-
دخول

عرض كامل الموضوع : رئيس الولايات الفلسطينية المتفرقة!


وائل 76
25/11/2008, 04:42
رئيس الولايات الفلسطينية المتفرقة!





استقر الرأي في الفقه القانوني المقارن على أن بيع المجهول يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، والعلة في ذلك أن بيع المجهول يُفضي إلى عدم تكافئ المتبادلين، فكيف بالإمكان أن يتحقق التساوي بين كلا المتبادلين إن كان أحدهما مجهولاً؟! وما يترتب على ذلك من وقوع أحد طرفي التبادل ضحية غبن واستغلال من قِبل الطرف الآخر.

الشريعة الإسلامية الغراء أيضاً تناولت هذه القضية بحكم مشابه لما استقر عليه الفقه القانوني حديثاً، حيث أنها تعتبر بيع المجهول فاسداً، بمعنى اختلال أحد أركانه أو جميعها الأمر الذي يؤدي لاعتبار هذا البيع كأن لم يكن.

هذا فيما يتعلق بالبيوع على اختلافها سواء تعلقت بعقارات أو منقولات، فكيف وإن كان الأمر يتعلق بوطن وأرض وحق وتاريخ و جغرافيا وشعب ولاجئين ومشردين وأمانة حملتها أجيال متعاقبة منذ ما يزيد على قرن من الزمان؟!
وكيف وإن كان أحد طرفي هذا التصرف لا يملك الحق فيما تصرف به، فيما كان الطرف الآخر لا يستحق ما تحقق له بموجب هذا التصرف؟!
وكيف وإن كان جزء ليس بيسير من أحد طرفي هذا التصرف مجهول وليس له محل إقامة معروف سواء في جغرافيا الوطن أو تاريخه؟!
وكيف وإن كان هذا التصرف جاء بمعزل عن كل المسوغات الشرعية والقانونية والعرفية والأخلاقية والمنطقية إلا من رضا أجندة الاعتدال و"بتحفظ عن التعليق أو مباركة" لا فرق بينهما من عدونا الاستراتيجي إن كان لازال كذلك طبعاً؟!
ثم كيف وإن توافق هذا التصرف مع الدين الجديد المفروض على أمتنا وطليعتها شعب فلسطين بالحديد والنار، الحديد والنار هنا تعني تناقض المفروض مع إرادة من فرض عليهم، والإرادة هنا أُسست على معطيات مختلفة أهمها، قدر الله عز وجل في أرضه، وحبات رمل زاحمتها دماء الشهداء منذ مئات السنين، وعذابات شعب امتدت عبر قرن من الزمان تقريباً هو عمر المشروع الصهيوني في هذه المنطقة من العالم، وأخيراً أحلام بسطاء أمة لازلت تتقن فن الصمت والخيبة وعقد الآمال على المعذبين في الأرض بعد أن تقطعت بهم السبل إلا من ذلك!

طبعاً ارتسمت علامات الدهشة على وجه القارئ الذي يبحث عن الرابط ما بين العنوان والمقدمة؟! للقارئ الحق في دهشته كما أن لي الحق كل الحق في أن أؤصل ما يحدث وفق ما يجب أن يكون، ووفق سياقاته الحقيقية، ليس لشيء سوى أنني أعتقد أن مرحلة التغيب التي أوصلتنا لما نحن فيه قد انتهت يوم أن بزغ فجر 20/1/2006م، ولذلك ينبغي علينا جميعاً أن نتوقف عند الأحداث وإن بدت تافهة لنحافظ على ما تبقى ونحن ننتزع ما سُلب سابقاً من مشروعنا الوطني!

بدايةً أود أن أوضح المقصود من عنوان المقال، فقد بحثت في معاجم اللغة عن اسم يناسب دولتنا الفلسطينية التي أعلن المجلس المركزي لمنظمة التحرير يوم أمس عن وجودها فلم أجد اسم مناسب، وتطبيقاً للقاعدة الشرعية التي تقول " الحاجة عامة كانت أم خاصة تنزل منزلة الضرورة" وجدت نفسي مرغماً على اشتقاق اسم يناسب دولتنا العتيدة، فلم أجد أنسب من الولايات الفلسطينية المتفرقة، الولايات لأن هناك ما يقارب 600 حاجز صهيوني يقطع أوصال الجزء الشرقي من دولتنا، فيما ينفصل الجزء الغربي عن الشرقي بكيان آخر اعترف ولاة أمرنا بحقه في الوجود في ذات اللحظة التاريخية العظيمة التي أعلنوا فيها قيام دولتنا العتيدة عام 1988م، بمعنى أن لدينا ولله الحمد 601 ولاية تمثل دولتنا العتيدة وفق مخططات وخرائط المجلس المركزي أفندي، والفلسطينية لأنها لازالت كذلك، أما المتفرقة فباعثها أن سيادة رئيس دولتنا يقول أنه سيجري انتخابات في بعض الأجزاء التي يستطيع فيها إجراء الانتخابات، أما الأجزاء التي لا يستطيع فيها تنفيذ ذلك فسيترك الأمر إلى حين أن يكون بالإمكان تحقيق ذلك، وهي طفرة قانونية يمكن أن يطلق عليها فقهاء القانون "ديمقراطية بالتقسيط"!

