..AHMAD
23/03/2009, 03:57
لم يكن عليّ أن أفكر بالمحاولة حتى ، فهذا قدري الأحمق مرسوم قبل أن أخلق ، ستة عشر عاماً قضيتها كالسجين ، آخذ ما ليس لي حاجة به رغماً عن أنفي ، لأتاجر به أمام المنظّرين " انظروا لي أيها العالم ، انظرو إليّ أيها الفقراء، أيها المساكين ، أيها المعدمين ، أيها الجالسين مثقلي الرؤوس التي لم يعد يستطع احتمالها جسدكم ، فأنا مثلكم تماماً، أنتم أميّون وأنا متعلم ومثقف وفي رأسي الفارغ هذا مئات.. بل آلاف الكتب التي لا أفهم منها حرفاً واحد" ،
لكن كلانا يمضي نهاره في النوم وفي الليل أقضيها مفكراً : "كم ساعةً عليّ أن أنام في الغد ؟.
أستغرب من نفسي غالباً لماذا لا أمضي ليلةً.. ليلةً واحدة فقط في قراء كتاب ، قصة ، بيتاً من الشعر ، أو على الأقل تلك الأخبار التي تكون على الصفحة الأولى من أي صحيفة التي إن تعدّت حدودها لا تتعدى الخمسين كلمة والتتمة في الصفحة الخامسة عشر، أقول بأن أقرأ فقط ملخص الخبر ، وليس التتمة فليس هنالك شيء يستحق الاستمرار في القراءة خمسة عشر صفحة للوصول إليه، للوصول إلى خبرٍ فارغ، ومن أدرى منكم بما تحتويه الصفحة الأولى، أعترف بأني أصبحتُ بليداً ، فالقراءة أصبحت عليّ عبئاً كبيرا، فهي لا تذكّرني إلا بسنواتي الجامعية، ومحاربتي للانتهاء منها على أمل الالتحاق بالخدمة الوظيفية مجبراً ، لكن هذا ما لم يحدث، جرّبت مؤخراً أن أقرأ ، لم يعجبني الأمر، أيضا في اليوم التالي جرّبت أن أكتب، وبعده أن ألعب الشطرنج ( على الأقل فأنا أحس بانتصار آنيّ ، ولو أنه لا يدوم إلا للحظات، لكنه إحساس رائع بالنصر )، والذي بعده أن لا أفعل شيئاً ، وبعده أن أفعل كلّ شيء لأكتشف بأني لم أفعل أي شيء على الرغم من أني واثق بأني فعلت كل تلك الأشياء، نعم ، أتوقع الآن وأنت تقرأني بأنك فهمت شيئاً ، شيئا مهما صغرت قيمته ، لكن يجب عليك أن تكون قد فهمته، قد فهمت ألمي هذا.
ألمي الذي لا أريد أن أنقله إلى أطفالي !!
نعم ، لن أنقله ، سأروي لهم غرائب وعجائب من حياتي ، لم تحدث قط ، سأحاول قدر الإمكان أن أكون جريئاً وأُدخل عنصر الإثارة والتشويق إلى رواياتي لهم عن بطولاتي ومكاتبي التي أتنقل بينها، عن أرصدتي البنكية التي خسرتها بسبب خطأ في رقم صغير ولأني طيب القلب تغاضيت عن الأمر ، نعم سأمتهن الكذب والتملّق كي أكسب قلوب أبنائي ، لربما فيما بعد أكسب أيضا بضعة قروشٍ تعينني في شيخوختي.
ها أنا أتحامق مجدداً في حديثي هذا وأتحدث عن الأطفال !!
الطفل يحتاج إلى امرأة ، والامرأة تحتاج إلى رجل ، ولكي يجتمعا يجب أن يتزوجا ، والزواج يحتاج إلى المسؤولية المسبقة ، وأفضل مكانٍ للإحساس بالمسؤولية هو الكرسي والطاولة الذي تعمل من خلفهما، فهناك سيأتيك المئات بل الآلاف من الأوراق التي تحتاج تكتيكاً خاصاً لوضع توقيعك عليها وتسييرها متحملاً بذلك مسؤولية توقيعك المعروف جداً في تلك المؤسسة، بل وتعرف أيهما يجب عليك أن تسيّره وأيهما يجب أن تعيدها إلى صاحبها.
