yass
11/03/2009, 02:04
تنتظر أوساط كثيرة معنيّة بالمجتمع المدني و الحقوق المدنية في سوريا بفارغ الصبر نقاش مجلس الشعب حول مراجعة و تعديل القوانين الناظمة لما يسمّى زوراً و ظلماً و بهتاناً بـ "جرائم الشرف", فهي ليست إلا جرائم قتل وحشية من المخجل وضع كلمة الشرف, هذا الكنز الثمين, بجانبها, و كذلك النظر في إمكانية منح المرأة السورية حق منح أولادها الجنسية السورية في حال ولادتهم من أب غير سوري.
بطبيعة الحال لا أحد ينتظر أن يكون النقاش في المجلس حقيقياً, بل أنه سيكون تجسيداً تمثيلياً لقرار سياسي متّخذ في جهة أعلى يمر عبر القنوات الروتينية المألوفة, و مجلس الشعب ليس إلا هذه القنوات, و ربما كنت سأعترض لو كان لدينا مجلس شعب حقيقي, و لكن ما لدينا الآن ليس إلا مجلس أغنياء جدد يبحثون عن الحصانة النيابية لتمرير بعض صفقاتهم و بعض المشايخ العشائريين و بعض الذين يرون في إنفاق المبالغ الهائلة في سبيل الوصول إلى المجلس كاستثمار لكي يعملوا كسماسرة و مسيّري معاملات "مخملية". يطول الحديث عن مجلس الشعب و لذلك نتركه لجلسة أخرى.
إن تحريك هذه القضايا الاجتماعية الهامة هو نتيجة جهد حقوقي و إعلامي لمجموعة كبيرة من الناشطين الذين ناضلوا على مدى سنوات عديدة في سبيل هذه التطوّرات القانونية على الرغم من الصعوبات و المعوقات غير السهلة بتاتاً, و هذا الجهد يستحق التنويه و الاحترام فقد فتحوا طريقاً حضارياً و شكّلوا خبرة و سابقة يمكن الاقتداء بها في جهود مستقبلية في سبيل حقوق إضافية, اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
قد يستغرب البعض أنني أدبغ جلد الدب قبل صيده, فلا نعلم ما سيخرج من هذا النقاش, و أوافق على هذه الملاحظة تماماً و لكن غبطتي ناتجة عن أن مجهوداً مدنياً قد أدى لوضع قضايا حقوقية في المحك, و أوصلها إلى الواجهة الإعلامية و القانونية, و أنا متفائل إزاء ما سيخرج عن هذا النقاش لأنني, كما قلت سابقاً, أعتقد أن القرار متّخذ و جاهز.
تعتبر جرائم الشرف من قبل الحقوقيين المعنيين بالحقوق المدنية أحد أكبر الآفات في مجتمعنا, فسوريا و للأسف تتصدّر ترتيب الدول التي تعاني من عدد كبير من هذه الجرائم, و تدخل هذه الجرائم في سياق ثقافة العنف الرائجة جداً للأسف في مجتمعنا لأسباب كثيرة, فتكفي جولة سريعة في مواقع الأخبار السورية لنجد أخباراً عن مشاجرات و جرائم عنيفة و لأتفه الأسباب غالباً, لكن جزئية جرائم الشرف تزداد خطورة لسببين, أولهما هو التقبّل الشعبي الواسع لهذا النوع من الجرائم نتيجة موروث اجتماعي يختلط أحياناً بشكل جاهل بما يعتبره الناس دينياً, و السبب الثاني هو التساهل القانوني تجاه هذا النوع من الجرائم, فبالإضافة إلى غياب النشاط التربوي الذي يعمل على التوعية ضد التقبّل الشعبي هناك مواد قانونية تحمي بشكل ما مرتكبي هذه الجرائم و تعطيهم الأسباب المخففة لما يرونه "قتل بدافع الشرف".
إن أي نشاط في مواجهة جرائم الشرف لا يمكن له أن ينجح دون سند قانوني واضح يساوي هذه الجرائم بأي جريمة قتل أخرى بالعقوبة, و بعد السند القانوني يجب أن تهتم السلطات بالجانب الخاص بالتوعية الاجتماعية عن طريق حملات تربوية تبدأ من المدارس و لا تنتهي عندها. و الطريق طويل حتى الوصول إلى نتيجة مرضية و لكن الخطوة الأولى, و هي برأيي الإصلاح القانوني, هي الخطوة الأساسية, و هي خطوة كبيرة.
