-
دخول

عرض كامل الموضوع : التجسّس الإسرائيلي


sona78
07/05/2009, 14:17
ابراهيم الأمين

المواجهة الأمنية القائمة الآن في لبنان بين أجهزة التجسس الإسرائيلية وأجهزة المكافحة اللبنانية، لا تقدم جديداً على أصل المواجهة التي أطلقتها إسرائيل منذ ما قبل قيامها كياناً فوق أرض فلسطين. وإن كانت أشكال التجسس وجمع المعلومات والتخريب قد اختلفت من جيل إلى جيل، فإن القاعدة هي نفسها ومفادها: ما دام لدينا أعداء فنحن بحاجة إلى هذا العمل. وبهذا المعنى، فإن تحرش إسرائيل بمحيطها من باب أمني، لا يمثل أي جديد في سياستها إزاء خصومها، بل إن هناك محفزات إضافية تجعل إسرائيل ترفع من مستوى اهتمامها الأمني بمحيطها القريب، بعد الذي واجهته في لبنان خلال ربع قرن، وبسبب ما هو مستجدّ في فلسطين، وبسبب عدم حصول أي تبدّل في موقع سوريا وموقفها من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. وأكثر من ذلك، فإن حديث قائد الجبهة الشمالية في جيش الاحتلال غادي آيزنكوت في فترة سابقة عن تصوّره للحرب المقبلة مع لبنان وإعلانه «عقيدة الضاحية»، كان مرفقاً بكلام واضح للغاية عن الجهد الأمني في لبنان. وهو قال إنه بعد فشل عدوان 2006، ضاعفت إسرائيل عشرات أو مئات المرات نشاطها الأمني في لبنان.
ومع أن تحولات كثيرة طرأت على المزاج اللبناني عموماً وعلى مزاج أبناء الجنوب خصوصاً، خلال الفترة الأخيرة، جعلت المناخ غير مؤات لتعامل سهل مع العدو، فإنه يمكن ملاحظة الآتي:
ـــــ إن عدد الشبكات التي أوقفت ليس بقليل، لكنه ليس إلا رأس جبل الجليد، إذ تشتبه الأجهزة الأمنية على أنواعها في المئات من الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا متورطين، عدا عن أن هناك تقديرات بوجود عدد كبير من الشبكات أو الأفراد الذين يتمتعون بسواتر كافية تعوق انكشافهم. وهذه السواتر متنوعة، بينها ما هو شخصي ووظيفي، لكن الأكثر خطورة هو الطابع الاجتماعي العام، ونقص الروادع العامة، وهو النقص الذي سبّبته الطريقة التي عومل بها جيش العملاء بعد التحرير عام 2000، علماً بأنه لا أحد يندم الآن على طريقة إدارة الملف في لحظته تلك.
ـــــ تعكس المعطيات إصراراً إسرائيلياً على تقديم نماذج متقدمة ومتنوعة من العملاء، بينهم رجال أعمال وموظفون سابقون، أو ربما حاليون في الدولة وفي مؤسساتها المدنية أو الأمنية، وشخصيات ذات حضور أهلي محلي، سواء كان من الناحية الاجتماعية أو حتى السياسية، ويمكن العثور على عنصر مشترك قوي بين جميع من أوقفوا أخيراً، أن غالبيتهم ليسوا من الذين يعانون ضائقة مالية استثنائية تفرض عليهم خياراً من هذا النوع، بينما يجب البحث في الأسباب الإضافية التي تورّطهم في عمل يعرفون أنه قد يودي بهم إلى الموت، وليس بالضرورة إلى السجن.
ـــــ إن إسرائيل تغامر أو تصرف من رصيدها التقني في هذه المعركة، وهي تظهر استعداداً للاستثمار في الأشخاص مباشرة وفي حقل التجسس التقني، ما يدل على رغبتها في الحصول، خلال وقت قياسي، على قدر من المعلومات، وهي لذلك تبتدع أشكالاً مختلفة في التجنيد والتواصل، ما يشير إلى أنها تعمل على جبهات عدة، وأن هناك عدداً وافراً من العملاء أو من الذين يصلحون لهذا الدور.
ـــــ إن إسرائيل لم تعد تحصر عملها في من هم في موقع المضطرّ إلى التعامل معها لأسباب اقتصادية أو سياسية، بل هي تركّز على كيفية تجنيد من تعتقد أنه بعيد عن الشبهة أولاً، ومن تعتقد أنه يتمتع بحصانة ما، اجتماعية أو سياسية أو رسمية (وظيفية)، من دون أن تسقط من حساباتها الآخرين الذين تجنّدهم مقابل خدمات معينة. ولا تأسف كثيراً على وقوعهم، بل ربما تعتبر أن نشرها مئات الشبكات الهامشية من شأنه شغل الأجهزة المعادية لها، وأن تصرف جهود هؤلاء حيث لا يجب.
إلا أن المؤشرات الأمنية لما يحصل على هذا الصعيد، تعكس عنصراً جديداً في الحياة السياسية الداخلية للبنان، إذ بمجرد أن يخرج خصوم فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من سياسيين وأمنيين ومواطنين يحتجّون على دوره في مواجهة شبكات العدو، بحجة أنه «يبيّض صورته». وبمجرد أن يرفض فرع المعلومات هذا الكلام، ولكنه يأخذه بعين الاعتبار، فإن ذلك يدل على أن مواجهة العدو تعطي القائم بها أو عليها رصيداً قابلاً للصرف عند الجمهور، ما يعني أن من يحتجّ على ما يسمّيه «تبييض صورة» فرع المعلومات، يرى أن العمل بوجه إسرائيل يبيّض الصورة، وأن رد فرع المعلومات بأنه يقوم بواجبه إزاء إسرائيل ويخرج من يخرج من الناطقين السياسيين أو الإعلاميين من فريق 14 آذار يؤكد «وطنية الجهاز من خلال تصدّيه لخروق إسرائيل» هو بحد ذاته إقرار ضمني بأن هذا العمل له انعكاسه الوطني والإيجابي لدى الجمهور عموماً، ما يقود إلى فهم مختلف موجزه: أن هناك إجماعاً في لبنان على اعتبار مواجهة العدو عمل جيد، ويمكن المجاهرة به وانتظار الثناء عليه، بينما كل عمل آخر هو موضع خلاف ونقاش، وغالباً ما يتم بعيداً عن العيون والأضواء.
ثمة حاجة إلى أن تشعر إسرائيل بالقلق، لكن القلق الأكبر ينبغي أن يكون لدى الجانب اللبناني الذي قد يكون في مواجهة استعدادات إسرائيلية لعمل كبير يحتاج إلى تمهيد أمني كي ينجح.

من جريدة الاخبار