boozy
14/03/2009, 01:04
هل الفنان ثوري أم عدمي ؟
" ما من فنان يحتمل الواقع "
نيتشه
الفن كائن يختار ساعة وكيفية ولادته وشكل تجسده, إذن هو ليس فعل إرادة.
فالفن هو ذلك الكائن الذي يخلق الجمال خارج نطاق التاريخ, لذلك يعارض الجهد الوحيد الذي يعتبره عقلانياً.
وبمعنى آخر, تحويل التاريخ بالذات إلى جمال مطلق.
العدمية –" وهي تهور أو انحطاط القيم الجمالية لصالح القيم العملية. حيث قال بيزاف: أفضّل أن أكون حذاءا روسياً على أن أكون رافاييل روسيا (كاتب مكانته كشكسبير)(1)- خلقت صراعاً يمكن تمثيله بين شكسبير الذي يمثل الفن بقيمه الجمالية والحذاء ذو الفائدة العملية, لكن بالحقيقة إن الذي يلعن شكسبير أو الجمال ( الفن ) ليس الحذاء بل ذلك الذي انصرف في متابعة مطالعة كتب شكسبير ولا يصنع الأحذية .. ولن يتمكن أبدا من صنعها.
الفنان بحد ذاته خُلق متمرداً على الواقع, لكن تمرده لم يأت من الفراغ لغرض التمرد فحسب, بل هو مُسند على أسس وأهداف لتصحيح الواقع و العالم من حوله, تكتمل فقط ( بنظره ) عند تحقيق العمل الفني- أيا كان - , العمل الفني هنا ليس نظرة أو حلم الفنان لواقعه المكتمل والصحيح بل هو أيضا صرخة تنبيه للعالم حوله ودعوة لتصحيح الأخطاء والثورة على الموروث والمعمول به دون حتى التفكير بمصداقيته أو صحته. الفنان ليس متمردا فحسب بل هم متمرد ثوري و ( مُصلح ) .
لا يمكن أن تكون متمردا دون التطرق لأنثولوجيا مجتمعك وشرح أسباب تمردك – والأنثولوجيا: دراسة تتناول الثقافة أو الحضارة أو مجموعة معقدة تنتظم فيها المعارف
( المعتقدات, الفن, علم الحضارة, الحقوق, العادات ) وجميع الكفاءات أو العادات الأخرى التي (اكتسبها) الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع - .
ففي مجتمعنا يراعي كل منا آداب المائدة والعادات الاجتماعية وقواعد اللباس وكثيرا من مواقفنا الأخلاقية والسياسية والدينية مراعاة حقيقية, دون أن يتفحص أصلها ووظيفتها الحقيقية تفحصا (رزيناً).
نحن نتصرف ونفكر بحكم العادة والمقاومة الخارقة التي نُبديها حيال بعض المخالفات حتى الطفيفة منها تنشأ عن الخمول أكثر مما تنشأ عن إرادة واعية للمحافظة على عادات ندرك علتها. لا ريب في إن تطور الفكر المعاصر قد مكّن من نقد العادات.
قام العالم ( كوفكا ) بتجربة شهيرة " تجربة القرود الخمسة " مفادها:
وضع العالم خمسة قرود جائعة في قفص وعلق في أعلى وسطه موز , قام القردة بالتسلق على بعضهم البعض كسلم ليتمكنوا من اخذ الموز وتناوله, فرشّ العالم أسفل سلم القردة بالماء البارد سريع التدفق فوقع القردة وهربوا خوفا, بعد قليل أعاد القردة الكرّة محاولين التسلق نحو الموز فرشّهم العالم بالماء مرة أخرى.
اخرج العالم احد القردة وادخل قردا جديدا, حاول القرد الجديد التسلق نحو الموز فانهال عليه القردة الأربعة القديمة بالضرب محاولين منعه. اخرج العالم القرد تلو الآخر وفي كل مرة كان القرد الجديد الذي يحاول التسلق نحو الموز يُضري من قبل القردة الموجودة بالقفص قبله.
حتى وصل أن اخرج القردة القديمة التي رُشت بالماء كلها بالقفص ولم يبق غير خمسة قرود جديدة ومع هذا ظلّت القردة تضرب أي قردٍ جديد يدخل القفص إن حاول التسلق نحو الموز لأنها (اكتسبت) هذا السلوك من القردة القديمة دون حتى معرفة السبب.
