The morning
18/02/2009, 17:49
لا أعرف أي حظ عاثر ساق هذا العجوز إلى منزلي.. فقد سمعت صوت (كركبة) أمام منزلي، أعقبها دويّ خبطة أو سقوط شيء في مدخنتي .. وظهر الرجل بلباسه الأحمر ولحيته البيضاء..
- (الحمد لله على سلامتك أيها العم العزيز).
- يضع يده على خلفيته وظهره متألماً بسبب السقوط: (آه، شكرا لك!)
- ما الذي جاء بك؟
- الحقيقة زادت عندي بعض الهدايا من فترة الأعياد فحبيت وزعها، وهناك بيوت كثيرة لم أزرها وقتها وأنا أزورها الآن!
- (وما الذي جعلك تختار بيتي من كل البيوت لتنزل فيه؟)
- (أوه، الحقيقة لقد وجدت مدخنتك نظيفة عم تلمع.. فقلت لنفسي هذا أفضل من النزول في مدخنة مشحّرة أو مشتعلة!!)
- (الحقيقة يا بابا نويل أن المدخنة نظيفة لأننا قد بعنا بونات المازوت من الصيفية .. البون بألف وأربعمئة ليرة .. وصرفنا ثمنها.. بالمناسبة إذا كنت قد تأخرت في استلام بوناتك فما عليك سوى المرور أمام مبنى محافظة دمشق فستجد لافتة تقول: (لا توجد بونات مازوت).. ولكنك ستسمع عشرات الشبان يهمسون لك بصوت خافت يشبه حفيف الشجر: (بونات مازوت.. بونات مازوت).. على كل حال نحن استغنينا عن المازوت ولا يوجد شيء يشتعل عندنا إلا المكيف ومدفأة الكهرباء..)
- (يلا، أحسنلكم وأنظفلكم.. وأحسن وأنظف لي أنا..)
- (ولكننا عندما اعتمدنا على الكهرباء في التدفئة – رأفة بالبيئة من روائح المازوت، ورأفة بالأكسجين الموجود في بيتنا والذي نتنفسه – لم يخطر ببالنا أن وزارة الكهرباء العتيدة ستبدأ تقنيناً شتوياً أيضاً تقطع فيه النور والدفء عنا!!)
- (وزارة الكهرباء مضطرة لذلك بسبب زيادة الضغط على الشبكة الكهربائية!)
- (وهل الفهيم الذي وضع هذه الشبكة لا يعرف أنه سيكون عليها ضغط في الصيف وفي الشتاء؟ ولماذا لا تتعطل الشبكة في دول أبرد بكثير من سورية؟؟ أم أن الشبكة بنيت على أساس أن المواطن السوري سيشعل لمبتي نيون في بيته فقط؟؟)
- (يا بني عم تسألني أسئلة محرجة كثيرا)
- (طيب سؤال عادي وغير محرج..)
- (تفضل)
- (شو جايبلنا معك؟)
- يحمر وجهه: (هذا السؤال بالذات لا أحبه، وهو يضرب على عصبي، فقد سمعته في مطار دمشق الدولي كثيراً عندما نزلت فيه!! على كل حال، أنت اطلب ما تريد؟)
- (طيب يا بابا نويل.. أنا أريد سيارة)
- (أنتم السوريون حالمون وخياليون! يا بني.. لو كان بإمكاني تأمين سيارة لنفسي، هل كنت أستعمل عربة مكشوفة تجرها الأيائل والغزلان!!!! ثم نصيحتي لك: شو بدك بالسيارة! حدا بيجيب الدب لكرمه!! غداً ستضطرك الدولة لبيع كل شيء - حتى لباسك الداخلي - لتدفع تكاليف ورسوم ومخالفات السيارة، ومنها رسم الإنفاق الاستهلاكي.. ومنها ترسيم السيارة السنوي الهائل الذي فرضته التعليمات الجديدة.. وثمن وقودها الذي تحسبه الدولة على أساس أن سعر برميل النفط ما زال محلقاً فوق المئة دولار.. وأجرة المرآب أو الأرصفة المأجورة التي ستوقف سيارتك فيها مجبراً ..
- نعم هذه الأرصفة التي كان آباؤنا وأجدادنا يصفون سيارتهم فيها بالمجان أمام محلاتهم أو بيوتهم قبل أن يتم الاستيلاء عليها وتلزيمها لرجال الاعمال ، وتجبرنا على الدفع تحت طائلة كلبشة السيارة ..
