هاملت
05/01/2009, 22:05
خلف علي الخلف: أن يتاح للمرء أن يلتقي ساعات مطولة مع غسان تويني متبوعًا بكل الألقاب التي يمكن أن نخاطبه بها، فهي فرصة نادرة لشخص هاجسه الشأن العام السوري. فهو ذاكرة حية ليس للبنان فقط، ولا لعلاقة لبنان مع سوريا بل أيضًا لسوريا المنفصلة عن لبنان. وإن كان هذا الفصل صعبًا! فهي منذ ما قبل الاستقلال وحتى الآن ما زالت متداخلة مع لبنان؛ مهما كانت طبيعة هذا التداخل، سلبًا أم إيجابًا، وإن كان "الإيجاب" سيبدو ضئيلاً حينما نقرأه على المنصة الآن...
فعلى هامش مؤتمر (الإعلام الالكتروني: التحديات والفرص) الذي نظمته "إيلاف" و"كليات التقنية العليا" في دولة الإمارات والمنعقد في أبو ظبي ودبي على مدار يومين في أواخر الشهر الفائت؛ دعا ناشر إيلاف عثمان العمير، "الإيلافيين" الى عشاء "عمل" مطول مع غسان تويني؛ لنتحاور مع تجربة فريدة في الصحافة والسياسة العربية ونستفيد منها... وكان لطف من الناشر المخضرم أن يتنحى قليلاً ويصبح مستمعًا لا متحدثًا، على طاولة الحوار الموسعة مع غسان تويني. فبالنسبة إلينا الفرصة قد لا تتكرر، أما بالنسبة إليه فهي محتملة دائمًا...
ما من قارئ عربي مهتم بالشأن العام إلا وكانت النهار جزءًا مهمًا – أكان كبيرًا أم صغيرًا- من ذاكرته أو مصادره أو الصحف التي يتابعها؛ مهما كان اهتمامه، إخباريًا وسياسيًا وثقافيًا.. تغير العالم وتغيرت خارطة الصحافة والنشر، وتغيرت كذلك خارطة المراكز والأطراف في العالم العربي وبقيت النهار.. وما زالت تصارع للبقاء في واجهة الصحف العربية، على الرغم من انكفائها في السنوات الأخيرة الى الشأن اللبناني، الذي لم يعد شأنًا عامًا لكل قارئ بالعربية كما كان في السابق؛ وعلى الرغم من بدء عصر آخر من النشر أعتقد أنه سيعيد ترتيب خارطة الصحافة في العالم، لا في العالم العربي فحسب، وسيجعل مصير الصحافة الورقية عاجلاً أم آجلاً إلى المتاحف كما ذكر عثمان العمير في كلمته أمام المؤتمر..
لكن الحوار المفتوح مع تويني لا يتوقف عند الصحافة فقط، وإن دار الكثير من الحوار حولها، فالرجل الذي في بداية عقده التاسع والمتنقل بين أعرق الجامعات في العالم كدارس بداية وكمحاضر لاحقًا، لا يمكن اختزاله الى تجربته الصحافية المهمة فحسب، ولا يمكن التحدث له كمراقب للأحدث، بل إنه أحد المشاركين في صناعة هذه الأحداث على الساحة اللبنانية في تشعباتها وامتداداتها خارج لبنان، ليس من موقعه في "النهار" ولا فقط كونه نائبًا في البرلمان اللبناني - وليس برلمانات أخرى- لكن لأنه أيضًا في قلب هذه الأحداث ومشارك فيها منذ بداية منتصف القرن الفائت؛ فقد تنقل في حقائب وزارية تكفي لتشكيل مجلس وزراء، وكان سفيرًا في مراكز مؤثرة خلال فترات مهمة في تاريخ المنطقة ما زالت تبعاتها ماثلة حتى الآن وفي كل ذلك كان صحافيًا كبيرًا، وإذا كان "كامو" يرى أن الصحافي هو مؤرخ اللحظة؛ فإن الـتويني يمكنه أن يؤرخ للقرن الفائت في تداعياته على سوريا ولبنان وما اشتبك بهما من أحداث وشخصيات.
