yass
01/04/2009, 09:47
يحدث بين الحين و الآخر أن يحتل خبر غرق عددٍ من المهاجرين (غير الشرعيين حسب تعبير البعض) في محاولاتهم اليائسة للوصول إلى أرض الأحلام الأوربية افتتاحيات الصحف و نشرات الأخبار في دول العالم الأول, و تتخلل هذه العناوين بعض التحليلات التي ترثي لحال هؤلاء المساكين الذين يتركون كل شيء في سبيل فرصة الحصول على فتات الفتات مما يرميه مواطنو مجتمعات الرفاهية, و تدوم الضجة يوماً أو اثنان ثم لا تلبث أن تُنسى القصّة, و المحزن في الأمر أن الكثيرين من الناس يعتقدون أنهم قد "أدوا الواجب" عندما لم يغيّروا القناة عند عرض الخبر أو لم يقلبوا صفحة الجريدة, بينما تتجاهل الأغلبية الساحقة هذه "الحوادث" التي أصبحت روتينية جداً في دول جنوب أوربا المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط.
في هذه اللحظة هناك أكثر من 200 مهاجر في عداد المفقودين بعد غرق القارب القديم (أو بالأحرى حطام القارب) الذي كان يقلّهم في مغامرة البحث عن السواحل الإيطالية انطلاقاً من طرابلس الغرب في ليبيا, و تم اعتبارهم كذلك بعد 40 ساعة من البحث و إنقاذ 23 غريقاً على قيد الحياة و انتشال 21 جثة و سحب قارب آخر على متنه 356 مهاجر كان قد انطلق برفقة القارب الغريق إلى السواحل الليبية. و باستثناء معجزةٍ لا ينتظرها أحد فإن هؤلاء المفقودين يمكن اعتبارهم منذ الآن في عداد الموتى.
رغم كل هذه المخاطر و الصعوبات فإن المنظمة الدولية للهجرة (IMO) تقدّر عدد المهاجرين المرابطين في مدن شمال أفريقيا الساحلية بانتظار الحصول على مكان في حطام القوارب هذه بحوالي المليون مهاجر, مليون مهاجر هم بنفس الوقت مليون رب عائلة و مليون معيل تتعلّق بحظه في الوصول إلى "إلدورادو" حيوات الملايين.
نعم, تصدّرت أخبار هذه الكارثة الصفحات الأولى من الصحف الأوربية و افتتاحيات نشرات الأخبار في الصباح و الظهيرة, و لكن أخبار المساء مشغولة بصورة الـ Air Force One و هي تقل "ابن العم" أبو حسين الأوباما إلى لندن حيث سيترأس غداً قمّة الـ G20 التي ستبحث عن خطة لإنقاذ حيتان المليارات المصرفية من الزكام الذي ألمّ بهم ,و لا أحد يتذكّر هؤلاء الضحايا.
من المضحك سماع الكثير من الأوربيين, مواطنين عاديين أو "خبراء" وهم يستغربون استمرار موجات الهجرة من القارة السوداء رغم "الأزمة المالية" الحاليّة. لعلّهم عاجزون عن فهم أن أي دولة أفريقيّة ضمن الظروف الحالية للقارّة لا تستطيع حتى أن تحلم بأن يكون لديها ربع أو حتى عُشر اقتصاد أي دولة أوربية "متأزّمة".
إن المعادلة, برأيي و برأي الكثيرين, بسيطة جداً رغم محاولة تعقيدها من قبل من يهمه الأمر, ففي ظل هذا النظام الاقتصادي المعولم الوحشي فإن شريعة الغاب هي السائدة, فالقوي يأكل الضعيف, أو يأكل طعامه فيموت من الجوع, و بكل بساطة فإن غنى دول السيادة في المنظومة الرأسمالية هو نتيجة إفقار البقية لأن الموارد الموجودة في عالمنا قد تكفي لكي نعيش كلنا حياة مقبولة في مستواها و لكنها لا تكفي لكي نكون جميعنا أغنياءً, فإفريقيا لا يمكن أن تتطوّر إن كان هناك في أوربا و الولايات المتحدة أشخاص يملكون من المال أكثر من عدّة دول أفريقية مجتمعة, أي أن شخصاً واحداً يملك كمية تعادل تلك المخصصة لملايين الأشخاص في أفريقيا, و المضحك المبكي أن الكثير من هذه الثروات ناتجة عن نهب ثروات أفريقيا نفسها عن طريق مؤامرات قذرة (راجع: لعنة الكولتان (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)).
