وائل 76
19/12/2008, 14:16
قراءة في قرار مجلس الأمن رقم (1850)
تُعرَّف "الشرعية" لغةً بالبيان والإظهار، ويقال شرع الله كذا أي: جعله طريقًا ومذهبًا، والشرع مرادف للشريعة، وهي ما شرع الله لعبادة من الأحكام، والشرعي هو المنسوب إلى الشرع. وفي هذا السياق فقد استخدمت الشرعية كصفة للأفعال المطابقة للقانون أو المقيدة به، ويقصد بالقانون الأحكام المستندة للشريعة الإسلامية. هذا عن المعنى اللغوي المستمد من الثقافة الإسلامية التي ننتمي لها بوصفنا شعب عربي مسلم.
أما معنى "الشرعية" وفق المفهوم الغربي، وعلى الرغم من وجود فارق جوهري بين المفهوم الغربي والمفهوم العربي إلا أنه يصب في ذات الاتجاه من الناحية القانونية، فالشرعية التي تناولها "جون لوك" وهو أول من استخدم مفهوم الشرعية كأساس لتحليل ظاهرة السلطة تُعرف بأنها اختيار وتقبل المحكومين للحكام والنظام السياسي، بمعنى قيام الشرعية على عنصري الاختيار والرضا كعناصر أساسية، فالشرعية تعبير واضح عن العقل الخلاق والوعي الاجتماعي الذي يُؤسس رضا وقبول المحكومين للنظام السياسي على أساس انصياع النظام الحاكم للقانون وفق ما يُعرف بمبدأ "المشروعية" وسيادة القانون.
هذه هي تعريفات ومفاهيم "الشرعية" التي وصلتنا حتى الآن، والتي لم يتبادر لعلمنا وجود غيرها، ونثق يقيناً بأننا نتابع عن كثب التطور المعرفي والقانوني والسياسي في هذه القرية الصغيرة التي تعيش عصر السرعة والاتصالات.
ولأن عوامل النحت والتعرية غير قادرة على نحت المفاهيم وقولبتها بشكل مخالف لما تشكلت عليه، إلا إذا تعلق الأمر (بإسرائيل)، فقد تأسس مفهوم جديد "للشرعية" في الفقه السياسي والقانوني ابتدعته وزيرة الخارجية الصهيونية بتضافر وتكامل عوامل النحت والتعرية واتفاق الدول الكبرى وتصفيق الأبله ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية في مجلس الأمن عليهم جميعاً من الله ما يستحقون!
وزيرة الخارجية الصهيونية وفي تعليقها على صدور قرار مجلس الأمن رقم (1850) - والتي أعربت عن ارتياحها العميق بصدوره! – أكدت على أن القرار يعتبر سابقة لم يعهدها المجتمع الدولي فيما يخص النزاع في الشرق الأوسط، حيث أن القرار (1850) أكد على شروط الرباعية الدولية كأساس لمنح الشرعية لأي حكومة فلسطينية ولتقديم الدعم والعون لها. وبذلك ينتقل المجتمع الدولي بأسره إلى المربع المقابل مطالباً السلطة الفلسطينية بتنفيذ شروط الرباعية الدولية الثلاث والتي تنحصر في:
1- نزع ما يسمى بـ (البنية التحتية للإرهاب) في مناطق السلطة الفلسطينية وإجراء إصلاح في الأجهزة الأمنية وإنهاء التحريض ضد الكيان الصهيوني.
2- الاعتراف المتبادل ما بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني.
3- القبول بحل الدولتين.
بمقابل ذلك تُمنح الحكومة والسلطة الفلسطينية الشرعية، وإن كان السبيل إلى ذلك شن حرب لا هوادة فيها ليس ضد حركة حماس والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية والقيادة العامة والأحرار إلى آخر من تبقوا على العهد ثابتين فحسب بل ضد آمال وتطلعات شعب مازال يؤمن بحقوقه المشروعة على أرض فلسطين المباركة، هذا فيما يخص مفهوم الشرعية الجديد!
