-
دخول

عرض كامل الموضوع : قصص قصيرة لحنان درويش ..


achelious
09/11/2008, 01:25
مفارقة‏
من مبرّة خيريّة خرجا معاً، وعقب خروجهما داهمهما برد شديد، ومطر غزير... حاول المحسن إدارة محرّك سيّارته، فلم يدر، فرجا صديقه على استحياء أن يدفع بمؤخّرتها إلى
الأمام. المفارقة التي حدثت، أنّ السيّارة مضت تاركة من دفعها وحيداً على الرصيف.‏

سقوط‏
سارت لاعبة السيرك الماهرة على الحبل الممدود بين عمودين فوق الساحة وما عليها من المتفرّجين. أصغت العيون، تعلّقت القلوب، كُمّت الأفواه، ودون أن يكون هناك أيّة مؤشّرات
أو مقدّمات تذكر، تخلّت اللاعبة عن الحبل، وسقطت من علٍ، ترافقها دهشة وصراخ وشخوص أبصار، حيث لاحت في الهواء كعجلة تدور. ماج الحشد في مكانه، وانفرجت الساحة
عن جسد كان يتوجّه بانحداره صوب النهاية المحتمة، فتقطّعت منه الأوصال، وتهشّم الرأس وهو يلفظ أنفاساً تقول: -ما كنت أحسب أنّ قدمي ستزِلُّ ذات يوم!.‏

هروب‏
سجنوه في غرفة مظلمة، أحكموا عليه النوافذ والأبواب، كلّما حاول أن يفتح له كوّة، كان هناك من يحاول إغلاقها... بعد زمن طويل، استطاع أن يكسر القيود ويخرج، فلاذ الجميع بالهروب.‏

تنافس‏
تنافست الضرّتان على كسب محبّة الزوج وإرضائه، فكانت كلُّ واحدة منهما- في أثناء زيارته لها- تتعطّر وتتبرّج وترتدي أجمل الثياب وتتفنّن في سبل إسعاده، وعند الصباح
تتباهى أمام ضرّتها بأنّها قضت معه ليلة شهرياريّة. ذلك الفعل اليومي يترتّب عليه معارك كلاميّة، مشادّات حادّة، مشاحنات عنيفة، سباب وشتائم... بينما الزوج ما يزال نائماً
في سريره، يحلم أن يحضر للبيت زوجة ثالثة.‏

إنسانيّة‏
دخلت حسناء تجرُّ كلباً إلى أحد المنتجعات. أراد النادل إكرام الكلب، فجمع له ما تركه الزبائن من بقايا الأطعمة. ثارت ثائرة الحسناء، وأخذت توبّخ النادل قائلة:‏
-ألا ترى أنك لا تنتمي إلى الإنسانيّة بشيء؟.. أسرع وأحضر ل "بوبي" وجبة مدلّلة من اللحم المشوي، وكميّة من شراب الورد.‏
نظر النادل إلى الكلب نظرة مستفزَّة، أسرع إلى سلسلته ففكّها ووضعها حول عنقه، وراح ينبح.‏

اعتذار‏
هبّت الريح الهوجاء ثائرة غاضبة وأخذت في طريقها كلَّ شيء دون رحمة.. دمّرت البيوت، اقتلعت الأشجار، كسرت أعمدة الكهرباء، زهقت الأرواح.. بعد ساعات..
هدأت الريح وارتاحت وراحت توزّع اعتذارها للجميع.‏

ابتسامتان‏
رفع الطبيب يد المريض اليمنى، فارتخت دون حراك. رفع يده اليسرى، فحذت حذو أختها. جسّ قدميه، فوجدهما باردتين كالثلج. لمس رأسه، فسرت قشعريرة الموت إلى
الأصابع. حدّق في العينين، فرآهما مطفأتين لا بريق فيهما. سمّاعة الطبيب قرّرت أخيراً أن تستقرّ عند موضع القلب .. ابتسم المريض .. ابتسم الطبيب.‏