بالطبع لا يمكن لسوري أن يلتقي بالتويني دون الحديث عن علاقة الكتاب السوريين بالنهار؛ فقد "كانت" هذه الجريدة أحد النوافذ المهمة لهم ليقولوا رأيهم في شؤون بلدهم، وعلاقته مع لبنان والعالم؛ بل إنها في كثير من الأحيان كانت الوحيدة التي تنشر ما يكتبون بعد أن ضاقت بهم صحف الأرض وفق حسابات خارج الكتابة وخارج الرأي؛ الى الدرجة التي وصف فيها وزير "اعلامـنا" أولئك الكتاب بأنهم عملاء النهار؛ إلا أنه (وفق رأي بعض من كانوا ينشرون فيها: عبد الرزاق عيد مثالا) بعد اغتيال سمير قصير واغتيال جبران تويني تراجعت النهار عن فسحتها الممنوحة للكتاب السوريين على صفحاتها! وإن علاقة النشر هذه خضعت لبورصة السياسة؛ في حالات التصالح أو "الهدنة على الأقل" والتصعيد مع النظام السوري... إلا أن غسان التويني لا يرى ذلك صائبًا، بل، يضيف أنهم لم يتصالحوا مع النظام السوري على الإطلاق، وأن النهار ما زالت تنشر للكتاب السوريين؛ ومن حق رئيس التحرير أو مسؤول القسم أن يحدد ما ينشر وما لا ينشر؛ ثم " لماذا تريدوننا أن ندفع الثمن"... نعم؛ إنه محق دون أي مزايدة، فقد دفعت النهار ثمن صوتها وبشكلٍ فادح؛ وقد شكل اغتيال سمير قصير وجبران تويني على يد مؤلف رواية الطغيان إضافة إلى آخرين خسارة فادحة، ليس فقط للنهار ولا فقط للقوى التي وقفت وما زالت ضد الوصاية السورية على لبنان، ومع الاستقلال؛ بل لـ السوريين الذين يحلمون بالتغيير أيضًا؛ وإذا كان الكتاب السوريون في حينها قد أصدروا بيانًا يدين هذا الاغتيال، وكل الاغتيالات التي سبقته وتلته فلأنهم يدركون حجم الخسارة ويدركون معنى ذلك الاغتيال.. وهم الذين دفعوا ثمنًا باهظًا للتغيير المنشود، وجزء من ذلك التغيير "الداخلي" السوري هو تصحيح العلاقة مع لبنان! واعتقل ميشال كيلو وآخرين من "عملاء النهار" لهذا السبب..
وفي الشأن السوري يؤمن التويني أن الوضع سيتغير لكن جوابه إلى متى؟ لم يخرج من خانة لا أدري.. وهي حكمة العارف، فلا أحد يدري تماماً! فالنظام السوري أثبت أنه خارج أي تحليل سياسي منطقي يستخدم أدوات عقلانية في التحليل...
ما زال التويني مدخنًا غير آبه بكل التحذيرات التي ازداد حجمها على علب السجائر وما زال نديمًا لكأسه.. لكن الأهم أنه ما زال صاحب ذاكرة حيّة ومتوقدة، يسرد أحداثًا منذ منتصف القرن الفائت كأنها حدثت بالأمس. ففي أسئلتي له عن بعض المفاصل في تاريخ "الملف اللبناني" عندما كان عبد الحليم خدام ممسكًا بهذا الملف؛ سرد التويني تفاصيل مهمة، وسرد وقائع أخرى في مفاصل "ساخنة" في تاريخ سوريا ولبنان يمكنها أن تكون خبرًا أولاً في وسائل الإعلام العربية وذلك بعد مضي أكثر من ربع قرن على بعض تلك الوقائع.. وسيجعل نشرها شخصيات فاعلة ترد في بيانات نفي وتوضيح حقائق!؛ بالطبع السياسي والصحافي الكبير يعرف ويدرك أكثر من "مشاغبين" مثلنا أنها ليست للنشر..
