-
دخول

عرض كامل الموضوع : ذكرياتي في ديار الياسمين


yassenz
23/05/2009, 10:39
قرابة الخمس أعوام قضيتها في ديار الياسمين،
خمسة أعوام أتجول فيها بين أزقة الفيحاء وما حولها،
كانت ايام ماتعة للنفس تعلمت فيها الكثير،
صقلتني تجربتي ببلاد الشام، فمازلت النفس عطشي لتلك الربوع والفيافي،
تجولت بين الشام وغوطتها وريفها وتلاعها،
إستمعت الي علمائها وأساتذتها وأهلها،
أهل الشام يتقنون صنعتهم يفتنون فيها ويورثونها أبا عن جد،
غرفت الحياة الإجتماعية في بلاد الشام وسرني أولئك الأقوام،
هنا سادتي أستائذنكم في دياركم العامرة هذا لكي أسرد عليكم وقائع تلك الخمس التي مرت كأنها الأحلام،
والي مطلع السرد فأنتظروني هناك،
ودي
يس

وتمضي الذكرى
23/05/2009, 10:55
قرابة الخمس أعوام قضيتها في ديار الياسمين،
خمسة أعوام أتجول فيها بين أزقة الفيحاء وما حولها،
كانت ايام ماتعة للنفس تعلمت فيها الكثير،
صقلتني تجربتي ببلاد الشام، فمازلت النفس عطشي لتلك الربوع والفيافي،
تجولت بين الشام وغوطتها وريفها وتلاعها،
إستمعت الي علمائها وأساتذتها وأهلها،
أهل الشام يتقنون صنعتهم يفتنون فيها ويورثونها أبا عن جد،
غرفت الحياة الإجتماعية في بلاد الشام وسرني أولئك الأقوام،
هنا سادتي أستائذنكم في دياركم العامرة هذا لكي أسرد عليكم وقائع تلك الخمس التي مرت كأنها الأحلام،
والي مطلع السرد فأنتظروني هناك،
ودي
يس



وانا بكامل الشوق وكلى امل الا تطيل علينا في غيابك
اطوق لسماع المزيد عن اخبار بلدي البعيدة عن عيني لكنها تقطن ذكرياتي