صحة‏
اتّفق قبضايات القرية على قتل الذئب الذي هدّد أمنهم، فكمنوا له بعيداً متفّقين حول صيغة معينة.. وكانت الإشارة هي صوت يطلقه من يراه أوّلاً، فينقضّ عليه البقيّة بسرعة.‏
ظهر الذئب. أطلق أحدهم صيحة قويّة، إلاّ أن صيحته لم تصل إلى آذان أحد، نظراً لبعد المسافة الحاصلة بينهم.‏

جنون‏
تكرّست حالة الكآبة. استعصى الحزن وتمكّن من النفوس وبات الابتسام مندرجاً ضمن قائمة المستحيلات... بغتة، وبشكل ملفت للانتباه، خارق للوضع الراكد، وقف رجل في
الساحة العامّة وأخذ يضحك، جمع الناس حوله، خلط الجدّ بالهزل صائحاً:‏
-افعلوا مثلي، تتخلّصوا من حزنكم.‏
تابع المجنون طقوس فرحه الخاصّة، وهو يخلع ثيابه ويضحك.‏

مفاجأة‏
صرّت عجلات السيّارة السوداء مسرعة فوق إسفلت الشارع وأطلقت نفيراً صاخباً.. لحق بها أغلب الذين شاهدوها، وتبعتها سيّارات أخرى صغيرة متعدّدة الألوان. عند أحد
المنعطفات توقّفت السيّارة، فتحلّق حولها الجميع. بعد لحظات، اكتشف الناس أن الرجل الجالس داخل السيّارة لم يكن سوى السائق.‏

حب‏
استخدمت ربّة المنزل الرجل الآلي في كلّ أعمالها.. غسل الصحون، ورتب الأسرّة، وكنس الأرض، واستقبل الضيوف... رقص،وغنى وعزف.. وفي المساء، أرادت
المرأة أن يعانقها، ويبادلها الحبّ، فكسر أضلاعها، ودقّ عنقها.‏

وفاء‏
نبت الحبّ في قلبي بغتة ملأ حديقة روحي بزهر أبيض. قطفت زهراتي بسرعة البرق، وركضت إلى صدر امرأة وفيّة أودع ما قطفت... وفي صبيحة يوم غير عادي، فوجئت
بنبأ حبيِّ يتصدّر قائمة الأخبار المقروءة والمرئيّة والمسموعة.‏

حوار‏
تصادف أن جلسا متقابلين في حافلة، وطوال مسافة الطريق لم يعرها أيّ اهتمام يذكر. أقلقها الوضع، فجمالها لا يقاوم، ولم يحدث أن رآه مخلوق إلاّ وتغنّى به‏
-ألم أعجبك؟!...‏
-ليس الأمر كما تتخيّلين.‏
-لماذا إذاً؟!‏
-وجهك صفحة رائعة من كتاب منمنم الكلمات، وأنا لا أحبُّ المطالعة كثيراً‏
-وأيضاً‏
-قوامك ممشوق متناسق، وأنا أميل إلى الأجسام المربّعة المدوّرة كرسالة الجاحظ.‏
-وأيضاً‏
-شعرك قصيدة جميلة من البحر الطويل، وأنا أفضل الشعر المبتور كبحر المجتث.‏
ذهلت الجميلة... فتحت عينيها الصافيتين دهشة، لكنّ دهشتها زالت عندما عرفت أن رفيق رحلتها كان ناقداً.‏

أنانية‏
أحبّت المرأة الرجل إلى درجة الهيام، ومن أجل أن لا تسرقه منها أخرى خبّأته في أعماقها.. وحين أرادت إخراجه ذات وقت لأنّها اشتاقت إليه، كان الرجل قد مات‏

حنان درويش:قاصة سورية

طفوله
08/12/2008, 22:19
أنّ السيّارة مضت تاركة من دفعها وحيداً على الرصيف.‏



-ما كنت أحسب أنّ قدمي ستزِلُّ ذات يوم!.‏



يحلم أن يحضر للبيت زوجة ثالثة.‏




هدأت الريح وارتاحت وراحت توزّع اعتذارها للجميع.‏



ابتسم المريض .. ابتسم الطبيب.‏



إلاّ أن صيحته لم تصل إلى آذان أحد، نظراً لبعد المسافة الحاصلة بينهم.‏



رفيق رحلتها كان ناقداً.‏




كان الرجل قد مات‏




بالـبـدايـه .. منــور المكـان بمـواضـيـعـك ..