استنتجت من كل هذا الهراء بأن المسؤولية يصاحبها العمل دوماً، لن تستطيع التمتع بالمسؤولية إلا إذا كنت في حقل عمل ما..
لكن ما المانع إن حاولت أن أحس بالمسؤولية دون تكبّد مشقة التفكير في إيجاد عمل.
أملك في جيبي خمسة آلاف ليرة وهي كل ما تبقى لي من المنحة السنوية المقدمة من جامعتي مكافأة منهم على تفوقي، سأنزل في الصباح إلى سوق النجارين لأفصّل طاولة رخيصة ومقعداً صغيرا واشتري بضعة الأوراق لأمضي عليها ، بهذا المبلغ أستطيع أن اشتري مئات الآلاف من الأوراق، وطالما هذه الأوراق فارغة فإنها تتسع إلى ثلاثين ضعف المساحة المتاحة لي بأي ورقة في وظيفة ما .. لأطبع عليها توقيعي، سأخلق عالمي الخاص، وأعيش به.
/ ، /
قصدت سوق النجارين مع صديقي حسام الذي يتمتع بوظيفةٍ ، قصدت حساماً هذا دوناً عن باقي أصدقائي الذين يشبهوني من أجل إذا اضطر الأمر ولم تكفني النقود لشراء سعادتي ونشوتي الوهمية، فأستدين ألف ليرة أو ربما إثنتان على الأكثر مقابل الملايين من التواقيع، وقفنا أمام ورشة نجارة ، ومرّ أمامنا طفلٌ لا يتجاوز عمره الخمسة عشر عاماً ، نظر إليه حسام في شفقة ثم أردف:
هذا الطفل ليس عليه أن يتواجد في مكانٍ كهذا ، على الأقل يجب أن يكمل دراسته الثانوية، حينها سيكون قد تمتع بالوعي الكافي ليقرر إن كان سيكمل دراسته أو سيكتفي بالأعمال الحرّة التي يعمل بها الآن.
ضحكتُ كثيراً وقلت له : صدقني يا حسام ، ثلاثة أعوام من الآن كافية ولنجعلها خمسة على الأكثر وستراه مهندساً في هذه الورشة ، بل ستراه يتقاضى أسبوعياً أضعاف ما تتقاضاه أنت في الشهر الكامل دون أي خصومات او ضرائب على راتبك، فهو على الأقل وجد وظيفة ويحبها، وحتى إن لم يكن يحبّها ، فإنه مع مرور الوقت سيتعلم كيف يحبها، سيكون مضطراً إلى ذلك فهذا هو قدره، مثل قدري أنا تماماً، إنّني الآن كالسمكة ، فإن أخرجتني من عزلتي هذه إلى وظيفةٍ ما ، كمن أخرج هذه السمكة من الماء إلى الهواء. دعك من هذا الطفل يا حسام ، لمَ عليه أن يُمضي إثنتا عشر عاماً في الدراسة الابتدائية والاعدادية والثانوية وأربع أو خمس سنواتٍ أخرى في الجامعة لكي يخرج في النهاية كالكثير مثلي، ليقف على باب مكتب العمل لينهرني ذلك الموظّف هناك بأنه ليس هناك وظيفة شاغرة الآن إلا لاعقاً للأحذية في مديريةٍ ما، مقابل أجرٍ لا يكفي حتى لشراءِ ماءٍ يكفي لإثارة الغدد اللعابية لديّ لألعق الأحذية مرةً أخرى.!
هل تعلم... إنني أتمنى الآن لو أني كنت مكان هذا الطفل، أتمنى أن أعود طفلاً ، لأتمرد على أهلي ، لأتمرد على تاريخ عائلتي ، لأتمرّد على ذاتي لأقول لوالدي بأن الدراسة لن تنفعني، لن ينفعني إلا "فأرة النجار" والمنشار ومتر القياس، الكتابة والقراءة لن تطعمني خبزاً، وحدها تلك الأدوات الحادة ستطعمني.