وتمضي الذكرى

yassenz
23/05/2009, 12:39
وانا بكامل الشوق وكلى امل الا تطيل علينا في غيابك


اطوق لسماع المزيد عن اخبار بلدي البعيدة عن عيني لكنها تقطن ذكرياتي


وتمضي الذكرى


شكرا كثير علي المرور، وأتمني عند حسن ظنك وظن الجميع،

ودي
يس

yassenz
23/05/2009, 12:48
الخرطوم خريف 1988
الخرطوم مدينة حالمة ترقد بين أحضان النيلين الأزرق والأبيض، وتتلاقي حلقاتها الثلاث عند الملتقي بكل رونقه وتناقضاته وعذوبة نسائمه عند الأمسيات. يشكل نسيجها (الديموغرافي) مزيج من قبائل السودان الكثيرة والمثيرة. بيد أن لي ومعها ذكريات مع العام 88م. كلما ذكر هذا العام تقافزت إلي الأذهان صورة عاصمتنا الحضارية غارقة في الفيضانات حتى أطرافها التي لم تسلم منازلها من التهدم. فغرقت أسواقها، و تهدمت أسوارها، وشرددت الآلف الأسر وأغلقت دور العلم. وكذلك عجز حكومة الصادق المهدي عن مد يد العون للعاصمة في مصيبتها، إذ هي الأخرى تبحث عن جبل تأوي إلية. هي حال عاصمة دولتنا وقبلة أنظارنا ومحط ترحالنا، تغمرها مياه الأمطار كل عام حتى صارت مجاريها ومصارفها ملاذ لكل من لا مأوي له من بشر وحيوانات، بينما مركز الحاكمين بأمرهم تتفتح الأزهار فيها كل خريف وتشذب أشجارها كل أسبوع. في هذا العام حملت دفاتري وأقلامي واتجهت للدراسة في أحدي مدارس عاصمتنا المنيرة. حينها كنت أستعد للجلوس لامتحانات الشهادة المتوسطة . تأقلمت سريعا مع مدرستي الجديدة، إذ لم أعاني مشاكسات الطلاب لي لأن سوادهم الأعظم جوارنا في الحي لذا لم أعد غريبا عليهم. ولكن ثمة أشياء لم آلفها في مدارس الأقاليم، وهي تهكم الطلاب علي أساتذتهم ومناداتهم بأسمائهم مجردة ، بينما كنا نوقرهم في كل زمان ومكان ونفسح لهم في المجالس إلي يومي هذا. بل رأيت الطلاب يقفزون جدار المدرسة الخلفي أثناء ساعات الدراسة ويتسللون لواذا إلي مدرسة البنات المجاورة فيجالسون البنات فرادي وجماعات، ومنهم من يذهب إلي السوق والبعض إلي مركز الشرطة لمشاهدة رجال الشرطة يعاقبون اللصوص وبائعات الشاي، بينما كبار اللصوص دوما فوق القانون في بلادي وعاصمتها المتسامحة علي الحق. في ذلك العام وكل عام الشوارع عبارة عن برك ومستنفعات راكدة أحتلها البعوض، ليتكاثر فيها وينتج أجيالا محصنة ضد (الكلوركين) و(الكينيين) ولا يرحم صغير ولا يوقر شيخا كبير. هذا ما أدي إلي تفشي حمي الملاريا فحصدت ما شاء الله لها أن تحصد من أرواح بشرية. أصحاب السيارات يلعنون كلما مروا أو تذكروا الشوارع وحفرها الحكومة الديمقراطية علنا ولا يكتمون تمجيد حكومة المشير (النميري) ذات