-
دخول

عرض كامل الموضوع : شهادات من تشرين


عطر سوريا
25/12/2008, 02:38
لا يخفى على منصف أن الحرب الأخيرة التي دارت رحاها على أرض لبنان بين الإسرائيليين والمقاومة اللبنانية، تضمنت في ثناياها وأدائها، وفي مسارها ونتائجها، خلاصة التجارب الحربية السابقة منذ عام 1948، فالمقاومة تجنبت السلبيات العربية في الحروب السابقة، واستفادت من ايجابياتها، ولا شك أن أبرز الإيجابيات برزت في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بل ثمة قاسم مشترك بين الحربين، يكاد يقتصر عليهما وحدهما، وهو تعثر قوات العدو وخسائرها الكبيرة، واضطرابها إلى درجة فقدان الزمام أمام فعالية أداء القوات العربية. وإذا كانت قوات العدو قد نجحت عام 1973 في تجاوز تعثرها واضطرابها وتقهقرها فإنها لم تنجح في تحقيق هذا التجاوز ميدانياً عام 2006. ولا يعود ذلك إلى أي فارق جوهري بين المقاتل العربي في حرب 1973 والمقاتل العربي في حرب 2006، فكلاهما واحد في جوهره، بل يعود إلى جملة من الشروط والظروف، خاصة السياسية، التي لم تتوفر بصورة كافية في الأولى وتوفرت إلى حد كاف في الثانية، وبالطبع فإن الفضل في الانتصار الأخير يعود إلى جميع المجاهدين والمقاتلين العرب الذين راكموا التجارب والخبرات منذ عام 1948، بل منذ مطلع القرن العشرين، لتبلغ ذروتها وتعطي ثمارها الطيبة على الجبهة اللبنانية، فكأنما هم جميعاً خاضوا هذه الجولة الأخيرة المظفرة.
الفارق بين الأمس واليوم
لقد مضى على حرب تشرين الأول/ أكتوبر ثلاثة وثلاثون عاماً، وقد فصلت وقائعها في مجلدات موثقة تناولت جميع جوانبها، وأسهم في وضعها خبراء من جميع الاختصاصات والجنسيات، فإذا كان لابد من استحضار وقائعها اليوم فينبغي أن نستحضر منها ما يساعدنا في كفاحنا المستمر عبر هذه الحرب المفتوحة المستمرة التي يشنها ضد أمتنا قادة النظام العالمي الربوي الجائر، خاصة الأميركيين، الذين نجحوا عام 1973 في حرمان المقاتل العربي من قطف ثمار انتصاراته، لكنهم لم ينجحوا اليوم، في عام 2006، وما زالوا يحاولون باستماتة دون أن يظهر في الأفق السياسي ما من شأنه مساعدتهم على تحقيق هدفهم، فما هو الفارق أو الفوارق التي جعلتهم يبلغون هدفهم في الأولى ولا يبلغونه في الأخيرة؟ إنه بالدرجة الأولى الموقف من الولايات المتحدة الأميركية. ففي عام 1973 كان هناك، في قيادة الحرب على الجبهة العربية، من يعتبر الولايات المتحدة طرفاً ثالثاً يمكن أن يكون حكماً منصفاً بالرغم من تعاطفه مع الإسرائيليين، أما في عام 2006 فإن المقاومة اللبنانية وحلفاءها، وفي مقدمتهم سورية وإيران، تعاملت مع الولايات المتحدة باعتبارها خصماً رئيسياً محارباً لا طرفاً ثالثاً حكماً يمكن أن يكون محايداً، وفي هذا التعامل الواقعي يكمن السرّ الأول في انتصار العرب وفي عجز العدو عن حرمانهم من قطف ثمار انتصارهم الميداني كما حدث عام 1973. وينبغي أن لا تفوتنا هنا الإشارة إلى ما أسهم في توفّر هذا الشرط السياسي الحاسم وتكامل معه، نعني المقاومة الباسلة الصامدة الواعية في فلسطين والعراق.
لقاء نيويورك ومصير العرب!
في حرب تشرين عام 1973 كان الأميركيون، خاصة اليهود منهم، يصولون ويجولون في المنطقة على الجبهتين العربية والإسرائيلية، فيقدمون النصائح ويعطون الملاحظات حول سير المعارك على هذه الجبهة وتلك، خاصة على الجبهة المصرية، وقد انعكس ذلك سلباً وخطراً عظيماً على الجبهة المصرية في الأسابيع الأولى للحرب، وبرز طبعاً في المواقف السياسية غير المتطابقة مع الأداء البطولي للجنود العرب، بل بما يتناقض مع هذا الأداء ويلحق به أفدح الأضرار، ونحن لن نكرر هنا ما شرحه القادة العسكريون المصريون بهذا الصدد، بل سنعود إلى وثيقة أميركية، يرجع تاريخها إلى العام 1975، وهي محضر الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر مع زعماء أميركيين يهود صهاينة كانوا يعملون ضمن تشكيلة تدعى مجموعة فيليب كلوتزنيك، وقد تضمن المحضر خلاصة ما حققته الإدارة الأميركية من نجاحات سياسية في عملية حرمان المقاتلين العرب من قطف ثمار انتصاراتهم المؤزرة!
لقد عقد الاجتماع المذكور في نيويورك، فندق بيير الجناح 311، من الساعة 12.15 وحتى الساعة 2.35 بتاريخ 15/6/1975، وحضره تسعة عشر زعيماً يهودياً أميركياً من كبار رجال الصناعة والمال والأعمال والمراكز العلمية والتعليمية، فما الذي دار في ذلك اللقاء من شروح ومناقشات بصدد مصير العرب، وخاصة بصدد مصير الفلسطينيين؟
طرد السوفييت والإنفراد بالعرب!
لقد بدأ وزير الخارجية الأميركي، اليهودي الصهيوني هنري كيسنجر، حديثه بالإعراب عن قلقه حيال مستقبل "إسرائيل" والطائفة اليهودية في الولايات المتحدة:" ما لم نلتمس الحكمة في سلوكنا"! قال كيسنجر أن ولايته بدأت عام 1969، مستشاراً للأمن القومي في عهد الرئيس نيكسون، وأنه شخصياً لم تكن له علاقة بشؤون الشرق الأوسط، فترك لسلفه في الخارجية، الوزير روجرز، مهمة معالجة تلك الشؤون بصورة أساسية، لكنه أوضح لسلفه بجلاء أن إستراتيجيته ستقوم على إحباط العلاقة العربية السوفيتيية، فإذا أحبطت هذه العلاقة – على حد قوله – أمكنه الشروع في عملية تهدف إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط! وإنه لمن الواضح أن كيسنجر يقصد الاستسلام وليس السلام، بعد حرمان العرب من مصدر تسليحهم!
قال كيسنجر: كان موقفي ينهض على أن سياستنا تهدف إلى طرد السوفييت من مصر، ولذلك اتخذنا مواقف استفزازية في مختلف الأزمات التي نشبت في الشرق الأوسط. لقد بالغنا في الاستفزاز حتى نبين للسوفييت حدود نفوذهم. ثم قام السادات بطرد الروس. وأنا أصدقكم القول أنني لم أكن أحمل السادات على محمل الجدّ من قبل! ثم اندلعت حرب عام 1973. وقد أنقذت الولايات المتحدة "إسرائيل" من الانهيار في نهاية الأسبوع الأول من الحرب، وذلك بفضل شحناتنا من الأسلحة! وكان السادات يبعث إلي بالرسائل يومياً، حتى بينما الجسر الجوي مستمراً في شحن الأسلحة إلى "إسرائيل"، قائلاً (السادات) أنه يدرك أن لابد من أن تعقب الحرب محادثات، وأنه يرغب في قدومي إلى مصر للبدء في عملية السلام بأسرع ما يمكن!
الاستنفار النووي لصالح الإسرائيليين!
