رجل من ورق
31/01/2009, 13:13
جاء في المستطرف أن فقيهاً سكن بيتاً سقفه يقرقع طوال الوقت, فجاءه صاحب البيت يطلب الأجرة. فقال له: أصلح السقف فإنه يقرقع. رد الفقيه: لا تخف فإنه يسبح الله تعالى. فقال صاحب البيت: أخشى أن تدركه رِقَةٌ فيسجد.
هذا هو حال اعلامنا الرسمي, يقرقع طوال الوقت, ومع ذلك... تنوه الحكومة في بيان صادر عن اجتماعها الأخير بأدائه و«مواكبته للحدث, وكشفه جرائم اسرائيل وسياستها العنصرية وطبيعتها الوحشية التي خلفت هذا الدمار الهائل في غزة»...
ترى اذا لم تكن مواكبة الحدث الواجب الأول والأخير للإعلام, فماذا تراه فاعلاً؟ واذا لم يكن الاعلام السوري تحديداً مهموماً بكشف جرائم اسرائيل وعنصريتها ووحشيتها, فماذا يميزه عن الاعلام المخضوضر الذي يجتاح الفضاء العربي؟
لولا أن الحرب على غزة وضعت أوزارها, ولولا تنويه الحكومة بالأداء الاعلامي المحلي, لما كنا فتحنا سيرة الأداء الاعلامي, وبلعنا الغصة لأن الحكمة وقت الحروب تقول: «لو كان فمك مملوءاً بالدم فلا تبصقه», فما بالنا بحرب ليست كباقي الحروب بعمق مأساتها وفظاعة وحشيتها؟ ونستبق ما جرى قائلين, ليت الحكومة سكتت, ولم تنوه بهذا الأداء, لكنا التزمنا الصمت وسياسة ضبط النفس, أو تقنين النقد, لا خوفاً من مجهول ولا حرصاً على ود صديق, وانما الملل من حديث ممل, ملَّ منه الملل نفسه, هذا أولاً, وثانياً الخجل... اذ ماذا بعد يمكن قوله في نقد أداء الاعلام الرسمي ولم يقل؟ اللهم سوى تنويه الحكومة المفتونة بنفسها!!
فهذا الاعلام الذي واكب حدث غزة في اليوم الأول والذي افتتح بمجزرة نقلت التلفزيونات العربية وقائعها مباشرة, آثر تلفزيوننا عرض أفلام وثائقية من ألف وتسعمئة وخشبة عن الحركة الصهيونية, ومقابلات مسجلة مع فلاسفة يخوضون في معاني أرض الميعاد ومكونات الفكر الصهيوني, مما حفظناه عن ظهر قلب. أما ما تلا من أيام العدوان, فللأمانة استنفر التلفزيون كل طاقاته للبث المباشر ومتابعة التظاهرات, فتبارت مذيعاتنا الحسان بالاجتهادات وأظهرن مهارة في تدبيج وتركيب وعفشكة أسئلة بطعم وبلا طعم يوجهونها لضيوف كان ظهورهم أيضا بطعم وبلا طعم, فمثلاً تمت استضافة طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة السفير, وهو معروف بهذه الصفة خصوصاً في الأوساط الاعلامية, مع ذلك كانت المذيعة مصرة على الصاق شبهة «الدكترة» به, فتخاطبه بالدكتور والباحث والمفكر, ولا ندري كيف اكتشفت المذيعة هذه الصفات الخفية لدى الأستاذ طلال سلمان, والتي تعد من الجوانب المجهولة للداني والقاصي!! أما الأسئلة فأعانه الله على تلك ساعة مكربة, حين عزته مذيعتنا بمنصور الرحباني, وليتها اكتفت بالعزاء ولم تجتهد بتعداد مناقب العملاق الراحل, اذ قالت لضيفها اللبناني أن ما فعله الرحابنة لتزيين لبنان في عيوننا, ربما كان أفضل من عمل وزارة السياحة!! وللعلم موضوع البرنامج كان عن غزة وفي ذروة العدوان الهمجي. اندهش الضيف من جانبه, واستعصت الكلمات في فمه وكأن حنكه أمسكته كماشة, فرد عليها بأن الرحابنة أفضل من كتب ولحن وغنى للمقاومة ولفلسطين والقدس وأعمالهم صارت جزءاً من الوجدان... تداركت المذيعة لاحقاً, ومنحت الرحابنة وسام معاملتهم كأبطال راحلين لأن أغاني فيروز كانت تنطوي على «مقاومة أدبية», وتابعت من غيض فيضها, وسألت ضيفها في نهاية الحديث, كيف يمكن أن نخلق ثقافة المقاومة؟ وهنا أسقط في يد طلال سلمان ورد مستنكراً: «هذا حرام... ثقافة المقاومة موجودة .. وانما نقول كيف يتم تسخينها وتعزيزها»!!
