Nihal Atsiz
13/05/2009, 11:42
صباح الموسوي - ايلاف
الأذربيجانيون او الأتراك الاذاريون يشكلون أكثر من ثلاثين في المئة من مجموع سكان ايران البالغ عددهم ثمانية وستين مليون نسمة. ويعد الاذاريون اكبر قومية بعد الفرس بل ان البعض منهم يرى أنهم يتجاوزن عدد الفرس إذا ما أضيف إليهم القشقائيون والتركمان والازبك وهم جميعا من ناطقين باللغة التركية.
وتنقسم أذربيجان الى محافظتين شرقية وعاصمتها تبريز وغربية وعاصمتها ارومية التي ينازعهم عليها الأكراد. وهناك محافظات أخرى يشكل الاذاريون أغلبية فيها وهي اردبيل و زنجان وقزوين بالإضافة الى طهران التي يقنطنها أكثر من أربعة ملايين اذري ويهيمنون على البازار فيها.
في عام1947م أقام الاذاريون جمهوريتهم الديمقراطية في تبريز بزعامة "سيد جعفر بيشه وري" الذي كان يحظى بدعم البلاشفة ولكن التوافق الذي جرى بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي عقب الحرب العالمية الثانية أدى الى تخلي البلاشفة عن حليفهم بيشه وري مما أدى الى انهيار جمهوريته التي لم تدم سوى عام واحد فقط و فر بعد ذلك هاربا الى باكو في الشق الشمالي من أذربيجان التي تحولت الى جمهورية شيوعية في إطار الاتحاد السوفيتي والتي الى ما قبل ذلك التاريخ كانت جزء من إقليم أذربيجان الجنوبي الذي يقع تحت سلطة الدولة الإيرانية.
يرى الاذاريون أنهم أصحاب الفضل في انفصال ايران واستقلالها عن دولة الخلافة العثمانية الإسلامية و إنهم المؤسسون لاول دولة شيعية في ايران وذلك حينما ناصروا إسماعيل الصفوي الذي أقام دولته في تبريز عاصمة أذربيجان بعد طرد العثمانيون منها بمساعدة قبائل القزلباش الاذرية قبل ان ينتقل بعد ذلك الى اصفهان لتصبح عاصمة للصفو يين.
على الرغم من سقوط كيانهم السياسي في جمهورية أذربيجان الجنوبية إلا ان الاذاريون لعبوا دورا أساسيا في الأحداث التي شهدتها ايران في عقد الخمسينات وما بعده حيث برز منهم رجالات من أمثال آية الله مدرس و نواب صفوي و الشريعتمداري وغيرهم من رجالات السياسة والدين. كما كان لهم نصيب كبير في الدولة والحكومات الإيرانية المتعاقبة حيث تمكنوا بفضل دخولهم البازار من الإمساك بعصب الاقتصاد الإيراني وهو ما اتاح لهم الفرصة للتغلغل في المؤسسات السياسية والثقافية والعسكرية الإيرانية طوال العقود الستة الماضية.
وعلى الرغم من ان الشاه محمد رضا بهلوي كان أكثر رأفة بهم من أبيه رضا خان وكان قد اسند الى جنرالات من أصول أذرية مناصب عليا في الجيش والشرطة إلا ان ذلك لم يمنع الاذاريون من المشاركة في الثورة ضده بل ان ثاني اكبر مظاهرة خرجت ضد الشاه كانت في تبريز عاصمة أذربيجان.
بعد الإطاحة بنظام البهلوي ارتفعت أسهم الاذاريون وأصبح نصيبهم في السلطة أكثر بكثير عما كان عليه في عهد الشاه. فبعد ان قام الخميني بتجريد آية الله شريعتمداري وهو اكبر رجل دين شيعي ايراني من اصل اذري من المرجعية على اثر خلاف معه بشأن الموقف من نظرية ولاية الفقيه وغيرها من أمور الحكم في الجمهورية الإسلامية. فقد سعى الخميني الى كسب رضا الاذاريين ولهذا أوكل أمور القضاء والأمن لهم وكان آية الله صادق خلخالي وحجة الإسلام موسوي خوينيها وآية الله عبد الكريم اردبيلي اشهر من تقلد مسؤولية المحاكم الثورية والسلطة القضائية في ايران لمدة تزيد على عشرة أعواما.
