sona78
26/04/2009, 10:14
نيويورك ــ نزار عبود
يواجه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مأزقاً مماثلاً لما واجهه سلفه بطرس بطرس غالي، في أواخر عهده. وربما لن يكون أمامه من مخرج في موضوع التحقيق في الجرائم التي ارتكبت في غزة سوى أن يتهم مقاتلي «حماس» باستخدام مباني وكالات الإغاثة للتخفي، عندما قصفتها إسرائيل مستخدمةً أسلحة حارقة محرمة دولياً. وكانت أخطر الهجمات وأشدها همجية قتل 40 مدنياً، جلّهم من الأطفال، في مدرسة النجاح في مخيم جباليا في 6 كانون الثاني الماضي.
لكن لن يكون سهلاً على بان أن يوجّه مثل هذه التهمة، ما دامت هناك مجموعة من التحقيقات الدولية والوطنية والشعبية الجارية، التي قد تدحض ما يرد في خلاصة تحقيقاته. لذا آثر التباطؤ إلى أقصى ما يمكن في تقديم نتائج تحقيقه المستقل.
الكثير من المنظّمات الإنسانية الدولية وجماعات حقوق الإنسان، وشهود الإعلام والمواطنين على الأرض، أكدوا خلوّ منشآت الأمم المتحدة في غزة من المقاتلين، سواء في المدارس والمستودعات أو محيطها، قبل وقوع الغارات والقصف البربري وأثناءهما وبعدهما.
فمدير عمليات «الأونروا» في غزة، جون غينغ، الذي لم يغادر القطاع طيلة فترة العدوان، نفى في مؤتمرات صحافية من غزة مع نيويورك، وجود أي مقاتل أو عضو في «حماس» في صفوف موظفيه أو بين اللاجئين في المدارس والمراكز الإنسانية. وقال إن «أي موظف يظهر ولاءً لحماس وليس للأونروا سيكون مصيره الفصل».
بان قام بجولة سريعة على المستعمرات الإسرائيلية في سديروت ونواحيها، وبزيارة خاطفة لغزة بُعيد وقف الأعمال القتالية. وأثناء لقائه كبار المسؤولين الإسرائيليين، كانت القذائف المحرّمة دولياً تقتل المزيد من الأطفال في غزة وتصيب مقارّ الأونروا، رغم وعد الإسرائيليين له بالتوقف عن استهدافها. استشاط بان غضباً ووعد مجلس الأمن الدولي بفتح تحقيق لتحديد المسؤولية عن انتهاك القوانين، ووعده الإسرائيليون بالتحقيق الخاص. وبعد مماطلة ثلاثة أشهر، صدرت نتائج التحقيق الإسرائيلي الثلاثاء الماضي لتلقي المسؤولية على الفلسطينيين، وتتحدث عن «أخطاء» وقع فيها الإسرائيليون. وفي الوقت نفسه، رفضت إسرائيل فكرة التعاون مع لجنة تقصي الحقائق الدولية التي يرأسها القاضي ريتشار غولدسميث.
بان ألّف في شباط الماضي لجنة خاصة مستقلة من أربعة مسؤولين، على رأسهم القاضي البريطاني إيان مارتين، الذي كان مبعوثاً دولياً خاصاً إلى نيبال، وعمل في التسعينيات في منظمة العفو الدولية. اللجنة زارت القطاع ثلاث مرات وتأخر تقريرها من 13 آذار إلى 23 نيسان الحالي، حين سلّم إلى الأمانة العامة. ولما كان بان مشغولاً بمؤتمر عن الصومال، تلقّاه وكيله للشؤون السياسية الأميركي، لين باسكوا.
لكن حتى قبل انتهاء التحقيق وصدور التقرير كانت المخاوف تساور الفلسطينيين، وغير الفلسطينيين، من تمييع محتمل أسوة بما جرى في كل التحقيقات السابقة، ولا سيّما التحقيق الذي شمل تدمير مقر القوات الفيجية في قانا عام 1996، وأدى إلى مصرع 120 مدنياً لبنانياً معظمهم من الأطفال. مناسبة لم تأتِ على ذكرها الأمم المتحدة في 18 من هذا الشهر. ولا عجب في تجاهلها ما دام بطرس بطرس غالي قد خسر فرصة التجديد له في منصبه بعد تهديد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت. لكنه لم يتراجع. ولا تزال الأمم المتحدة تطالب إسرائيل بتحمل نفقات خسائر المعسكر، ولا تستطيع فرض ذلك عليها رغم مرور 13 عاماً على الجريمة المروعة.