اعتقد أن كتابة مذكرات غسان تويني لو أراد ستعيد ترتيب أحداث وشخصياتي وحقائق في المنطقة، وستفند الكثير من الدعاوى التي يريد لها أصحابها أن تصبح حقائق.
المصدر
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
فعلى هامش مؤتمر (الإعلام الالكتروني: التحديات والفرص) الذي نظمته "إيلاف" و"كليات التقنية العليا" في دولة الإمارات والمنعقد في أبو ظبي ودبي على مدار يومين في أواخر الشهر الفائت؛ دعا ناشر إيلاف عثمان العمير، "الإيلافيين" الى عشاء "عمل" مطول مع غسان تويني؛ لنتحاور مع تجربة فريدة في الصحافة والسياسة العربية ونستفيد منها... وكان لطف من الناشر المخضرم أن يتنحى قليلاً ويصبح مستمعًا لا متحدثًا، على طاولة الحوار الموسعة مع غسان تويني. فبالنسبة إلينا الفرصة قد لا تتكرر، أما بالنسبة إليه فهي محتملة دائمًا...
ما من قارئ عربي مهتم بالشأن العام إلا وكانت النهار جزءًا مهمًا – أكان كبيرًا أم صغيرًا- من ذاكرته أو مصادره أو الصحف التي يتابعها؛ مهما كان اهتمامه، إخباريًا وسياسيًا وثقافيًا.. تغير العالم وتغيرت خارطة الصحافة والنشر، وتغيرت كذلك خارطة المراكز والأطراف في العالم العربي وبقيت النهار.. وما زالت تصارع للبقاء في واجهة الصحف العربية، على الرغم من انكفائها في السنوات الأخيرة الى الشأن اللبناني، الذي لم يعد شأنًا عامًا لكل قارئ بالعربية كما كان في السابق؛ وعلى الرغم من بدء عصر آخر من النشر أعتقد أنه سيعيد ترتيب خارطة الصحافة في العالم، لا في العالم العربي فحسب، وسيجعل مصير الصحافة الورقية عاجلاً أم آجلاً إلى المتاحف كما ذكر عثمان العمير في كلمته أمام المؤتمر..
لكن الحوار المفتوح مع تويني لا يتوقف عند الصحافة فقط، وإن دار الكثير من الحوار حولها، فالرجل الذي في بداية عقده التاسع والمتنقل بين أعرق الجامعات في العالم كدارس بداية وكمحاضر لاحقًا، لا يمكن اختزاله الى تجربته الصحافية المهمة فحسب، ولا يمكن التحدث له كمراقب للأحدث، بل إنه أحد المشاركين في صناعة هذه الأحداث على الساحة اللبنانية في تشعباتها وامتداداتها خارج لبنان، ليس من موقعه في "النهار" ولا فقط كونه نائبًا في البرلمان اللبناني - وليس برلمانات أخرى- لكن لأنه أيضًا في قلب هذه الأحداث ومشارك فيها منذ بداية منتصف القرن الفائت؛ فقد تنقل في حقائب وزارية تكفي لتشكيل مجلس وزراء، وكان سفيرًا في مراكز مؤثرة خلال فترات مهمة في تاريخ المنطقة ما زالت تبعاتها ماثلة حتى الآن وفي كل ذلك كان صحافيًا كبيرًا، وإذا كان "كامو" يرى أن الصحافي هو مؤرخ اللحظة؛ فإن الـتويني يمكنه أن يؤرخ للقرن الفائت في تداعياته على سوريا ولبنان وما اشتبك بهما من أحداث وشخصيات.
