وائل 76
14/01/2009, 19:33
معركة غزة ... حسابات الأهداف والخسائر!
بسم الله الذي أسقط كل حسابات التآمر والترويض والأمركة والأسرلة والهزيمة على أعتاب غزة الإباء، والحمد لله الذي مَنَّ على فرعون مصر بأتراك وقطريين ويمنيين بعد أن مَنَّ عليه سابقاً بإيرانيين وسوريين وجنوب لبنانيين ليُسقطوا قلاعه ويخترقوا حصونه وينتزعوا منه المواقف!
والحمد لله أيضاً الذي مَنَّ على الأمة بحماس لتقتلع المحتل والمختل بالتطبيع والخنا والتآمر.
والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين الذي قال (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة: اختر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بدايةً وقبل الحديث عن النصر المؤزر المُحقق بإذن الله عز وجل وعن قائمة الأهداف التي استطاعت المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة المقاومة الإسلامية حماس حصدها خلال ثمانية عشر يوماً هي عمر معركة إعادة صياغة جغرافيا وتاريخ المنطقة العربية بأسرها، أرى أنه من الواجب أن أدعو الكتاب والمثقفين العرب أن يبدأوا فوراً بترتيب أجنداتهم المستقبلية وأن يعدوا برامج مقالاتهم ودراساتهم وأبحاثهم التي ستتمحور حول تجربة المقاومة في غزة لنقل هذه التجربة الفريدة للأمم التي ترزح تحت نير الاحتلال والعبودية خاصةً في تلك المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج. ونحن إذ ندعو إلى ذلك إنما ننطلق من واجبنا تجاه أبناء أمتنا المجيدة كعادتنا دائماً فنحن السبَّاقون دائماً لمد يد العون والخير لأمتنا، ونحن السبَّاقون دائماً لخدمة أبناء أمتنا وللدفاع عنهم وعن مقدساتهم وأمنهم واستقرارهم، ولا نريدُ منهم جزاءً ولا شكوراً، وهل لدى الأمة مقابل يوازي نقص الأموال والأنفس والثمرات؟!
كما وأغتنم الفرصة أيضاً لأدعو علماء السياسة وبخاصة العرب منهم للبدء فوراً بدراسة هذا النموذج السياسي الجديد الذي ابتدعته القيادة السياسية الحقيقة للشعب الفلسطيني. فوالذي جعل "سعود الفيصل" يصدق أن مجلس الأمن يملك فرض قراراته على غير العرب إنه لنموذج لا يملك أن يأتي بمثله إلا من وصفهم الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عندما قال (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا). صدق الله العظيم
شاء الله عز وجل أن يتأخر هذا المقال إلى اليوم الذي أقرأ فيه ردود الفعل التي تصدرت الصحف الناطقة بلسان النظام العربي الرسمي بعد الكلمات التي وجهها الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والأستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني للشعب الفلسطيني وللأمة في اليوم السادس عشر والسابع عشر لمعركة إعادة صياغة جغرافيا وتاريخ المنطقة العربية، ليزداد اليقين في قلبي بالنصر المؤزر بعد سلسلة التحليلات والقراءات العبقرية التي قرأتها في صحف النظام الرسمي العربي.
وحيث أننا قد تعودنا في عهد حماس أن نؤسس مواقفنا على عقائد راسخة ووفق ما يقتضيه العقل والمنطق، وحيث أن المعارك والحروب تُترجم انتصاراتها بحجم ما تحقق من أهداف، وحيث أن جيش الاحتلال الذي قُهر هناك في "بنت جبيل" وهنا في "جبل الكاشف" ومعه حكومة الاحتلال وحلفائهم من الأعراب التي ستلحق البائدة بإذن الله عز وجل قد وضعوا قائمة من الأهداف يُراد تحقيقها من خلال هذه الحرب تمثلت فيما يلي:
1- القضاء على نظام حماس الحاكم في غزة.
2- تفكيك البنى التحتية للمقاومة الفلسطينية.
3- وقف إطلاق الصواريخ على المغتصبات المحاذية لقطاع غزة.