يتابع كيسنجر حديثه أمام الزعماء اليهود الأميركيين فيقول: زعم البعض (من اليهود) أن الإستراتيجية الأميركية هدفت إلى خلق وضع راكد، لا غالب ولا مغلوب، وهذا خطأ تماماً، فما كنا نرغب في تحقيقه هو أن تنزل بالعرب أفدح هزيمة، كي يتبين لهم بجلاء أن اعتمادهم على السوفييت لن يبلغهم مرامهم، أما السبب في حالة الركود فهو أن الإسرائيليين لم يكونوا مهيئين للحرب، ولم يوفروا لنا من المعلومات خلال الحرب ما يفي بالغرض، بل إننا لم نكن نعلم قبيل انتهاء الحرب أنهم متجهون جنوباً، وقد سألتهم أنا شخصياً ولم يحيروا جواباً! لقد كنا نريد تأخير صدور قرار مجلس الأمن حتى نتيح للإسرائيليين القتال لمدة 72 ساعة أخرى، وكان ذهابي إلى موسكو أسلوباً لجأت إليه لأعطي الإسرائيليين مدة أطول، ولو أمكن للإسرائيليين محاصرة الجيش الثالث (المصري) خلال الحرب لما كان لنا أي شأن بالأمر، وكنا غضضنا الطرف عنه، أما محاصرة هذا الجيش بعد وقف القتال تحت إشراف الولايات المتحدة فإنه خلق لنا معضلة! ومع ذلك أعلنت الولايات المتحدة، حتى بعد محاصرة الجيش الثالث، حالة الاستنفار النووي لردع السوفييت عن القيام بأي عمل منفرد!
المدرعات السورية والاستنفار الأميركي!
قال كيسنجر في ذلك اللقاء، مخاطباً مجموعة كلوتزنيك، أنه من اليسير على المجموعة القول بأن المصالح الأميركية والإسرائيلية متطابقة، لكن الأمر ليس كذلك تماماً في الواقع، ومن الخطأ أن تتشبث الطائفة اليهودية الأميركية بهذا التصور، فللولايات المتحدة مصلحة في بقاء "إسرائيل"، لكنها معنية أيضاً بالعرب الجاثمين فوق آبار النفط الغنية التي تمدّ العالم بالطاقة! ثم ماذا لو أن السوفييت لم يتراجعوا ظهيرة اليوم الثاني لإعلاننا النفير النووي؟ ماذا سيكون عليه الوضع لو أنهم صمدوا 36 ساعة أخرى؟ ثم أنظروا إلى الأزمة التي نشبت عام 1970 (في الأردن) لقد نزعت وزارة الخارجية يومئذ إلى الرأي بأنه يجدر بنا إرسال كتب دبلوماسية إلى جميع بلدان العالم، لكننا رفضنا وطلبنا من الوزارة وقف جميع الاتصالات، وحركنا فرقة مدرعة على الطرق الدولية في ألمانيا، ووجهنا طائرات من الأسطول السادس إلى مطار اللد للمشاركة في التحضير للمواجهة، واستنفرنا الفرقة 82 المحمولة جواً، فارتدت المدرعات السورية على أعقابها، غير أن الصحف لم تنشر شيئاً من هذه الأنباء، على عكس ما حدث في تشرين الأول/ أكتوبر 1973!
المناورات المحسوبة مع العرب!
قال كيسنجر: في حرب 1973، كان علينا تمحيص العوامل التالية: ماذا سيكون أثر أزمة الطاقة على أوروبا الغربية واليابان؟ ثانياً، قناعتنا أن "إسرائيل" يجب أن تكون قوية، لكن قوتها توفر الأمن لها ولا تحول دون انتشار الشيوعية في العالم العربي! والدفاع الأفضل في العالم العربي هو تدعيم الحكومات العربية المعتدلة، ولذلك من العسير الزعم أن من شأن "إسرائيل" القوية الحيلولة دون انتشار الشيوعية في العالم العربي (طبعاً هو يقصد انتشار المقاومة العربية التي يصفونها اليوم بالإرهابية!) في حرب عام 1973 كانت إستراتيجيتنا تقوم على: السعي لتفكيك الجبهة العربية المتحدة، وضمان عدم تدخل الأوروبيين واليابانيين في الجهد الدبلوماسي (لاحظوا هذا الضمان!) وإبقاء السوفييت خارج الحلبة الدبلوماسية، وأخيراً خلق وضع يمكّن الإسرائيليين من التعامل مع كل من جيرانهم فرادى!
وهكذا بدأت عملية الخطا الصغيرة التي قادت إلى اتفاقيتين لفصل القوات! لقد عملت الولايات المتحدة على المناورة المحسوبة مع العرب حتى تتيح للإسرائيليين ما يحتاجونه من وقت، وقد قمت بعدّة رحلات إلى المنطقة، من دون أن يتحقق أي تقدم طبعاً! وفي الوقت ذاته قدمنا للإسرائيليين بفضل جهودي أربعة أسباع ما طلبوه من السلاح!
الهدف الحقيقي للخطا الصغيرة!
قال كيسنجر: لقد وافق السادات آنذاك على نبذ استخدام القوة مشروطاً، لكن الإسرائيليين كانوا يريدون إنهاء حالة العداء كلية، أي إلغاء الشروط جميعها، التي تحول دون علاقات عادية طبيعية، بما في ذلك المظاهر المدنية! وكان ردّ السادات أنه إذا كان عليه التنازل عن كل شيء لمجرّد إخراجهم من الممرات (في سيناء) فماذا سيبقى لديه ليتنازل عنه مقابل استعادة الأراضي المصرية كلها؟ لقد كان أبرز همومنا بعد انهيار المحادثات هو منع حدوث انفجار عربي، فلو قدّر لنا أن نفشل لكان علينا أن نواجه انفجاراً عربياً لم أكن أملك تقدير موعده لكنني واثق من وقوعه! ولو أمكن للإسرائيليين أن يحتلوا دمشق والقاهرة وعمان فإن القضايا السياسية الأساسية سوف تظل ماثلة، ولسوف يتحول الرأي العام العالمي عندئذ ضدّ الإسرائيليين والولايات المتحدة بصورة حاسمة! فإذا لم يكن لنهج الخطا الصغيرة حظاً في النجاح فسوف يتعين البحث في احتمال التسوية الشاملة، فإذا كان ذلك فسوف نجد الرأي العام العالمي يؤيد بلا ريب تسوية تقوم على العودة إلى حدود ما قبل حرب عام 1967، وإذا واجه الإسرائيليون مثل هذا الوضع فسوف يكون حالهم صعباً! إن السادات في تقديري وطني مصري، فإذا أعدتم إليه الحدود التي كانت قائمة قبل حرب 1967 فإنه لن يزعجكم بعدئذ قط! إنه ينتمي أساساً إلى الشرائح العليا من البورجوازية (الصغيرة) وهو يريد البدء في عملية السلام، لكنه عربي أيضاً، ولابد له من تحصين موقعه في العالم العربي، وهو أعرب لي عن اعتقاده بأن الإسرائيليين يريدون للوضع الجمود حتى يأتي المتطرفون العرب ويقدمون على ما من شأنه تخلي الولايات المتحدة عن العرب!
في سبيل عزل الفلسطينيين!
رداً على سؤال حول معنى عبارة حقوق الفلسطينيين الشرعية، وجهه إليه أحد الزعماء الأميركيين اليهود في ذلك اللقاء، قال كيسنجر: الفلسطينيون يثيرون مشكلات لمعظم الزعماء العرب، فهم على وجه التحديد يثيرون التطرف (يقصد نزعة المقاومة طبعاً) داخل الأقطار العربية، وهم (الزعماء العرب) يعانون الخوف من الاغتيال! وقد عمدت إلى وضع المسألة الفلسطينية جانباً لأتفرغ لمعالجة قضايا الحدود آملاً بعزل الفلسطينيين في نهاية المطاف، وإن لهذا الأسلوب نصيباً من النجاح، فقد كان بوسعنا فصل الفلسطينيين عن السوريين مقابل بضع كيلومترات من الجولان، إلا أن الإسرائيليين تعنتوا وراحوا يزيدون في بناء المستوطنات إلى الحدّ الأقصى، والشعور الذي يخامرني هو أن السوريين سوف ينحون إلى مزيد من التطرف (يقصد الممانعة والمقاومة طبعاً) ويتوجب على الإسرائيليين أن يدركوا بأنه لا مناص لهم من التعامل مع الحكومات العربية إن لم يرغبوا في التعامل مع الفلسطينيين!
