Marooshe
19/01/2009, 05:32
حفلة تخرّج عبد المنعِم!
بقلم بسام درويش
تتزاحمُ الأفكـارُ في رأس عبد المنعم وهو يجلس على كرسي المرحاض ممسكاً بين يديه صفحةً من جريدة الثورة، يقرأ ما فيها قبل أن يحوِّلها إلى قطع صغيرة، يستعيض بها عن أوراق "التواليت" التي مضى على فقدها من الأسواق أعوام. ويسرح عبد المنعم بخياله بينما تقفز عيناه بين السطور والعناوين والصور. وأخيراً، تنفرج أسارير وجهه عند عنوانٍ يقول: "نزول كمياتٍ كبيرة من السكَّر إلى الأسواق!"، ويلهج قلبه بالدعاء لوزير التموين، فإن ملعقةً إضافية من السكَّر في كأس الشاي تليِّن المعدة وتجعلُ جلسةً كهذه أكثرَ يُسراً.. إنَّ مجرَّد قراءة الخبر قد جعل أمعاء عبد المنعم تتمدَّدُ وتتقلَّص مبشِّـرةً باقتراب الفرج!
ألا باركَ اللهُ في حكومتنا الرشيدة ووزارة التموين وصحيفة الثورة والمهيب الركن القائد الأمين، إذ لا شكّ بأن فقد أوراق التواليت أمرٌ تدبِّره العناية العليّة البعثية ليُضطرَّ المواطنون إلى اصطحاب "الثورة" أو "البعث" أو "الجماهير" معهم إلى المستراح فيقرؤون وبذلك يستريحون!
ويحدّث عبد المنعم نفسه: "ماذا نفهمُ نحنُ المواطنون العاديّون بسياسة التدبير والتموين وغيرها؟ وماذا يطلب المواطن أكثر من أن يعيش تحتَ هذه النعمة وفي ظل هؤلاء المُـنعِـميـن. ما أحلى وأهنأ الحياة في كنفهم!.. الحمد لله على هذه النعمة، الحمد لله وألف الحمد لله.. إنَّ أمي لم تخطئ بتسميتي عبد المنعم لأني أقدّر النِّعم، وأنا أيضاً سأسمِّي ابني عبد السميع، ولن أخشى عليه من الأيام لأنني سأتركه بين أيدي هذه العناية فهي وحدها التي تَسـمعُ إذا طَلَبَ وتَتَسَمَّع إذا دعا.. آذانها في كل مكان، عيونها في كل مكان، وهي تبعث بملائكتها دائماً يَسْــتَجْوِبون ويستجيبون."
وتنتقـلُ عينا عبد المنعم إلى عنوانٍ آخر يقول: "السيّد الرئيس القائد يعِدُ بإحالة الموظَّفين المتلاعبين بقوت الشعب مهما كانت مناصبهم إلى القضاء العادل". ويبتسم مرة أخرى ويرفع عينيه إلى أعلى ويقول: "حيَّ الله الثابت في أقواله.. هذا خبرٌ جديرٌ بإعادة النشر حقاً!.." ، فعبد المنعم لم ينسَ أنه قرأ هذا الخبر منذ أكثر من عشر سنوات، ومنذ خمس سنواتٍ، وأربع وثلاث، كما قرأه في العام الماضي وها هو يقرأه الآن. إنه أمر إن دلَّ على شيء فإنه يدل على أن حكومتنا ثابتة على ما تقـول، لا تغيِّر الأيامُ شيئاً في مبادئها ومُـثُلِـها التي تؤمن بها وتسعى إلى تطبيقها. هذا هو ما نريد!.. حكومة تقول وتثبت على ما تقول، ولا يهمُّ متى تنفِّذ فإنما الأعمال بالنيّــات.
ويحسُّ صاحبنا بأمعائه تتحرَّك وتبدأ عملها فتظهر على وجهه علامات الراحة والانفراج، فخبر إنزال السكَّر إلى الأسواق قد فعلَ فعله، وهنا يرفعُ دعاءه للعهدِ بطول العمر ثم يقلب الصفحة ليبدأ بتقطيعها إلى أجزاء، ولكنّه يتوقّف عن ذلك وهو يرى صورةً القائد تزيّـنُ نصف الصفحة التالية.
تكبر الابتسامة على شفتي عبد المنعم.. وتصبح الابتسامة عريضة.. عريضة.. عريضة!..
سنواتٌ وسنوات وهو يمسحُ مؤخِّرته بالبعث والثورة والجماهير.. سنوات وهو يمسح مؤخرته بخطابات القادة والرفاق الحزبيين والدكاترة الفخريين والمفكرين العقائديين حتى أصبحت "خلـفـيـّـتـه" بحقٍّ ثوريةً بعثيةً اشتراكية، وقد آن الأوان لكي ينضمَّ بكلِّيته إلى صفوف الحزب علَّه يصبحُ من عداد أولئك الذين يحقُّ لهم استعمال الأوراق الناعمة المهرَّبة، ويترك الصحف للذين لم تتثقَّف مؤخراتهم بعد.