هل تعلم لو أني فعلت ذلك ؟! لكنتُ الآن مهندساً في إحدى الورشات، وأنت .. أنت ياحسام لكنت مكاني.. كنت تلعقُ حذائي كي أنهي لكَ هذه الطاولة والكرسي بأسرع وقتٍ ممكن مقابل أبخس الأسعار
يتبع
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
لكن كلانا يمضي نهاره في النوم وفي الليل أقضيها مفكراً : "كم ساعةً عليّ أن أنام في الغد ؟.
أستغرب من نفسي غالباً لماذا لا أمضي ليلةً.. ليلةً واحدة فقط في قراء كتاب ، قصة ، بيتاً من الشعر ، أو على الأقل تلك الأخبار التي تكون على الصفحة الأولى من أي صحيفة التي إن تعدّت حدودها لا تتعدى الخمسين كلمة والتتمة في الصفحة الخامسة عشر، أقول بأن أقرأ فقط ملخص الخبر ، وليس التتمة فليس هنالك شيء يستحق الاستمرار في القراءة خمسة عشر صفحة للوصول إليه، للوصول إلى خبرٍ فارغ، ومن أدرى منكم بما تحتويه الصفحة الأولى، أعترف بأني أصبحتُ بليداً ، فالقراءة أصبحت عليّ عبئاً كبيرا، فهي لا تذكّرني إلا بسنواتي الجامعية، ومحاربتي للانتهاء منها على أمل الالتحاق بالخدمة الوظيفية مجبراً ، لكن هذا ما لم يحدث، جرّبت مؤخراً أن أقرأ ، لم يعجبني الأمر، أيضا في اليوم التالي جرّبت أن أكتب، وبعده أن ألعب الشطرنج ( على الأقل فأنا أحس بانتصار آنيّ ، ولو أنه لا يدوم إلا للحظات، لكنه إحساس رائع بالنصر )، والذي بعده أن لا أفعل شيئاً ، وبعده أن أفعل كلّ شيء لأكتشف بأني لم أفعل أي شيء على الرغم من أني واثق بأني فعلت كل تلك الأشياء، نعم ، أتوقع الآن وأنت تقرأني بأنك فهمت شيئاً ، شيئا مهما صغرت قيمته ، لكن يجب عليك أن تكون قد فهمته، قد فهمت ألمي هذا.
ألمي الذي لا أريد أن أنقله إلى أطفالي !!
نعم ، لن أنقله ، سأروي لهم غرائب وعجائب من حياتي ، لم تحدث قط ، سأحاول قدر الإمكان أن أكون جريئاً وأُدخل عنصر الإثارة والتشويق إلى رواياتي لهم عن بطولاتي ومكاتبي التي أتنقل بينها، عن أرصدتي البنكية التي خسرتها بسبب خطأ في رقم صغير ولأني طيب القلب تغاضيت عن الأمر ، نعم سأمتهن الكذب والتملّق كي أكسب قلوب أبنائي ، لربما فيما بعد أكسب أيضا بضعة قروشٍ تعينني في شيخوختي.
ها أنا أتحامق مجدداً في حديثي هذا وأتحدث عن الأطفال !!
الطفل يحتاج إلى امرأة ، والامرأة تحتاج إلى رجل ، ولكي يجتمعا يجب أن يتزوجا ، والزواج يحتاج إلى المسؤولية المسبقة ، وأفضل مكانٍ للإحساس بالمسؤولية هو الكرسي والطاولة الذي تعمل من خلفهما، فهناك سيأتيك المئات بل الآلاف من الأوراق التي تحتاج تكتيكاً خاصاً لوضع توقيعك عليها وتسييرها متحملاً بذلك مسؤولية توقيعك المعروف جداً في تلك المؤسسة، بل وتعرف أيهما يجب عليك أن تسيّره وأيهما يجب أن تعيدها إلى صاحبها.
استنتجت من كل هذا الهراء بأن المسؤولية يصاحبها العمل دوماً، لن تستطيع التمتع بالمسؤولية إلا إذا كنت في حقل عمل ما..