وفي نهايات ذلك اللقاء توجه أحد الحضور إلى كيسنجر بالسؤال التالي: هنري .. ماذا تقول للعرب عما ينبغي أو لا ينبغي لهم عمله؟ إنك تفهم ما أعني بسؤالي! وقد أجاب كيسنجر قائلاً: نعم، أنا أفهم قصدك. إنكم تعلمون أنه من المسلم به أن العرب (الأنظمة طبعاً) يتطلعون إلى واشنطن. أنا لم أتحدث معهم في شؤون الحدود قط. كنت أقول لهم في كل مرة يتطرقون فيها إلى هذا الموضوع أن ذلك سابق لأوانه، وأن عليهم حصر اهتمامهم بالتزامهم بالسلام. قلت لهم أنه يتعين عليهم تقديم بعض الأفكار العينية حول التعايش مع الإسرائيليين، واعتقد أنني تمكنت من إقناع السادات على الأقل بإمعان الفكر في ما سيكون عليه أمر التعايش مع الإسرائيليين، بل لقد أخبرني أنه على استعداد للترحيب بضمانات من الولايات المتحدة. إننا بالتأكيد لم نثر شهية العرب!
ذاك عرض أمين لكثير مما دار في ذلك اللقاء النيويوركي، الأميركي الصهيوني، بين وزير الخارجية وبعض زعماء الجالية اليهودية الأميركية، لعله يعطينا صورة واضحة عن النواقص السياسية الفادحة التي خذلت جنودنا الشجعان في عام 1973، والتي أدى تلافيها اليوم إلى صمود مقاتلينا في فلسطين والعراق ولبنان، وإلى إحرازهم انتصارات تاريخية نوعية، وتحقيقهم تقدماً تاريخياً نوعياً لا نكوص عنه

عطر سوريا
25/12/2008, 02:45
شهادات من تشرين الجولان السوري المحتل في ليلة ليلاء، وبعيدا عن كل نواميس الحياة وقيمها، يقتلعون من أرضهم وبيوتهم واحضان عائلاتهم، يجتثون من جذورهم، دون سابق إنذار وبدون رحمة، ودون ذنب أو جريرة، فجأة يتحول نهارهم إلى ظلام دامس، وبحر من الدموع، وعالم مسكون بالهلع والخوف والصراخ، تحت قصف القذائف يتجمعون في غرفة صغيرة لدمل جراحهم وكبت صراخهم، وتجفيف دموعهم، وجمع طاقاتهم لمواجهة الساعات أو الأيام أو الأشهر القادمة الغامضة، التي غزت عالمهم عنوةً. طفل صغير يسبح في دماء والدته، واخر يتعته الشوق إليها، وزوج يحرقه الإحساس لفقدانها، أتاهم الموت ثقيلا، وثقيلا جدا، كان يؤجج تلك المشاعر والعواطف، فيبقى الأموات الغائبين الحاضرين في ذكريات من رحمتهم قذائف الحرب، ويبقى في إحدى زوايا البيت، ذاك الطفل الكبير الذي ينتظر عودة والدته كل حين.
كان الجو هادئا جدا، كل في عمله،غنائيات موسم قطاف التفاح كانت تعلو بين الحين والحين، وهذا الصمت بينهما لم تخترقه سوى أصوات هدير الطائرات، وقصف المدفعية الآتي من بعيد، عيون حائرة تغزو السماء، بنظرات ترقب وانتظار، وخوف، وتتسأل بوعي حاد، وحس مرهف هلع، وأذان مسترقة، هل بدأت الحرب؟؟ تهبط الأسئلة، وتصطدم بحقيقة الواقع.. إنها الحرب، الحرب التي انتظروها سنوات وسنوات طويلة، لربما تعيد إليهم بعضا من أشياء سلبت منهم، وأشياء ستسلب منهم، لكنهم بفطرتهم يعلمون أن هذا اليوم، ليس ككل أيامهم، هذا الموسم ليس ككل مواسمهم، هذا اليوم سيكون له بعده، وذكرياته وأوهامه وأحلامه، التي ستكون موطئ قدم لذكريات ألم ووجع وشوق في قلوبهم، لن تدمله سنوات الزمن القادم.
كانوا أناساً عاديين جداً، حاصرتهم حرب حزيران المشؤومة، في مساحة حدود قريتهم، واحكمت قبضتها من كل الاتجاهات على أحلامهم، ودموعهم، و حاضرهم، وغدت هذه الحرب إحدى قصص الألف ليلية وليلة، في الزمن العربي الصامت، ينتظرون تشييع موتاهم كما يليق بمماتهم، شهداء، أم ضحايا، أم مجرد موتى، ليس مهما، انهم أبرياء، كانوا حاضرين في ماض وذكريات،أشخاصا لم نعرفهم من قبل، لم نسمع عنهم في تاريخنا البسيط المغيب في ذاكرة النسيان الوطنية، انهم أبرياء يحق لهم إن تستحضرهم الأجيال، ويذكرهم صاحب الجلالة كشواهد على صفحاته الجولانية، التي عانت ما عانت من الإهمال والتغيب أزمنة طويلة حصدت تلك الحرب أحد عشر شهيدا وشهيدة، من أحضان عائلاتهم، دخلت إليهم عنوة دون استئذان، واختطفت أرواحهم، لم تراعي براءة أحلامهم، وحصاد عمرهم، منهم من كان في بيته بانتظار الغداء الذي لم يكتمل، ومنهم من استشعر بخطر الحرب فبدأ في لملة أغراضه المنتشرة في بساتين التفاح، يتقي غضب هذا المطر القاتل من القنابل والصواريخ، ولم يفلحوا في تجاوز الشباك المتفجرة التي غطت برهم وسمائهم دون رحمة.
هم ليسوا جنودا نظاميين، وليسوا مقاتلين وإتباع مليشيات عسكرية، كانوا أطفالاً ونساء وشبابا، يحصدون ثمرة تعبهم. فجأة انقضت عليهم القنابل المتفجرة وحولتهم إلى حكايات وقصص جولانية.
كان قرار التحرير السوري، وتقدم القوات السورية الباسلة في جبهة الجولان، وعبور الجيش المصري لخط بارليف في سيناء، عزاء لمن بقى يستقبل العزاء الأليم في المصاب الحزين. كان النصر مرفوعا فوق أجساد الذين مضوا أبرياء تحت القصف. "بعد أعراس النصر والتحرير نضع الشواهد على أضرحتهم" قال الحزانى المفجوعين من ذويهم. انتهت الحرب ولم تحن بعد الفرصة لإقامة الشواهد على أضرحة أولئك الأبرياء، فهل نذكرهم الآن وبعد مضي اكثر من ثلاثين عاما على قتلهم؟ هل نبقي مجالس العزاء في الذكريات، وهي ما زالت تسكن ملفوفة بالدم في صدور هؤلاء الرجال، ووسط سحابات الزمن؟ أسئلة نطرحها على أنفسنا، وتطرحها علينا الحياة، وحين نصطدم بها، نتخبط في الإجابة عليها.
شهادات من تشرين، هي محاولة لإلقاء بعض الضوء، والحقيقة، على ما جرى في الجولان السوري المحتل في الأيام الأولى من حرب تشرين التحررية، التي كانت حربا عادلة، لقضية عادلة، في وقت تحول صاحب الحق العادل إلى معتدى، والمعتدي إلى ضحية، فهل نغضب حين يبقى أمواتنا وأحياؤنا مجرد أرقام لإحصائيات دولية، دون رصيد ينبض بالحياة والحب والدفء الإنساني؟!
شهادات من تشرين هي مجموعة بسيطة من حكايات جولانية، تستحضر بعضا من ضحايا هذه الحرب، وتستذكر مع أعزائهم بعضا من قصصهم، ولحظات حياتهم الأخيرة. قصصا كان واجبا علينا تسجيلها، وابرازها كشواهد على حجم ذاك الألم الدفين في الصدور، فهل لنا بمشاطرتهم تلك الذكريات الموجعة، علنا نستبق التحرير في تشييعهم كما يليق بممات أولئك الأبرياء، فأحيانا يتحول الصمت لعنة، حين تتلاشى الحقيقة، ويسكن النسيان في الأذهان، في أن لبيوتنا وأرضنا حرمة، لا يجوز تدنيسها، ولشعبنا حق مقدس في الحياة تحت الشمس. فأحلامنا العصية التي لا تبوح بأسرارها إلا لمن فهم لغة هذه الأرض لأجيال وأجيال متعاقبة، لها كلمة الفصل الأخيرة، في تقرير مصيرنا.
هنا في ساحة سلطان باشا الأطرش، التي كانت ساحة المدرسة، وسط مجدل شمس، كان بيت عتيق تسكنه عائلة المرحومة زريفة عماشة المرعي وأفراد أسرتها. التقينا أم نبيل المرعي وابنتها الهام داخل منزلهم الذي تعرض إلى الدمار أيضا، وأعيد بنائه بعد سنتين من الحرب:
"حين أطلقت الطائرة صاروخها على البيت، كانت "الختيارة" تعد الطعام لزوجها، بعد عودتهم سالمين من منطقة "المرج"، كانت السيارات تقل المزارعين الذين انقطعوا هناك، وتعيدهم إلى منازلهم حيث شعر الجميع أن البلدة مكان آمن- كان القصف في "المرج" عشوائيا وسقط أشخاص هناك. حين وصلوا إلى البيت نزلنا وسلمنا عليهم. أبو نبيل استقل السيارة وذهب ليعيدهم إلى البيت، هم رأوه وابنتنا هذه كانت معهم، نادوا علية لكنه من السرعة وضجة القصف والطائرات لم يراهم أو يسمعهم. أصيبت سيارته بشظايا، كان يترك السيارة ليستقل سيارة أخرى من أحد أصحابه هنا في السوق، ويعود ليجلب معه من المرج أناس كانوا مقطوعين هناك. ابني الصغير كان نائما، حين حصل الانفجار الكبير. اعتقدت إن كل شئ ذهب، الانفجار كان قويا جدا والغبار ملأ الساحة وغطى كل شئ، خفت على ابني النائم وعلى "الختيارة" والختيار (يوسف المرعي - والد زوجي) . بيتنا هذا انقسم إلى قسمين، خرجت خائفة، لا أعرف ماذا افعل، رآني أحد الشباب الذين كانوا في الساحة وساعدني على النزول لا اعرف كيف. كنت اصرخ وأقول لهم "الولد جوا.. الولد جوا". لم أعرف ماذا حل بالآخرين. "زريفة" كانت داخل منزلها الذي أصيب مباشرة و"الختيار"- زوجها- دخل إلى الدكان قبل الانفجار، واخرين كانوا جالسين أمام الدكان، كلهم تعرضوا إلى إصابات قسم منهم إصاباته خفيفة، وقسم أخر أصيب بشظايا. رأيت الطفلة الصغيرة ماجدة ابنة سلفي في الساحة، حملوها بعد أن قذفها الانفجار خارج البيت وضربها بقوة على الأرض، أخذوها فورا بسيارة إلى مشفى صفد هي و"الختيار" واخرين من الشباب الذين أصيبوا. أما والدها وجدتها فبقوا تحت الردم. ساعة ونصف من بحثنا عن ابني بين الردم، كان كل الناس مندفعين وقلقين عليه، الجميع اعتقد انه مات، لكن حين أزيح قسم من الردم عن مكان الغرفة التي كان نائما فيها، رأوا رجله وقبل متابعة البحث عنه أبعدوني وابعدوا والده ابو نبيل، خوفا علينا من قسوة المنظر، لكن أبوه أصر على مشاهدته، ولحسن حظنا والحمد لله، كانت الخزانة قد وقعت على إحدى الزوايا والصبي بينهما، كان عمره سنة ونصف إصابته خفيفة جدا. أبو نبيل ما زال تعبان لغاية اليوم، أما البنت الصغرى ماجدة فقد فارقت الحياة، جلبوها ودفنوها بسرعة لم يكن والدها موجودا وقت الدفن. "الختيارة" بقيت يومين تحت الردم حتى عثروا عليها، كانت مهشمة، ووجها مشوه،"وقشّارة" البطاطا في يدها المتصلبة، ولم يستطيعوا إخراجها من تحت الردم بسهولة. فاجعة إصابتنا جراء الحرب. لكنني اذكر مساعدة الناس لنا. لم يتبق لنا أي شيء، كل أغراضنا وحاجاتنا كلها بقيت تحت الردم. أهل البلدة تنافسوا على تقديم المساعدة، سكنا لمدة سنتين لدى عائلة المرحوم أبو غسان فريد أبو جبل. كنا نقاسمهم كل شئ. لا أنسى فضل أهل البلدة علينا أبدا. حين أرى واشاهد الدمار الإسرائيلي في فلسطين، كل جسمي يتشنج. أتذكر هذه اللحظات واتذكر "الختيارة" الحنونة، وهذه الطفلة التي كانت تملا الحارة بحركتها وطيبتها. قبل الانفجار طلبت من ابنتي"الهام" أن تذهب معها إلى النبي شعيب(عليه السلام)، مع أهلها، لكننا لم نوافق. كل عائلة سلفي ذهبوا إلى هناك ليعودوا ريثما تهدأ الأحوال قليلاً، لأن والد ماجدة كان تاجر وجلب الخضروات للناس هنا أثناء الحرب، لكن قسمتهم إن يحصل ما حصل، الله يساعد كل من يتهدم بيته، الله يساعد أهل فلسطين والعراق على هذا الدمار الذي يصيبهم من القصف والحرب. هذه الحرب التي انتظرناها كانت بالنسبة لنا مأساة، فقدنا عزيزين من نفس البيت، وأصيب معظم أولادنا فيها، والحمد لله إنها لم تكن أعظم من الذي حصل. حين مر بعض أفراد الجيش السوري ومنهم شاب اسمه "كمال حميدي" انسحبوا باتجاه قرية "حضر"، أعطيناهم الخبز والماء. كانوا أقوياء جدا، غادروا وهم يعدوننا بأنهم لن يتأخروا سيعودون، ولغاية ألان ما زلنا ننتظرهم، "انشالله" يرجعوا ونخلص من "هالمصيبة".
وغصة أخرى، ما زالت تسكن الذاكرة والوجدان، غصة ممزوجة بألم دفين، ودموع حبيسة لم تجد لها مخرجاً، إلا حين غصنا في تفاصيل تلك الأيام، التي حولت حياة طفل وطفلة وزوج إلى ذكريات يعتصرها الزمن، كما يعتصر هذا الألم في صدر علم الدين الشوفي:
"قبل الحرب تعرفت على زوجتي المرحومة "آمال السيد احمد"، وتزوجنا في العام 1970. عشنا حياة حلوة، ومنسجمة، خاصة بعد ان رزقنا بطفلتنا الأولى فاتن، وبعدها ابننا سمير. كنت اعمل لتوفير لقمة العيش. تعلم انه منذ الاحتلال عام 1967 كانت أوضاع الناس صعبة والجميع يعمل بشكل مؤقت، لأن قناعتنا وأملنا بتحرير الأرض قريباً جدا.
في تمام الساعة الثانية وعشرة دقائق من يوم السبت، الواقع في 6 تشرين عام 1973، كنا جالسين أنا وبعض إخوتي وعدد من الأصدقاء نشرب القهوة، فجأة سمعنا صوت انفجارات ودوى قذائف، خرجنا إلى أمام البيت، لم ندري ما الذي يحصل، رشق ناري لم نعرف مصدره كان يتطاير باتجاهنا، ركضنا لنختبئ داخل البيت، كنت أول من دخل، هربا من الرصاص، حين دخلت لم اصدق ما أشاهد أمامي، كانت زوجتي أمال، التي كانت تعد لنا الطعام، ممدة على الأرض وتحاول الزحف للامساك بالطفل الذي كان على مقربة منها. كان دمها يسيل بغزارة على ارض المطبخ، وبكاء الطفل ملأ كل الأجواء.. لقد أصيبت أمال برشقات رصاص عديدة، وأصيب ابني في رجليه إصابة مباشرة. أذكر تلك اللحظات وكأنها أمامي الآن. إخوتي أسرعوا لنجدة أمال وأنا حملت الطفل ولففت رجليه ببطانية او قطعة قماش لا أذكر، لوقف نزيف الدم، لم استوعب ان الرجل الأولى للصبي ما تزال تلوح، وكف رجله الثانية غير موجود. كان صوت الطائرات والمدافع قويا، ركضت به كالمجنون من غرفة إلى أخرى، حتى امسكه مني أحد إخوتي، وركضت باتجاه أمال، كانت تنظر إلي، تتألم بصمت، ودون أي صوت، لم استطع فعل أي شئ، لم أعرف ماذا أفعل، لم أشعر إلا بنظراتها وصراخ إخوتي. حملتها والدموع تحجب رؤيتي، وحمل أخي الطفل وتوجهنا الى سيارة أخي، وانطلقنا مسرعين باتجاه مشفى صفد. كانت بين أحضاني تتطلع مباشرة في عيوني، لم افقد الأمل بنجاتها، لم استسلم، قلت لها اطمئني بعد قليل نكون في المستشفى. لم تستطع الكلام، كانت تنظر الي، وتضغط على يدي، قبل وصولنا إلى قرية الخالصة قالت لي: "بحياة عمرك دير بالك عالأولاد"، وفقدت وعيها. لم أعرف أنها ماتت إلا حين وصلنا إلى العيادة في الخالصة. اخذوا الصبي فورا وادخلوها للفحص وطلبوا منا بعد عدة فحوصات ان نتابع فوراً إلى مستشفى صفد. في سيارة الإسعاف كانت أمال قد فارقت الحياة. في صفد اخذوا الولد لغرفة العمليات. في اليوم التالي سلمونا جثة أمال وعدنا بها إلى البلدة، لتوارى الثرى. كان القصف ما زال قويا في محيط البلدة. عدة أشخاص فقط كانوا وقت تشييع جثمانها. أنا عدت إلى صفد لأبقى هناك مع ابني الذي كان عمره 8 اشهر، واخته فاتن عمرها سنتين. لم يتبق لي سواهم، فهم من ذكرى المرحومة، وثمرة حبي لها. بعد علاج ابني حبست دموعي وأحزاني، وتفرغت لهم. كنت الام والأب. كانوا يسألوني كثيرا عنها، لم اعرف بماذا أجيبهم، سوى أنها سافرت وستعود. ربما سبب إجابتي يعود إلى عدم تصديقي أنها قتلت. يؤلمني جدا حين أراهم دون أمهم، وزملائهم في المدرسة مع أمهاتهم. بقيت قربهم طيلة أربع سنوات بعد الحرب. لم استطع التفكير بالزواج من امرأة أخرى. كل من حولي كان يحثني على الزواج من اجل الأولاد، الذين كبروا بانتظار عودة أمهم. أخيرا تزوجت من زوجتي الحالية أمد الله في عمرها، انسانة رائعة ومحترمة ولطيفة جداً، وكانت أما مثالية للأولاد، تعلقوا بها وأحبوها وأحبتهم، وهذا وفر لي راحة واستقرار نفسي لغاية اليوم. مراسيم زواجي الثاني لم تكن وفق الطقوس التقليدية نظرا لحساسية الموقف، كنت ارغب في تقديم كل شئ لهذه الإنسانة الرائعة المتفهمة لوضعي ولوضع أولادي.
مأساتي في مقتل زوجتي لم تمنعني من الاستمرار في الحياة. آمال رحمها الله كان عمرها وقت الحرب 19 عاماً، لكن ما زلت أذكرها، ما زالت في أعماقي، كلما التقي مع أهلها أو أصدقائها، جميعهم يحدثونني عنها يستذكرونها بحسرة وحزن وشوق إليها. حين تزوجت فاتن كانت آمال حاضرة في دموع الناس، في دموع فاتن التي رغبت أن تكون أمها إلى جانبها، ورغبنا جميعا في ذلك، لكن هذا قدرها، أمها الحالية عوضت فقدانها إلى أبعد الحدود، وهذا عزائي.
زوجتي ساعدتني في تجاوز أحزاني، وخاصة حين رزقنا بطفلة، أسميناها على اسم زوجتي المرحومة آمال، لأنه يجب أن يبقى لفاتن وسمير شيئا من ذكراها داخل البيت، وهم يحبونها جدا ومتعلقون بها أكثر، لأنها تحمل ذكرى من ذواتهم، ذكرى والدتهم التي لم يعرفوها أبدا.
ما يحز في قلبي، وأنت تفتح صدري وجراحي بعد مضي اكثر من ثلاثين عاماً، هو ذاك الشعور الصعب، في أن أمال ومن استشهد معها أثناء الحرب لم يأخذوا حقهم من المجتمع. لا أحد يذكرهم، ليس هناك شاهد تاريخي أو اجتماعي، يشرح مأساة هذه المنطقة، وماذا قدمت هذه المنطقة بسبب صراعنا مع الاحتلال. فلولا وجوده لم تكن حرب، ولولا الحرب لما ذهبت آمال واثنا عشر مواطناً بريئاً من أبناء مجتمعنا، أليس كذلك؟ ودعت هذا الرجل بصمت. لم استطع مواساته سوى بالشكر الجزيل على فتح جراحه أمامي، وجراح هذه الحرب التي كان لها أن تعوضنا عن أشياء كثيرة سلبت منا، فهل ستعوضنا بعد أيام الزمن الآتية؟؟ عائلة الشيخ أبو قاسم هاني العفلق تقاسمت دموع وأوجاع هده الحرب. في بيتهم العتيق، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً، ما زالت آثار الحرب قائمة على ذاك الحائط الحجري القديم، حيث كانت الإصابة المباشرة للقذيفة، أولى ساعات الحرب، أي قبل يوم واحد فقط من استشهاده. عادوا هلعين وخائفين من المرج، إسوة بآلاف العائلات الجولانية، وتركوا تفاحهم وأغراضهم وحوائجهم هناك. في طريق العودة إلى منزلهم، شاهدوا ومعهم جهاد، عائلة فارس المقت، والمصاب الذي أصابهم. كان جهاد يتطلع نحوهم بحزن وقلق: "يا حبيب روحي" قالتها "الختيارة" أم قاسم، وهي تستحضر تلك اللحظات الأخيرة من عمر ابنها جهاد، الذي اختطفته تلك الحرب. كان عمره 18 عاماً، كان هنا على هذا التخت جالسا بجانبي، يراقب الطائرات وصوت الرصاص والقذائف. أبوه كان داخل الغرفة مع ابني صالح، ورحاب ابنتي الوحيدة كانت داخل البيت، فجأة رأينا شيئا قادما إلينا بسرعة البرق، وضرب في هدا الحائط. كان الدخان كثيف جدا، والصوت كان سريعا جدا، ما زال يطن في أدني لغاية اليوم. لا أعرف ماذا حدث، لكنني سمعت البنت تصرخ، وجهاد الذي كان بجانبي، "يا حسرة قلبي عليه"، كان قد انتهى دون أن يصرخ، الشظية اخترقت بطنه كله، وتدفق دمه كسيل من المياه. أبو قاسم خرج من الغرفة إثر سماع هدير القذيفة، وما أن فتح الباب حتى انفجرت، وتطايرت، فأصيب صالح، كان عمره 12 عاماً. قذفته إلى داخل البيت، وأصابتني شظية منها في رجلي، ما زال قسما منها داخل رجلي، لم يلفظها الدم كما قالوا لي. والحريق شب داخل البيت، الفرش، والبساط السوري القديم، والمساند و "النملية"، كل ذلك احترق. سارع الجيران للمساعدة، رغم أن الكثيرين كانوا مختبئين في بيوتهم. أبو قاسم حمل صالح المضرج بالدم، وغطاه ببطانية، وخرج به من الجهة الأخرى للبيت، ليصل إلينا على "البرندة". كان بعض جيراننا قد وصلوا سمعوا صوت الانفجار، وصوت صراخنا، فحمّلونا في سيارة وانطلقوا بنا إلى مستشفى صفد، أنا وصالح ورحاب، أما جهاد "يا حسرة قلبي عليه" لم أره، حمله أبوه مع عدة رجال، فقط، من الموجودين، وأخذه إلى المقبرة حيث دفنوه، دون أن نلقي عليه الوداع الأخير، وعاد والتحق بنا إلى صفد، وهناك أخبرني أنه دفنه في البلدة وأتى إلى صفد.
