Tarek007
25/08/2005, 06:21
الآلية القانونية لهيمنة حزب البعث في سوريا
أنور البني
دراسة عن آلية السيطرة والهيمنة على المجتمع في القوانين الأساسية السورية
ومعوقات الحركة نحو التغيير الديموقراطي وحقوق الإنسان
قديم لكن هام جداَ
مقدمة:
بمرور أربع سنوات على استلام الرئيس بشار الأسد للسلطة في سوريا ومع تزايد الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي بمسالة الديموقراطية وحقوق الإنسان وبناء على الإعلانات المتزايدة من قبل السلطات السورية أنها بصدد إجراء تطوير وتحديث لإدارتها للمجتمع تتماشى مع هذا الاهتمام ومع صدور عدد كبير من القوانين والمراسيم التشريعية خلال هذه الفترة مما يوحي ان هناك اتجاها جادا لدى القيادة السياسية لإجراء هذا التغيير وتحريك المجتمع نحو وضع اكثر ديموقراطية واكثر احتراما لحقوق الإنسان.
ومع النظر إلى النتيجة المخيبة للآمال بعد مرور هذه الفترة والتي بدأت ببشائر إصلاح سياسي مع خطاب القسم في تموز عام 2000 وظهور بوادر حراك سياسي حقوقي ديموقراطي انحسرت باعتقال مجموعة ربيع دمشق العشرة وتراجعت الوعود إلى إصلاح اقتصادي يعد برفع مستوى المعيشة لفئات الشعب , وعندما لم تظهر أية نتائج ذات مغزى لهذه الوعود , طرح موضوع الإصلاح الإداري الذي كان مثل سابقه وتم تحميل المسؤولية للهيكلية الإدارية المتخلفة وأصبحت الآمال الكبيرة مجرد أحلام
أمام هذه الحقائق يتبادر إلى الذهن من المسؤول حقيقة وما هي المعوقات وكيف يمكن أن تخرج سوريا من هذا النفق المظلم وتبادر إلى وضع خطواتها الأولى على طريق بناء مجتمع ديموقراطي حقيقي وتختلف وجهات النظر بتحميل مسؤولية التدهور الذي وصل إليه الوضع مع كل الوعود والشعارات البرّاقة التي أطلقت , فمنهم من حمّل الممانعة الكبيرة للحرس القديم الذي يقف حائلا أمام ترجمة قرارات التطوير إلى واقع ملموس وأن المشروع الإصلاحي سيبعد هذه الفئة عن مراكزها وامتيازاتها وهذا يحتاج إلى الوقت وإلى دعم المشروع والانتظار حتى تظهر نتائجه على الأرض .
وهناك رأي آخر يرى أن المشكلة تكمن في عدم وجود مشروع إصلاحي وإنما أفكار وجهود إصلاحية متفرقة دون رؤية استراتيجية أو مشروع متكامل وتفتقر للأدوات التي تترجم هذه الأفكار , وأن الأدوات المتاحة هي الأدوات القديمة ذاتها وبالتالي فلا يمكن لهذه الأفكار أن ترى النور أو تترجم لواقع . وهناك من يرى أن النظام لم يتغير ومستمر في مشروعه القديم وهو السيطرة الكاملة على المجتمع وسلب موارده وأن ما تردد عن مشروع إصلاحي تغيرت صوره ما هو إلا محاولة لتخفيف الاحتقان في المجتمع من جهة وتمرير خطوة انتقال السلطة بالشكل الذي انتقلت به بأقل قدر ممكن من ردود الأفعال وعبر تسويق إعلامي لمحاولات تغيير واختلاف في الرأي بين مراكز السلطة والقرار لخلق بلبلة وانقسام في الجانب الآخر وتمييع المواقف المعارضة وإضعافها بينما في الواقع أن النظام متماسك وموحد ويمارس نفس سياسته القديمة بأسلوب مختلف . وأن ما يراه المراقب الخارجي من تخفيف للقبضة الأمنية وتراجع في علنية سيطرة السلطة على المجتمع ووجود هامش أوسع للأصوات المعارضة , ما هو إلا تحوّل شكلّي مؤقت فرضته التطورات الدولية وليس نابعا من رغبة أو إرادة حقيقية لدى النظام وهو محاولة للهروب من الانتقادات والمطالبات الدولية وكسب للوقت أملا بتحول ما يعيد إليه القدرة على ممارساته القديمة بحق المجتمع والانتقام من منتقد ينه , وأن الهدف الأساس للنظام ما زال باستمرار هيمنته على المجتمع والدولة والتمتع بكل مميزات السلطة والقوة والسيطرة مهما كلف الأمر من تنازلات على المحاور الأخرى.
لست أحاول هنا أن أدعم وجهة نظر على أخرى ولكن أحاول قدر الممكن أن ألقي الضوء على الآلية القانونية التي صنعتها السلطة خلال ربع القرن الماضي والتي أحكمت بموجبها القبض على كافة جوانب المجتمع في سوريا وشكلت بهذه القوانين دائرة محكّمة قيدت كل النشاطات ووضعتها تحت الوصاية والهيمنة المباشرة , ولا بد قبل الحديث عن أي إصلاح أو بوادر إصلاح من كسر هذه الحلقة وتغيير هذه القوانين مما يحرر المجتمع من القبضة السلطوية , ويحقق أبسط المعايير الأخلاقية لحقوق الإنسان وضمان حريات النشاط والتعبير.
لا أدعي أن هذه الدراسة شاملة , ولكنها تتطرق للقوانين الأساسية التي تعتبر مفتاح حركة المجتمع وحريته والبوابة الأساسية لمشاركة المواطن في بناء بلده والتي تقلب تسميتنا من رعية إلى مواطنين .