لكن ما المانع إن حاولت أن أحس بالمسؤولية دون تكبّد مشقة التفكير في إيجاد عمل.
أملك في جيبي خمسة آلاف ليرة وهي كل ما تبقى لي من المنحة السنوية المقدمة من جامعتي مكافأة منهم على تفوقي، سأنزل في الصباح إلى سوق النجارين لأفصّل طاولة رخيصة ومقعداً صغيرا واشتري بضعة الأوراق لأمضي عليها ، بهذا المبلغ أستطيع أن اشتري مئات الآلاف من الأوراق، وطالما هذه الأوراق فارغة فإنها تتسع إلى ثلاثين ضعف المساحة المتاحة لي بأي ورقة في وظيفة ما .. لأطبع عليها توقيعي، سأخلق عالمي الخاص، وأعيش به.
/ ، /
قصدت سوق النجارين مع صديقي حسام الذي يتمتع بوظيفةٍ ، قصدت حساماً هذا دوناً عن باقي أصدقائي الذين يشبهوني من أجل إذا اضطر الأمر ولم تكفني النقود لشراء سعادتي ونشوتي الوهمية، فأستدين ألف ليرة أو ربما إثنتان على الأكثر مقابل الملايين من التواقيع، وقفنا أمام ورشة نجارة ، ومرّ أمامنا طفلٌ لا يتجاوز عمره الخمسة عشر عاماً ، نظر إليه حسام في شفقة ثم أردف:
هذا الطفل ليس عليه أن يتواجد في مكانٍ كهذا ، على الأقل يجب أن يكمل دراسته الثانوية، حينها سيكون قد تمتع بالوعي الكافي ليقرر إن كان سيكمل دراسته أو سيكتفي بالأعمال الحرّة التي يعمل بها الآن.
ضحكتُ كثيراً وقلت له : صدقني يا حسام ، ثلاثة أعوام من الآن كافية ولنجعلها خمسة على الأكثر وستراه مهندساً في هذه الورشة ، بل ستراه يتقاضى أسبوعياً أضعاف ما تتقاضاه أنت في الشهر الكامل دون أي خصومات او ضرائب على راتبك، فهو على الأقل وجد وظيفة ويحبها، وحتى إن لم يكن يحبّها ، فإنه مع مرور الوقت سيتعلم كيف يحبها، سيكون مضطراً إلى ذلك فهذا هو قدره، مثل قدري أنا تماماً، إنّني الآن كالسمكة ، فإن أخرجتني من عزلتي هذه إلى وظيفةٍ ما ، كمن أخرج هذه السمكة من الماء إلى الهواء. دعك من هذا الطفل يا حسام ، لمَ عليه أن يُمضي إثنتا عشر عاماً في الدراسة الابتدائية والاعدادية والثانوية وأربع أو خمس سنواتٍ أخرى في الجامعة لكي يخرج في النهاية كالكثير مثلي، ليقف على باب مكتب العمل لينهرني ذلك الموظّف هناك بأنه ليس هناك وظيفة شاغرة الآن إلا لاعقاً للأحذية في مديريةٍ ما، مقابل أجرٍ لا يكفي حتى لشراءِ ماءٍ يكفي لإثارة الغدد اللعابية لديّ لألعق الأحذية مرةً أخرى.!
هل تعلم... إنني أتمنى الآن لو أني كنت مكان هذا الطفل، أتمنى أن أعود طفلاً ، لأتمرد على أهلي ، لأتمرد على تاريخ عائلتي ، لأتمرّد على ذاتي لأقول لوالدي بأن الدراسة لن تنفعني، لن ينفعني إلا "فأرة النجار" والمنشار ومتر القياس، الكتابة والقراءة لن تطعمني خبزاً، وحدها تلك الأدوات الحادة ستطعمني.
هل تعلم لو أني فعلت ذلك ؟! لكنتُ الآن مهندساً في إحدى الورشات، وأنت .. أنت ياحسام لكنت مكاني.. كنت تلعقُ حذائي كي أنهي لكَ هذه الطاولة والكرسي بأسرع وقتٍ ممكن مقابل أبخس الأسعار
يتبع
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////