الست عشر خريفا بكل قسوتها وقباحة وجهها ، تلك الحكومة التي ذهبت عندما خرج الآلاف إلي الشوارع يحملون أفرع الأشجار(النيم) سلاحا ورمزا في رجب أبريل 84 . التجار يتمنون النيل أن يفيض كل تسعة أشهر حتى تتضاعف ثرواتهم وتجارتهم، فيبيعون ما ادخروا من بضائع مزجاة، ويفتخرون أنهم أفرغوا مخازنهم من أجل عيون المواطن السعيد. الطلاب يدعون الله أن ينزل السماء كل ستة أشهر، لكي يستريحوا من وعثاء التنقل إلي المدارس وكآبة التزاحم في مركبات النقل، والتخفي من عيون وألسنة محصلي أجرة البصات الذين يلعنون الطلاب في سرهم ويجاهروهم العداوة والبغضاء. ولكن لي دعاء أخر أن نجحني بالله في الامتحانات فكانت دعوتي مجابة، ودخلت المرحلة الثانوية من أوسع أبوابها. فبدأت أحلم بالهجرة إلي ما وراء البحار حيث حقوق الإنسان والحيوان. فتراني أتشوق لسماع (راديو لندن) وصوت المرحوم ماجد سرحان يكسر صمت الليل البهيم يعلن بدء أخبار السادسة مساءا بتوقيت (غرينتش) ودقات (بق بن) تحفّز فيّ كل طموح وأحلام، ساعتها بدأت العد التنازلي نحو الهجرة. حكومة الصادق المهدي تترنح بين مذكرات الضباط ومظاهرات الطلاب. محطات الوقود تحترق، المباني الحكومية تُرجم بالحجارة والمحلات تغلق أبوابها قبل المساء. في هذا الخضم المضطرب حملت حقيبتي ورحلت إلي الجزيرة(المناقل) حيث الهدوء والأمن. ولكن كان لي موعد أخر لم يكن في الحسبان. في أحدي الأمسيات وأنا أُجالس (زنوبة) ذات اللون القمري والمحّيا الخجل، تأتيني دعوة رقيقه من أحد أساتذتي القدامى بأن أتي إلي دارهم في القرية المجاورة مساء الغد. وصلتها وصلاة المغرب. هذه الدار التي كنا نقيم فيها ليالي القرآن والذكر. بعد الصلاة جلسنا نحنا بضعة زملاء وأستاذنا، كالشمس وسط المجرات، أحكي لهم عن فوضي الأيام في عاصمة نهضتنا. لم أكمل حديثي و أذا بثلاث سيارات حديثة تقف بكل هدوء وثبات أمام الدار. فترجل منها أشخاص يرتدون ملابس بيض وطيبهم يُسكر المساء. لم أعر المشهد اهتماما إلا عندما لكزني أحدهم بأن أقف لأحي النفر الكريم. كانت دهشتي تعانق اللاوعي ، أذا الضيوف هم الدكتور( حسن الترابي) برفقته الشيخ (عبد الجليل النذير الكاروري) وأربعة آخرون عرفتهم بعد مضي من الزمان عمرا. لم يكن ضيوفنا المشايخ مندهشون لنا، كأنهم يعرفوننا منذ أمد ، لذا جالسونا الأرض بكل تواضع ورفضوا الجلوس علي الكراسي التي سارعنا في أخراجها من الصالون. تجمع الأهالي من كل حدب لرؤية الشيخ وصحبه وأقيمت ندوة سياسة كبري في العراء وبعدها عانقني الشيخ ورفقائه وأعطانا كتبا ووعدا بأن الثورة قادمة