ودايمــه



:)

achelious
08/12/2008, 22:52
بالـبـدايـه .. منــور المكـان بمـواضـيـعـك ..

ودايمــه



:)


حضورك يسعدُ, كصدى المعاني النبيلة
..
تحياتي:D

amey
10/12/2008, 01:29
كتيييييييييييييييير حلوين

إستمتعت جداً في قرأتهم

أنتظر البقية

:mimo:

achelious
10/12/2008, 05:57
منورة ايمي,
ارجو ان تعجبك البقية ..
كتيييييييييييييييير حلوين


إستمتعت جداً في قرأتهم

أنتظر البقية


:mimo:


غزو:‏
غزت الفئران المدينة، خرّبتها وعاثت فيها فساداً، شلاّل الغزو لم ينقطع رغم الإسهام بمختلف التجارب، والإدلاء بمختلف الأفكار. المحاولات باءت بالفشل، ولم يبق سوى خطّة واحدة اضطرّت اللجنة العليا لتنفيذها، بعد أن عمّت الفوضى، واستشرى الوباء. أحضر أعضاء اللجنة عدداً لا يُحصى من القطط، أطلقوه في الشوارع والأحياء، وراحوا ينتظرون. الترتيب الذي نفّذ أفرز همّاً جديداً، وقلقاً إضافياً جعلهم يهذون:‏
"كيف ترانا نستطيع القضاء على القطط".‏

أمان:‏
تسلّل المدير إلى المؤسّسة التي يترأسها خلسة. الساعة جاوزت الثانية بعد منتصف الليل. كلُّ شيء في الحيّ ساكنٌ صامتٌ لا يشوبه سوى أصوات الهررة المتنازعة على أكوام القمامة. الأصوات تربكه، بينما أشياؤه المنهوبة تَرِدُ إلى الرصيف واحداً واحداً، لتتكدّس مجتمعة تنتظر عودته مع سيّارته من الزقاق المجاور. في تلك الأثناء كان نصٌّ آخر يُحمِّل الأشياء بخفّة بهلوان، ويمضي إلى اتجاه ما، لم يحتمل المدير ما حدث، جنونه وراح يصيح:‏
-أين الأمان يا ناس؟... أين الأمان.‏

أمر صرف:‏
تعوّد أن يقول القصيدة ذاتها في مديح كلّ مدير يأتي. وكان يُسلَّم عقب ذلك ورقة كُتِبَ فيها: "يُصرفُ له".. المدير الجديد سلّمه مغلّفاً مغلقاً. فتح المغلّف وقرأ:‏
"يُصرف من الخدمة".‏

تحقيق:‏
دقّق المحقّق في أوراق متفاوتة الحجوم والخطوط. تأمّلها وهو يخاطب الرجل الواقف أمامه:‏
-ماذا يقرب لك. "سين"؟‏
أجاب الرجل:‏
-إنّه صديقي الوفي.‏
-وماذا تقرب لك "ميم"؟‏
قال:‏
-إنّها زوجتي.‏
-و"كاف"؟‏
-ابن عمّي.‏
-و"عين"؟‏
-جاري.‏
-و"لام"؟‏
-زميلي في العمل.‏
هزّ المحقّق رأسه، دقّق في الأوراق ثانية، تأمّلها من جديد وقال:‏
-إنّهم أصحاب التقارير المكتوبة ضدّك.‏

تقادم‏
أُبْعِدَ من منصبه، وأُحيل أمره إلى أولي الأمر، ووضِع ملفّه الخاص ضمن ملفّات الفساد، حين جاء دور محاسبته، كانت جرائمه الموصوفة قد سقطت بالتقادم.‏

..:D
(المصدر:جريدة الاسبوع الادبي العدد 1032 تاريخ 25/11/2006)