بالطبع لا يمكن لسوري أن يلتقي بالتويني دون الحديث عن علاقة الكتاب السوريين بالنهار؛ فقد "كانت" هذه الجريدة أحد النوافذ المهمة لهم ليقولوا رأيهم في شؤون بلدهم، وعلاقته مع لبنان والعالم؛ بل إنها في كثير من الأحيان كانت الوحيدة التي تنشر ما يكتبون بعد أن ضاقت بهم صحف الأرض وفق حسابات خارج الكتابة وخارج الرأي؛ الى الدرجة التي وصف فيها وزير "اعلامـنا" أولئك الكتاب بأنهم عملاء النهار؛ إلا أنه (وفق رأي بعض من كانوا ينشرون فيها: عبد الرزاق عيد مثالا) بعد اغتيال سمير قصير واغتيال جبران تويني تراجعت النهار عن فسحتها الممنوحة للكتاب السوريين على صفحاتها! وإن علاقة النشر هذه خضعت لبورصة السياسة؛ في حالات التصالح أو "الهدنة على الأقل" والتصعيد مع النظام السوري... إلا أن غسان التويني لا يرى ذلك صائبًا، بل، يضيف أنهم لم يتصالحوا مع النظام السوري على الإطلاق، وأن النهار ما زالت تنشر للكتاب السوريين؛ ومن حق رئيس التحرير أو مسؤول القسم أن يحدد ما ينشر وما لا ينشر؛ ثم " لماذا تريدوننا أن ندفع الثمن"... نعم؛ إنه محق دون أي مزايدة، فقد دفعت النهار ثمن صوتها وبشكلٍ فادح؛ وقد شكل اغتيال سمير قصير وجبران تويني على يد مؤلف رواية الطغيان إضافة إلى آخرين خسارة فادحة، ليس فقط للنهار ولا فقط للقوى التي وقفت وما زالت ضد الوصاية السورية على لبنان، ومع الاستقلال؛ بل لـ السوريين الذين يحلمون بالتغيير أيضًا؛ وإذا كان الكتاب السوريون في حينها قد أصدروا بيانًا يدين هذا الاغتيال، وكل الاغتيالات التي سبقته وتلته فلأنهم يدركون حجم الخسارة ويدركون معنى ذلك الاغتيال.. وهم الذين دفعوا ثمنًا باهظًا للتغيير المنشود، وجزء من ذلك التغيير "الداخلي" السوري هو تصحيح العلاقة مع لبنان! واعتقل ميشال كيلو وآخرين من "عملاء النهار" لهذا السبب..
وفي الشأن السوري يؤمن التويني أن الوضع سيتغير لكن جوابه إلى متى؟ لم يخرج من خانة لا أدري.. وهي حكمة العارف، فلا أحد يدري تماماً! فالنظام السوري أثبت أنه خارج أي تحليل سياسي منطقي يستخدم أدوات عقلانية في التحليل...
ما زال التويني مدخنًا غير آبه بكل التحذيرات التي ازداد حجمها على علب السجائر وما زال نديمًا لكأسه.. لكن الأهم أنه ما زال صاحب ذاكرة حيّة ومتوقدة، يسرد أحداثًا منذ منتصف القرن الفائت كأنها حدثت بالأمس. ففي أسئلتي له عن بعض المفاصل في تاريخ "الملف اللبناني" عندما كان عبد الحليم خدام ممسكًا بهذا الملف؛ سرد التويني تفاصيل مهمة، وسرد وقائع أخرى في مفاصل "ساخنة" في تاريخ سوريا ولبنان يمكنها أن تكون خبرًا أولاً في وسائل الإعلام العربية وذلك بعد مضي أكثر من ربع قرن على بعض تلك الوقائع.. وسيجعل نشرها شخصيات فاعلة ترد في بيانات نفي وتوضيح حقائق!؛ بالطبع السياسي والصحافي الكبير يعرف ويدرك أكثر من "مشاغبين" مثلنا أنها ليست للنشر..
اعتقد أن كتابة مذكرات غسان تويني لو أراد ستعيد ترتيب أحداث وشخصياتي وحقائق في المنطقة، وستفند الكثير من الدعاوى التي يريد لها أصحابها أن تصبح حقائق.
المصدر
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////