هذا على صعيد الأهداف المعلنة، أما عن الأهداف الغير معلنة فتتلخص في تهيئة المناخ المناسب لعودة الرئيس الفلسطيني السابق "محمود عباس" لغزة وما سيتمخض عن ذلك من تحقيق لعدة أهداف مرحلية وإستراتيجية.
وهنا ينبغي التأكيد على أن الرغبة الصهيونية الجامحة في عودة الرئيس السابق "محمود عباس" لغزة تعني وبكل يقين ووضوح فشل الخطة (أ) التي اعتقد الصهاينة أنها مجدية حينما حاولوا استثمار وجود حماس في غزة بمفردها لتضييق الخناق عليها ومن ثم حملها على مقايضة المواقف واختزال معادلة المقاومة مقابل رغيف الخبز، فشلت مؤامرة الحصار والتجويع فكان لابد من الخطة (ب) والتي فشلت أيضاً بإذن الله عز وجل.
نعود للحديث عن حسابات الأهداف، ففي مقابل قائمة الأهداف الصهيونية- الرسمية العربية هناك عدة أهداف وضعتها المقاومة الفلسطينية وحركة حماس وسعت بيقين المؤمن بالله عز وجل لتحقيقها في محاولة لاستثمار المعركة التي مَنَّ الله عز وجل علينا بها، وتتمثل تلك الأهداف فيما يلي:
1- رفع الحصار وفتح المعابر دون قيد أو شرط.
2- تهيئة المناخ المناسب لإنهاء حالة الانقسام ولحوار وطني شامل على قاعدة الثوابت الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني.
3- اغتنام الفرصة وأسر ما يمكن أسره من جنود صهاينة لتبييض المعتقلات الصهيونية من الأسرى الفلسطينيين.
أما عن قائمة الأهداف الصهيونية - الرسمية العربية فعلى الرغم من دك قطاع غزة يومياً بـ 3500 طن حمم متفجرة من طائرات العدو ودبابته، وعلى الرغم من استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وعلى الرغم من قرابة الألف شهيد حتى الآن معظمهم من المدنيين الفلسطينيين، وعلى الرغم من هدم آلاف المنازل فوق رؤوس ساكنيها إلا أن شيئاً من تلك الأهداف لم يتحقق بحمد الله وتوفيقه، فنظام حماس الحاكم في غزة وهو بحق النظام الذي يمثل شعبنا الفلسطيني وثوابته وتضحياته منذ قرن من الزمان ازداد قوةً وبأساً والتفافاً جماهيرياً.
وبُنى المقاومة وتشكيلاتها ازدادت قوةً وشراسةً وتعقيداً أكثر من ذي قبل، وليس أدل على ذلك من ثمانية عشر يوماً حتى الآن والجيش المقهور أعجز من أن يلتقط لنفسه صورة تذكارية في ميدان غزة. (أثناء كتابة هذا المقال قامت وحدة استشهادية من كتائب القسام بالالتفاف خلف خطوط العدو ومن ثم زرعت عبوة ناسفة وانسحبت بسلام لتفجرها بعد ذلك، وقد رأى معظم سكان مدينة غزة حمم النار وهي تتعالى من جبل الكاشف مكان تمركز قوات الاحتلال الصهيوني).
والأكيد هنا أن معادلة رعب جديدة استطاعت أن تفرضها صواريخ المقاومة الفلسطينية ودرة تاجها كتائب العز القسامية حين استطاعت أن تصل لما هو أبعد بكثير مما كان يعتقده "إيهود بارك" الذي حدد المنطقة الساخنة في اليوم الأول للحرب بالأربعين كيلو متر الأولى المحيطة بقطاع غزة، فأربكت حساباته صواريخُ العز القسامية وهي تدك قاعدة "بلماخيم" العسكرية التي تبعد عن قطاع غزة خمسين كيلو متراً، والتي تمثل الركيزة الأهم في منظومة الدفاع الجوي في جنوب الكيان الصهيوني كله. هذا فيما يتعلق بالأهداف الصهيونية - الرسمية العربية الخاسرة.
أما عن أهداف المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة حماس فأما بنعمة ربك فحدث!