ولأن الشيء بالشيء يذكر، وحيث أن شرعية الحكومة الفلسطينية أُسست وفق ما جاء في قرار مجلس الأمن رقم (1850) أود التعليق على بعض بنود هذا القرار الذي صفق له الصفيق ممثل السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن وأشاد به قطيع المقاطعة السوداء في بيان صحفي نشرته وكالة وفا بتاريخ 17/12/2008، حيث اعتبر قطيع المقاطعة السوداء هذا القرار (خطوة أممية شجاعة)!!!
بداية ينبغي التأكيد على أن ساسة الكيان الصهيوني استطاعوا كما العادة فرض إملاءاتهم ليس على السلطة الفلسطينية فحسب بل على المجتمع الدولي أيضاً، فقد أسسوا قواعد اللعبة وفق ما يحقق مصالحهم وذلك عندما بُني القرار (1850) مستنداً على مقررات مؤتمر أنابوليس التي جرى التوافق عليها في العام الماضي، والتي من أهم بنودها ما يتعلق بالمفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني دون تدخل المجتمع الدولي في تلك المفاوضات، أذكر أن هذا البند جرى تسويقه عقب انتهاء مؤتمر أنابوليس على أنه يتعلق فقط بمرحلة محددة لن تتجاوز السنة، وهي الفترة التي حُددت للانتهاء من تحديد البنود التي سيتم التفاوض عليها ومن ثم الذهاب لمؤتمر دولي برعاية أمريكية للاتفاق على تلك البنود وفق ما عُرف حينها بـ "الحل النهائي"، هذا ما تم تسويقه حينها لنا على الأقل، لكن يبدو أنهم أرادوا من خلال هذا البند إطالة أمد التفاوض إلى ما لا نهاية، وهذا ما تم تأكيده بصدور قرار مجلس الأمن رقم (1850).
الأخطر من ذلك كله أن قرار مجلس الأمن لم يشر إلى أي التزامات تقع على كاهل الكيان الصهيوني، ولعل مرجع ذلك هو تبنيه مقررات مؤتمر أنابوليس التي أًسست على رؤية الرباعية الدولية التي ترى أن الكيان الصهيوني قد نفذ معظم تعهداته، وبالتالي فإن قرار مجلس الأمن قد أتى كسابقيه مُعفياً الكيان الصهيوني من أية التزامات سوى وقف النشاط الاستيطاني في الضفة، والذي أثق أن حكومة الكيان الصهيوني لن تلتزم به، إضافة لذلك فإن القرار يضفي الشرعية على آلاف الكتل الاستيطانية التي تم بناؤها في الضفة الغربية والقدس والتي يقارب عدد ساكنيها النصف مليون صهيوني حتى الآن!
ليس ذلك فحسب بل إن القرار طالب الدوال العربية بتوفير ما يسمى بالمناخ الملائم لنجاح المفاوضات الثنائية وهو ما يمهد الطريق أمام موجة تطبيع علاقات ربما باتت أقرب من أي وقت مضى خاصةً بعد الحملة الإعلامية الموجهة لتسويق المبادرة العربية في أوروبا والكيان الصهيوني وهي في حقيقة الأمر محاولة للعبث بالوعي الجمعي العربي وتصوير المبادرة في ذهن المواطن العربي البسيط على أنها انجاز عربي انتزع رغماً عن أنف الصهاينة.
في مقابل ذلك كله يصفق ممثل فلسطين ويرقص حكام المقاطعة السوداء في رام الله فرحاً بصدور قرار مجلس الأمن رقم (1850) فيما تقول تسيبي ليفني وزيرة الخارجية في الكيان الصهيوني بالحرف الواحد: (إن قرار مجلس الأمن الذي صدر اليوم يُشكل اعترافاً ودعماً دولياً لعملية أنابوليس وفق المبادئ التي حددها الطرفان- ألا وهي مفاوضات ثنائية مباشرة، دون أي تدخل خارجي ووفقاً للمبدأ القائل إن "لا شيء متفق عليه حتى الاتفاق على كل شيء". ) أو إلا أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها!