هذه هي الرأسمالية التي يتغنّى بها الكثيرون و يعيرون الفلسفات الأخرى لأنها "فشلت أمامها".
من ضمن الكثير من التيارات "الرأسمالية" نجد تلك التي لا زالت رغم إثبات هذه النظرية فشلها حتى في الحفاظ على نفسها رغم استمرار الاستعباد الوحشي لجنوب العالم, لا زالت تطالب بأن يحكم المال نفسه (و يحكمنا, طبعاً) بينما هناك جهات أخرى تلعب دور "الشرطي الطيب" ترى أن دعم تنمية العالم الثالث ضرورة ليس لأسباب إنسانية و إنما لإنقاذ الرأسمالية نفسها, فأسواق العالم الأول مشبعة, و هناك منافسة كبيرة من دول منتجة ضخمة مثل الصين و الهند و لذلك يجب تنمية هذه الدول الفقيرة لكي تتحوّل في المستقبل إلى أسواق تصريف, فالذي لا يملك ثمن خبز أولاده لا يستطيع شراء سيارة ألمانية أو أمريكية, و لذلك يجب دعم اقتصاده كي يستطيع الشراء, أي يجب استثمار المال فيه لجني الأرباح لاحقاً, و مسوّقو هذه النظرية الاقتصادية هم بأغلبهم أوربيون و جزء من المنظومة الاقتصادية الأمريكية التي يفترض أن أوباما جزءٌ منها.
هذه النظرية الاقتصادية هي برأيي "الحل الذي ليس حلاً" فهي استمرار لسياسات الاستغلال و الاستعباد الوحشي, و هي علاج للرأسمالية الغربية و ليس لدول العالم الثالث, و لكن الكثيرين يرون أنها الآن الحل الوحيد الذي يمكن التفكير به بشكل بسيط, فحتى هذا الحل هو صعب التحقيق بشكل يقارب المستحيل, فالحكومات ضمن منظومة رأس المال العالمي لا تقرر و لا دور لها إلا عندما يحتاج أحد الحيتان ضرائب المواطنين لإنقاذ تخمته.
رغم كل شيء, يمكن اعتبار كل ما سلف عبارة عن تنظير يكاد يكون فارغاً, فالاستابلشمنت الأوربي يتعامل مع مأساة الهجرة اليائسة كالطبيب الذي يعالج الأعراض بدل معالجة أصل الداء, فكل جهودهم السياسية و الدبلوماسية تصب في بناء علاقات جيّدة مع أنظمة دول شمال أفريقيا و الساحل الشمالي الغربي للقارّة السوداء لكي يقوموا بدور "حارس الحدود" الذي يمنع هؤلاء المساكين من ركوب الزوارق إلى أوربا مقابل مردود مالي أو دعم سياسي, أي أن النظام الأوربي "الإنساني" يرى أنه من الأفضل أن يموت هؤلاء بصمت في بلدانهم بدل الموت غرقاً أمام السواحل الأوربية و تسبب مناظر الجثث المنتفخة التي تلفظها الأمواج جرح مشاعر مواطنيها الحساسة جداً, و حتى هكذا لا يستطيعون السيطرة على الأمر, فكثير من كبار مسئولي هذه الدول هم بنفس الوقت شركاء المافيات التي تتحكّم بتجارة البشر في هذه القوارب و تتقاضى عن مكانٍ في أحد هذه القوارب البسيطة ما يفوق سعر تذكرة في الدرجة الأولى بالطائرة.
يأمل الكثيرون أن تكون هذه الأزمة هي بداية نهاية النظام الرأسمالي المهيمن على الاقتصاد البشري, و أحاول أحياناً أن أكون متفائلاً مثلهم لكنني أفشل, ليس لأنني لا أكره هذا النظام الوحشي إنما لأنني أعتقد أن سقوط الرأسمالية سيكون على طريقة موت النذل: عليّ و على أعدائي. فسقوط الرأسمالية ربما سيسبب حرباً عالمية تفني نصف سكان المعمورة, أو مجاعة كونية, أو يعلم الله ما يمكن أن تسبب.