ومثال آخر في اليوم ذاته, عرض التلفزيون تحقيقاً وثائقياً مصوراً €عميقا في الذاكرة€ تضمن لقاءات مع مواطنين فلسطينيين يعيشون في سوريا, يروون ذكرياتهم عن بلداتهم التي هُجروا منها, وفكرة البرنامج تؤكد أن اسرائيل لم تفلح بختم الذاكرة بالشمع الأحمر؛ حتى الآن كل شيء جيد, لكن أن يجرى لقاء مع رجل مسن أول كلمة قالها أنه لا يذكر شيئاً عن المجاهدين الذين كانوا معه قبل النكبة, فهذه لعمري مفارقة لا يمكن هضمها, حتى لو حاول من معه تذكيره, الى ان تدفقت التداعيات الى الذاكرة في مشهد آخر خالية من المعنى والمعلومة!! اذاً لم يختموا الذاكرة بالشمع الأحمر... انما تُختم وتشوش ببرامج كهذه أسهم بسلقها فريق من حوالى 30 موظفاً ادارياً.
هذه أمثلة عن كيف نملأ الهواء بأداء اعلامي من المفترض أنه موجه لتعزيز فكر المقاومة, وليس لتكرار كلمة €مقاومة€ آلاف المرات على مدار الساعة, حتى يدركها التهرؤ وتفقد غايتها وهدفها.
أما الأمثلة الأكثر جدية فهو ما جرى لدى نقل كلمة الرئيس بشار الأسد في قمة الدوحة, بكل ما عنته هذه المناسبة وما حمله الخطاب من مواقف في وقت بالغ الدقة والحساسية, فعندما كانت القنوات العربية الأخرى تنقل الخطاب ما عدا واحدة قطعت النقل المباشر لأسباب ليست مجهولة, اجتهد التلفزيون السوري بتقسيم الشاشة الى جزئين لمتابعة حدثين: خطاب الرئيس في الدوحة, ومظاهرة أمام السفارة الفنزويلية بـ«دمشق الآن».
هل هذه هي المواكبة التي نوهت بها الحكومة؟! مرحى ومرحى ثانية لما بعد نقل الخطاب, حين عادت الكاميرا الى الأستوديو مع برنامج على الهواء «حملة تبرعات لأطفال غزة» حلَّ عليه الفنانون ضيوفا, فتبرعوا وبرعوا في تحليل السياسات الدولية والعربية, على وقع الأغاني الوطنية, فسمعنا فناناً يتحدث عن بيض عربي يُجلسون عليه كونداليزا رايس متسائلاً: «رايس ماذا تفقس هل حمام ويمام أم أفاعي وثعابين وجرادين...»!! وفنان آخر يشتم بوش ويتمنى اغراقه بمزيد من الأحذية طبعا يستحقها بوش لكن بوش ورايس وسائر أركان حربه بحد ذاتهم لا يستحقون هدر دقيقة على هوائنا الوطني للحديث عنهم, في وقت انصرفت التلفزيونات الأخرى لتحليل ما جاء في خطاب الأسد, من رسائل مواقف وأطر سياسية تم تحديدها...
هل نتابع أم نكتفي بهذا القدر... أم نقول حسبنا من وسائل اعلامنا وكالة الأنباء السورية «سانا» التي رتقت ضعف المواكبة, ونشرت الخطابات كاملة وبسرعة ملحوظة خلال قمتي الدوحة والكويت, مع متابعات ميدانية للشارع, وكانت المعين الوحيد والأوحد لتزويد المواقع الالكترونية والصحف المحلية والعربية بالخبر السوري.