أما حق منح المرأة السورية الجنسية لأولادها, فهو مطلب طبيعي لأنه حق يجب أن يكفله الدستور الذي نصّ على المساواة التامة بين المرأة و الرجل في الحقوق و الواجبات, و لذلك كان يجب أن يكون "تحصيل حاصل" و من المؤسف ألا يكون هذا النقاش مغلقاً منذ زمن طويل.
يعطي القانون السوري للمرأة حق منح أولادها جنسيتها في حالات خاصة جداً تكاد تكون استثنائية, و يعلل بعض الحقوقيين التأخر في منح هذا الحق بأنه يمكن أن يخلق مشكلة بما يخص السوريات المتزوجات من مواطنين فلسطينيين لأن منح أبناء هذا النوع من الزواج الجنسية السورية يناقض القرار القاطع برفض التجنيس و التوطين بغية عدم التفريط بحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم المغتصبة, و صراحةً لا أتمكّن من رؤية هذا التناقض الخطير الذي يتحدّثون عنه كما أنني لا أتفق بتاتاً مع الآراء القائلة بوجوب استثناء حالة السوريات المتزوجات من فلسطينيين في حال إقرار هذا القانون. فلا أعتقد أن أي فلسطيني سيفرّط بحقه في العودة إلى وطنه لأن أولاده قد حصلوا على جنسية زوجته, و خصوصاً إذا كانوا مقيمين في دولة الزوجة.
هناك الكثير من التكهنات حول النتائج المنتظرة, و تتناقل وسائل الإعلام الالكترونية توقّعات حول حيثيات لا أعتقد أن علينا نقاشها قبل أن نعلم يقيناً ما سيحدث.
نحن أمام قضيتين اجتماعيتين لا يمكن التساهل تجاههما, و يجب وضع كل الجهد اللازم في سبيل الوصول إلى أفضل النتائج دون التفافات, فالحق يجب أن يكون واضحاً نيّراً و محميّاً بقوّة القانون بدون أي استثناء, و لا شك أننا أمام انجاز حقوقي رائع في حال تم إقرار هذه القوانين بالصورة التي نتمنّاها, و سيكون هذا الجهد المتوّج بالنجاح نهجاً لجهود أخرى في سبيل حقوق أخرى يجب وضعها على الطاولة دون إبطاء إن كنا نريد الوصول إلى دولة المدنيّة و القانون و المؤسسات.
و لنتذكر دوماً جميع الفتيات و النساء اللواتي وقعن ضحايا الجهل و التخلّف, و خسرن الحياة بحجّة شرفٍ تنكي كاذب, و لنعمل دوماً على أن يكّن مجرد ذكرى أليمة... من الماضي الذي طوينا صفحته.
Yass
بطبيعة الحال لا أحد ينتظر أن يكون النقاش في المجلس حقيقياً, بل أنه سيكون تجسيداً تمثيلياً لقرار سياسي متّخذ في جهة أعلى يمر عبر القنوات الروتينية المألوفة, و مجلس الشعب ليس إلا هذه القنوات, و ربما كنت سأعترض لو كان لدينا مجلس شعب حقيقي, و لكن ما لدينا الآن ليس إلا مجلس أغنياء جدد يبحثون عن الحصانة النيابية لتمرير بعض صفقاتهم و بعض المشايخ العشائريين و بعض الذين يرون في إنفاق المبالغ الهائلة في سبيل الوصول إلى المجلس كاستثمار لكي يعملوا كسماسرة و مسيّري معاملات "مخملية". يطول الحديث عن مجلس الشعب و لذلك نتركه لجلسة أخرى.
إن تحريك هذه القضايا الاجتماعية الهامة هو نتيجة جهد حقوقي و إعلامي لمجموعة كبيرة من الناشطين الذين ناضلوا على مدى سنوات عديدة في سبيل هذه التطوّرات القانونية على الرغم من الصعوبات و المعوقات غير السهلة بتاتاً, و هذا الجهد يستحق التنويه و الاحترام فقد فتحوا طريقاً حضارياً و شكّلوا خبرة و سابقة يمكن الاقتداء بها في جهود مستقبلية في سبيل حقوق إضافية, اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
قد يستغرب البعض أنني أدبغ جلد الدب قبل صيده, فلا نعلم ما سيخرج من هذا النقاش, و أوافق على هذه الملاحظة تماماً و لكن غبطتي ناتجة عن أن مجهوداً مدنياً قد أدى لوضع قضايا حقوقية في المحك, و أوصلها إلى الواجهة الإعلامية و القانونية, و أنا متفائل إزاء ما سيخرج عن هذا النقاش لأنني, كما قلت سابقاً, أعتقد أن القرار متّخذ و جاهز.
