sona78
12/01/2009, 15:56
ميشال فارشافسكي *
خلافاً لما يكتبه معظم الصحافيّين، ليس ما يدور الآن في غزة حرباً. فالحرب تفترض مواجهة بين قوّتين مسلّحتين. أمّا العدو الذي حدّدته حكومة تل أبيب، فليس جيشاً ولا حتى ميليشيا، بل هو غزّة: رقعة متناهية الصغر من الأرض، ومليون ونصف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. قبل ستّ سنوات، أعلن الاستراتيجيون الإسرائيليون أن غزة «كيان إرهابي»، ما يعني أنه ينبغي شطبها. لستُ ممّن يستخدم بخفة كلمة «جينوسيد» أو إبادة، ولكن الأمر الجاري هنا هو إبادة. ونيّة الاستراتيجيّين الإسرائيليّين هي قتل أكبر عدد ممكن من الناس من أجل «طبع الوعي الفلسطيني بالحديد الحامي»، وهو مفهوم استُعيد هذه الأيام، وكان قد أدلى به رئيس الأركان، موشي يعالون، عام 2002.
ولمرّة، قرّر مسؤولو إسرائيل السياسيّون والعسكريّون استخلاص الدروس من فشلهم السابق، وبالتحديد من الإفلاس الذي مثّله اجتياح لبنان عام 2006. وهكذا، هُم يبقون إرادياً أهداف اجتياح غزّة مبهمة، ويحذّرون من التصريحات الطنّانة بشأن «استئصال حماس»، مفضّلين الكلام على «إضعافها»، ومدركين أن مبادرة دولية ستجبرهم عاجلاً أو آجلاً على وقف النار. وإذا كانت هذه المبادرة الدولية بطيئة في الإعلان عن نفسها، فليس ذلك من باب الصدفة. فالولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، متواطئة علناً مع إسرائيل. بل إن الرئيس مبارك يزايد في هذا الاتجاه، طالباً من الوزراء الأوروبيين المتجوّلين في المنطقة «ألا يسمحوا لحماس بالنجاح وبأن تخرج من المواجهة الحالية منتصرة» (كما ذكرت صحيفة هآرتس في عدد 6 كانون الثاني/ يناير). وهم يتشاركون جميعاً في الإطار الاستراتيجي الذي حدّده المحافظون الجدد عن الحرب ــ الشاملة ــ الدائمة ــ والاستباقية، وهي حملة شرسة فعلية يقودها دعاة «صدام الحضارات» ضد التهديد الجديد الشامل المتمثل بالإسلام السياسي، بل وبالإسلام فحسب. وبدعم من الرئيس المصري، أرجأت القوى الغربية إلى أبعد ما يمكنها قراراً من مجلس الأمن، وهو قرار كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعلن سلفاً أن تل أبيب لن تأخذه على أية حال بالاعتبار!
غزة اليوم، كما كان لبنان عام 2006، هي خط الجبهة الأمامي لمواجهة كونيّة بين قوى الاستعمار العائد وشعوب العالم. وكما كان حزب الله عام 2006، حماس اليوم هي الوحدة المتقدّمة من المقاومة الشاملة بمواجهة الإمبراطورية. وبغض النظر عن الرأي في خطها السياسي وفلسفتها الاجتماعية، ينبغي أن تتمكن حماس من الاعتماد على تضامننا، تضامن كل الحركات الاجتماعية التقدمية في المعمورة، التي رفعت شعار «عالم آخر ممكن وضروري». وهو تضامن لا يخيب: فقد خرجنا بمئات الآلاف في شوارع مدننا وقرانا، نطالب بوقف المجزرة، ونطالب بوقف الحصار الذي يجوع أهل غزة، ومن أجل فرض مفاوضات مباشرة وفورية مع حماس. وقد تظاهر حوالى ثمانية آلاف شخص في شوارع تل أبيب حول هذه المطالب عينها، وكانوا عرباً ويهوداً متّحدين، وواجهوا بيئة معادية بل ومتوعّدة. ولكنّهم كانوا مدركين أنهم لا يقومون بما هو عادل ومحقّ وحسب، بل بما سيمنح يوماً ذلك الجمهور المعادي، الذي يشحنه نحو التطرّف قادةٌ مجرمون بقدر ما هم غير مسؤولين، سيمنحه فرصة أن يجد يوماً مكانه في المشرق العربي، بحرية وأمان ومساواة.