تتوقف أم قاسم عن الحديث وتنهيدات صدرها المشتاق إلى ابنها تتحول إلى دموع حارقة على حسرة قلبها. كان استحضار ابنها جهاد قاسيا جدا عليها، خاصة وأن هده العائلة تحملت الكثير من الآلام والعذاب المستمر لغاية اليوم. يقطع لحظات الصمت، وتنهيدات الصدر، العم أبو قاسم: "نعم بقينا هناك في صفد3 اشهر متواصلة، فكل عائلتي في المستشفى. أم قاسم في العلاج. أجروا لها عمليات لإخراج الرصاص من رجلها، وبقيت شظية قالوا لها فيما بعد تخرج لوحدها، حتى اليوم لم تخرج،. وصالح فلذة كبدي وسندي المتبقي لي، في غيبوبة، وحالته صعبة. الشظية أخدت منه كلية واحدة والطحال، وجزءً من معدته، وجزءً من البنكرياس وأجزاء من الكبد. كيف سيعيش قلت لهم هناك؟ فقالوا لي نحاول قدر إمكاننا أن ننقذ. ورحاب كذلك كانت ترقد هناك لعلاج رجلها المصابة، فمادا سأفعل وحدي في البيت؟ يا ابني تحملت الكثير من الأوجاع في حياتي، ومستعد للتحمل اكثر بعد. أجدادي ذهبوا شهداء، في الثورة، والأمراض أخذت مني خمسة أولاد، وجهاد. كان هناك مرض لم نعرف عنه شيئا، فجأة اختطف أكثر من عشرين ولدا من هده البلدة، هكذا قالوا لنا في مستشفى المجتهد بالشام. أولادي كانت أعمارهم 11، 12 عاما، وبنت عمرها كان تسعة اشهر، وبنت أخرى، وجهاد استشهد في الحرب. كل فترة كانت تصيبنا مصيبة ونخرج منها ونقول الحمد لله. بقينا في أرزاقنا وأوطاننا، ولم نحتج إلى أي معونة من أحد. بعد الحرب التي اختطفت ابني جهاد رحمه الله جاء الإسرائيليون إلى البيت، ليأخذوا بقايا القذيفة التي بقيت هنا لفترة من الوقت ، كان بينهم ضابط اسمه "سردل". قال لي إن الضربة كانت تستهدف الجنود وليس ابنك. أين الجنود هنا؟ لم يكن جنود سوريين. هنا يعيش مواطنون عزل. وحاول مواساتي بتعهده بان دولته ستعوضني عن ابني وفلذة كبدي. أي شيء في الدنيا يعوضني عنه، يا ليت ابني موجود الآن معي. رفضت عرضه، وقلت له اجمع أدوات قتلك وأدوات جريمتك وارحل من هنا، لا احتاج إلى مالكم، ولن أتوجه إلى قانونكم، فانتم مجرمين قتلتم ابني دون أي ذنب.
ويتابع العم أبو قاسم بصوت مفجوع:
"ابني الكبير قاسم بقى في الشام. كان جنديا في الشرطة العسكرية، لم يدخل البلدة منذ الاحتلال. يعيش اليوم في السويداء، يعمل في البناء والزراعة. وصالح عاجز عن القيام بأي أعمال متعبة، بسبب الإصابات التي حولته إلى شبه عاجز. لقد سمى ابنه على اسم أخيه جهاد، فهل نستطيع أن ننساه للحظة واحدة. أرى جهاد في ابن أخيه وهذا أمر يسعدني جدا. "الله يخلصنا من هالمصايب ويهَدّي بالنا شويه".
انتهى اللقاء مع عائلة أبو قاسم هاني العفلق، ودموع الوجع والشوق تخيم على اجواء ذاك البيت القديم، الذي شهد عملية قتل بشعة لشاب في أوائل سني عمره، وما زال يحتفظ في ملامحه وذكرياته وعنفوانه، المتجسد في تلك الزاوية الصغيرة التي بقيت محفورة على الجدار، وشريط الذكريات الأليمة التي هزت مرافقي، الشاب محمد، ابن البنت المصابة رحاب، حيث تفاجأت لردة فعله وانفعالاته العفوية، حين كان يستمع إلى قصة من ماضي والدته وذويها، في إحدى محطات حياتهم.

عطر سوريا
25/12/2008, 02:49
غادرنا عائلة الشيخ أبو قاسم العفلق، لننتقل إلى حكاية جولانية أخرى، عمدتها الدماء، وفجعتها تلك الحرب. أرملة المرحوم فارس احمد المقت تعيش تلك الحرب حتى اليوم. تحاول جاهدة أن تتذكر اليوم الذي استشهد فيه زوجها:
"عاد من "المرج" قبل الوقت المعتاد، حيث كنا في أوج التحضيرات لعرس ابنتنا، الذي كان من المقرر أن يكون في منتصف تشرين. اغتسل و ما أن جلس حتى سمعنا صوت قذائف وطائرات. انتفض من مكانه فورا ليرى ماذا يحدث؟ وحين خرج من الغرفة أصيب بيتنا بشظية لا نعرف مصدرها. على الفور طلب مني إخراج الأولاد من البيت، والذهاب إلى بيت سلفي، لأن بيتهم من الحجر القوي. حملت البنت مسرعة، لأهدئ من خوفها وبكائها، وذهبت إلى بيت سلفي. كانت الضربة قد أصابت الأرضية القديمة، وأحدثت ثغرة فيها وسط كثافة من الدخان. فارس التحق بنا، وهو يطلب من الجيران الدخول إلى بيوتهم، وحماية أولادهم. دخل إلى الغرفة التي جلسنا بها، نحن وبيت سلفي، وانضم الينا أسلافي الآخرين. لم يمض وقت طويل حتى جاءت الضربة الثانية، كانت قذيفة قرب البيت عند بيت سلفي، تطايرت شظاياها، واخترق الحائط الحجري للغرفة التي كنا نجلس بها. كانت الإصابة في ظهره مباشرة. لم نعرف أن فارس أصيب إلا حين رأينا الدم يجري تحته. اقترب سلفي منه ليساعده، وكلما حركه ازداد جريان الدم من ظهرة وفمه وصدره. أسلافي هرعوا إلى عائلاتهم للاطمئنان عليهم، ويخبروا والدهم بإصابة فارس القاتلة. كنا نعرف انه قد انتهى. لفظ أنفاسه الأخيرة قبل مغادرة إخوته. لم نستطع فعل أي شيء. بقى ممدداً في نفس الغرفة، بعد أن حقن عدة رجال تدفق الدم من جسمه. بقى هكذا حتى صبيحة اليوم الثاني. فالقصف كان شديدا، والناس خائفة داخل بيوتها لا تعرف مادا تفعل. خاصة وان الناس تتراكض للوصول إلى بيوتها بعد عودتهم من "المرج"، حيث كان موسم قطاف التفاح في أوجه. بنفس اليوم استشهد عدة أشخاص من البلدة. كان عمره 52 عاماً. أتذكر جيداً آخر حديث له مع إخوته. سأله أحدهم: "كم عمرك يا فارس؟". وأجابه: "بالضبط 52 عاماً"، ولم تمض دقائق معدودة حتى انتهى عمره. في اليوم التالي جاء بعض الأقارب قبل طلوع الشمس، وأخذوه إلى المقبرة بسرعة. لم تكن طقوس جنازة في ذاك الوقت، فقط بعد انتهاء الحرب أتى الناس وقدموا التعازي. افتقدناه كثيراً بعد الحرب، فهو سند البيت ومعيله. سليم ابني البكر ملأ هذا الفراغ الذي تركه فارس، لكن يا حسرة قلبي عليه، لم تمض عدة سنوات إلا وقتل هو الآخر بحادث طرق، وبقيت أنا مع الأولاد، أتولى عنايتهم وتربيتهم.
