achelious
28/12/2008, 20:39
منذ أربع سنوات نقل الى باريس جسد الفرعون المصري المحنط رمسيس الثاني لاخضاعه لفحص طبي يحدد طبيعة طفيليات انتشرت فيه , وكانت تهدد بإتلافه , وكيفية معالجتها . ولأن الجثة كانت جثة ملك بلاد تربطها بفرنسا علاقات طيبة , فقد قام الرئيس في ذلك الحين , فاليري جيسكار ديستان , باستقبالها في المطار وسط اجراءات التشريف العسكرية . انما لم تكن هذه هي المسألة الأكثر صعوبة في فحص الجسد بل كانت هناك مسألة اخرى لا حل لها : فأحشاء الجثة كانت مملوءة بنوع من النشارة المصنوعة من مواد نباتية متنوعة , ومن بينها أوراق تبغ مفرومة .
بدا ذلك الاكتشاف وكأنه هذيان تاريخي . وفعلاً , فقد مات رمسيس الثاني سنة 1235 قبل المسيح . هذا يعني منذ 3000 سنة . والحقيقة التي يتفق الجميع عليها هي أن التبغ قد اكتشف على يد كريستوف كولومبوس الذي حمله الى أوربا بعد اكتشافه أميركا وكون فرعون قديم يحمله في أحشائه دفع الى التفكير باحتمال ان يكون المصريون قد عرفوا التبغ , انما ليس لتدخينه بل لاستخدامات طبية . وبكلمة أدق لتحنيط فراعنتهم الذين كانوا يعتقدون انهم سيبقون أحياء طالما بقيت اجسادهم محفوظة . هذه المعلومة المذهلة التي لا أذكر أني قرأتها في الصحف وجدتها في معجم مثير للفضول ومسلِ في الوقت ذاته , اشتريته منذ وقت قريب . اسمه منذ متى ؟ , وهو عبارة عن مسرد لاصل ومنشأ ثمانمئة شيء وعادة من أشياء الحياة اليومية وعاداتها , كتبه الفرنسي بيير جيرما . لقد سمعت في احدى المرات ان الدوس هوكسلي قد قرأ صفحة صفحة نحو ثلاثين مجلداً تؤلف الانسيكلوبيديا البريطانية , ولقد حلمت على امتداد سنوات في تكرار تلك المأثرة المنهكة والغنية , ولكنني توصلت الآن الى حل وسط منحني العزاء : فقد قرأت في ليلة واحدة ذلك المعجم عن الحياة اليومية بالتوتر والمتعة اللذين تقرأ بهما رواية غامضة .
حين كنت في المدرسة الابتدائية , كان يلفت انتباهي ان المعلمين كانوا ينسبون الى الصينيين أشد الاشياء خيالية , اضافة الى البارود والبوصلة . وقد تذكرت ذلك لأن العلماء الذين درسوا مومياء رمسيس الثاني رأوا انه ربما يكون التبغ قد وصل مصر من الصين , وأنه قد يكون انتقل من هناك الى قارتنا الامريكية . ويقول معجم الاصول بالمقابل ان الفيزيائي العربي ابن الهيثم قد تحدث عن عدسات تصويب عيوب البصر سنة 990 , ولكن هذه العدسات لم تصنع للنظارات حتى سنة 1285 على يد الزجاجين الايطالين . ومع ذلك , وربما بسبب معلومات مشوهة لقنني أياها معلمو مدرستي الابتدائية , كنت اعتقد قانعاً بأن النظارات هي من ابتكار الصينين أيضاً . وليس في متناول يدي الآن كتاب (عجائب الدنيا) لماركو بولو , لكنني أظن أنه هو الذي قال ذلك , بعد رحلته التي استمرت عشرين عاماً في الشرق الأقصى , وانتهت سنة 1292 .