ينظر عبد المنعم إلى الصورة نظرة إعجابٍ ويرى فيها القطعة المناسبة من الثورة ليُـتَوِّجَ بها مؤخرته. وهكذا، يتخرَّج عبد المنعم من المرحاضِ حزبياً وعقائدياً عنيداً، ومنه يخطو أولى خطواته لتحقيـق آماله وآمال الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
بقلم بسام درويش
تتزاحمُ الأفكـارُ في رأس عبد المنعم وهو يجلس على كرسي المرحاض ممسكاً بين يديه صفحةً من جريدة الثورة، يقرأ ما فيها قبل أن يحوِّلها إلى قطع صغيرة، يستعيض بها عن أوراق "التواليت" التي مضى على فقدها من الأسواق أعوام. ويسرح عبد المنعم بخياله بينما تقفز عيناه بين السطور والعناوين والصور. وأخيراً، تنفرج أسارير وجهه عند عنوانٍ يقول: "نزول كمياتٍ كبيرة من السكَّر إلى الأسواق!"، ويلهج قلبه بالدعاء لوزير التموين، فإن ملعقةً إضافية من السكَّر في كأس الشاي تليِّن المعدة وتجعلُ جلسةً كهذه أكثرَ يُسراً.. إنَّ مجرَّد قراءة الخبر قد جعل أمعاء عبد المنعم تتمدَّدُ وتتقلَّص مبشِّـرةً باقتراب الفرج!
ألا باركَ اللهُ في حكومتنا الرشيدة ووزارة التموين وصحيفة الثورة والمهيب الركن القائد الأمين، إذ لا شكّ بأن فقد أوراق التواليت أمرٌ تدبِّره العناية العليّة البعثية ليُضطرَّ المواطنون إلى اصطحاب "الثورة" أو "البعث" أو "الجماهير" معهم إلى المستراح فيقرؤون وبذلك يستريحون!
ويحدّث عبد المنعم نفسه: "ماذا نفهمُ نحنُ المواطنون العاديّون بسياسة التدبير والتموين وغيرها؟ وماذا يطلب المواطن أكثر من أن يعيش تحتَ هذه النعمة وفي ظل هؤلاء المُـنعِـميـن. ما أحلى وأهنأ الحياة في كنفهم!.. الحمد لله على هذه النعمة، الحمد لله وألف الحمد لله.. إنَّ أمي لم تخطئ بتسميتي عبد المنعم لأني أقدّر النِّعم، وأنا أيضاً سأسمِّي ابني عبد السميع، ولن أخشى عليه من الأيام لأنني سأتركه بين أيدي هذه العناية فهي وحدها التي تَسـمعُ إذا طَلَبَ وتَتَسَمَّع إذا دعا.. آذانها في كل مكان، عيونها في كل مكان، وهي تبعث بملائكتها دائماً يَسْــتَجْوِبون ويستجيبون."
وتنتقـلُ عينا عبد المنعم إلى عنوانٍ آخر يقول: "السيّد الرئيس القائد يعِدُ بإحالة الموظَّفين المتلاعبين بقوت الشعب مهما كانت مناصبهم إلى القضاء العادل". ويبتسم مرة أخرى ويرفع عينيه إلى أعلى ويقول: "حيَّ الله الثابت في أقواله.. هذا خبرٌ جديرٌ بإعادة النشر حقاً!.." ، فعبد المنعم لم ينسَ أنه قرأ هذا الخبر منذ أكثر من عشر سنوات، ومنذ خمس سنواتٍ، وأربع وثلاث، كما قرأه في العام الماضي وها هو يقرأه الآن. إنه أمر إن دلَّ على شيء فإنه يدل على أن حكومتنا ثابتة على ما تقـول، لا تغيِّر الأيامُ شيئاً في مبادئها ومُـثُلِـها التي تؤمن بها وتسعى إلى تطبيقها. هذا هو ما نريد!.. حكومة تقول وتثبت على ما تقول، ولا يهمُّ متى تنفِّذ فإنما الأعمال بالنيّــات.
ويحسُّ صاحبنا بأمعائه تتحرَّك وتبدأ عملها فتظهر على وجهه علامات الراحة والانفراج، فخبر إنزال السكَّر إلى الأسواق قد فعلَ فعله، وهنا يرفعُ دعاءه للعهدِ بطول العمر ثم يقلب الصفحة ليبدأ بتقطيعها إلى أجزاء، ولكنّه يتوقّف عن ذلك وهو يرى صورةً القائد تزيّـنُ نصف الصفحة التالية.
تكبر الابتسامة على شفتي عبد المنعم.. وتصبح الابتسامة عريضة.. عريضة.. عريضة!..
سنواتٌ وسنوات وهو يمسحُ مؤخِّرته بالبعث والثورة والجماهير.. سنوات وهو يمسح مؤخرته بخطابات القادة والرفاق الحزبيين والدكاترة الفخريين والمفكرين العقائديين حتى أصبحت "خلـفـيـّـتـه" بحقٍّ ثوريةً بعثيةً اشتراكية، وقد آن الأوان لكي ينضمَّ بكلِّيته إلى صفوف الحزب علَّه يصبحُ من عداد أولئك الذين يحقُّ لهم استعمال الأوراق الناعمة المهرَّبة، ويترك الصحف للذين لم تتثقَّف مؤخراتهم بعد.
ينظر عبد المنعم إلى الصورة نظرة إعجابٍ ويرى فيها القطعة المناسبة من الثورة ليُـتَوِّجَ بها مؤخرته. وهكذا، يتخرَّج عبد المنعم من المرحاضِ حزبياً وعقائدياً عنيداً، ومنه يخطو أولى خطواته لتحقيـق آماله وآمال الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.