كما ان الاذاريون استطاعوا ان يستحوذا بالكامل على قيادة واحد من أهم الأحزاب السياسية في ايران وهو " حزب المؤتلفة الإسلامي " الذي يمثل حزب البازار و الذي من ابرز قادته الدكتور حسن حبيبي نائب رئيس الجمهوري في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني وهو من أصول أذرية. كمالا يخفى ان مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي هو أيضا من أصول أذرية إلا ان ذلك لم يمنع الاذاريون من إطلاق صرخة الاستقلال والتحرر من الهيمنة الفارسية.
العلاقة بين الاذاريون والنظام الإيراني كانت تسير على ما يرام حتى مطلع التسعينات فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي واستقلال الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز بدأت المنطقة تشهد تشكل تحالفات إقليمية جديدة يدور التنافس فيها بين ايران وتركيا وقد اخذ كل منهم يسعى الى توظيف العلاقات الثقافية واللغوية وسيلة لتوطيد علاقاته بالجمهوريات الإسلامية حديثة الاستقلال.
فبينما استطاعت ايران كسب ود طاجيكستان بحكم الروابط اللغوية المشتركة بينهما. فقد استطاعت تركيا بالمقابل كسب ود أذربيجان الشمالية وإقامة روابط قوية معها وذلك بسبب الترابط اللغوي والقومي بينهما وذلك على الرغم من ان تركيا تدين بالمذهب السني و أذربيجان بالمذهب الشيعي الأثني عشري كما هو حال إيران الشيعية و طاجيكستان السنية.
فإيران الذي فضلت تقديم الجانب القومي على الجانب المذهبي في علاقاتها مع الجمهوريات السوفيتية السابقة فإنها بهذه الخطوة قد حركت مشاعر الاذاريين ودفعتهم للإحساس بهويتهم واللجوء الى دعم شقيقتهم أذربيجان الشمالية التي وقفت ايران ضدها في نزاعها مع أرمينيا على إقليم ناغورنو قرباخ. وهذا ما جعل الرئيس الاذري الراحل حيدر علييف ومن بعده نجله الرئيس الحالي الهام علييف يلعبا ورقة أذربيجان الجنوبية كوسيلة ضغط على ايران نكاية بها على دعمها لأرمينيا وتحريكها للتيار الإسلامي المتطرف في باكو.
وبالمقابل أيضا وجد اذاريو إيران في باكو قاعدة لهم لتنشيط حركتهم السياسية والإعلامية المطالبة بالاعتراف بحقوقهم القومية المهضومة وأصبحوا أكثر أملا في تحقيق حلم توحيد شطري أذربيجان تحت ظل علم واحد.
لقد تميزت الحركة الاذرية عن باقي الحركات السياسية المطالبة بالحقوق القومية في ايران أنها حاولت لحد الآن انتهاج الخيار السلمي في نضالها ولم تلجأ الى العمل العسكري لتحقيق مطالبها على الرغم من ان مناطقها من الناحية الاستراتيجية مهيأة لذلك العمل بشكل جيد. خصوصا وأن مناطق الجوار الكردي التركي والكردي الإيراني ومنذ أكثر من عشرين عاما تعد مناطق ملتهبة بالصراع العسكري غير ان ذلك لم يغري الاذاريون لخوض هذه التجربة التي توقفت عندهم بعد سقوط جمهوريتهم الأولى. والسبب في ذلك على ما يبدوا يعود الى معضلة سياسية معينة وهي عدم رغبة حكومة أذربيجان في هذا الأمر خشية من رد الفعل الإيراني الذي قد يقوم بدعم معارضيها في انتهاج العمل ذاته وهو ما ليس لباكو طاقة على مواجهته كونها تخوض حربا مع أرمينيا ولا تريد ان تفتح جبهة داخلية مع معارضيها.
هذا الموقف أبقى الوضع السياسي في المحافظة الاذرية الإيرانية يسير على طبيعته المعتادة والتي تتمثل في كل عام بصعود الاذاريين الى قلعة " بابك خرم دين " صاحب حركة التمرد المشهورة ضد الدولة العباسية في القرن الثالث والذي كان يعد واحد من قواد الحركة الشعوبية التي أعلنت عدائها للعرب والمسلمين وطالبت بإقامة دولة مستقلة عن الخلافة الإسلامية والعودة الى حكم الأكاسرة في ايران والذي كان قدتم شنقه بأمر الخليفة بعد ان أسره في احد المعارك وقد أصبح في السنوات الأخيرة رمز تاريخي ووطني للاذاريين يحيون ذكراه في كل
عام بالصعود الى القلعة التي كان قد اتخذها حصنا له وهي تقع على تل جبلي يرتفع 2700متر عن سطح البحر في أطراف مدينة اهر بالقرب من تبريز. وقد جعل الاذاريون من هذه
المناسبة وسيلة لتعبير عن مطالبهم السياسية وهو ما يثير غضب السلطات الإيرانية ويدفعها لمنعهم واعتقال المنظمين لهذه الاحتفالات.