(الولادة الأولى دون ألم)
أكثر المعلومات اثارة للفضول هي تلك المتعلقة بتطور العلوم , والطب منها على وجه الخصوص من المفيد أن نعرف أن جونون , زوجة جوبيتر كانت وهي في أولمب بطلة اول ولادة دون ألم , وذلك بفضل المزايا المخدرة الموجودة في الخس . ومن المناسب كذلك ان نتذكر ثانية ان عملية الولادة القيصرية لم تدع بهذا الاسم نسبة الى يوليوس قيصر , كما قيل لنا مراراً وتكراراً دون الاستناد الى أي أساس , وانها كانت شائعة في الواقع قبل أزمنة لا ترقى اليها الذاكرة , وكانت تجرى للنساء اللواتي كن يمتن وهن على وشك الولادة , فيتم بذلك انقاذ حياة الوليد . اما أول عملية قيصرية لامرأة حية , فقد أجراها عام 1500 متخصص في خصي الخنازير من شيغرهاسن , بأقليم تورغوفيا في سويسرا بعد ان أعلن الاطباء والقابلات في البلدة ان ولادة زوجته مستحيلة . فقام الرجل , وكان يدعى جاكس نوفير بفتح بطنها بسكين خصي الخنازير , ثم خاطه عادي دون استخدام اي نوع من التخدير , وقد عاشت الام وابنها لسنوات طويلة .
ويروي ذلك المعجم المرح ان نقابة الطب في لندن قد دفعت في العام 1667 عشرين شلناً لمجنون مقابل موافقته على ان يجروا له عملية نقل دم خروف . ولم تكن تلك هي المحاولة الأولى من هذا النوع , ولكن عمليات نقل الدم كانت قد حرمت منها سالمين . ومع ذلك , فإنه المجنون لم يتمثل دم الخروف على احسن وجه وحسب بل ان شاهداً من ذلك العصر يقول : ان العملية نقل الدم قد حولته الى رجل مختلف تماماً .
(موانع الحمل واشياء اخرى)
أحد أهم مقالات المعجم هو ذاك الذي يتناول وسائل منع الحمل ويذكر ان ثمة وصفة عثر عليها على ورقة بردي مصرية هي عبارة عن مرهم يصنع من براز التمساح والصمغ العربي, وان فعاليته كانت مؤكدة إذا ما وضع جيداً في عمق الرحم . وقد ذكرتني تلك الوسيلة بأكثر الطرق التي وجدتها بدائية حين كان علي ان اضعها تحت تصرف احدى شخصياتي الروائية , وكانت عبارة عن لبخة من الخردل تدخل ابخرتها في المهبل قبيل ممارسة الحب ويبدو ان هذه الوسيلة كانت شائعة في أميركا اللاتينية على نطاق أوسع مما يخطر لأحدنا , وخصوصاً في أزمنة حروب الكولونيل اوريليانو بوينديا الأهلية وذلك بعد أربعة قرون من توصل عالم التشريح الايطالي فالوبيو الى ابتكار مانع الحمل المتقن المصنوع من أحشاء الخراف .
وباختصار , فإن معجم الاصول يخبرنا بتفصيل وظرف عمن اخترع الة الغسيل , وأين بني أول فنار , وفي أي بحر أبحرت اول ناقلة نفط ومنذ متى بدأ استخدام زيت البطم , ومن هو اول رجل هبط بالمظلة , وأشياء اخرى كثيرة لا يكاد يتسع لها ترتيبه الابجدي . والكتاب يحبون ان يعرفوا على سبيل المثال ان احدى الآلات الكاتبة التي صنعت في القرن الماضي كانت تدعى "بيانو الكتابة" , وان زبونها المتحمس كان الكاتب مارك توين . وسيتسائلون دون شك – لأن المعجم لا يذكر ذلك - : ماذا جرى للآلة الكاتبة الصينية التي قيل منذ سنوات طويلة ان مخترعها هو الكاتب المتأمرك لين يوتانغ . وسيعجبهم ان يعرفوا ان مشد الخصر (الكورسيه) المصنوع من الاسلاك الفولاذية كان شائعاً جداً في القرن التاسع عشر , بالرغم من أنه كان غير مريح وخطراً , ويسبب الموت في بعض الحالات . ولكن لا بد من القول – كما يشير المعجم – ان نساء الولايات المتحدة لم يتوقفن عن استخدامه بسبب خطورته , وانما استجابة لنداء وجهته الحكومة سنة 1917 دعت فيه النساء كي يساهمن بأسياخهن المعدنية في المجهود الوطني للحرب العالمية الاولى . وقد استعيد بتلك الطريقة 2800 طناً من الفولاذ كانت كافية لبناء سفينتين مدرعتين من مدرعات ذلك العصر .