-بابا نويل: نعم.. أو مثلاً ستدفع إكرامية الشرطي ليغض النظر عن وقوفك الممنوع.. ولا تنس المخالفات الباهظة التي فرضها قانون السير الجديد.. وإكراميات شرطة السير في كل المناسبات.. وكل هذا بكفة، وغلاظة وضع حزام الأمان ونزعه وأنت تسير في شوارع المدينة المزدحمة وبسرعة لا تزيد عن أربعين كيلو في الساعة، في الكفة الثانية.. يا ابني شو بدك بالسيارة! ما بدك ياها.. بلالك ياها!!)
- (طيب بلاها.. أريد زيادة رواتب)
- (يا رجل.. تف من تمك!! الآن بمجرد أن تشم الناس رائحة زيادة في الرواتب سيرتفع سعر كل شيء بطريقة تقضي على فائدة الزيادة من أصلها.. وأما القطاع الخاص فلا تفكر في زيادة الرواتب فيه أصلا فالقطاع الخاص يعيش في كوكب آخر ولا يرد على أحد.. الخلاصة، ما بدك ياها ها لزيادة!!)
- (طيب أريد أن توصل بعض المساعدات إلى سكان غزة)
- (حبيبي، حاولت من كم يوم أن أوصل هدايا لأطفال غزة ولكنهم أوقفوني على معبر رفح !! وبقيت واقف ست أيام على المعبر!! وما عم يسمحوا لي أمرّ!! قال بدهم موافقة سفارتي!! وحين جبتلهم موافقة من سفارة بوليفيا، وقدمت أوراقي رفضوا طلبي.. وهيك بقيت واقف على المعبر ست أيام بهالبرد أنا وغسان بن جدو، وأحمد منصور، ووفد الأطباء السوريين، ووفد المهندسين وأساتذة الجامعات المصريين !! ووفد القانونيين الأوربيين!! وشو وقفة بهالبرد والمطر.. وشو قعدة عالأرض الباردة.. صار معي إسهال..
- طيب أنت متعود على المرور من المداخن.. لاقيلك شي نفق ومرّ منه!!
- هو بقي أنفاق يمر حدا منها؟؟ بعدين المشكلة مو بالمرور من النفق.. المشكلة بعد ما ترجع لمصر.. شو ما سمعت بزعيم حزب العمل المصري مجدي حسين اللي قرر يوصل مساعدات بنفسه إلى أطفال غزة، وعندما منعوه على المعبر، ذهب ودبر حاله .. وعند رجوعه إلى مصر كان يتسلق النفق ومد يده للخارج ليتمسك بحافته.. فسمع صوت (كلبشة) توضع في يده.. ثم شحطوه، وحكموه خمس سنوات سجن فقط!! مع غرامة كبيرة.... بقا شو مفكرين بابا نويل عنده حصانة دبلوماسية!! بعرضي وقت الجد، بلحظة بيصير قفا الشمس..
- طيب كان عندي طلب بس يظهر ما رح يطلع بايدك: هناك حيتان كبار يسيطرون على مقدرات الشعوب العربية وكنت أريد منك أن تريح الناس منهم .. وهذا قائمة باسمائهم (مكتوب على هذه الورقة..)
- يمسك الورقة ويفتحها، ثم تجحظ عيناه ويقول: (ولي.. ولي عليك! ما لقيت إلا هذه الاسماء !! لك ستين واحد مثلي ما بيزحزحو واحد من هدون !! دور على غير هالطلب.. ؟!!
- كان عندي طلب آخر غير هذا الطلب، وكنت قد كتبته على ورقة أيضاً، ولكن باعتبار أنك رفضت تلبية امنيتي السابقة ، فلن ابوح بامنيتي التالية !!!! سأمزق الورقة..
- ياسيدي خير ما تفعل شكلك مشراني ومارح تيجبها لبر .. لعمش أنا شو نزلني لعندك؟ تضرب هديك الساعة.. يا حبيبي أنا بدي نام في بيتي وليس في بيت خالتي.. شو بدك تروحني في ستين داهية.. وين الباب تبعكم؟؟) يفتح الباب بقوة ويخرج مسرعاً .. وتقع طاقيته فلا يلتفت إليها..
أناديه: يا عم....طاقيتك.... يا حجي.. يا معلم .. يا حبيب .. يا أبو الشباب .. يا....