Sun Shine Art
10/12/2008, 10:03
كتير جميل اختيارك لكتابات حنان درويش . استمتعت كثيرا ... وبشكرك لاهتمامك ببنت مدينتي

:D....

achelious
11/12/2008, 02:28
حنان درويش أديبة سورية من مدينة مصياف
عملت في التعليم لفترة طويلة, كما عملت في نقابة المعلمين مسؤولة عن المكتب الثقافي
- عملت في المكتب الصحفي في تربية حماة .. وفي المركز الثقافي في مصياف .. وفي المكتب الثقافي في محافظة حماة
- نشرت في عدة صحف ومجلات عربية
- عضو اتحاد الكتاب العرب ، عضو رابطة المسبار للإبداع العربي ، عضو اتحاد الصحفيين

من أعمالها:
(( ذلك الصدى )) قصص1994
((فضاء آخر لطائر النار )) قصص1995
((وعادت العصافير )) قصص للأطفال 1996
(( بوح الزمن الأخير )) قصص 1998
((حكمة الهدهد))قصص للأطفال 2000

نالت العديد من الجوائز,منها:
جائزة الشيخة فاطمة لقصة الطفل العربي في أبو ظبي عام 2000
وجائزة تحية لأطفال الانتفاضة /وزارة الثقافة في سورية 2001
كما حازت على جائزة مسابقة أنجال الشيخ هزاع آل نهيان في الإمارات العربية المتحدة عن السيرة القصصية " رابعة العدوية ". والجدير بالذكر أن الأديبة فازت للمرة الثانية بنفس الجائزة في عام 2005.

كتير جميل اختيارك لكتابات حنان درويش . استمتعت كثيرا ... وبشكرك لاهتمامك ببنت مدينتي