* كاتب إسرائيلي ومؤسّس «مركز المعلومات البديلة» (AIC) في القدس المحتلة
من جريدة الاخبار
خلافاً لما يكتبه معظم الصحافيّين، ليس ما يدور الآن في غزة حرباً. فالحرب تفترض مواجهة بين قوّتين مسلّحتين. أمّا العدو الذي حدّدته حكومة تل أبيب، فليس جيشاً ولا حتى ميليشيا، بل هو غزّة: رقعة متناهية الصغر من الأرض، ومليون ونصف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. قبل ستّ سنوات، أعلن الاستراتيجيون الإسرائيليون أن غزة «كيان إرهابي»، ما يعني أنه ينبغي شطبها. لستُ ممّن يستخدم بخفة كلمة «جينوسيد» أو إبادة، ولكن الأمر الجاري هنا هو إبادة. ونيّة الاستراتيجيّين الإسرائيليّين هي قتل أكبر عدد ممكن من الناس من أجل «طبع الوعي الفلسطيني بالحديد الحامي»، وهو مفهوم استُعيد هذه الأيام، وكان قد أدلى به رئيس الأركان، موشي يعالون، عام 2002.
ولمرّة، قرّر مسؤولو إسرائيل السياسيّون والعسكريّون استخلاص الدروس من فشلهم السابق، وبالتحديد من الإفلاس الذي مثّله اجتياح لبنان عام 2006. وهكذا، هُم يبقون إرادياً أهداف اجتياح غزّة مبهمة، ويحذّرون من التصريحات الطنّانة بشأن «استئصال حماس»، مفضّلين الكلام على «إضعافها»، ومدركين أن مبادرة دولية ستجبرهم عاجلاً أو آجلاً على وقف النار. وإذا كانت هذه المبادرة الدولية بطيئة في الإعلان عن نفسها، فليس ذلك من باب الصدفة. فالولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، متواطئة علناً مع إسرائيل. بل إن الرئيس مبارك يزايد في هذا الاتجاه، طالباً من الوزراء الأوروبيين المتجوّلين في المنطقة «ألا يسمحوا لحماس بالنجاح وبأن تخرج من المواجهة الحالية منتصرة» (كما ذكرت صحيفة هآرتس في عدد 6 كانون الثاني/ يناير). وهم يتشاركون جميعاً في الإطار الاستراتيجي الذي حدّده المحافظون الجدد عن الحرب ــ الشاملة ــ الدائمة ــ والاستباقية، وهي حملة شرسة فعلية يقودها دعاة «صدام الحضارات» ضد التهديد الجديد الشامل المتمثل بالإسلام السياسي، بل وبالإسلام فحسب. وبدعم من الرئيس المصري، أرجأت القوى الغربية إلى أبعد ما يمكنها قراراً من مجلس الأمن، وهو قرار كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعلن سلفاً أن تل أبيب لن تأخذه على أية حال بالاعتبار!
غزة اليوم، كما كان لبنان عام 2006، هي خط الجبهة الأمامي لمواجهة كونيّة بين قوى الاستعمار العائد وشعوب العالم. وكما كان حزب الله عام 2006، حماس اليوم هي الوحدة المتقدّمة من المقاومة الشاملة بمواجهة الإمبراطورية. وبغض النظر عن الرأي في خطها السياسي وفلسفتها الاجتماعية، ينبغي أن تتمكن حماس من الاعتماد على تضامننا، تضامن كل الحركات الاجتماعية التقدمية في المعمورة، التي رفعت شعار «عالم آخر ممكن وضروري». وهو تضامن لا يخيب: فقد خرجنا بمئات الآلاف في شوارع مدننا وقرانا، نطالب بوقف المجزرة، ونطالب بوقف الحصار الذي يجوع أهل غزة، ومن أجل فرض مفاوضات مباشرة وفورية مع حماس. وقد تظاهر حوالى ثمانية آلاف شخص في شوارع تل أبيب حول هذه المطالب عينها، وكانوا عرباً ويهوداً متّحدين، وواجهوا بيئة معادية بل ومتوعّدة. ولكنّهم كانوا مدركين أنهم لا يقومون بما هو عادل ومحقّ وحسب، بل بما سيمنح يوماً ذلك الجمهور المعادي، الذي يشحنه نحو التطرّف قادةٌ مجرمون بقدر ما هم غير مسؤولين، سيمنحه فرصة أن يجد يوماً مكانه في المشرق العربي، بحرية وأمان ومساواة.
* كاتب إسرائيلي ومؤسّس «مركز المعلومات البديلة» (AIC) في القدس المحتلة
من جريدة الاخبار