كان هذا ديدن الحكومة و الاذاريين في كل عام حتى جاء قبل ثلاثة أسابيع تقريبا من حرك الرماد و اخرج الجمر الملتهب من تحته وذلك بنشره كاريكاتير تهكمي ضد اللغة التركية الاذرية في صحيفة ايران الحكومية الأمر أدى الى تفجر الأوضاع في عموم المحافظات والمدن الاذرية لتتحول الى انتفاضة دامية وصل لهيبها الى جامعة طهران حيث نظم الطلبة الاذاريون تحصنا داخل الحرم الجامعي سرعان ما تحول الى اشتباكات دامية أدت الى وقوع قتلى وجرحى واعتقال عشرات الطلبة.
و عقب تلك المظاهرات هدد الاذاريون من جميع المدن بالزحف الى طهران و هو ما أخاف الحكومة الإيرانية التي كلفت قائد قوى الامن الداخلي في طهران " الجنرال طلائي " بقيادة القوات التي أوكلت لها مهام كبح الانتفاضة الاذرية وفرض أحكام عرفية في المناطق الساخنة ومنع مسيرة الزحف الاذرية الى طهران.
الحكومة الإيرانية وكعادتها في مثل هذه الحوادث ألقت بمسؤولية الأحداث على عوامل خارجية وعلى رأسها المخابرات الأمريكية تحديدا بالوقف وراء تحريك الاذاريين. كما قامت بإصدار قرارا يمنع صحيفة ايران من الصدور مؤقتا وأحالت راسم الكاريكاتير و مدير الصحيفة الى القضاء لتحقيق معهم.
ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون للشأن الإيرانيين هو الى متى ستستمر السلطات الإيرانية في قمع تحرك القوميات والشعوب المنتفضة تحت يافطة مواجهة ما تسميه بالمؤامرات الخارجية ؟ وان هي تمكنت من قمع انتفاضة العرب والبلوش والأكراد لحد الآن فهل هي قادرة على إخماد بركان الاذاريين ؟.
الأذربيجانيون او الأتراك الاذاريون يشكلون أكثر من ثلاثين في المئة من مجموع سكان ايران البالغ عددهم ثمانية وستين مليون نسمة. ويعد الاذاريون اكبر قومية بعد الفرس بل ان البعض منهم يرى أنهم يتجاوزن عدد الفرس إذا ما أضيف إليهم القشقائيون والتركمان والازبك وهم جميعا من ناطقين باللغة التركية.
وتنقسم أذربيجان الى محافظتين شرقية وعاصمتها تبريز وغربية وعاصمتها ارومية التي ينازعهم عليها الأكراد. وهناك محافظات أخرى يشكل الاذاريون أغلبية فيها وهي اردبيل و زنجان وقزوين بالإضافة الى طهران التي يقنطنها أكثر من أربعة ملايين اذري ويهيمنون على البازار فيها.
في عام1947م أقام الاذاريون جمهوريتهم الديمقراطية في تبريز بزعامة "سيد جعفر بيشه وري" الذي كان يحظى بدعم البلاشفة ولكن التوافق الذي جرى بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي عقب الحرب العالمية الثانية أدى الى تخلي البلاشفة عن حليفهم بيشه وري مما أدى الى انهيار جمهوريته التي لم تدم سوى عام واحد فقط و فر بعد ذلك هاربا الى باكو في الشق الشمالي من أذربيجان التي تحولت الى جمهورية شيوعية في إطار الاتحاد السوفيتي والتي الى ما قبل ذلك التاريخ كانت جزء من إقليم أذربيجان الجنوبي الذي يقع تحت سلطة الدولة الإيرانية.
يرى الاذاريون أنهم أصحاب الفضل في انفصال ايران واستقلالها عن دولة الخلافة العثمانية الإسلامية و إنهم المؤسسون لاول دولة شيعية في ايران وذلك حينما ناصروا إسماعيل الصفوي الذي أقام دولته في تبريز عاصمة أذربيجان بعد طرد العثمانيون منها بمساعدة قبائل القزلباش الاذرية قبل ان ينتقل بعد ذلك الى اصفهان لتصبح عاصمة للصفو يين.