:D....
على الرحب والسعة ..:D

achelious
11/12/2008, 02:36
القصيدة الفائزة

ساد صمت جليّ على القاعة حين اعتلى الشاعر أنور الفالح المنبر بثقة وهدوء.
-" مساء الخير ياأهالي هذه المدينة الجميلة.. أنتم أصحاب ثقافة وأدب.. لذا جئت إليكم أحمل زوّادة، هي عصارة فكري، ونبض قلبي."
صفّق الحضور، توثّبت قسمات الوجوه، استنفرت الأحاسيس... وتأهّب الجميع لسماع قصيدةً" ذوبان" التي قدّم لها، وقدّم لصاحبها مدير دار " الإبداع "، مشيراً إلى فوزها بالمرتبة الأولى، من بين مجموعة كبيرة من القصائد المشاركة في المسابقة المعلن عنها سابقاً.
أذوب.. أذوب
كرنفال يمرُّ
تهرق زنبقة..
لمن المنابر أورقت؟
أنا لست خنزيراً بريّاً..
ولا زجاجة حبر..
في ساحتي" عربشت
مواسم القحط
ونمت القبيلة..
تململتُ في مقعدي. التفتّ إلى يميني، ثمّ إلى شمالي..تفاءلت وأنا ألمح بصيصاً من التوثّب ما زال عالقاً على الوجوه، وبعض نأمات انتظار، للآتي من فم الشاعر، الذي تصدّرت صوره ومقابلاته الصحف والمجلاّت، فكان معه الحوار تلو الحوار، واللقاء تلو اللقاء.
ياغابة من الفستق الحلبي..
ياامرأة..
زلزلت الأرض
أرعدت السماء.
ناقوس يدقّ
شوارع حبلى
لن يدخل الوقت من سم الإبرة..
لن يدخل..
ابدأً.. ابداً..
اغتاظ أحد المتعصّبين للشعر العمودي. سعل سعلة مقصودة كسرت جليد الصمت. بدأ يوزّع نظراته المستنكرة على الجميع بالتناوب، وهو يقول همساً:
" هل فهمتهم شيئاً؟.."
ثمّ يرفع راسه بالنفي مجيباً عن سؤاله بنفسه. شعوره اللامتناهي بالغيظ شاركه إيّاه شخص آخر كان من أنصار شعر التفعلية، وراح يردّد:
-" هذا ليس شعراً.. هذا ليس شعراً..".
حالة التأفّف تلك لم تطل، فقد أنقذها من ورطتها رنين هاتف مجلجل أقبل من غرفة المدير الخاصّة.
نهض الأستاذ نعمان، وعلى سيمائه علائم غير مقروءة، وغير مفهومه :
- ألو.. من.."..
- أنا أبو ميسّر
وقف المدير بوضعيّة استعداد حال سماعه للإسم.
- أهلاً.. أهلاً أبو ميسّر كيف الحال؟.. كيف الصحّة" كيف ؟.. كيف؟..
- بخير، بخير.. لكنّني عاتب عليك يارجل.
- لماذا؟.. كلُّ شيء يهون إلاّ غضبكم... أنتم تاج راسنا، وأولياء نعمتنا.
- " لقد سمعنا أنّك قد أقمت مساء أمس حفلاً فنيّاً ساهراً بمناسبة مرور عام على تدشين مبنى الدار، وكان المغني" فصيح الأخرس".. هو بلبل السهرة- وأنت تعرف كم أنا مغرم بصوت هذا المطرب.. فلماذا لم تدعنا؟.. لو كنت فعلت، لجلبنا الزوجة والأولاد وجئنا نتسلّى.."
جمد الأستاذ نعمان في مكانه، ولم يستطع أن يجيب.. ولواستطاع لقال له:
-" لقد أرسلت إليك عشرات البطاقات من أجل حضور أمسيات وندوات ومحاضرات ثقافيّة... لكنك لم تأت، لذا أحجمت عن دعوتك".
اعتذر المدير عن تقصيره غير المقصود.. اعتذر كثيراً، ووعد بأنّه لن يكرّر فعلته الحمقاء بعد اليوم... ثم عاد إلى مقعده يتابع ما تفضي به قريحة الشاعر:
رجع الصدى آت..
يتسلّق التلعات
يعبر مفازات الرؤى
من منكم بلا خطيئة
فليرمها..
أذوب.. أذوب..
فالقرنفلة أشرفت على
الانتحار
أذوب.. أذوب
وأرضع لبن الشماتة
واشتمُّ رائحة الملل..
حالما خرجت كلمة" ملل" من فم الشاعر " الفالح"، كان نصف الجالسين على أهبّة النهوض، بينما النصف الآخر يتأرجح ما بين النوم واليقظة.. وهاهو جاري " أبو سليم" يغطُّ في نوم عميق كعادته، حتى لكأنّ شخيره يطغى على مخارج حروف القصيدة، فلا أكاد أفهم ما أحاول فهمه.
-" ما دمت تنام في كلّ مرّة، فلماذا تأتي ياعمّاه؟"
-" لعن الله السكرّي.. هو السبّب.".
خيبة أمل اعترتني، أحبطتني، شدّتني إلىأسفل، وأنا أرى القاعة المهيبة الرحبة خاوية الوفاض إلاّ من بعض القلّة المهتميّن، والذين باتوا يعدّون على أصابع اليد.. لماذا؟.. وما الذي حصل؟.. وما هو السبب؟... لا أحد يدري.. وربّما يدري، وهنا تكمن بذور المصيبة. سقى الله الأيام الخوالي، عندما كنّا نذهب إلى المراكز الثقافيّة لنحضر أمسية أو محاضرة فلا نجد لنا كرسياً نجلس عليه، فنضطر للوقوف كي لاتفوتنا نعمة الإصغاء.
صرخة قوية أخرجتني من حالتي، فأوليتها الانتباه:
بم.. بم.. بم..
سمعت دويّ الأقحوان
صعد الرجل إلى السماء،
أمطر امرأة..
بكت..
من يزود؟...
أنا عنترة الزمان..
ولا زمان.. ولا زمان..
عند نهاية القصيدة، فوجيء الشاعر بخلوّ القاعة.. لم يجد من يصفقّ له، فصفقّ لنفسه، ونزل عن المنبر، بالثقة ذاتها التي اعتلاه بها.