والبقية تأتي
يس

yassenz
24/05/2009, 09:14
جاءت الإنقاذ متخفية في ثوب العسكر. حينها لم يكن المواطن يحلم بكثير، فقط أن تذهب حكومة المهدي. تلك الديمقراطية التي ولدت ناقصة ومريضة وذهبت إلي حيث ترقد أخواتها . لم تمر عليها شهور حتى أصابها التآكل والتصدُّع ونشط التمرد في جنوب السودان، وتساقطت المدن وأستشري الفساد وأنفلت زمام الأمن. واختطفت أميره الحكيم، ونبش السيد رئيس الوزراء قبر جده الأمام الهادي ليوهم الأنصار أن امامهم مات وهو من سيكون امامهم ولكن لم يكن. إذن كل الأنباء تأتي بالخيبة والفشل، لذا فليحكم العسكر. كغيري من الشباب في تلك الحقبة هللت لرحيل الصادق المهدي الذي أرجع البلاد إلي الوراء، بعد أن علقنا عليه أمال أن يخرج البلاد من مستنقع العسكر والديكتاتوريه. ولكن أننا شعب الآمال المخضرة والغد المشرق والأحلام المخملية، فلم نتذوق للعافية طعما حتى أتانا العسكر من جديد. لم تكشف حكومة العميد البشير عن وجها ، بل أصرت في التخفي بإدخالها لكل رموز الوطن وسياسيه سجن كوبر ومن حالفه الحظ تعدي الحدود وفرّ. ارتعبت الخرطوم من هؤلاء الذين لا لون لهم سوي أنهم من العسكر وقادة مجلسهم عسكري وشهادات ميلادهم ( تسنين) ولكنهم فئة أرادت الخير بنا كما تقول صحفهم ودعاياتهم. لا تهمني السياسة فأنا لم أولد سياسيا ولم يك أبي سياسيا ولم تك أمي بنت سياسي، لذا لم أهتم بمن يحكم بل أهتم كيف يحكم ويراعي مصالح العباد. فجأة أطلت الجبهة الإسلامية القومية برأسها واستلمت مقاليد العسكر وأدارت البلاد وهنا عرف الجميع أنهم خدعوا بلعبة ذكية أدارتها الجبهة بشيوخها ونفذها العسكر بنياشينه وزيه الأخضر. مرت خمس سنوات كأنها القرون، أكلت الأخضر وأحرقت اليابس. أعدم الرجال في الأشهر الحُرم، وهاجر الشباب وأُعلن الجهاد. العالم أجتمع علي محاربة تلك الحكومة ففتح أذرعه ورصد أمواله لمعارضة مأجورة لا همّ لها سوي التسكع في بلاد العرب و العجم والتشهير بحكومة المشير، والمواطن هو الرقعة التي تدار عليها المعركة. ولكن الحكومة كانت أذكي من الغرب ودوله، إذ فتحت خزائن البلاد والعباد وأعطت كل من عارضها جذر ومن لم يعجبه الجذر فالعصا مرفوعة أيضا. في كل هذا الزخم والسجال لم أغير رأي وأترك فكرة الهجرة، لم يكن يستهويني الجذر ولم أك أخاف العصا، ولكن في تلك الأربع العجاف ساعدت بكل ما أتيت من قوة في نفع قريتي التي كنت أعيش فوق ترابها. فتية عاهدنا الله وانفسنا علي أن همنا هو القرية وقبيلتنا هي القرية، وبايعنا أنفسنا أنه لا ضرر ولا ضرار. التحقنا بركب العمل الصيفي في الأجازات، فتلقينا الدعم السخي في تعمير المدارس وحفر أبار المياه وتشجير الساحات وفتح الفصول في الأجازات. لا أخفي عليكم سادتي ، أنها كانت من أجمل سني عمري في بلدي إذ أحسست أن لي قيمة بإدخال البهجة في نفوس أهلنا الغلابة. ولكن الغربة تتزين لي كل مساء وترسل لي المراسيل، فذهبت وتركت كل البلاد خلفي. أخي الصغير يجرني من طرفي ، ونحيب أمي يقطّع أوصالي ورجاء رفاقي يزيد من لوعتي ولكن لست من يرجع في كلامه. حملت صكوكي ونزلت مساءا دمشق الفيحاء. دخلتها عشاءا ونسمات يوليو تحمل معها شذي الياسمين من حاراتها وأزقتها. أحببت تلك البلاد منذ أن وطأت أقدامي أرضها. لم أشعر قط أني أتنفس بعيدا عن بلادي. مطار دمشق الدولي ورحلة الخطوط المصرية القادمة من قاهرة المعز مساء الخميس الواحد والعشرين من الشهر السابع للعام الرابع والتسعون بعد التسعمائة والألف حيث كان الصدفة أنه كان يوم ميلادي قبل ثمانية عشر عاما خلت. كانت رحلة التمني في قبس الدخول إلي مناحي الحياة، ومبتغيات الأماني المترفة بلون السعادة الداكن. لم تكن أرض الشام يوما محط أمالي ولكنها كانت الأمل الذي يوصلني إلي أحلامي وأنا بين حواريها أتجول خمسة أعوام. فسرعان ما تعارفنا وتصالحت فيها مع نفسي قليلا، ولم أترك لها حرية الترف كثيرا. فالحياة دقائق وثواني ولابد أخذ الكتاب بقوة، وكانت أرض الشام القوة التي عبئت بها نفسي وانطلقت أبحث عن الحياة بكل أشكالها وألوانها. وفيها تعرفت علي صديقي ورفيق غربتي( أمين) رد الله غربته وكفاه شر الترحّال. جمعتنا الصداقة والصدق وكنا نتواصى خيرا، لم نجتمع علي شر أبدا، بل كنا مصدر سعادة من حولنا دوما نتفانى في خدمة السودانيون وغيرهم حتى أسسنا شركة للخدمات وأطلقنا عليها (السفير). تخنقني العبرات وتتكسر الكلمات بين مسامات الإحساس عندما أريد أن أكتب عن الفيحاء وحواريها، أهلها ومساجدها، حسانها وأسواقها، كهوفها وتاريخها، غوطتها وسهولها، جامعتها وسياسيوها. بلد يجري التأريخ في شرايينها وتتجدد الحياة فيها ثلاث كل عام. الصيف ونوافذ منازلها المشرعة وعذوبة نبعها وعند الربيع تتفتح أزهارها وتنضج صباياها ويأتي شتاءها ماطرا يغسل كل درن وفجور