هذا فيما يخص عنوان هذا المقال الغير مرتبط مع مقدمته، أما عن النقاط الواردة في المقدمة فتفصيلها كالآتي:

إن ما جرى يوم أمس من قِبل المجلس المركزي لمنظمة التحرير هو صفقة بيع تم بموجبها بيع حقوق وتاريخ ومستقبل فلسطين وشعبها للسيد محمود عباس، الذي يعتقد أنه أصبح بذلك صاحب الصلاحية الحصرية في اتخاذ ما يراه مناسباً تجاه القضية الفلسطينية ومستقبلها.
وهو بيع باطل وفاسد لأن المحل الذي وقع عليه البيع لم يتم تحديده ضمن أركان الصفقة حين اكتفوا بذكر الدولة الفلسطينية دون تحديد حدودها أو منافذها أو مياهها الإقليمية أو فضائها، وأثق يقيناً أنهم جميعاً لا يستطيعون تحديد ذلك، ليس لأن حماس تسيطر على غزة بل خشية من أن يتجاوزوا (حقوق) المستوطنين اليهود في أزقة الخليل أو نابلس أو في مغتصبة معاليه أدوميم، لذلك تركوا الأمر على عموميته واكتفوا بذكر الدولة تماماً كأكذوبة الوطن المعنوي!

إضافة لذلك فإن هذا البيع قد صدر ممن لا يملك، فالمجلس المركزي الموقور لا يملك التصرف بفلسطين وحقوق شعبها، ولدينا سلطة تسجيل الأراضي والطابو ليأتوا لنا بشهادات ملكيتهم لأرض فلسطين، وهو بيع تم لمن لا يستحق لأن جزء من الشعب الفلسطيني يعتقد وجزء آخر يثق بأن السيد عباس لم يقدم للقضية الفلسطينية ما يؤهله لاكتساب صلاحية التصرف الحصري فيها.

الأدهى من ذلك وأمر أن جزء لا بأس به من أعضاء هذا المجلس مجهول محل الإقامة سواء في جغرافيا الوطن أو تاريخه، فبعضهم توفاه الله عز وجل، وبعضهم انتهى دوره من الحياة السياسية منذ قرون، وبعضهم يمثل شرائح اجتماعية لا تربطه بها أي صلة، وبعضهم يمثل تكتلات نقابية بشكل غير ديمقراطي أو نزيه، والأهم أن بعضهم اكتسب عضوية هذا المجلس كونه نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني السابق، وعليه فإن وجوده في المجلس المركزي بعد خسارته في الانتخابات التشريعية الأخيرة قد أصبح باطلاً بطلاناً مطلقاً، ثم يأتيك السيد رئيس المجلس المركزي ليؤكد على أن انتخاب رئيس الدولة قد تم بشبه الإجماع "الجميع ماعدا واحد"!

ثم إن هذا التصرف جاء معزل عن كل المسوغات الشرعية والقانونية والمنطقية والأخلاقية، فلا القانون يعطي هذا المجلس الحق في تعيين رئيس دولة ولا حتى قانون إنشاء هذا المجلس يعطيه الحق في تعيين رئيس دولة، فهذه هي إحتصاصات المجلس المركزي كما ورد في قانون إنشائه:

المادة 3: يختص المجلس المركزي بما يأتي:
أ‌. اتخاذ القرارات في القضايا والمسائل التي تطرحها عليه اللجنة التنفيذية في إطار مقررات المجلس الوطني.
ب‌. مناقشة وإقرار الخطط التنفيذية المقدمة إليه من اللجنة التنفيذية.
ج. متابعة تنفيذ اللجنة التنفيذية لقرارات المجلس الوطني.

وقد جاء هذا التصرف مناقضاً لإرادة الكل الفلسطيني وهذا معلوم باليقين لمن سلبوا الحق من أصحابه الأصليين وقاموا بهذا التصرف، لأنهم على ثقة من أنه تصرف يناقض كل حبة رمل في أرض فلسطين وكل قطرة دم سالت في سبيل الله عز وجل أولاً ولأجل فلسطين ثانياً، ولتطلعات وآمال أمة المليار ميت.

أخيراً وعلى الرغم من رفضي المطلق لما قام به هذا المجلس المركزي، إلا أنني أدعوا المشردين في الشتات ممن اعتقدوا ولازالوا يعتقدون أن لهم فلسطين أن يغتنموا هذه الفرصة التي لربما لن تتكرر "مش كل يوم يعني راح يكون إلنا دولة" ويحملوا حقائبهم ويتوجهوا لدولتهم العتيدة دولة فلسطين، فطالما أن لنا دولة فليس من المقبول أن يستمر تشردهم حتى هذه اللحظة.

لكن أنصحهم بعدم التوجه إلى قطاع غزة، ليس لأن غزة غارقة في الظلام منذ مطلع القرن، وليس لأن شعب غزة يطهو طعامه على الطريقة البدائية، وليس لأن الحصار قارب أن يقضي على كل ما تبقى، وإنما ليشاركوا أحبتنا في ضفة القسام نكباتهم وويلاتهم حتى إذا ما حانت اللحظة الحاسمة وهبت رياح الحق العاتية كانوا جزء من صنع القرار رغم أنف المجلس المركزي "والمجلس الأكبر منو كمان"!