- ولا يرد
ثم بعد ذلك نسمع صوت سيارات تأتي مسرعة وتقف أمام بيتي مع صوت كوابح قوي..
بقلم : أحمد الببيلي \ سيريانيوز \
- (الحمد لله على سلامتك أيها العم العزيز).
- يضع يده على خلفيته وظهره متألماً بسبب السقوط: (آه، شكرا لك!)
- ما الذي جاء بك؟
- الحقيقة زادت عندي بعض الهدايا من فترة الأعياد فحبيت وزعها، وهناك بيوت كثيرة لم أزرها وقتها وأنا أزورها الآن!
- (وما الذي جعلك تختار بيتي من كل البيوت لتنزل فيه؟)
- (أوه، الحقيقة لقد وجدت مدخنتك نظيفة عم تلمع.. فقلت لنفسي هذا أفضل من النزول في مدخنة مشحّرة أو مشتعلة!!)
- (الحقيقة يا بابا نويل أن المدخنة نظيفة لأننا قد بعنا بونات المازوت من الصيفية .. البون بألف وأربعمئة ليرة .. وصرفنا ثمنها.. بالمناسبة إذا كنت قد تأخرت في استلام بوناتك فما عليك سوى المرور أمام مبنى محافظة دمشق فستجد لافتة تقول: (لا توجد بونات مازوت).. ولكنك ستسمع عشرات الشبان يهمسون لك بصوت خافت يشبه حفيف الشجر: (بونات مازوت.. بونات مازوت).. على كل حال نحن استغنينا عن المازوت ولا يوجد شيء يشتعل عندنا إلا المكيف ومدفأة الكهرباء..)
- (يلا، أحسنلكم وأنظفلكم.. وأحسن وأنظف لي أنا..)
- (ولكننا عندما اعتمدنا على الكهرباء في التدفئة – رأفة بالبيئة من روائح المازوت، ورأفة بالأكسجين الموجود في بيتنا والذي نتنفسه – لم يخطر ببالنا أن وزارة الكهرباء العتيدة ستبدأ تقنيناً شتوياً أيضاً تقطع فيه النور والدفء عنا!!)
- (وزارة الكهرباء مضطرة لذلك بسبب زيادة الضغط على الشبكة الكهربائية!)
- (وهل الفهيم الذي وضع هذه الشبكة لا يعرف أنه سيكون عليها ضغط في الصيف وفي الشتاء؟ ولماذا لا تتعطل الشبكة في دول أبرد بكثير من سورية؟؟ أم أن الشبكة بنيت على أساس أن المواطن السوري سيشعل لمبتي نيون في بيته فقط؟؟)
- (يا بني عم تسألني أسئلة محرجة كثيرا)
- (طيب سؤال عادي وغير محرج..)
- (تفضل)
- (شو جايبلنا معك؟)
- يحمر وجهه: (هذا السؤال بالذات لا أحبه، وهو يضرب على عصبي، فقد سمعته في مطار دمشق الدولي كثيراً عندما نزلت فيه!! على كل حال، أنت اطلب ما تريد؟)
- (طيب يا بابا نويل.. أنا أريد سيارة)
- (أنتم السوريون حالمون وخياليون! يا بني.. لو كان بإمكاني تأمين سيارة لنفسي، هل كنت أستعمل عربة مكشوفة تجرها الأيائل والغزلان!!!! ثم نصيحتي لك: شو بدك بالسيارة! حدا بيجيب الدب لكرمه!! غداً ستضطرك الدولة لبيع كل شيء - حتى لباسك الداخلي - لتدفع تكاليف ورسوم ومخالفات السيارة، ومنها رسم الإنفاق الاستهلاكي.. ومنها ترسيم السيارة السنوي الهائل الذي فرضته التعليمات الجديدة.. وثمن وقودها الذي تحسبه الدولة على أساس أن سعر برميل النفط ما زال محلقاً فوق المئة دولار.. وأجرة المرآب أو الأرصفة المأجورة التي ستوقف سيارتك فيها مجبراً ..
- نعم هذه الأرصفة التي كان آباؤنا وأجدادنا يصفون سيارتهم فيها بالمجان أمام محلاتهم أو بيوتهم قبل أن يتم الاستيلاء عليها وتلزيمها لرجال الاعمال ، وتجبرنا على الدفع تحت طائلة كلبشة السيارة ..