نذكر «سانا» لا حباً بها, وانما لدرء اتهامنا بالتعميم, وكي لا تظن حكومتنا أن تنويهها بمواكبة الاعلام السوري للحدث ذهب هدراً, قبل أن تُدرِك سقفه رِقَةٌ لا سمح الله فيسجد.
عن موقع وجه سوريا
هذا هو حال اعلامنا الرسمي, يقرقع طوال الوقت, ومع ذلك... تنوه الحكومة في بيان صادر عن اجتماعها الأخير بأدائه و«مواكبته للحدث, وكشفه جرائم اسرائيل وسياستها العنصرية وطبيعتها الوحشية التي خلفت هذا الدمار الهائل في غزة»...
ترى اذا لم تكن مواكبة الحدث الواجب الأول والأخير للإعلام, فماذا تراه فاعلاً؟ واذا لم يكن الاعلام السوري تحديداً مهموماً بكشف جرائم اسرائيل وعنصريتها ووحشيتها, فماذا يميزه عن الاعلام المخضوضر الذي يجتاح الفضاء العربي؟
لولا أن الحرب على غزة وضعت أوزارها, ولولا تنويه الحكومة بالأداء الاعلامي المحلي, لما كنا فتحنا سيرة الأداء الاعلامي, وبلعنا الغصة لأن الحكمة وقت الحروب تقول: «لو كان فمك مملوءاً بالدم فلا تبصقه», فما بالنا بحرب ليست كباقي الحروب بعمق مأساتها وفظاعة وحشيتها؟ ونستبق ما جرى قائلين, ليت الحكومة سكتت, ولم تنوه بهذا الأداء, لكنا التزمنا الصمت وسياسة ضبط النفس, أو تقنين النقد, لا خوفاً من مجهول ولا حرصاً على ود صديق, وانما الملل من حديث ممل, ملَّ منه الملل نفسه, هذا أولاً, وثانياً الخجل... اذ ماذا بعد يمكن قوله في نقد أداء الاعلام الرسمي ولم يقل؟ اللهم سوى تنويه الحكومة المفتونة بنفسها!!
فهذا الاعلام الذي واكب حدث غزة في اليوم الأول والذي افتتح بمجزرة نقلت التلفزيونات العربية وقائعها مباشرة, آثر تلفزيوننا عرض أفلام وثائقية من ألف وتسعمئة وخشبة عن الحركة الصهيونية, ومقابلات مسجلة مع فلاسفة يخوضون في معاني أرض الميعاد ومكونات الفكر الصهيوني, مما حفظناه عن ظهر قلب. أما ما تلا من أيام العدوان, فللأمانة استنفر التلفزيون كل طاقاته للبث المباشر ومتابعة التظاهرات, فتبارت مذيعاتنا الحسان بالاجتهادات وأظهرن مهارة في تدبيج وتركيب وعفشكة أسئلة بطعم وبلا طعم يوجهونها لضيوف كان ظهورهم أيضا بطعم وبلا طعم, فمثلاً تمت استضافة طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة السفير, وهو معروف بهذه الصفة خصوصاً في الأوساط الاعلامية, مع ذلك كانت المذيعة مصرة على الصاق شبهة «الدكترة» به, فتخاطبه بالدكتور والباحث والمفكر, ولا ندري كيف اكتشفت المذيعة هذه الصفات الخفية لدى الأستاذ طلال سلمان, والتي تعد من الجوانب المجهولة للداني والقاصي!! أما الأسئلة فأعانه الله على تلك ساعة مكربة, حين عزته مذيعتنا بمنصور الرحباني, وليتها اكتفت بالعزاء ولم تجتهد بتعداد مناقب العملاق الراحل, اذ قالت لضيفها اللبناني أن ما فعله الرحابنة لتزيين لبنان في عيوننا, ربما كان أفضل من عمل وزارة السياحة!! وللعلم موضوع البرنامج كان عن غزة وفي ذروة العدوان الهمجي. اندهش الضيف من جانبه, واستعصت الكلمات في فمه وكأن حنكه أمسكته كماشة, فرد عليها بأن الرحابنة أفضل من كتب ولحن وغنى للمقاومة ولفلسطين والقدس وأعمالهم صارت جزءاً من الوجدان... تداركت المذيعة لاحقاً, ومنحت الرحابنة وسام معاملتهم كأبطال راحلين لأن أغاني فيروز كانت تنطوي على «مقاومة أدبية», وتابعت من غيض فيضها, وسألت ضيفها في نهاية الحديث, كيف يمكن أن نخلق ثقافة المقاومة؟ وهنا أسقط في يد طلال سلمان ورد مستنكراً: «هذا حرام... ثقافة المقاومة موجودة .. وانما نقول كيف يتم تسخينها وتعزيزها»!!