تُعرَّف "الشرعية" لغةً بالبيان والإظهار، ويقال شرع الله كذا أي: جعله طريقًا ومذهبًا، والشرع مرادف للشريعة، وهي ما شرع الله لعبادة من الأحكام، والشرعي هو المنسوب إلى الشرع. وفي هذا السياق فقد استخدمت الشرعية كصفة للأفعال المطابقة للقانون أو المقيدة به، ويقصد بالقانون الأحكام المستندة للشريعة الإسلامية. هذا عن المعنى اللغوي المستمد من الثقافة الإسلامية التي ننتمي لها بوصفنا شعب عربي مسلم.
أما معنى "الشرعية" وفق المفهوم الغربي، وعلى الرغم من وجود فارق جوهري بين المفهوم الغربي والمفهوم العربي إلا أنه يصب في ذات الاتجاه من الناحية القانونية، فالشرعية التي تناولها "جون لوك" وهو أول من استخدم مفهوم الشرعية كأساس لتحليل ظاهرة السلطة تُعرف بأنها اختيار وتقبل المحكومين للحكام والنظام السياسي، بمعنى قيام الشرعية على عنصري الاختيار والرضا كعناصر أساسية، فالشرعية تعبير واضح عن العقل الخلاق والوعي الاجتماعي الذي يُؤسس رضا وقبول المحكومين للنظام السياسي على أساس انصياع النظام الحاكم للقانون وفق ما يُعرف بمبدأ "المشروعية" وسيادة القانون.
هذه هي تعريفات ومفاهيم "الشرعية" التي وصلتنا حتى الآن، والتي لم يتبادر لعلمنا وجود غيرها، ونثق يقيناً بأننا نتابع عن كثب التطور المعرفي والقانوني والسياسي في هذه القرية الصغيرة التي تعيش عصر السرعة والاتصالات.
ولأن عوامل النحت والتعرية غير قادرة على نحت المفاهيم وقولبتها بشكل مخالف لما تشكلت عليه، إلا إذا تعلق الأمر (بإسرائيل)، فقد تأسس مفهوم جديد "للشرعية" في الفقه السياسي والقانوني ابتدعته وزيرة الخارجية الصهيونية بتضافر وتكامل عوامل النحت والتعرية واتفاق الدول الكبرى وتصفيق الأبله ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية في مجلس الأمن عليهم جميعاً من الله ما يستحقون!
وزيرة الخارجية الصهيونية وفي تعليقها على صدور قرار مجلس الأمن رقم (1850) - والتي أعربت عن ارتياحها العميق بصدوره! – أكدت على أن القرار يعتبر سابقة لم يعهدها المجتمع الدولي فيما يخص النزاع في الشرق الأوسط، حيث أن القرار (1850) أكد على شروط الرباعية الدولية كأساس لمنح الشرعية لأي حكومة فلسطينية ولتقديم الدعم والعون لها. وبذلك ينتقل المجتمع الدولي بأسره إلى المربع المقابل مطالباً السلطة الفلسطينية بتنفيذ شروط الرباعية الدولية الثلاث والتي تنحصر في:
1- نزع ما يسمى بـ (البنية التحتية للإرهاب) في مناطق السلطة الفلسطينية وإجراء إصلاح في الأجهزة الأمنية وإنهاء التحريض ضد الكيان الصهيوني.
2- الاعتراف المتبادل ما بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني.
3- القبول بحل الدولتين.
بمقابل ذلك تُمنح الحكومة والسلطة الفلسطينية الشرعية، وإن كان السبيل إلى ذلك شن حرب لا هوادة فيها ليس ضد حركة حماس والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية والقيادة العامة والأحرار إلى آخر من تبقوا على العهد ثابتين فحسب بل ضد آمال وتطلعات شعب مازال يؤمن بحقوقه المشروعة على أرض فلسطين المباركة، هذا فيما يخص مفهوم الشرعية الجديد!