وهناك التحقيق في مجزرة مخيم جنين عام 2002 الذي انتهى إلى لا نتيجة. كذلك التحقيق المتعلق بقتل 4 من مراقبي الهدنة قرب معتقل الخيام، جنوب لبنان في تموز 2006. وقتها برّأت إسرائيل من مسؤولية القتل المتعمّد رغم تحميلها مسؤولية القتل عرضاً دون فرض تبعات قانونية عليها.
لذا لم يكن مستغرباً أن يبدي الكثير من الدبلوماسيين في الأمم المتحدة خشية من حرف التحقيق في جرائم غزة عن الحقيقة، ولقد بدأ التمهيد لذلك منذ بعض الوقت. فالمتحدثة باسم الأمين العام، ميشال مونتاس، ونائبتها ماري أوكابي، قالتا في غير مناسبة إن نتائج التحقيق ستخضع لنوع من التدقيق. وسيقرر الأمين العام وحده متى وكيف وماذا سينشر، ومن سيتلقّى النتيجة.
وقالت مونتاس، رداً على سؤال لـ«الأخبار» الأسبوع الماضي، إن الدائرة القانونية في الأمم المتحدة ستنظر في التقرير، قبل تحديد ما يمكن نشره منه لجهة أسماء الأشخاص الواردة فيه ومدى ملاءمة ذلك قانوناً.
تحقيق بان سيكون أول تحقيق ينتهي ويقدم خلاصات. وإذا كان لن يأتي جازماً، كما يرجّح كثيرون، فإن أي إشارة ترد فيه لتحميل الفلسطينيين مسؤولية غير مباشرة عما أصاب القطاع، ستُستخدم لكي يبنى عليها في الأمم المتحدة. وقد يكون من المطلوب حالياً استخدام كل الوسائل الدبلوماسية للضغط على الفلسطينيين من أجل قبول حلول الحد الأدنى وسط التفاهم الدولي ـــــ الإقليمي الجاري.
من جريدة الاخبار
يواجه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مأزقاً مماثلاً لما واجهه سلفه بطرس بطرس غالي، في أواخر عهده. وربما لن يكون أمامه من مخرج في موضوع التحقيق في الجرائم التي ارتكبت في غزة سوى أن يتهم مقاتلي «حماس» باستخدام مباني وكالات الإغاثة للتخفي، عندما قصفتها إسرائيل مستخدمةً أسلحة حارقة محرمة دولياً. وكانت أخطر الهجمات وأشدها همجية قتل 40 مدنياً، جلّهم من الأطفال، في مدرسة النجاح في مخيم جباليا في 6 كانون الثاني الماضي.
لكن لن يكون سهلاً على بان أن يوجّه مثل هذه التهمة، ما دامت هناك مجموعة من التحقيقات الدولية والوطنية والشعبية الجارية، التي قد تدحض ما يرد في خلاصة تحقيقاته. لذا آثر التباطؤ إلى أقصى ما يمكن في تقديم نتائج تحقيقه المستقل.
الكثير من المنظّمات الإنسانية الدولية وجماعات حقوق الإنسان، وشهود الإعلام والمواطنين على الأرض، أكدوا خلوّ منشآت الأمم المتحدة في غزة من المقاتلين، سواء في المدارس والمستودعات أو محيطها، قبل وقوع الغارات والقصف البربري وأثناءهما وبعدهما.
فمدير عمليات «الأونروا» في غزة، جون غينغ، الذي لم يغادر القطاع طيلة فترة العدوان، نفى في مؤتمرات صحافية من غزة مع نيويورك، وجود أي مقاتل أو عضو في «حماس» في صفوف موظفيه أو بين اللاجئين في المدارس والمراكز الإنسانية. وقال إن «أي موظف يظهر ولاءً لحماس وليس للأونروا سيكون مصيره الفصل».