على الرغم من سقوط كيانهم السياسي في جمهورية أذربيجان الجنوبية إلا ان الاذاريون لعبوا دورا أساسيا في الأحداث التي شهدتها ايران في عقد الخمسينات وما بعده حيث برز منهم رجالات من أمثال آية الله مدرس و نواب صفوي و الشريعتمداري وغيرهم من رجالات السياسة والدين. كما كان لهم نصيب كبير في الدولة والحكومات الإيرانية المتعاقبة حيث تمكنوا بفضل دخولهم البازار من الإمساك بعصب الاقتصاد الإيراني وهو ما اتاح لهم الفرصة للتغلغل في المؤسسات السياسية والثقافية والعسكرية الإيرانية طوال العقود الستة الماضية.
وعلى الرغم من ان الشاه محمد رضا بهلوي كان أكثر رأفة بهم من أبيه رضا خان وكان قد اسند الى جنرالات من أصول أذرية مناصب عليا في الجيش والشرطة إلا ان ذلك لم يمنع الاذاريون من المشاركة في الثورة ضده بل ان ثاني اكبر مظاهرة خرجت ضد الشاه كانت في تبريز عاصمة أذربيجان.
بعد الإطاحة بنظام البهلوي ارتفعت أسهم الاذاريون وأصبح نصيبهم في السلطة أكثر بكثير عما كان عليه في عهد الشاه. فبعد ان قام الخميني بتجريد آية الله شريعتمداري وهو اكبر رجل دين شيعي ايراني من اصل اذري من المرجعية على اثر خلاف معه بشأن الموقف من نظرية ولاية الفقيه وغيرها من أمور الحكم في الجمهورية الإسلامية. فقد سعى الخميني الى كسب رضا الاذاريين ولهذا أوكل أمور القضاء والأمن لهم وكان آية الله صادق خلخالي وحجة الإسلام موسوي خوينيها وآية الله عبد الكريم اردبيلي اشهر من تقلد مسؤولية المحاكم الثورية والسلطة القضائية في ايران لمدة تزيد على عشرة أعواما.
كما ان الاذاريون استطاعوا ان يستحوذا بالكامل على قيادة واحد من أهم الأحزاب السياسية في ايران وهو " حزب المؤتلفة الإسلامي " الذي يمثل حزب البازار و الذي من ابرز قادته الدكتور حسن حبيبي نائب رئيس الجمهوري في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني وهو من أصول أذرية. كمالا يخفى ان مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي هو أيضا من أصول أذرية إلا ان ذلك لم يمنع الاذاريون من إطلاق صرخة الاستقلال والتحرر من الهيمنة الفارسية.
العلاقة بين الاذاريون والنظام الإيراني كانت تسير على ما يرام حتى مطلع التسعينات فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي واستقلال الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز بدأت المنطقة تشهد تشكل تحالفات إقليمية جديدة يدور التنافس فيها بين ايران وتركيا وقد اخذ كل منهم يسعى الى توظيف العلاقات الثقافية واللغوية وسيلة لتوطيد علاقاته بالجمهوريات الإسلامية حديثة الاستقلال.
فبينما استطاعت ايران كسب ود طاجيكستان بحكم الروابط اللغوية المشتركة بينهما. فقد استطاعت تركيا بالمقابل كسب ود أذربيجان الشمالية وإقامة روابط قوية معها وذلك بسبب الترابط اللغوي والقومي بينهما وذلك على الرغم من ان تركيا تدين بالمذهب السني و أذربيجان بالمذهب الشيعي الأثني عشري كما هو حال إيران الشيعية و طاجيكستان السنية.
فإيران الذي فضلت تقديم الجانب القومي على الجانب المذهبي في علاقاتها مع الجمهوريات السوفيتية السابقة فإنها بهذه الخطوة قد حركت مشاعر الاذاريين ودفعتهم للإحساس بهويتهم واللجوء الى دعم شقيقتهم أذربيجان الشمالية التي وقفت ايران ضدها في نزاعها مع أرمينيا على إقليم ناغورنو قرباخ. وهذا ما جعل الرئيس الاذري الراحل حيدر علييف ومن بعده نجله الرئيس الحالي الهام علييف يلعبا ورقة أذربيجان الجنوبية كوسيلة ضغط على ايران نكاية بها على دعمها لأرمينيا وتحريكها للتيار الإسلامي المتطرف في باكو.
وبالمقابل أيضا وجد اذاريو إيران في باكو قاعدة لهم لتنشيط حركتهم السياسية والإعلامية المطالبة بالاعتراف بحقوقهم القومية المهضومة وأصبحوا أكثر أملا في تحقيق حلم توحيد شطري أذربيجان تحت ظل علم واحد.