ولأن الشيء بالشيء يذكر، وحيث أن شرعية الحكومة الفلسطينية أُسست وفق ما جاء في قرار مجلس الأمن رقم (1850) أود التعليق على بعض بنود هذا القرار الذي صفق له الصفيق ممثل السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن وأشاد به قطيع المقاطعة السوداء في بيان صحفي نشرته وكالة وفا بتاريخ 17/12/2008، حيث اعتبر قطيع المقاطعة السوداء هذا القرار (خطوة أممية شجاعة)!!!
بداية ينبغي التأكيد على أن ساسة الكيان الصهيوني استطاعوا كما العادة فرض إملاءاتهم ليس على السلطة الفلسطينية فحسب بل على المجتمع الدولي أيضاً، فقد أسسوا قواعد اللعبة وفق ما يحقق مصالحهم وذلك عندما بُني القرار (1850) مستنداً على مقررات مؤتمر أنابوليس التي جرى التوافق عليها في العام الماضي، والتي من أهم بنودها ما يتعلق بالمفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني دون تدخل المجتمع الدولي في تلك المفاوضات، أذكر أن هذا البند جرى تسويقه عقب انتهاء مؤتمر أنابوليس على أنه يتعلق فقط بمرحلة محددة لن تتجاوز السنة، وهي الفترة التي حُددت للانتهاء من تحديد البنود التي سيتم التفاوض عليها ومن ثم الذهاب لمؤتمر دولي برعاية أمريكية للاتفاق على تلك البنود وفق ما عُرف حينها بـ "الحل النهائي"، هذا ما تم تسويقه حينها لنا على الأقل، لكن يبدو أنهم أرادوا من خلال هذا البند إطالة أمد التفاوض إلى ما لا نهاية، وهذا ما تم تأكيده بصدور قرار مجلس الأمن رقم (1850).
الأخطر من ذلك كله أن قرار مجلس الأمن لم يشر إلى أي التزامات تقع على كاهل الكيان الصهيوني، ولعل مرجع ذلك هو تبنيه مقررات مؤتمر أنابوليس التي أًسست على رؤية الرباعية الدولية التي ترى أن الكيان الصهيوني قد نفذ معظم تعهداته، وبالتالي فإن قرار مجلس الأمن قد أتى كسابقيه مُعفياً الكيان الصهيوني من أية التزامات سوى وقف النشاط الاستيطاني في الضفة، والذي أثق أن حكومة الكيان الصهيوني لن تلتزم به، إضافة لذلك فإن القرار يضفي الشرعية على آلاف الكتل الاستيطانية التي تم بناؤها في الضفة الغربية والقدس والتي يقارب عدد ساكنيها النصف مليون صهيوني حتى الآن!
ليس ذلك فحسب بل إن القرار طالب الدوال العربية بتوفير ما يسمى بالمناخ الملائم لنجاح المفاوضات الثنائية وهو ما يمهد الطريق أمام موجة تطبيع علاقات ربما باتت أقرب من أي وقت مضى خاصةً بعد الحملة الإعلامية الموجهة لتسويق المبادرة العربية في أوروبا والكيان الصهيوني وهي في حقيقة الأمر محاولة للعبث بالوعي الجمعي العربي وتصوير المبادرة في ذهن المواطن العربي البسيط على أنها انجاز عربي انتزع رغماً عن أنف الصهاينة.
في مقابل ذلك كله يصفق ممثل فلسطين ويرقص حكام المقاطعة السوداء في رام الله فرحاً بصدور قرار مجلس الأمن رقم (1850) فيما تقول تسيبي ليفني وزيرة الخارجية في الكيان الصهيوني بالحرف الواحد: (إن قرار مجلس الأمن الذي صدر اليوم يُشكل اعترافاً ودعماً دولياً لعملية أنابوليس وفق المبادئ التي حددها الطرفان- ألا وهي مفاوضات ثنائية مباشرة، دون أي تدخل خارجي ووفقاً للمبدأ القائل إن "لا شيء متفق عليه حتى الاتفاق على كل شيء". ) أو إلا أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها!