد جرى الفصل بينهما بآلة حادة، بعد أن أكملا سنوات الرضاعة، وإنما أقول سنوات الرضاعة تحديدا لأنها كانت ثلاث سنوات، ذلك أن ضعف الغذاء وازدحام التوأمين، جعلهما يخرجان قبل وقتهما بثلاثة أشهر، ما تطلب جهدا مضاعفا في نموهما وإرضاعهما، امتد ثلاث سنين. ثم: في حرب ضروس نشبت لسبب تافه بين عشيرتهما وقبيلة مجاورة، قطعت يد رجل من بني عمومة جده الثالث، بعدما ضُربتْ بالسيف. غير أن مائة عام تلت ذلك لم تُوسَمْ بأي حدث مشابه، وإنما تُوّجت في نهايتها بما جرى له.
إنها منطقة لا يتاح للخيال المجرد أن يبحثها، لأنها شديدة الحساسية بالنسبة للقارئ، فلا يمكن لي أن أزعم أن أباه أو أحدا من ذوي قرابته فقد يده هو الآخر، وأن ما جرى لحسين إنما هو تكرار محض؛ ذلك أن هذا الادعاء، حتى وإن افترضنا أنه جائز الوقوع في دنيانا، فهو غير جائز في دنيا الرواية. لأن الواقع الحقيقي لا يقلد شيئا، ولا يستقي المثال إلا مما يجري له، وأما واقع الرواية فهو يقلد واقعا يحاول أن يحتفظ بقوانينه ويتمثل به، وإذا اختلت بعض شروطه بناء على تواطؤ بين الكاتب وقارئه، فيجب أن يقف الاختلال عند هذا الحد، لكيلا ينفصم هذا التواطؤ من أوثق عراه. وكثيرا ما تنتابني مثل هذه الحيرة حين أكتب أعمالا لها هذه البصمة، فأبحث في العلوم أو في الأساطير أو في كتب الأدب عن جذور لتجربتي، إما من باب نشدان الأصالة وعدم التكرار، وإما من باب دراسة الخيارات التي أقدم عليها الكتاب في هذا الشأن ورصد أدنى الفروق أو التشابهات بينها، لعلي أكتشف خيطا معينا يكشف لي طريقتهم في التعامل معها.
ما السبب الكامن وراء فقدان اليد؟ في التراث الأدبي العربيّ تحتشد الأمثلة والأسباب، وخاصة في كتب الوعظ والتحذير من الظلم، فلا تقطع يد المرء، ولا تصاب بالآكلة إلا لاستيفاء عقوبة، وليس في الأمر ابتكار، فاتصال الإنسان العربي والمسلم بثقافة العقوبة، هو كاتصال كلّ من يحمل في وجدانه وجذوره التاريخية ثقافة دينيّة مبنيّة على ابتغاء الخلاص الأخروي، وعلى طلب النجاة من القصاص قبل طلب الجائزة على المنجز. والحكاية تقول إن تاجرا غصب حق فقير ضعيف، يعود إلى منزله، ويطلب من زوجته تجيهز سمكة مشوية، لخليقٌ بأن تفتح تلك السمكة فمها وتعضه في إبهامه، وهو حقيق بأن يصاب بالآكلة، وبأن تقطع كفه، فذراعه، فعضده، حتى يعيد إلى ذلك المسكين حقه، هذا ما تقرره الحكاية. وإن سارقاً يقتطع مالا خاصاً بغير حقه، أو قاطعا للطريق، ليستحقان في نصوص العقوبة أن تقطع أيديهما، وهكذا...
وقد حاولت في الجانب النفسي، أن أراسل طبيبا نفسيّا في هذا الشأن، ولكن السؤالات الروائية تبدو ساذجة وتافهة لأول وهلة، وتشكك المسؤول في حسن نية السائل، ولم تكن معرفتي بالرجل عميقة إلى الحد الذي يدفعني إلى المخاطرة، فاضطررت إلى أن أملأ له ورقة بالمجاملات، خاتما إياها بسؤال وحيد، لكنه سؤال جبان، ولا يصب في خدمة روايتنا، كان السؤال: ما الذي يدفع رجلا لأن يتخيل أن يده مقطوعة؟ هل توجد حالة نفسية مماثلة لهذا الوصف؟ فأجابني إجابة مقتضبة عائمة ومشوبة بالافتعال وعدم الاهتمام، والأسوأ: بعدم التردد! يحيلني فيها إلى احتمال عدد من الأمراض، كالشيزوفرينيا، وكالهلاوس الناتجة من خلل الخلايا العصبية أو الإدمان، محذرا في الوقت نفسه من أن بعض الحالات لا يقدم فيها المريض على البوح بمعاناته إما لضعف ينتابه في القدرة على التعبير وإما لشعوره بالخجل أو الخذلان. تلك هي الإجابة التي وصلتني ومع ذلك لم يتغير رأيي الذي قضى بعدم استعدادي لطرح السؤال الحقيقي على أي كان، ولعل ذلك عائد إلى تشاؤمي من تسريب تفاصيل عملي الأدبي بطريقة فجة، خوفا من أن تعود تلك الفجاجة وتلتصق بالعمل نفسه التصاقا لا فكاك منه.
الرواية غريبة وجميلة جدا
لتحميلها
من هنا (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)