من المعتاد رؤية شرطة المرور هنا في اسبانيا قد قطعوا بعض الطرقات المؤدية و الخارجة من المدن في أيام العطل و نهاية الأسبوع و يوقفون السيارات لكي يجعلوا السائق ينفخ في جهاز يقيس نسبة الكحول في هواء الزفير, و هناك منسوب معيّن إن تجاوزه السائق فهذا يعني أنه سكران فيقومون بإيقافه و حجز سيارته و سحب رخصة القيادة منه و يقدمونه للقضاء, فهذا السائق السكير هو خطرٌ على نفسه و غيره من المارّة و لا يمكن اعتباره مؤهلاً لقيادة سيّارة, و هذا كلامٌ صحيحٌ جداً, لكنني عند التفكير في هذه المسألة أتساءل بعدها: إن كان السكير غير مؤهلٍ لقيادة سيّارة لأنه خطرٌ على نفسه و على غيره فما هو حكم المخمورين بـ"الأخضر الدولاري"؟ لماذا يُسمح لهم بقيادة العالم؟
Yass
في هذه اللحظة هناك أكثر من 200 مهاجر في عداد المفقودين بعد غرق القارب القديم (أو بالأحرى حطام القارب) الذي كان يقلّهم في مغامرة البحث عن السواحل الإيطالية انطلاقاً من طرابلس الغرب في ليبيا, و تم اعتبارهم كذلك بعد 40 ساعة من البحث و إنقاذ 23 غريقاً على قيد الحياة و انتشال 21 جثة و سحب قارب آخر على متنه 356 مهاجر كان قد انطلق برفقة القارب الغريق إلى السواحل الليبية. و باستثناء معجزةٍ لا ينتظرها أحد فإن هؤلاء المفقودين يمكن اعتبارهم منذ الآن في عداد الموتى.
رغم كل هذه المخاطر و الصعوبات فإن المنظمة الدولية للهجرة (IMO) تقدّر عدد المهاجرين المرابطين في مدن شمال أفريقيا الساحلية بانتظار الحصول على مكان في حطام القوارب هذه بحوالي المليون مهاجر, مليون مهاجر هم بنفس الوقت مليون رب عائلة و مليون معيل تتعلّق بحظه في الوصول إلى "إلدورادو" حيوات الملايين.
نعم, تصدّرت أخبار هذه الكارثة الصفحات الأولى من الصحف الأوربية و افتتاحيات نشرات الأخبار في الصباح و الظهيرة, و لكن أخبار المساء مشغولة بصورة الـ Air Force One و هي تقل "ابن العم" أبو حسين الأوباما إلى لندن حيث سيترأس غداً قمّة الـ G20 التي ستبحث عن خطة لإنقاذ حيتان المليارات المصرفية من الزكام الذي ألمّ بهم ,و لا أحد يتذكّر هؤلاء الضحايا.
من المضحك سماع الكثير من الأوربيين, مواطنين عاديين أو "خبراء" وهم يستغربون استمرار موجات الهجرة من القارة السوداء رغم "الأزمة المالية" الحاليّة. لعلّهم عاجزون عن فهم أن أي دولة أفريقيّة ضمن الظروف الحالية للقارّة لا تستطيع حتى أن تحلم بأن يكون لديها ربع أو حتى عُشر اقتصاد أي دولة أوربية "متأزّمة".
إن المعادلة, برأيي و برأي الكثيرين, بسيطة جداً رغم محاولة تعقيدها من قبل من يهمه الأمر, ففي ظل هذا النظام الاقتصادي المعولم الوحشي فإن شريعة الغاب هي السائدة, فالقوي يأكل الضعيف, أو يأكل طعامه فيموت من الجوع, و بكل بساطة فإن غنى دول السيادة في المنظومة الرأسمالية هو نتيجة إفقار البقية لأن الموارد الموجودة في عالمنا قد تكفي لكي نعيش كلنا حياة مقبولة في مستواها و لكنها لا تكفي لكي نكون جميعنا أغنياءً, فإفريقيا لا يمكن أن تتطوّر إن كان هناك في أوربا و الولايات المتحدة أشخاص يملكون من المال أكثر من عدّة دول أفريقية مجتمعة, أي أن شخصاً واحداً يملك كمية تعادل تلك المخصصة لملايين الأشخاص في أفريقيا, و المضحك المبكي أن الكثير من هذه الثروات ناتجة عن نهب ثروات أفريقيا نفسها عن طريق مؤامرات قذرة (راجع: لعنة الكولتان (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)).
هذه هي الرأسمالية التي يتغنّى بها الكثيرون و يعيرون الفلسفات الأخرى لأنها "فشلت أمامها".