استطاعت حركة حماس وبإبداع سياسي مُتقن أن تخلط الأوراق جميعها وأن تقلب الحسابات والرهانات رأساً على عقب، وأن تعيد صياغة تحالفات المنطقة من جديد، والأهم أن تكسر معادلة الاستفراد المصري-السعودي بالمنطقة، وأن تُدخل لاعبين جدد على المعادلة الإقليمية رغماً عن أنف محور الاعتدال العربي.
المثير هنا أن تحالفات جديدة بدأت تظهر وتبادر للعب دور محوري في المنطقة يصب في عكس اتجاه ما يصبو إليه محور الاعتدال العربي؛ تحالفات أقل ما يمكن قوله تجاهها أن محور الاعتدال العربي لا يستطيع إدراجها ضمن قائمة محاور الشر أو الهلال الشيعي!
أما عن التناقضات العربية التي جرى تطويعها لخدمة القضية الفلسطينية وأجندة المقاومة بحنكة سياسية قل نظيرها فلا تحتاج لبحث أو تأمل وليس على القارئ الكريم سوى الاستماع لردات الفعل تجاه الدعوة القطرية لعقد القمة العربية!
إضافة لذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يُغفل هذا الغليان الشعبي الذي يبشر بثورة قد تأكل الأخضر واليابس إن لم يكن في هذه المرحلة ففي مرحلة أقرب مما يتصور الجميع، ولست مبالغاً إذا ما قلت أن نقمة شعبية عارمة لم يسبق لها مثيل، ولم يكن أحد يتوقعها باتت تشكل خطراً داهماً على النظام الرسمي العربي، فبربكم هل منكم من رأى في منامه رئيس حزب مصري يصف مبارك بالصهيونية في مقال تصدَّر صحف المعارضة؟!، وهل منكم من رأى في منامه "محمد مهدي عاكف" يجلس برفقة نخبة من قادة الأحزاب والتجمعات والنقابات المصرية وعلى الهواء مباشرة يتحدث عن فرعون مصر وكأنه حشرة مقززة؟!.
هذا الغليان والحراك الشعبي المُبشر يشكل عبئاً جديداً على العروش الخاوية التي استعبدت الأمة واعتقدت أنها استطاعت وأد كل خلجات نفسها المؤمنة بزوال (إسرائيل)، عبئاً يضاف إلى أعباء أخرى فرضتها حماس والمقاومة الفلسطينية على هذه العروش الخاوية بإذن الله عز وجل، سيجعل التخبط والتيه سيد الموقف على المستويين الداخلي والخارجي.
أما عن الهدف الثاني فإن صمود وتجذر المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة حماس وثباتها في الميدان وإبداعها العسكري الغير متوقع قد أسس لمعادلة داخلية أصبح من العبث بموجبها الاعتقاد بأن حماس يمكن تطويعها وترويضها وحملها على قبول ما لا يتوافق مع أهداف شعبنا الفلسطيني ومصالحه العليا، وأثق يقيناً هنا أن فريق الرئيس السابق "محمود عباس" بات يدرك تماماً أنه لا سبيل سوى القبول بالأمر الواقع المفروض من قِبل حركة حماس، والعمل على الخروج بأعلى سقف مطالب ممكن في أي حوار داخلي قادم.
شخصياً أعتقد أن فريق الرئيس الفلسطيني السابق يعتقد الآن أن حماس باتت قادرة على حماية قطاع غزة ولجم أي محاولة لتغيير الواقع المفروض هناك ما يعني أن حماس الآن أصبح لديها متسع للتفكير بالآلية التي يمكن من خلالها إعادة صياغة الواقع في الضفة الغربية من خلال نسق غير مسبوق وغير متوقع، وأعتقد أيضاً أن قراءة بل قراءات مختلفة لكلمات الأستاذ خالد مشعل التي وجهها للضفة الغربية هي الشغل الشاغل لفريق الرئيس الفلسطيني السابق الآن في محاولة لتأخير قدر الله عز وجل النافذ في الأرض ما أمكن!