لقد تميزت الحركة الاذرية عن باقي الحركات السياسية المطالبة بالحقوق القومية في ايران أنها حاولت لحد الآن انتهاج الخيار السلمي في نضالها ولم تلجأ الى العمل العسكري لتحقيق مطالبها على الرغم من ان مناطقها من الناحية الاستراتيجية مهيأة لذلك العمل بشكل جيد. خصوصا وأن مناطق الجوار الكردي التركي والكردي الإيراني ومنذ أكثر من عشرين عاما تعد مناطق ملتهبة بالصراع العسكري غير ان ذلك لم يغري الاذاريون لخوض هذه التجربة التي توقفت عندهم بعد سقوط جمهوريتهم الأولى. والسبب في ذلك على ما يبدوا يعود الى معضلة سياسية معينة وهي عدم رغبة حكومة أذربيجان في هذا الأمر خشية من رد الفعل الإيراني الذي قد يقوم بدعم معارضيها في انتهاج العمل ذاته وهو ما ليس لباكو طاقة على مواجهته كونها تخوض حربا مع أرمينيا ولا تريد ان تفتح جبهة داخلية مع معارضيها.
هذا الموقف أبقى الوضع السياسي في المحافظة الاذرية الإيرانية يسير على طبيعته المعتادة والتي تتمثل في كل عام بصعود الاذاريين الى قلعة " بابك خرم دين " صاحب حركة التمرد المشهورة ضد الدولة العباسية في القرن الثالث والذي كان يعد واحد من قواد الحركة الشعوبية التي أعلنت عدائها للعرب والمسلمين وطالبت بإقامة دولة مستقلة عن الخلافة الإسلامية والعودة الى حكم الأكاسرة في ايران والذي كان قدتم شنقه بأمر الخليفة بعد ان أسره في احد المعارك وقد أصبح في السنوات الأخيرة رمز تاريخي ووطني للاذاريين يحيون ذكراه في كل
عام بالصعود الى القلعة التي كان قد اتخذها حصنا له وهي تقع على تل جبلي يرتفع 2700متر عن سطح البحر في أطراف مدينة اهر بالقرب من تبريز. وقد جعل الاذاريون من هذه
المناسبة وسيلة لتعبير عن مطالبهم السياسية وهو ما يثير غضب السلطات الإيرانية ويدفعها لمنعهم واعتقال المنظمين لهذه الاحتفالات.
كان هذا ديدن الحكومة و الاذاريين في كل عام حتى جاء قبل ثلاثة أسابيع تقريبا من حرك الرماد و اخرج الجمر الملتهب من تحته وذلك بنشره كاريكاتير تهكمي ضد اللغة التركية الاذرية في صحيفة ايران الحكومية الأمر أدى الى تفجر الأوضاع في عموم المحافظات والمدن الاذرية لتتحول الى انتفاضة دامية وصل لهيبها الى جامعة طهران حيث نظم الطلبة الاذاريون تحصنا داخل الحرم الجامعي سرعان ما تحول الى اشتباكات دامية أدت الى وقوع قتلى وجرحى واعتقال عشرات الطلبة.
و عقب تلك المظاهرات هدد الاذاريون من جميع المدن بالزحف الى طهران و هو ما أخاف الحكومة الإيرانية التي كلفت قائد قوى الامن الداخلي في طهران " الجنرال طلائي " بقيادة القوات التي أوكلت لها مهام كبح الانتفاضة الاذرية وفرض أحكام عرفية في المناطق الساخنة ومنع مسيرة الزحف الاذرية الى طهران.
الحكومة الإيرانية وكعادتها في مثل هذه الحوادث ألقت بمسؤولية الأحداث على عوامل خارجية وعلى رأسها المخابرات الأمريكية تحديدا بالوقف وراء تحريك الاذاريين. كما قامت بإصدار قرارا يمنع صحيفة ايران من الصدور مؤقتا وأحالت راسم الكاريكاتير و مدير الصحيفة الى القضاء لتحقيق معهم.
ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون للشأن الإيرانيين هو الى متى ستستمر السلطات الإيرانية في قمع تحرك القوميات والشعوب المنتفضة تحت يافطة مواجهة ما تسميه بالمؤامرات الخارجية ؟ وان هي تمكنت من قمع انتفاضة العرب والبلوش والأكراد لحد الآن فهل هي قادرة على إخماد بركان الاذاريين ؟.