الإنسان وُلَد طائراً, فلماذا البعض (يختار) أن يكون قردا؟
(1) ألبير كامي- الإنسان المتمرد, الفصل الرابع:التمرد والفن ص105
ايفـان الدراجي
" ما من فنان يحتمل الواقع "
نيتشه
الفن كائن يختار ساعة وكيفية ولادته وشكل تجسده, إذن هو ليس فعل إرادة.
فالفن هو ذلك الكائن الذي يخلق الجمال خارج نطاق التاريخ, لذلك يعارض الجهد الوحيد الذي يعتبره عقلانياً.
وبمعنى آخر, تحويل التاريخ بالذات إلى جمال مطلق.
العدمية –" وهي تهور أو انحطاط القيم الجمالية لصالح القيم العملية. حيث قال بيزاف: أفضّل أن أكون حذاءا روسياً على أن أكون رافاييل روسيا (كاتب مكانته كشكسبير)(1)- خلقت صراعاً يمكن تمثيله بين شكسبير الذي يمثل الفن بقيمه الجمالية والحذاء ذو الفائدة العملية, لكن بالحقيقة إن الذي يلعن شكسبير أو الجمال ( الفن ) ليس الحذاء بل ذلك الذي انصرف في متابعة مطالعة كتب شكسبير ولا يصنع الأحذية .. ولن يتمكن أبدا من صنعها.
الفنان بحد ذاته خُلق متمرداً على الواقع, لكن تمرده لم يأت من الفراغ لغرض التمرد فحسب, بل هو مُسند على أسس وأهداف لتصحيح الواقع و العالم من حوله, تكتمل فقط ( بنظره ) عند تحقيق العمل الفني- أيا كان - , العمل الفني هنا ليس نظرة أو حلم الفنان لواقعه المكتمل والصحيح بل هو أيضا صرخة تنبيه للعالم حوله ودعوة لتصحيح الأخطاء والثورة على الموروث والمعمول به دون حتى التفكير بمصداقيته أو صحته. الفنان ليس متمردا فحسب بل هم متمرد ثوري و ( مُصلح ) .
لا يمكن أن تكون متمردا دون التطرق لأنثولوجيا مجتمعك وشرح أسباب تمردك – والأنثولوجيا: دراسة تتناول الثقافة أو الحضارة أو مجموعة معقدة تنتظم فيها المعارف
( المعتقدات, الفن, علم الحضارة, الحقوق, العادات ) وجميع الكفاءات أو العادات الأخرى التي (اكتسبها) الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع - .
ففي مجتمعنا يراعي كل منا آداب المائدة والعادات الاجتماعية وقواعد اللباس وكثيرا من مواقفنا الأخلاقية والسياسية والدينية مراعاة حقيقية, دون أن يتفحص أصلها ووظيفتها الحقيقية تفحصا (رزيناً).
نحن نتصرف ونفكر بحكم العادة والمقاومة الخارقة التي نُبديها حيال بعض المخالفات حتى الطفيفة منها تنشأ عن الخمول أكثر مما تنشأ عن إرادة واعية للمحافظة على عادات ندرك علتها. لا ريب في إن تطور الفكر المعاصر قد مكّن من نقد العادات.
قام العالم ( كوفكا ) بتجربة شهيرة " تجربة القرود الخمسة " مفادها:
وضع العالم خمسة قرود جائعة في قفص وعلق في أعلى وسطه موز , قام القردة بالتسلق على بعضهم البعض كسلم ليتمكنوا من اخذ الموز وتناوله, فرشّ العالم أسفل سلم القردة بالماء البارد سريع التدفق فوقع القردة وهربوا خوفا, بعد قليل أعاد القردة الكرّة محاولين التسلق نحو الموز فرشّهم العالم بالماء مرة أخرى.
اخرج العالم احد القردة وادخل قردا جديدا, حاول القرد الجديد التسلق نحو الموز فانهال عليه القردة الأربعة القديمة بالضرب محاولين منعه. اخرج العالم القرد تلو الآخر وفي كل مرة كان القرد الجديد الذي يحاول التسلق نحو الموز يُضري من قبل القردة الموجودة بالقفص قبله.
حتى وصل أن اخرج القردة القديمة التي رُشت بالماء كلها بالقفص ولم يبق غير خمسة قرود جديدة ومع هذا ظلّت القردة تضرب أي قردٍ جديد يدخل القفص إن حاول التسلق نحو الموز لأنها (اكتسبت) هذا السلوك من القردة القديمة دون حتى معرفة السبب.
الإنسان وُلَد طائراً, فلماذا البعض (يختار) أن يكون قردا؟
(1) ألبير كامي- الإنسان المتمرد, الفصل الرابع:التمرد والفن ص105
ايفـان الدراجي