من ضمن الكثير من التيارات "الرأسمالية" نجد تلك التي لا زالت رغم إثبات هذه النظرية فشلها حتى في الحفاظ على نفسها رغم استمرار الاستعباد الوحشي لجنوب العالم, لا زالت تطالب بأن يحكم المال نفسه (و يحكمنا, طبعاً) بينما هناك جهات أخرى تلعب دور "الشرطي الطيب" ترى أن دعم تنمية العالم الثالث ضرورة ليس لأسباب إنسانية و إنما لإنقاذ الرأسمالية نفسها, فأسواق العالم الأول مشبعة, و هناك منافسة كبيرة من دول منتجة ضخمة مثل الصين و الهند و لذلك يجب تنمية هذه الدول الفقيرة لكي تتحوّل في المستقبل إلى أسواق تصريف, فالذي لا يملك ثمن خبز أولاده لا يستطيع شراء سيارة ألمانية أو أمريكية, و لذلك يجب دعم اقتصاده كي يستطيع الشراء, أي يجب استثمار المال فيه لجني الأرباح لاحقاً, و مسوّقو هذه النظرية الاقتصادية هم بأغلبهم أوربيون و جزء من المنظومة الاقتصادية الأمريكية التي يفترض أن أوباما جزءٌ منها.
هذه النظرية الاقتصادية هي برأيي "الحل الذي ليس حلاً" فهي استمرار لسياسات الاستغلال و الاستعباد الوحشي, و هي علاج للرأسمالية الغربية و ليس لدول العالم الثالث, و لكن الكثيرين يرون أنها الآن الحل الوحيد الذي يمكن التفكير به بشكل بسيط, فحتى هذا الحل هو صعب التحقيق بشكل يقارب المستحيل, فالحكومات ضمن منظومة رأس المال العالمي لا تقرر و لا دور لها إلا عندما يحتاج أحد الحيتان ضرائب المواطنين لإنقاذ تخمته.
رغم كل شيء, يمكن اعتبار كل ما سلف عبارة عن تنظير يكاد يكون فارغاً, فالاستابلشمنت الأوربي يتعامل مع مأساة الهجرة اليائسة كالطبيب الذي يعالج الأعراض بدل معالجة أصل الداء, فكل جهودهم السياسية و الدبلوماسية تصب في بناء علاقات جيّدة مع أنظمة دول شمال أفريقيا و الساحل الشمالي الغربي للقارّة السوداء لكي يقوموا بدور "حارس الحدود" الذي يمنع هؤلاء المساكين من ركوب الزوارق إلى أوربا مقابل مردود مالي أو دعم سياسي, أي أن النظام الأوربي "الإنساني" يرى أنه من الأفضل أن يموت هؤلاء بصمت في بلدانهم بدل الموت غرقاً أمام السواحل الأوربية و تسبب مناظر الجثث المنتفخة التي تلفظها الأمواج جرح مشاعر مواطنيها الحساسة جداً, و حتى هكذا لا يستطيعون السيطرة على الأمر, فكثير من كبار مسئولي هذه الدول هم بنفس الوقت شركاء المافيات التي تتحكّم بتجارة البشر في هذه القوارب و تتقاضى عن مكانٍ في أحد هذه القوارب البسيطة ما يفوق سعر تذكرة في الدرجة الأولى بالطائرة.
يأمل الكثيرون أن تكون هذه الأزمة هي بداية نهاية النظام الرأسمالي المهيمن على الاقتصاد البشري, و أحاول أحياناً أن أكون متفائلاً مثلهم لكنني أفشل, ليس لأنني لا أكره هذا النظام الوحشي إنما لأنني أعتقد أن سقوط الرأسمالية سيكون على طريقة موت النذل: عليّ و على أعدائي. فسقوط الرأسمالية ربما سيسبب حرباً عالمية تفني نصف سكان المعمورة, أو مجاعة كونية, أو يعلم الله ما يمكن أن تسبب.
من المعتاد رؤية شرطة المرور هنا في اسبانيا قد قطعوا بعض الطرقات المؤدية و الخارجة من المدن في أيام العطل و نهاية الأسبوع و يوقفون السيارات لكي يجعلوا السائق ينفخ في جهاز يقيس نسبة الكحول في هواء الزفير, و هناك منسوب معيّن إن تجاوزه السائق فهذا يعني أنه سكران فيقومون بإيقافه و حجز سيارته و سحب رخصة القيادة منه و يقدمونه للقضاء, فهذا السائق السكير هو خطرٌ على نفسه و غيره من المارّة و لا يمكن اعتباره مؤهلاً لقيادة سيّارة, و هذا كلامٌ صحيحٌ جداً, لكنني عند التفكير في هذه المسألة أتساءل بعدها: إن كان السكير غير مؤهلٍ لقيادة سيّارة لأنه خطرٌ على نفسه و على غيره فما هو حكم المخمورين بـ"الأخضر الدولاري"؟ لماذا يُسمح لهم بقيادة العالم؟
Yass