نأتي للحديث عن الهدف الثالث والذي يمثل قمة التحدي والثقة بالله عز وجل أولاً وبقدرة المقاومة الفلسطينية، فالمقاومة الفلسطينية ودرة تاجها كتائب العز القسامية أعلنت في أكثر من مرة قُبيل العدوان ومع بدءه وأثناءه أنها تسعى جاهدة لأسر جنود صهاينة وفي ذلك رد أبلغ من البلاغة نفسها على من اعتقد أن المقاومة الآن تعرضت لانتكاسات وضربات موجعة من قِبل العدو، طبعاً كفلسطينيين لا نقبل بحال من الأحوال من حماة عرين غزة أن ينزلوا في ردودهم لمستوى من اعتقد أن المقاومة تلقت ضربات موجعة، أو أن يسعوا لنفي ذلك، انتظرنا رداً على قدر حماة عرين غزة، وقد كان!
ثلاث عمليات أسر لجنود صهاينة ناجحة 100% حتى الآن على الرغم من قيام طائرات العدو بقصف الخلية الآسرة والجندي الصهيوني معها بعد انتهاء عملية الأسر بنجاح، وذلك من خلال بعض التقنيات التي تم تزويد الجنود الصهاينة بها لتحديد أماكنهم بعد الخطف، وهذا إن دل على الشيء فإنما يدل على حالة الإرباك والتخبط التي تعيشها المؤسسة العسكرية الصهيونية التي أصبحت تضحي بجنودها واحداً تلو الآخر في سبيل تأخير انكشاف الحقائق وتأخير عقد لجنة "فينوغراد" الثانية!
وأثق أنا وكل من يرى بعينيه ويستمع بأذنيه ما يتعرض لها جيش الاحتلال كل ليلة أن لجنة بل لجان تحقيق ستنعقد بعد انتهاء هذه المعركة لتحقق ليس في الهزيمة المدوية لجيش الاحتلال فحسب وإنما في الجرائم التي يرتكبها قادة جيش العدو بحق جنودهم في غزة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب أرواح جنودهم المهزومين!
والحديث عن انجازات المقاومة الفلسطينية وأهداف حماس التي تحققت بإذن الله عز وجل حتى الآن يطول ويتشعب؛ فما بين استخدام أسلحة جديدة، إلى استخدام صواريخ مضادة للطائرات، إلى استخدام موجات لاسلكية لخداع جيش الاحتلال، وشبكات اتصالات خاصة لم يستطع جيش الاحتلال فك رموزها، إلى صواريخ جراد تدك أهدافاً صهيونيةً منتقاة بعناية، موقعةً أضراراً بالغة، إلى تكتيكات قتالية مرعبة، وفرق الاستشهاديين، ووحدات الدرجات النارية، التي يحذر جنود الاحتلال زملائهم القادمين للمعركة منها، إلى غير تلك الأسلحة والأساليب والتكتيكات التي ستُذهل الجميع بعد انتهاء الحرب بإذن الله عز وجل. ببساطة يمكن القول أن المقاومة الفلسطينية ودرة تاجها كتائب العز القسامية استطاعت أن تطوِّع وتستثمر كل شيء متوفر في قطاع غزة لإمداد مقاتليها، فسلاح الجو الصهيوني الذي نفذ مئات الغارات على أنفاق رفح معتقداً أن بذلك قد قضى على ساحة الإمداد الخلفي للمقاومة لم يكن يعتقد أن 360 كم قادرة أن تتصدى بهذا العنفوان والقوة لأقوى جيوش المنطقة.
ختاماً أقول وبثقة المؤمن بالله عز وجل وبما جاء به رسوله الصادق الأمين صلوات ربي وسلامه عليه، إن ما يجري الآن في غزة هو محاولة بائسة يائسة لتغيير قدر الله عز وجل في الأرض، ولإقناع مليار ونصف مسلم بأن محمد بن عبد الله –حاشاه- كان ينطق عن الهوى! فهل منكم من يملك مجرد التفكير في ذلك؟!
حماس ومعها البقية الباقية ممن آمنوا بقوله عز وجل (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) هم قدر الله عز وجل على هذه الأرض، وهم الذين وعدهم الله عز وجل بالنصرة والتمكين بعد أن استخلفهم فيها لكن أكثر الناس لا يعلمون!