غابرييل غارسيا ماركيز
بدا ذلك الاكتشاف وكأنه هذيان تاريخي . وفعلاً , فقد مات رمسيس الثاني سنة 1235 قبل المسيح . هذا يعني منذ 3000 سنة . والحقيقة التي يتفق الجميع عليها هي أن التبغ قد اكتشف على يد كريستوف كولومبوس الذي حمله الى أوربا بعد اكتشافه أميركا وكون فرعون قديم يحمله في أحشائه دفع الى التفكير باحتمال ان يكون المصريون قد عرفوا التبغ , انما ليس لتدخينه بل لاستخدامات طبية . وبكلمة أدق لتحنيط فراعنتهم الذين كانوا يعتقدون انهم سيبقون أحياء طالما بقيت اجسادهم محفوظة . هذه المعلومة المذهلة التي لا أذكر أني قرأتها في الصحف وجدتها في معجم مثير للفضول ومسلِ في الوقت ذاته , اشتريته منذ وقت قريب . اسمه منذ متى ؟ , وهو عبارة عن مسرد لاصل ومنشأ ثمانمئة شيء وعادة من أشياء الحياة اليومية وعاداتها , كتبه الفرنسي بيير جيرما . لقد سمعت في احدى المرات ان الدوس هوكسلي قد قرأ صفحة صفحة نحو ثلاثين مجلداً تؤلف الانسيكلوبيديا البريطانية , ولقد حلمت على امتداد سنوات في تكرار تلك المأثرة المنهكة والغنية , ولكنني توصلت الآن الى حل وسط منحني العزاء : فقد قرأت في ليلة واحدة ذلك المعجم عن الحياة اليومية بالتوتر والمتعة اللذين تقرأ بهما رواية غامضة .
حين كنت في المدرسة الابتدائية , كان يلفت انتباهي ان المعلمين كانوا ينسبون الى الصينيين أشد الاشياء خيالية , اضافة الى البارود والبوصلة . وقد تذكرت ذلك لأن العلماء الذين درسوا مومياء رمسيس الثاني رأوا انه ربما يكون التبغ قد وصل مصر من الصين , وأنه قد يكون انتقل من هناك الى قارتنا الامريكية . ويقول معجم الاصول بالمقابل ان الفيزيائي العربي ابن الهيثم قد تحدث عن عدسات تصويب عيوب البصر سنة 990 , ولكن هذه العدسات لم تصنع للنظارات حتى سنة 1285 على يد الزجاجين الايطالين . ومع ذلك , وربما بسبب معلومات مشوهة لقنني أياها معلمو مدرستي الابتدائية , كنت اعتقد قانعاً بأن النظارات هي من ابتكار الصينين أيضاً . وليس في متناول يدي الآن كتاب (عجائب الدنيا) لماركو بولو , لكنني أظن أنه هو الذي قال ذلك , بعد رحلته التي استمرت عشرين عاماً في الشرق الأقصى , وانتهت سنة 1292 .
(الولادة الأولى دون ألم)
أكثر المعلومات اثارة للفضول هي تلك المتعلقة بتطور العلوم , والطب منها على وجه الخصوص من المفيد أن نعرف أن جونون , زوجة جوبيتر كانت وهي في أولمب بطلة اول ولادة دون ألم , وذلك بفضل المزايا المخدرة الموجودة في الخس . ومن المناسب كذلك ان نتذكر ثانية ان عملية الولادة القيصرية لم تدع بهذا الاسم نسبة الى يوليوس قيصر , كما قيل لنا مراراً وتكراراً دون الاستناد الى أي أساس , وانها كانت شائعة في الواقع قبل أزمنة لا ترقى اليها الذاكرة , وكانت تجرى للنساء اللواتي كن يمتن وهن على وشك الولادة , فيتم بذلك انقاذ حياة الوليد . اما أول عملية قيصرية لامرأة حية , فقد أجراها عام 1500 متخصص في خصي الخنازير من شيغرهاسن , بأقليم تورغوفيا في سويسرا بعد ان أعلن الاطباء والقابلات في البلدة ان ولادة زوجته مستحيلة . فقام الرجل , وكان يدعى جاكس نوفير بفتح بطنها بسكين خصي الخنازير , ثم خاطه عادي دون استخدام اي نوع من التخدير , وقد عاشت الام وابنها لسنوات طويلة .