الشهداء الذين سقطوا أثناء حرب تشرين 1973:
1- محمد شمس: من بلدة مجدل شمس- (مواليد 1933). استشهد أثناء استهداف المنطقة بقصف مدفعي في تاريخ 6/10/1973.
2- أسد شمس: من بلدة مجدل شمس (مواليد 1949). استشهد أثناء ء تعرض المنطقة إلى قصف المدفعية في تاريخ 6/10/1973 3— عقاب شمس: من بلدة مجدل شمس (مواليد1955). استشهد أثناء تعرض المنطقة إلى قصف المدفعية في تاريخ 6/10/1973 4- نور الدين قاسم أحمد الصفدي: استشهد أثناء تعرض المنطقة إلى قصف المدفعية في تاريخ 6/10/1973 5 - فارس أحمد المقت: من بلدة مجدل شمس (مواليد 1920). استشهد داخل منزله في تاريخ 17/10/1973، جراء سقوط قذيفة على منزله.
6- أمال السيد احمد الشوفي: من بلدة مجدل شمس (مواليد 1953). استشهدت داخل منزلها ، واصيب ابنها البالغ من العمر 4 اشهر بإصابات بالغة.في تاريخ 6/10/1973.
7- محمود شبلي أيوب: من بلدة مجدل شمس (مواليد 1931). استشهد في تاريخ 8/ 10/ 1973 شرقي مجدل شمس، أثناء تعرض البلدة الى قصف مدفعي أدى الى إصابته واستشهاده على الفور.
8- زريفة يوسف عماشة المرعي: من بلدة مجدل شمس (مواليد 1913). استشهدت في قصف جوي أثناء حرب تشرين في تاريخ 17/10/1973 9- ماجدة سليمان المرعي: من بلدة مجدل شمس (مواليد 1962). استشهدت في قصف جوي أثناء حرب تشرين في تاريخ 17/10/1973.
10- جهاد هاني قاسم العفلق: من بلدة مجدل شمس (مواليد 1953). استشهد في منزله جراء تعرض منزله لقذيفة أثناء حرب تشرين في تاريخ 7/10/1973 11- رامز اليوسف: من قرية مسعدة. استشهد أثناء حرب تشرين في تاريخ 20/10/1973

عطر سوريا
25/12/2008, 02:53
المشهد الاسرائيلي
بين الحين والآخر تنشب معركة إعلامية في إسرائيل بين هذا السياسي أو ذاك حول واحدة من القضايا الكثيرة الصغيرة والكبيرة المختلف عليها. ولكن الخلاف بين الرئيسين السابقين لشعبة الاستخبارات العسكرية والموساد أثناء حرب تشرين عام 1973 إيلي زعيرا وتسفي زامير يعتبر الأشد إثارة. فهو ليس مجرد خلاف شخصي بين عجائز مضت عقود على إحالتهما إلى التقاعد وإنما هو صراع على جرح لم يبرأ منه المجتمع الإسرائيلي ويتمثل في المباغتة العربية لإسرائيل في تلك الحرب.
ومن المعروف أن حرب تشرين، والتي عبر فيها الجيش المصري قناة السويس ووصلت طلائع الدبابات السورية إلى جسر بنات يعقوب، قضت على أسطورة الجيش الذي لا يقهر. ورغم أن العديد من قادة الجيش الإسرائيلي وفي مقدمتهم رئيس الأركان آنذاك دافيد العازار دفعوا ثمن المفاجأة فإن الأنظار جميعها تركزت حول الذراع الضارب لإسرائيل والمتمثل في الاستخبارات الإسرائيلية. وإذا كانت الحرب قد زعزعت المجتمع والجيش الإسرائيلي فإنها أصابت بهزة أرضية شديدة الاستخبارات بشقيها العسكري والموساد.
وفي ظل تبادل الاتهامات بين الموساد والاستخبارات العسكرية وهي اتهامات لا تنحصر في المنافسة الجارية الآن وحسب بل تعود إلى سني إقامة الدولة اليهودية تحتل حرب تشرين مكانة مركزية. ومنذ سنوات تبين أن أحد أبرز جوانب الخلاف يتركز حول الدور الذي لعبه عميل مصري في التأسيس لفكرة "المفهوم" الذي خدر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ودفعها إلى تجاهل المعطيات والوقوع في فخ مصري. وجرت الإشارة إلى أن هذا العميل كان عميلا مزدوجا هو أشرف مروان صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وزوج ابنته منى.
ومؤخرا وصلت القضية إلى المحاكم الإسرائيلية بعد قيام الجنرال إيلي زعيرا برفع دعوى قدح وذم ضد رئيس الموساد الأسبق تسفي زامير. وقد رفعت القضية بعد المعركة الصاخبة التي اندلعت بين الجنرالين على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد العبرية.
فقد اتهم زامير زعيرا صراحة بأنه كان وراء تسريب اسم أشرف مروان للباحث الإسرائيلي أهرون برغمان، وقال ان لديه "الأوراق التي تثبت ذلك، كما أن مؤلف الكتاب تحدث عن اللقاء الذي جمع بينه وبين زعيرا في منزل الأخير". ودعا زامير إلى تقديم زعيرا للمحاكمة بتهمة إفشاء أسرار الدولة والإساءة إلى أبسط قواعد العمل الاستخباري المتمثلة بعدم كشف المصادر.
وقد بدأت هذه المعركة عندما قرر زعيرا أن يكسر الصمت ويتحدث في حلقتين تلفزيونيتين حول مسؤوليته في التقصير الاستخباري الذي قاد للمباغتة العربية في الحرب. وقال زعيرا: "أنا أتحمل أخطاء التقديرات الاستخبارية قبيل الحرب، فقد تمسكت أنا وضباط وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية (أمان) بفرضية أن احتمالات الحرب ضئيلة".
وطلب رئيس الموساد آنذاك تسفي زامير حق الرد في التلفزيون حيث قال ان ايلي زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية أثناء حرب تشرين، ضلل الجيش والحكومة الإسرائيلية عن عمد.
ولكن في خلفية الصراع بين الرجلين خلاف حول ما إذا كان مروان مجرد عميل أم أنه عميل مزدوج. ويؤمن زعيرا بأن مروان هو النجاح الأكبر للاستخبارات المصرية قبل وأثناء حرب أكتوبر حيث أفلحت في زرعه ونيل ثقة الاستخبارات الإسرائيلية به ثم تضليلها بعد ذلك.
ويبرر زعيرا موقفه بالقول ان أشرف مروان رافق الرئيس أنور السادات في لقائه مع الملك فيصل في السعودية في آب 73، حين أخبر السادات فيصل بنيته شن الحرب قريبا جدا. ويتساءل زعيرا عن سبب صمت مروان حوالي شهرين، ولماذا لم يبلغ إسرائيل بالخبر سوى قبل اندلاع الحرب بأربعين ساعة.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه المؤسسة الاستخبارية بالإجابة عن السؤال حول ما إذا كان أشرف مروان عميلاً مخلصاً أم عميلاً مزدوجاً جاءت صور نشرت في التلفزيون المصري لزيارة قام بها الرئيس حسني مبارك لضريح الرئيس عبد الناصر. وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" فإن عناق الرئيس مبارك لأشرف مروان من شأنه وضع حد للنقاش داخل هذه الأجهزة حول شخص مروان.
وقد نشرت "يديعوت احرونوت" يوم الجمعة (6/5/2005) تقريرا موسعا للصحافي رونين برغمان وهو بين مؤلفي كتاب "زمن الحقيقة". وحسب برغمان هذا فإن الجدل سينتهي لأن مروان كان مجرد "بطل قومي مصري".
وبحسب تقرير برغمان فإن أحد العاملين في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في إطار مراقبة شبكات التلفزيون العربية شاهد في إحدى القنوات المصرية الرئيس مبارك يصافح أشرف مروان في احتفالات ذكرى حرب تشرين في العام الماضي. وقام رجل الاستخبارات بتسجيل مقطع المصافحة والذي تخلله أيضا عناق على شريط فيديو وبعد أن تأكد من أن الشخص المقصود هو فعلا أشرف مروان أبلغ المسؤولين عنه بالأمر.