بسم الله الذي أسقط كل حسابات التآمر والترويض والأمركة والأسرلة والهزيمة على أعتاب غزة الإباء، والحمد لله الذي مَنَّ على فرعون مصر بأتراك وقطريين ويمنيين بعد أن مَنَّ عليه سابقاً بإيرانيين وسوريين وجنوب لبنانيين ليُسقطوا قلاعه ويخترقوا حصونه وينتزعوا منه المواقف!
والحمد لله أيضاً الذي مَنَّ على الأمة بحماس لتقتلع المحتل والمختل بالتطبيع والخنا والتآمر.
والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين الذي قال (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة: اختر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بدايةً وقبل الحديث عن النصر المؤزر المُحقق بإذن الله عز وجل وعن قائمة الأهداف التي استطاعت المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة المقاومة الإسلامية حماس حصدها خلال ثمانية عشر يوماً هي عمر معركة إعادة صياغة جغرافيا وتاريخ المنطقة العربية بأسرها، أرى أنه من الواجب أن أدعو الكتاب والمثقفين العرب أن يبدأوا فوراً بترتيب أجنداتهم المستقبلية وأن يعدوا برامج مقالاتهم ودراساتهم وأبحاثهم التي ستتمحور حول تجربة المقاومة في غزة لنقل هذه التجربة الفريدة للأمم التي ترزح تحت نير الاحتلال والعبودية خاصةً في تلك المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج. ونحن إذ ندعو إلى ذلك إنما ننطلق من واجبنا تجاه أبناء أمتنا المجيدة كعادتنا دائماً فنحن السبَّاقون دائماً لمد يد العون والخير لأمتنا، ونحن السبَّاقون دائماً لخدمة أبناء أمتنا وللدفاع عنهم وعن مقدساتهم وأمنهم واستقرارهم، ولا نريدُ منهم جزاءً ولا شكوراً، وهل لدى الأمة مقابل يوازي نقص الأموال والأنفس والثمرات؟!
كما وأغتنم الفرصة أيضاً لأدعو علماء السياسة وبخاصة العرب منهم للبدء فوراً بدراسة هذا النموذج السياسي الجديد الذي ابتدعته القيادة السياسية الحقيقة للشعب الفلسطيني. فوالذي جعل "سعود الفيصل" يصدق أن مجلس الأمن يملك فرض قراراته على غير العرب إنه لنموذج لا يملك أن يأتي بمثله إلا من وصفهم الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عندما قال (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا). صدق الله العظيم
شاء الله عز وجل أن يتأخر هذا المقال إلى اليوم الذي أقرأ فيه ردود الفعل التي تصدرت الصحف الناطقة بلسان النظام العربي الرسمي بعد الكلمات التي وجهها الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والأستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني للشعب الفلسطيني وللأمة في اليوم السادس عشر والسابع عشر لمعركة إعادة صياغة جغرافيا وتاريخ المنطقة العربية، ليزداد اليقين في قلبي بالنصر المؤزر بعد سلسلة التحليلات والقراءات العبقرية التي قرأتها في صحف النظام الرسمي العربي.
وحيث أننا قد تعودنا في عهد حماس أن نؤسس مواقفنا على عقائد راسخة ووفق ما يقتضيه العقل والمنطق، وحيث أن المعارك والحروب تُترجم انتصاراتها بحجم ما تحقق من أهداف، وحيث أن جيش الاحتلال الذي قُهر هناك في "بنت جبيل" وهنا في "جبل الكاشف" ومعه حكومة الاحتلال وحلفائهم من الأعراب التي ستلحق البائدة بإذن الله عز وجل قد وضعوا قائمة من الأهداف يُراد تحقيقها من خلال هذه الحرب تمثلت فيما يلي:
1- القضاء على نظام حماس الحاكم في غزة.
2- تفكيك البنى التحتية للمقاومة الفلسطينية.
3- وقف إطلاق الصواريخ على المغتصبات المحاذية لقطاع غزة.
هذا على صعيد الأهداف المعلنة، أما عن الأهداف الغير معلنة فتتلخص في تهيئة المناخ المناسب لعودة الرئيس الفلسطيني السابق "محمود عباس" لغزة وما سيتمخض عن ذلك من تحقيق لعدة أهداف مرحلية وإستراتيجية.
وهنا ينبغي التأكيد على أن الرغبة الصهيونية الجامحة في عودة الرئيس السابق "محمود عباس" لغزة تعني وبكل يقين ووضوح فشل الخطة (أ) التي اعتقد الصهاينة أنها مجدية حينما حاولوا استثمار وجود حماس في غزة بمفردها لتضييق الخناق عليها ومن ثم حملها على مقايضة المواقف واختزال معادلة المقاومة مقابل رغيف الخبز، فشلت مؤامرة الحصار والتجويع فكان لابد من الخطة (ب) والتي فشلت أيضاً بإذن الله عز وجل.
نعود للحديث عن حسابات الأهداف، ففي مقابل قائمة الأهداف الصهيونية- الرسمية العربية هناك عدة أهداف وضعتها المقاومة الفلسطينية وحركة حماس وسعت بيقين المؤمن بالله عز وجل لتحقيقها في محاولة لاستثمار المعركة التي مَنَّ الله عز وجل علينا بها، وتتمثل تلك الأهداف فيما يلي:
1- رفع الحصار وفتح المعابر دون قيد أو شرط.
2- تهيئة المناخ المناسب لإنهاء حالة الانقسام ولحوار وطني شامل على قاعدة الثوابت الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني.
3- اغتنام الفرصة وأسر ما يمكن أسره من جنود صهاينة لتبييض المعتقلات الصهيونية من الأسرى الفلسطينيين.
أما عن قائمة الأهداف الصهيونية - الرسمية العربية فعلى الرغم من دك قطاع غزة يومياً بـ 3500 طن حمم متفجرة من طائرات العدو ودبابته، وعلى الرغم من استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وعلى الرغم من قرابة الألف شهيد حتى الآن معظمهم من المدنيين الفلسطينيين، وعلى الرغم من هدم آلاف المنازل فوق رؤوس ساكنيها إلا أن شيئاً من تلك الأهداف لم يتحقق بحمد الله وتوفيقه، فنظام حماس الحاكم في غزة وهو بحق النظام الذي يمثل شعبنا الفلسطيني وثوابته وتضحياته منذ قرن من الزمان ازداد قوةً وبأساً والتفافاً جماهيرياً.
وبُنى المقاومة وتشكيلاتها ازدادت قوةً وشراسةً وتعقيداً أكثر من ذي قبل، وليس أدل على ذلك من ثمانية عشر يوماً حتى الآن والجيش المقهور أعجز من أن يلتقط لنفسه صورة تذكارية في ميدان غزة. (أثناء كتابة هذا المقال قامت وحدة استشهادية من كتائب القسام بالالتفاف خلف خطوط العدو ومن ثم زرعت عبوة ناسفة وانسحبت بسلام لتفجرها بعد ذلك، وقد رأى معظم سكان مدينة غزة حمم النار وهي تتعالى من جبل الكاشف مكان تمركز قوات الاحتلال الصهيوني).
والأكيد هنا أن معادلة رعب جديدة استطاعت أن تفرضها صواريخ المقاومة الفلسطينية ودرة تاجها كتائب العز القسامية حين استطاعت أن تصل لما هو أبعد بكثير مما كان يعتقده "إيهود بارك" الذي حدد المنطقة الساخنة في اليوم الأول للحرب بالأربعين كيلو متر الأولى المحيطة بقطاع غزة، فأربكت حساباته صواريخُ العز القسامية وهي تدك قاعدة "بلماخيم" العسكرية التي تبعد عن قطاع غزة خمسين كيلو متراً، والتي تمثل الركيزة الأهم في منظومة الدفاع الجوي في جنوب الكيان الصهيوني كله. هذا فيما يتعلق بالأهداف الصهيونية - الرسمية العربية الخاسرة.
أما عن أهداف المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة حماس فأما بنعمة ربك فحدث!
استطاعت حركة حماس وبإبداع سياسي مُتقن أن تخلط الأوراق جميعها وأن تقلب الحسابات والرهانات رأساً على عقب، وأن تعيد صياغة تحالفات المنطقة من جديد، والأهم أن تكسر معادلة الاستفراد المصري-السعودي بالمنطقة، وأن تُدخل لاعبين جدد على المعادلة الإقليمية رغماً عن أنف محور الاعتدال العربي.
المثير هنا أن تحالفات جديدة بدأت تظهر وتبادر للعب دور محوري في المنطقة يصب في عكس اتجاه ما يصبو إليه محور الاعتدال العربي؛ تحالفات أقل ما يمكن قوله تجاهها أن محور الاعتدال العربي لا يستطيع إدراجها ضمن قائمة محاور الشر أو الهلال الشيعي!
أما عن التناقضات العربية التي جرى تطويعها لخدمة القضية الفلسطينية وأجندة المقاومة بحنكة سياسية قل نظيرها فلا تحتاج لبحث أو تأمل وليس على القارئ الكريم سوى الاستماع لردات الفعل تجاه الدعوة القطرية لعقد القمة العربية!
إضافة لذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يُغفل هذا الغليان الشعبي الذي يبشر بثورة قد تأكل الأخضر واليابس إن لم يكن في هذه المرحلة ففي مرحلة أقرب مما يتصور الجميع، ولست مبالغاً إذا ما قلت أن نقمة شعبية عارمة لم يسبق لها مثيل، ولم يكن أحد يتوقعها باتت تشكل خطراً داهماً على النظام الرسمي العربي، فبربكم هل منكم من رأى في منامه رئيس حزب مصري يصف مبارك بالصهيونية في مقال تصدَّر صحف المعارضة؟!، وهل منكم من رأى في منامه "محمد مهدي عاكف" يجلس برفقة نخبة من قادة الأحزاب والتجمعات والنقابات المصرية وعلى الهواء مباشرة يتحدث عن فرعون مصر وكأنه حشرة مقززة؟!.
هذا الغليان والحراك الشعبي المُبشر يشكل عبئاً جديداً على العروش الخاوية التي استعبدت الأمة واعتقدت أنها استطاعت وأد كل خلجات نفسها المؤمنة بزوال (إسرائيل)، عبئاً يضاف إلى أعباء أخرى فرضتها حماس والمقاومة الفلسطينية على هذه العروش الخاوية بإذن الله عز وجل، سيجعل التخبط والتيه سيد الموقف على المستويين الداخلي والخارجي.
أما عن الهدف الثاني فإن صمود وتجذر المقاومة الفلسطينية ورأس حربتها حركة حماس وثباتها في الميدان وإبداعها العسكري الغير متوقع قد أسس لمعادلة داخلية أصبح من العبث بموجبها الاعتقاد بأن حماس يمكن تطويعها وترويضها وحملها على قبول ما لا يتوافق مع أهداف شعبنا الفلسطيني ومصالحه العليا، وأثق يقيناً هنا أن فريق الرئيس السابق "محمود عباس" بات يدرك تماماً أنه لا سبيل سوى القبول بالأمر الواقع المفروض من قِبل حركة حماس، والعمل على الخروج بأعلى سقف مطالب ممكن في أي حوار داخلي قادم.
شخصياً أعتقد أن فريق الرئيس الفلسطيني السابق يعتقد الآن أن حماس باتت قادرة على حماية قطاع غزة ولجم أي محاولة لتغيير الواقع المفروض هناك ما يعني أن حماس الآن أصبح لديها متسع للتفكير بالآلية التي يمكن من خلالها إعادة صياغة الواقع في الضفة الغربية من خلال نسق غير مسبوق وغير متوقع، وأعتقد أيضاً أن قراءة بل قراءات مختلفة لكلمات الأستاذ خالد مشعل التي وجهها للضفة الغربية هي الشغل الشاغل لفريق الرئيس الفلسطيني السابق الآن في محاولة لتأخير قدر الله عز وجل النافذ في الأرض ما أمكن!
نأتي للحديث عن الهدف الثالث والذي يمثل قمة التحدي والثقة بالله عز وجل أولاً وبقدرة المقاومة الفلسطينية، فالمقاومة الفلسطينية ودرة تاجها كتائب العز القسامية أعلنت في أكثر من مرة قُبيل العدوان ومع بدءه وأثناءه أنها تسعى جاهدة لأسر جنود صهاينة وفي ذلك رد أبلغ من البلاغة نفسها على من اعتقد أن المقاومة الآن تعرضت لانتكاسات وضربات موجعة من قِبل العدو، طبعاً كفلسطينيين لا نقبل بحال من الأحوال من حماة عرين غزة أن ينزلوا في ردودهم لمستوى من اعتقد أن المقاومة تلقت ضربات موجعة، أو أن يسعوا لنفي ذلك، انتظرنا رداً على قدر حماة عرين غزة، وقد كان!
ثلاث عمليات أسر لجنود صهاينة ناجحة 100% حتى الآن على الرغم من قيام طائرات العدو بقصف الخلية الآسرة والجندي الصهيوني معها بعد انتهاء عملية الأسر بنجاح، وذلك من خلال بعض التقنيات التي تم تزويد الجنود الصهاينة بها لتحديد أماكنهم بعد الخطف، وهذا إن دل على الشيء فإنما يدل على حالة الإرباك والتخبط التي تعيشها المؤسسة العسكرية الصهيونية التي أصبحت تضحي بجنودها واحداً تلو الآخر في سبيل تأخير انكشاف الحقائق وتأخير عقد لجنة "فينوغراد" الثانية!
وأثق أنا وكل من يرى بعينيه ويستمع بأذنيه ما يتعرض لها جيش الاحتلال كل ليلة أن لجنة بل لجان تحقيق ستنعقد بعد انتهاء هذه المعركة لتحقق ليس في الهزيمة المدوية لجيش الاحتلال فحسب وإنما في الجرائم التي يرتكبها قادة جيش العدو بحق جنودهم في غزة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب أرواح جنودهم المهزومين!
والحديث عن انجازات المقاومة الفلسطينية وأهداف حماس التي تحققت بإذن الله عز وجل حتى الآن يطول ويتشعب؛ فما بين استخدام أسلحة جديدة، إلى استخدام صواريخ مضادة للطائرات، إلى استخدام موجات لاسلكية لخداع جيش الاحتلال، وشبكات اتصالات خاصة لم يستطع جيش الاحتلال فك رموزها، إلى صواريخ جراد تدك أهدافاً صهيونيةً منتقاة بعناية، موقعةً أضراراً بالغة، إلى تكتيكات قتالية مرعبة، وفرق الاستشهاديين، ووحدات الدرجات النارية، التي يحذر جنود الاحتلال زملائهم القادمين للمعركة منها، إلى غير تلك الأسلحة والأساليب والتكتيكات التي ستُذهل الجميع بعد انتهاء الحرب بإذن الله عز وجل. ببساطة يمكن القول أن المقاومة الفلسطينية ودرة تاجها كتائب العز القسامية استطاعت أن تطوِّع وتستثمر كل شيء متوفر في قطاع غزة لإمداد مقاتليها، فسلاح الجو الصهيوني الذي نفذ مئات الغارات على أنفاق رفح معتقداً أن بذلك قد قضى على ساحة الإمداد الخلفي للمقاومة لم يكن يعتقد أن 360 كم قادرة أن تتصدى بهذا العنفوان والقوة لأقوى جيوش المنطقة.
ختاماً أقول وبثقة المؤمن بالله عز وجل وبما جاء به رسوله الصادق الأمين صلوات ربي وسلامه عليه، إن ما يجري الآن في غزة هو محاولة بائسة يائسة لتغيير قدر الله عز وجل في الأرض، ولإقناع مليار ونصف مسلم بأن محمد بن عبد الله –حاشاه- كان ينطق عن الهوى! فهل منكم من يملك مجرد التفكير في ذلك؟!
حماس ومعها البقية الباقية ممن آمنوا بقوله عز وجل (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) هم قدر الله عز وجل على هذه الأرض، وهم الذين وعدهم الله عز وجل بالنصرة والتمكين بعد أن استخلفهم فيها لكن أكثر الناس لا يعلمون!