ومثال آخر في اليوم ذاته, عرض التلفزيون تحقيقاً وثائقياً مصوراً €عميقا في الذاكرة€ تضمن لقاءات مع مواطنين فلسطينيين يعيشون في سوريا, يروون ذكرياتهم عن بلداتهم التي هُجروا منها, وفكرة البرنامج تؤكد أن اسرائيل لم تفلح بختم الذاكرة بالشمع الأحمر؛ حتى الآن كل شيء جيد, لكن أن يجرى لقاء مع رجل مسن أول كلمة قالها أنه لا يذكر شيئاً عن المجاهدين الذين كانوا معه قبل النكبة, فهذه لعمري مفارقة لا يمكن هضمها, حتى لو حاول من معه تذكيره, الى ان تدفقت التداعيات الى الذاكرة في مشهد آخر خالية من المعنى والمعلومة!! اذاً لم يختموا الذاكرة بالشمع الأحمر... انما تُختم وتشوش ببرامج كهذه أسهم بسلقها فريق من حوالى 30 موظفاً ادارياً.
هذه أمثلة عن كيف نملأ الهواء بأداء اعلامي من المفترض أنه موجه لتعزيز فكر المقاومة, وليس لتكرار كلمة €مقاومة€ آلاف المرات على مدار الساعة, حتى يدركها التهرؤ وتفقد غايتها وهدفها.
أما الأمثلة الأكثر جدية فهو ما جرى لدى نقل كلمة الرئيس بشار الأسد في قمة الدوحة, بكل ما عنته هذه المناسبة وما حمله الخطاب من مواقف في وقت بالغ الدقة والحساسية, فعندما كانت القنوات العربية الأخرى تنقل الخطاب ما عدا واحدة قطعت النقل المباشر لأسباب ليست مجهولة, اجتهد التلفزيون السوري بتقسيم الشاشة الى جزئين لمتابعة حدثين: خطاب الرئيس في الدوحة, ومظاهرة أمام السفارة الفنزويلية بـ«دمشق الآن».
هل هذه هي المواكبة التي نوهت بها الحكومة؟! مرحى ومرحى ثانية لما بعد نقل الخطاب, حين عادت الكاميرا الى الأستوديو مع برنامج على الهواء «حملة تبرعات لأطفال غزة» حلَّ عليه الفنانون ضيوفا, فتبرعوا وبرعوا في تحليل السياسات الدولية والعربية, على وقع الأغاني الوطنية, فسمعنا فناناً يتحدث عن بيض عربي يُجلسون عليه كونداليزا رايس متسائلاً: «رايس ماذا تفقس هل حمام ويمام أم أفاعي وثعابين وجرادين...»!! وفنان آخر يشتم بوش ويتمنى اغراقه بمزيد من الأحذية طبعا يستحقها بوش لكن بوش ورايس وسائر أركان حربه بحد ذاتهم لا يستحقون هدر دقيقة على هوائنا الوطني للحديث عنهم, في وقت انصرفت التلفزيونات الأخرى لتحليل ما جاء في خطاب الأسد, من رسائل مواقف وأطر سياسية تم تحديدها...
هل نتابع أم نكتفي بهذا القدر... أم نقول حسبنا من وسائل اعلامنا وكالة الأنباء السورية «سانا» التي رتقت ضعف المواكبة, ونشرت الخطابات كاملة وبسرعة ملحوظة خلال قمتي الدوحة والكويت, مع متابعات ميدانية للشارع, وكانت المعين الوحيد والأوحد لتزويد المواقع الالكترونية والصحف المحلية والعربية بالخبر السوري.
نذكر «سانا» لا حباً بها, وانما لدرء اتهامنا بالتعميم, وكي لا تظن حكومتنا أن تنويهها بمواكبة الاعلام السوري للحدث ذهب هدراً, قبل أن تُدرِك سقفه رِقَةٌ لا سمح الله فيسجد.
عن موقع وجه سوريا