ويكتب برغمان أنه "في شريط الفيديو يقف هذا الرجل بعد إحدى وثلاثين سنة يصافح بحرارة يد الرئيس المصري أمام الكاميرات في ذكرى الاحتفال بالنصر على العدو الصهيوني ويرافقه لوضع إكليل الورود على ضريح الرئيس عبد الناصر. بعد الآن لم يبق هناك أي مكان للشك، فالرئيس المصري لا يتعامل على هذا النحو مع أكبر خائن عرفته مصر، إن صورة واحدة تساوى ألف سجال أكاديمي".

عطر سوريا
25/12/2008, 03:03
إسرائيل" ارادت استخدام السلاح النووي في حرب تشرين
الرقابة العسكرية الإسرائيلية وللمرة الأولى في تاريخ إسرائيل تسمح بنشر محاضر رسمية تشير ضمناً إلى تفكير إسرائيل باستخدام السلاح النووي في حرب تشرين عام 1973. وقد أعدّت في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي عدة أبحاث عن تلك الحرب غير أن الخلافات الشديدة ما تزال تحول دون نشرها. وبين هذه الأبحاث دراسة رسمية تتناول "حروب الجنرالات" والموقف من ارييل شارون والنقاشات التي سعت للإطاحة به. وفي الطبعة الجديدة من كتاب "وقت الحدث" لمؤلفيه رونين بيرغمان وغيل ملتسار، والذي نشر أحد فصوله في ملحق "يديعوت أحرنوت"، نشر محضر الاجتماع الذي عُقد لهيئة الأركان في بداية الحرب. وقد سبق هذا اللقاء نشوب الحرب بساعات وأعدت فيه خطة صدّ الهجوم. ولكن يبدو أن مخاوف معينة راودت وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان فسأل الحضور إن كان "عفري جاهزاً للإطلاق". و"عفري" حسب التحليلات الأجنبية هو الاسم السري لصاروخ "يريحو" المزوّد بأسلحة نووية. وفي ذلك الاجتماع اجاب رئيس الأركان آنذاك الجنرال ديفيد العازار أن المطلوب ليس جاهزاً للإطلاق.وحسب المحضر فإن رئيس مكتب وزير الدفاع أرييه بار أون قال إن "عفري" سيكون جاهزا خلال اثنتي عشرة ساعة. فأصرّ ديان على وجوب أن يكون "عفري" جاهزاً في الليلة ذاتها. ولكن دراسة أخرى أعدّها قسم التأريخ في الجيش الإسرائيلي حول أداء القيادة العليا في الحرب أظهر وضع موشيه ديان في اليوم الثالث للحرب. فقد كان بالغ القلق على وجود إسرائيل وتحدث في الاجتماعات عن "خراب الهيكل الثالث". وشدّد على وجوب الاستعداد لوضع تنفد فيه القوة البشرية والأسلحة الحيوية للجيش الإسرائيلي. وتظهر هذه الدراسة أن ديان أمر باستخدام كل الوسائل وخصوصاً قصف دمشق وعدم ملء المعسكرات بالأسرى في تلميح لوجوب قتلهم. وتظهر الدراسة الرسمية الإسرائيلية التي حظر نشرها والتي كتب عنها المعلق العسكري في "هآرتس" أمير أورن مقدار تدهور معنويات القيادة الإسرائيلية. وتشير إلى "تدهور المعنويات في قيادة الحرب" في أعقاب "الضربات الابتدائية وتحطّم الأوهام. وأحس قادة المؤسسة الأمنية الآن ليس فقط بصعوبة الظرف وإنما كذلك بالإنهاك البدني المتراكم".وبعد ذلك عقد لقاء شارك فيه كل من ديان وإلعازار ونائب رئيس الأركان الجنرال إسرائيل طال ورئيس شعبة الاستخبارات الجنرال إيلي زعيرا وقائد سلاح الجو بني بيلد والجنرالين أهرون ياريف ورحبعام زئيفي. وفي هذا اللقاء قرر رئيس الأركان استحالة مواجهة الوضع في الجبهتين دفعة واحدة وقرر التركيز على الجبهة السورية "لتحطيم عدو واحد خلال 24 ساعة". وقرّر تركيز قصف العمق السوري وتدمير فرقتي المدرعات السورية في الجولان. ويصف العقيد يغئال لوتن، مدير مكتب الجنرال إسرائيل طال (الذي كان برتبة رائد) ما جرى في هذا النقاش. ويقول إنه إضافة إلى الجنرالين المذكورين في الدراسة الرسمية حضر النقاش أيضاً العميد أرييه ليفي مساعد رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان. وقال لمجلة "المدرعات" (شريون) الإسرائيلية في الأسبوع الفائت إن ليفي بعد أن شهد النقاش الانفعالي والأوامر التي صدرت فيه حول الأسلحة الخاصة "اندفع إلى مكتب الجنرال طال والدموع تخنق صوته. وعانق طال وصرخ: يا طال يجب عليك أن تفعل شيئاً، إنهم لا يعرفون ما يريدون فعله. يجب عليك أن تنقذنا". وردّ طال عليه بأن لا يقلق وأنه سيتدبّر الأمر. غير أن الرواية هذه في كتاب "وقت الحدث" تشير إلى أن أرييه ليفي صرخ في الجنرال طال قائلا: "إن هؤلاء يريدون تدمير العالم" و"أنقذ إسرائيل من هؤلاء المجانين"، في إشارة لديان وإلعازار وزئيفي الذي كان شديد التطرف في رغبته بتدمير سوريا. وحسب بيرغمان في حديث مع القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي فإن الانفعال الإسرائيلي تراجع بعد خمس ساعات من ذلك في أعقاب احتواء الهجوم السوري المدرع في الهضبة. ويكشف كتاب بيرغمان وميلتسار النقاب أيضاً عن أن أميركا سمحت لإسرائيل بانتهاك اتفاق وقف النار بعد أن تبين لها أن روسيا نشرت صواريخ نووية في مصر. وينسب الكتاب هذه المعلومة إلى محاضرة ألقاها البروفيسور يوفال نئمان في اجتماع أكاديمي نووي سري عقد في أميركا.وقال نئمان في المحاضرة إن نبأ نشر السوفيات لصواريخ نووية في دلتا مصر أثار الذعر في إسرائيل الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى إعلان حالة الاستعداد لحرب نووية. وقال نئمان إن الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون خشي من احتمال استخدام روسيا لهذا السلاح ضد إسرائيل أو من اندفاع إسرائيل لعمل نووي من منطلق هذه الخشية. غير أن السجال في إسرائيل لا يدور هذه الأيام فقط عن الموضوع النووي وإنما كذلك عن دور شارون في الحرب. وتشير المعطيات التي يتداولها المعلقون إلى أن من بين الدراسات الرسمية الجديدة الثلاث التي أعدت في هيئة الأركان دراسة مرفوض نشرها لأسباب سياسية. وتتركز هذه الأسباب في كون الجهة التي ينبغي أن تأذن بالنشر ليست سوى شارون نفسه.وحسب صحيفة "معاريف" فإن الجيش سيقوم في خطوة استثنائية بتسليم شارون نسخة من دراسة تتناول الأداء القيادي في حرب تشرين ليقرر ما إذا كانت ستنشر أم لا. ويقول مسؤول أمني كبير إن شارون متورط شخصياً في العديد من القضايا موضع الخلاف ولذلك فإن قراره سوف يتأثر بذلك. وقد أثار قرار تسليم الدراسة لشارون قبل النشر خلافاً شديداً في الجيش. ويشير رونين بيرغمان إلى أن الدراسة تتناول نقاشات بين ديان وإلعازار حول ضرورة تنحية شارون عن قيادة الفرقة التي قادها في الحرب. كما أنها تظهره ليس بمظهر البطولة التي شاعت عنه.

احمد السيد جاد
13/01/2009, 01:07
مع جزيل الشكر ع المعلومات القيمة

عطر سوريا
15/01/2009, 01:22
هلا بيك يا غالي نورت
ومشكور على مرورك
:D

عطر المغرب
15/01/2009, 18:04
مشكور اخي عطر على الموضووووع
تسلم ايدك
اختك فاتي