بان قام بجولة سريعة على المستعمرات الإسرائيلية في سديروت ونواحيها، وبزيارة خاطفة لغزة بُعيد وقف الأعمال القتالية. وأثناء لقائه كبار المسؤولين الإسرائيليين، كانت القذائف المحرّمة دولياً تقتل المزيد من الأطفال في غزة وتصيب مقارّ الأونروا، رغم وعد الإسرائيليين له بالتوقف عن استهدافها. استشاط بان غضباً ووعد مجلس الأمن الدولي بفتح تحقيق لتحديد المسؤولية عن انتهاك القوانين، ووعده الإسرائيليون بالتحقيق الخاص. وبعد مماطلة ثلاثة أشهر، صدرت نتائج التحقيق الإسرائيلي الثلاثاء الماضي لتلقي المسؤولية على الفلسطينيين، وتتحدث عن «أخطاء» وقع فيها الإسرائيليون. وفي الوقت نفسه، رفضت إسرائيل فكرة التعاون مع لجنة تقصي الحقائق الدولية التي يرأسها القاضي ريتشار غولدسميث.
بان ألّف في شباط الماضي لجنة خاصة مستقلة من أربعة مسؤولين، على رأسهم القاضي البريطاني إيان مارتين، الذي كان مبعوثاً دولياً خاصاً إلى نيبال، وعمل في التسعينيات في منظمة العفو الدولية. اللجنة زارت القطاع ثلاث مرات وتأخر تقريرها من 13 آذار إلى 23 نيسان الحالي، حين سلّم إلى الأمانة العامة. ولما كان بان مشغولاً بمؤتمر عن الصومال، تلقّاه وكيله للشؤون السياسية الأميركي، لين باسكوا.
لكن حتى قبل انتهاء التحقيق وصدور التقرير كانت المخاوف تساور الفلسطينيين، وغير الفلسطينيين، من تمييع محتمل أسوة بما جرى في كل التحقيقات السابقة، ولا سيّما التحقيق الذي شمل تدمير مقر القوات الفيجية في قانا عام 1996، وأدى إلى مصرع 120 مدنياً لبنانياً معظمهم من الأطفال. مناسبة لم تأتِ على ذكرها الأمم المتحدة في 18 من هذا الشهر. ولا عجب في تجاهلها ما دام بطرس بطرس غالي قد خسر فرصة التجديد له في منصبه بعد تهديد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت. لكنه لم يتراجع. ولا تزال الأمم المتحدة تطالب إسرائيل بتحمل نفقات خسائر المعسكر، ولا تستطيع فرض ذلك عليها رغم مرور 13 عاماً على الجريمة المروعة.
وهناك التحقيق في مجزرة مخيم جنين عام 2002 الذي انتهى إلى لا نتيجة. كذلك التحقيق المتعلق بقتل 4 من مراقبي الهدنة قرب معتقل الخيام، جنوب لبنان في تموز 2006. وقتها برّأت إسرائيل من مسؤولية القتل المتعمّد رغم تحميلها مسؤولية القتل عرضاً دون فرض تبعات قانونية عليها.
لذا لم يكن مستغرباً أن يبدي الكثير من الدبلوماسيين في الأمم المتحدة خشية من حرف التحقيق في جرائم غزة عن الحقيقة، ولقد بدأ التمهيد لذلك منذ بعض الوقت. فالمتحدثة باسم الأمين العام، ميشال مونتاس، ونائبتها ماري أوكابي، قالتا في غير مناسبة إن نتائج التحقيق ستخضع لنوع من التدقيق. وسيقرر الأمين العام وحده متى وكيف وماذا سينشر، ومن سيتلقّى النتيجة.
وقالت مونتاس، رداً على سؤال لـ«الأخبار» الأسبوع الماضي، إن الدائرة القانونية في الأمم المتحدة ستنظر في التقرير، قبل تحديد ما يمكن نشره منه لجهة أسماء الأشخاص الواردة فيه ومدى ملاءمة ذلك قانوناً.
تحقيق بان سيكون أول تحقيق ينتهي ويقدم خلاصات. وإذا كان لن يأتي جازماً، كما يرجّح كثيرون، فإن أي إشارة ترد فيه لتحميل الفلسطينيين مسؤولية غير مباشرة عما أصاب القطاع، ستُستخدم لكي يبنى عليها في الأمم المتحدة. وقد يكون من المطلوب حالياً استخدام كل الوسائل الدبلوماسية للضغط على الفلسطينيين من أجل قبول حلول الحد الأدنى وسط التفاهم الدولي ـــــ الإقليمي الجاري.
من جريدة الاخبار