ويروي ذلك المعجم المرح ان نقابة الطب في لندن قد دفعت في العام 1667 عشرين شلناً لمجنون مقابل موافقته على ان يجروا له عملية نقل دم خروف . ولم تكن تلك هي المحاولة الأولى من هذا النوع , ولكن عمليات نقل الدم كانت قد حرمت منها سالمين . ومع ذلك , فإنه المجنون لم يتمثل دم الخروف على احسن وجه وحسب بل ان شاهداً من ذلك العصر يقول : ان العملية نقل الدم قد حولته الى رجل مختلف تماماً .
(موانع الحمل واشياء اخرى)
أحد أهم مقالات المعجم هو ذاك الذي يتناول وسائل منع الحمل ويذكر ان ثمة وصفة عثر عليها على ورقة بردي مصرية هي عبارة عن مرهم يصنع من براز التمساح والصمغ العربي, وان فعاليته كانت مؤكدة إذا ما وضع جيداً في عمق الرحم . وقد ذكرتني تلك الوسيلة بأكثر الطرق التي وجدتها بدائية حين كان علي ان اضعها تحت تصرف احدى شخصياتي الروائية , وكانت عبارة عن لبخة من الخردل تدخل ابخرتها في المهبل قبيل ممارسة الحب ويبدو ان هذه الوسيلة كانت شائعة في أميركا اللاتينية على نطاق أوسع مما يخطر لأحدنا , وخصوصاً في أزمنة حروب الكولونيل اوريليانو بوينديا الأهلية وذلك بعد أربعة قرون من توصل عالم التشريح الايطالي فالوبيو الى ابتكار مانع الحمل المتقن المصنوع من أحشاء الخراف .
وباختصار , فإن معجم الاصول يخبرنا بتفصيل وظرف عمن اخترع الة الغسيل , وأين بني أول فنار , وفي أي بحر أبحرت اول ناقلة نفط ومنذ متى بدأ استخدام زيت البطم , ومن هو اول رجل هبط بالمظلة , وأشياء اخرى كثيرة لا يكاد يتسع لها ترتيبه الابجدي . والكتاب يحبون ان يعرفوا على سبيل المثال ان احدى الآلات الكاتبة التي صنعت في القرن الماضي كانت تدعى "بيانو الكتابة" , وان زبونها المتحمس كان الكاتب مارك توين . وسيتسائلون دون شك – لأن المعجم لا يذكر ذلك - : ماذا جرى للآلة الكاتبة الصينية التي قيل منذ سنوات طويلة ان مخترعها هو الكاتب المتأمرك لين يوتانغ . وسيعجبهم ان يعرفوا ان مشد الخصر (الكورسيه) المصنوع من الاسلاك الفولاذية كان شائعاً جداً في القرن التاسع عشر , بالرغم من أنه كان غير مريح وخطراً , ويسبب الموت في بعض الحالات . ولكن لا بد من القول – كما يشير المعجم – ان نساء الولايات المتحدة لم يتوقفن عن استخدامه بسبب خطورته , وانما استجابة لنداء وجهته الحكومة سنة 1917 دعت فيه النساء كي يساهمن بأسياخهن المعدنية في المجهود الوطني للحرب العالمية الاولى . وقد استعيد بتلك الطريقة 2800 طناً من الفولاذ كانت كافية لبناء سفينتين مدرعتين من مدرعات ذلك العصر .
غابرييل غارسيا ماركيز