تعتبر جرائم الشرف من قبل الحقوقيين المعنيين بالحقوق المدنية أحد أكبر الآفات في مجتمعنا, فسوريا و للأسف تتصدّر ترتيب الدول التي تعاني من عدد كبير من هذه الجرائم, و تدخل هذه الجرائم في سياق ثقافة العنف الرائجة جداً للأسف في مجتمعنا لأسباب كثيرة, فتكفي جولة سريعة في مواقع الأخبار السورية لنجد أخباراً عن مشاجرات و جرائم عنيفة و لأتفه الأسباب غالباً, لكن جزئية جرائم الشرف تزداد خطورة لسببين, أولهما هو التقبّل الشعبي الواسع لهذا النوع من الجرائم نتيجة موروث اجتماعي يختلط أحياناً بشكل جاهل بما يعتبره الناس دينياً, و السبب الثاني هو التساهل القانوني تجاه هذا النوع من الجرائم, فبالإضافة إلى غياب النشاط التربوي الذي يعمل على التوعية ضد التقبّل الشعبي هناك مواد قانونية تحمي بشكل ما مرتكبي هذه الجرائم و تعطيهم الأسباب المخففة لما يرونه "قتل بدافع الشرف".
إن أي نشاط في مواجهة جرائم الشرف لا يمكن له أن ينجح دون سند قانوني واضح يساوي هذه الجرائم بأي جريمة قتل أخرى بالعقوبة, و بعد السند القانوني يجب أن تهتم السلطات بالجانب الخاص بالتوعية الاجتماعية عن طريق حملات تربوية تبدأ من المدارس و لا تنتهي عندها. و الطريق طويل حتى الوصول إلى نتيجة مرضية و لكن الخطوة الأولى, و هي برأيي الإصلاح القانوني, هي الخطوة الأساسية, و هي خطوة كبيرة.
أما حق منح المرأة السورية الجنسية لأولادها, فهو مطلب طبيعي لأنه حق يجب أن يكفله الدستور الذي نصّ على المساواة التامة بين المرأة و الرجل في الحقوق و الواجبات, و لذلك كان يجب أن يكون "تحصيل حاصل" و من المؤسف ألا يكون هذا النقاش مغلقاً منذ زمن طويل.
يعطي القانون السوري للمرأة حق منح أولادها جنسيتها في حالات خاصة جداً تكاد تكون استثنائية, و يعلل بعض الحقوقيين التأخر في منح هذا الحق بأنه يمكن أن يخلق مشكلة بما يخص السوريات المتزوجات من مواطنين فلسطينيين لأن منح أبناء هذا النوع من الزواج الجنسية السورية يناقض القرار القاطع برفض التجنيس و التوطين بغية عدم التفريط بحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم المغتصبة, و صراحةً لا أتمكّن من رؤية هذا التناقض الخطير الذي يتحدّثون عنه كما أنني لا أتفق بتاتاً مع الآراء القائلة بوجوب استثناء حالة السوريات المتزوجات من فلسطينيين في حال إقرار هذا القانون. فلا أعتقد أن أي فلسطيني سيفرّط بحقه في العودة إلى وطنه لأن أولاده قد حصلوا على جنسية زوجته, و خصوصاً إذا كانوا مقيمين في دولة الزوجة.
هناك الكثير من التكهنات حول النتائج المنتظرة, و تتناقل وسائل الإعلام الالكترونية توقّعات حول حيثيات لا أعتقد أن علينا نقاشها قبل أن نعلم يقيناً ما سيحدث.
نحن أمام قضيتين اجتماعيتين لا يمكن التساهل تجاههما, و يجب وضع كل الجهد اللازم في سبيل الوصول إلى أفضل النتائج دون التفافات, فالحق يجب أن يكون واضحاً نيّراً و محميّاً بقوّة القانون بدون أي استثناء, و لا شك أننا أمام انجاز حقوقي رائع في حال تم إقرار هذه القوانين بالصورة التي نتمنّاها, و سيكون هذا الجهد المتوّج بالنجاح نهجاً لجهود أخرى في سبيل حقوق أخرى يجب وضعها على الطاولة دون إبطاء إن كنا نريد الوصول إلى دولة المدنيّة و القانون و المؤسسات.
و لنتذكر دوماً جميع الفتيات و النساء اللواتي وقعن ضحايا الجهل و التخلّف, و خسرن الحياة بحجّة شرفٍ تنكي كاذب, و لنعمل دوماً على أن يكّن مجرد ذكرى أليمة... من الماضي الذي طوينا صفحته.
Yass