-
دخول

عرض كامل الموضوع : الآن تقاطع قدري بقدرهم


مالك الحلبي
02/02/2009, 11:21
الآن تقاطع قدري بقدرهم



ما جرى لي عبر الزمن لم أعيه ..!
لم أعي سبب توازي قدري لقدرهم !
لم أك فقيرا ً بالماضي ...
أبي أقطاعي ، كان له ، البر ، النهر ، الحجر وأنسه وإنسانيته .
دارت رحى الأيام علينا زارعا ًبصدورنا جيف التأميم على برنا ونهرنا وزرعنا .
جفت منا القلوب وتحجرت ، أبيضت مآقينا من هذا التأميم .
ولدت في المدينة بعيدا ًعن القرية ، انتدبت ُ إلى مدرسة داخلية تنفيذاً لتقاليد عائلتنا .
مات أبي رحمه الله بعزلة مقيتة ، أصدقائه هم ، غرفته بلده ، هوائه خمره ، فكره تاريخه ،حديثه أمجاده .
دائرة عانقها متحسسا ً إياها من الداخل ، عالم أخر ، ربما ثالث ..!
إلى أن أتى موعد زيارتي له لمعانقة دائرته وتحسسها عنه ..!
لن أوقف دمعي عليه لكيفية تحطيم دائرته ، مصباح أذّن بقطع زيته بحبل مشنقة ، أطفئ نوره ونور الدائرة .
جسد أزرق وحبل تأميم أشد زرقة قطـّع أوردتنا ووريده .
مشهد أمات ذاتي ، عيون تحجرت بصحبة نحيب صامت ، حلقي جف زبده من حمى صقيع المشهد ...!
جملة لا فارقته هي مرآته ، رددها لي : ( لدينا مال وجاه وعز كالثلج على نار سقر ) ، عند إسدال جفن عيناي المغمضتان أصلا ً يتراءى لي يرددها مع حذائه وحزامه وعصاه وخيال شاربه ...!
نخافه ونحبه ...!
وريا الثرى فوق هياكل أبي من جسد وتقاليد وعز وجاه .
،
أنهي انتدابي من المدرسة الداخلية دون أكمالها ثم حصلت على وظيفة خارج المدينة في الريف الشمالي .
هذا ريف حاذى الأتراك ، لا زالت نفسي توسوس تؤمها عن سبب تحضر شمالي عن جنوبي ...!
تتخاصم ضفتي الجسد فنأتي بعلاج الحكمة والوعظ وإحقاق الحق قدر المستطاع .
كبرت بالوظيفة وكبر زيف حلمي مخمرين بذكرى مشهد والدي الأخير .
في القرية سكنّ قلبي عشيقاتي بشواهد آمان ، فأنا قشرهن وهن حبات رماني ، حرقت شهب الشمس خوفا ً لنعومتهن ، أضمهم ، أمشط شعرهن ، ألمس وجههن ، إلا أن لؤمي هرم فزادني مللا ً وتململ ِ .
عشيقاتي ، مكتب خشب ،خزانة حديد ثرثارة وقفلها ، مدفأة هرمة ...!
لؤمي هو قشر طلاء متهرئ ..!
خـُفـّـِت َوهجي بنعرات مدير ٍ حنـّك بالقطران وعزائي راتب زاجل جثا بمشاشتي زائدا ً غرز براثنه الباردة قبيل جهاده بلا وداعي ، إلى أن أردُيتْ نهاية حياتي البوهيمية بأمر من مديري قائلا ً : خذ هذا الختم ، إنك أجدت الروتين ...!
وبلمس الختم ، لامست تسـّيد الأختام على الرقع وغواية الملك بالعظام وسعادة شمائله كلما تفل على عشيقاتي ، تلا فيف حافره حرك مخاض ثقتي وتكبري ...!
فما حالي عند سماع صوته ؟ ...!
وعند فراقي اليومي له أشعر بذل وخوف وتشرذم ...!
،
بالعطل والمناسبات أعود لأمي .
أمي ليلى هانم
وريثة حياة أرستقراطية أعمدتها ، أسم العائلة وتاريخه ، مسلك حياة ، علاقات اجتماعية .
وريثة صندوق ، مزركش العمر ، مغبر الذكريات ، خشبي الأصالة .
وريثة حفلات موسيقية دورية ، بوداع أبي هجرنا العازفون وبقيت الآلات تأن ّ داخل أقمشة مخملية حمراء من صفرة صديقاتها وثرثرتهم .
تهيم بالمنزل كأن رب المنزل قادم فهي الأم والزوجة والضوء والهواء .
يؤلمني رتابة جملها خلف أبواب غرفها الموصدة ، تحادثه ، تشاجره ، لازال معلق بذاكرتي لا بذاكرتها ...!
تنتظره وتنساه ، يدثرها كالحمى ليلا ً شتاء ً ، أعتدتُ على تحسس تجاعيد صبرها للقاه ...!
لله دره كم ذكرته بعد هجرانه ، لا نشعر بقيمة أنفسنا إلا بعد رحيلنا ...!
أقبل عيناها كمن يقبـّل هواء ورمال وما علاها ، لأنها عاشت وستعيش معه ...
وقت الدواء
أكرهه ، أكرهه
،
أسُلـَخُ من ضياء أمي إلى عتمة القطار إلى مجهول أصمني إلى ضجيج الفلاحين إلى ضياء ختمي .
أحب هذا الختم ...
الكل بحاجة لسلطتي وختمي وإن تكلم لأستنجد بالثلج من حرارة سطوتي .
أفتح درج ذكرياتي الخشبي يتسلل الختم ببريقه الخشبي إلى عيناي المسهبتان عليه .
أصمت كثيرا ً ، أفكر أكثر بقهر عليه ..
وكيف ولى ؟ !
لن أسامح من سرقه مني بغفوة ...! ، سأسامحه وأقبله ...!
السارق زوّر أوراقا ً به ، بعد مدة استدعيت للتحقيق بتهمة التزوير .
أفرع التحقيق من السب والضرب والتعذيب استهلكوا سهول وجبال كبريائي وعزتي الضبابية ، إلى أن وصلت إلى سريري وحضن أمي جثة هامدة وقلب وأنفاس وذكريات تعمل بحياء علـّها ترضى بحكم القدر وتسليم وقضاء.
الآن تقاطع قدري بقدرهم

saba n
02/02/2009, 13:07
يا الله..
شو هالعمق بالكلمات...:D

ربيع الأحزان
02/02/2009, 20:06
كنت فى البدايه
أود أن أختار مقطعا من تلك السينفونيه
وأكتب لك رائع
لكنى كلما أعجبني مقطع وجدت مقطع آخر أعجبني أكثر
وذلك حتى وصلت لقدرك


كم رائع قدرك

إليك:D

مالك الحلبي
06/12/2009, 11:20
شكراً لكل من عقّب وقرأ.....