-بابا نويل: نعم.. أو مثلاً ستدفع إكرامية الشرطي ليغض النظر عن وقوفك الممنوع.. ولا تنس المخالفات الباهظة التي فرضها قانون السير الجديد.. وإكراميات شرطة السير في كل المناسبات.. وكل هذا بكفة، وغلاظة وضع حزام الأمان ونزعه وأنت تسير في شوارع المدينة المزدحمة وبسرعة لا تزيد عن أربعين كيلو في الساعة، في الكفة الثانية.. يا ابني شو بدك بالسيارة! ما بدك ياها.. بلالك ياها!!)
- (طيب بلاها.. أريد زيادة رواتب)
- (يا رجل.. تف من تمك!! الآن بمجرد أن تشم الناس رائحة زيادة في الرواتب سيرتفع سعر كل شيء بطريقة تقضي على فائدة الزيادة من أصلها.. وأما القطاع الخاص فلا تفكر في زيادة الرواتب فيه أصلا فالقطاع الخاص يعيش في كوكب آخر ولا يرد على أحد.. الخلاصة، ما بدك ياها ها لزيادة!!)
- (طيب أريد أن توصل بعض المساعدات إلى سكان غزة)
- (حبيبي، حاولت من كم يوم أن أوصل هدايا لأطفال غزة ولكنهم أوقفوني على معبر رفح !! وبقيت واقف ست أيام على المعبر!! وما عم يسمحوا لي أمرّ!! قال بدهم موافقة سفارتي!! وحين جبتلهم موافقة من سفارة بوليفيا، وقدمت أوراقي رفضوا طلبي.. وهيك بقيت واقف على المعبر ست أيام بهالبرد أنا وغسان بن جدو، وأحمد منصور، ووفد الأطباء السوريين، ووفد المهندسين وأساتذة الجامعات المصريين !! ووفد القانونيين الأوربيين!! وشو وقفة بهالبرد والمطر.. وشو قعدة عالأرض الباردة.. صار معي إسهال..
- طيب أنت متعود على المرور من المداخن.. لاقيلك شي نفق ومرّ منه!!
- هو بقي أنفاق يمر حدا منها؟؟ بعدين المشكلة مو بالمرور من النفق.. المشكلة بعد ما ترجع لمصر.. شو ما سمعت بزعيم حزب العمل المصري مجدي حسين اللي قرر يوصل مساعدات بنفسه إلى أطفال غزة، وعندما منعوه على المعبر، ذهب ودبر حاله .. وعند رجوعه إلى مصر كان يتسلق النفق ومد يده للخارج ليتمسك بحافته.. فسمع صوت (كلبشة) توضع في يده.. ثم شحطوه، وحكموه خمس سنوات سجن فقط!! مع غرامة كبيرة.... بقا شو مفكرين بابا نويل عنده حصانة دبلوماسية!! بعرضي وقت الجد، بلحظة بيصير قفا الشمس..
- طيب كان عندي طلب بس يظهر ما رح يطلع بايدك: هناك حيتان كبار يسيطرون على مقدرات الشعوب العربية وكنت أريد منك أن تريح الناس منهم .. وهذا قائمة باسمائهم (مكتوب على هذه الورقة..)
- يمسك الورقة ويفتحها، ثم تجحظ عيناه ويقول: (ولي.. ولي عليك! ما لقيت إلا هذه الاسماء !! لك ستين واحد مثلي ما بيزحزحو واحد من هدون !! دور على غير هالطلب.. ؟!!
- كان عندي طلب آخر غير هذا الطلب، وكنت قد كتبته على ورقة أيضاً، ولكن باعتبار أنك رفضت تلبية امنيتي السابقة ، فلن ابوح بامنيتي التالية !!!! سأمزق الورقة..
- ياسيدي خير ما تفعل شكلك مشراني ومارح تيجبها لبر .. لعمش أنا شو نزلني لعندك؟ تضرب هديك الساعة.. يا حبيبي أنا بدي نام في بيتي وليس في بيت خالتي.. شو بدك تروحني في ستين داهية.. وين الباب تبعكم؟؟) يفتح الباب بقوة ويخرج مسرعاً .. وتقع طاقيته فلا يلتفت إليها..
أناديه: يا عم....طاقيتك.... يا حجي.. يا معلم .. يا حبيب .. يا أبو الشباب .. يا....
- ولا يرد
ثم بعد ذلك نسمع صوت سيارات تأتي مسرعة وتقف أمام بيتي مع صوت كوابح قوي..
بقلم : أحمد الببيلي \ سيريانيوز \