أتطرق للدستور وقانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية والقوانين الاستثنائية وقانون السلطة القضائية وقانون العمل وقانون المطبوعات وملحقاته من القوانين المقيدة لحرية الإعلام وقانون الانتخابات والأحزاب والجمعيات وقوانين النقابات المهنية وقوانين هيئات الرقابة والتفتيش والتعذيب .
أولاَ : الدستور .
صدر الدستور السوري عام 1973 وقد تضمن أول وأهم وأساس المبادئ القانونية في تفرد الحزب والسلطة في السيطرة على المجتمع والدولة ,
فجاءت المادة 8 منه لتقونن التمييز على أساس الانتماء الحزبي حيث نصّت على أن حزب البعث العربي الاشتراكي يقود الدولة والمجتمع من خلال جبهة وطنية تقدمية ,
كما نصت المادة 84 على أن اختيار رئيس الجمهورية يتم عبر استفتاء عام يطرحه مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث, أي أنه لا يجوز لأي شخص أن يترشح لرئاسة الجمهورية من خارج الحزب الحاكم وعبر اقتراح من قيادة الحزب ويطرح للاستفتاء وإذا لم ينجح تقترح غيره وهكذا حتى ينجح مرشحها .
وإذا ما عرفنا أن ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية الموقع عام 1972 قد أعطى لحزب البعث نصف الأصوات زائد واحد أي الأغلبية , وأن القرارات تتخذ بالأغلبية , لوضح أن القرار بالنهاية بيد حزب البعث وحده وأن الجبهة ما هي إلا ديكور سياسي لتغطية الهيمنة الكاملة . وهذا يعتبر الأساس القانوني للهيمنة والتمييز على أساس الانتماء الحزبي وهو أول انتهاك لإعلان مبادئ حقوق الإنسان التي منعت التمييز على أساس الانتماء الحزبي يوازي في وضوحه سياسة التمييز العنصري مع التوضيح بأن سيطرة الحزب على الدولة لم تأت نتيجة فوز بانتخابات أو تأييد شعبي كاسح وإنما جاءت بانقلاب عسكري , وإذا ما فرضنا جدلا أن الحزب كان يتمتع بأغلبية في تلك الفترة فإنه وظّفها لضمان استمرار سيادته وسيطرته بإقرارها عبر نصوص الدستور دون اعتبار لحق الشعب بتغيير آرائه ومواقفه وهذا يشكل انتهاكا آخر لحقوق الإنسان . هذا إذا استثنينا المادة الثالثة من الدستور التي تميز على أساس الانتماء الديني حيث نصت على وجوب أن يكون دين رئيس الجمهورية هو الإسلام .
كما نصّت المواد 93 – 94 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية ويعين رئيس مجلس الوزراء ويحدد الساسة العامة للحكومة والدولة , كما نصت المادة 91 على أنه لا يمكن محاسبة أو مساءلة رئيس الجمهورية على تصرفاته فيما خلا حالة الخيانة العظمى , وأنه لا يحاكم إلا أمام المحكمة الدستورية العليا ( التي يعين أعضاءها هو كما سنرى لاحقا ) وهذا يعطي حماية مطلقة من المحاسبة والمساءلة له وللسلطة التنفيذية التي يرأسها وبالتالي فإن رئيس الجمهورية ( وهو الحاكم العرفي كذلك بموجب قانون الطوارئ ) مهما ارتكب من تجاوزات أو انتهاكات فإنه محميّ من المساءلة والمحاسبة القضائية أو الشعبية بموجب الدستور وهذا خرق واضح بالنسبة لحق المقاضاة ومسؤولية الشخص عن الأفعال التي يرتكبها .
ونصت المادة 132 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يرأس مجلس القضاء الأعلى أي أعلى الهرم القضائي كما نصت على أن رئيس الجمهورية يضمن استقلال القضاء فكيف يمكن أن يجتمع الضدّان ؟ وكيف يمكن أن نتحدث عن استقلال القضاء إذا كان رئيس السلطة التنفيذية نفسه يرأس السلطة القضائية ومحميّ من أي مساءلة ؟
ونصت المادة 111 من الدستور على إعطاء رئيس الجمهورية حقوق التشريع كاملة بإعطائه حق إصدار القوانين والتشريعات في فترة عدم انعقاد مجلس الشعب أو بين دورتين متتاليتين
أي أن رئيس الجمهورية يمسك بيديه جميع السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية مما يجعله يمارس سلطة مطلقة كاملة على إدارة الدولة والمجتمع دون حسيب أو رقيب أو مساءلة , وهذا يناقض الدستور نفسه الذي نصّ على مبدأ فصل السلطات .
ونصّت المادة 139 على إنشاء المحكمة الدستورية العليا للطعن بدستورية القوانين والطعن بالانتخابات . ولكن تشكيها وحق ممارستها لمهامها عطلت هذه المحكمة وجعلتها أداة بيد رئيس الجمهورية , فأعضاء المحكمة يعينهم رئيس الجمهورية بمرسوم ولمدة أربع سنوات فقط ( مدة ولاية رئيس الجمهورية سبع سنوات قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية ) مما يعطيه الوصاية الكاملة على أعضاء هذه المحكمة المدينين بوجودهم لاختيار الرئيس .
كما نصّت المادة 145 على أن الطعن بدستورية القوانين لا يتم إلا عن طريق رئيس الجمهورية أو بطلب من ربع أعضاء مجلس الشعب فقط , فكيف يمكن أن نتصور أن من يصدر القوانين سيقوم نفسه بالطعن بدستوريتها مما أدى إلى وجود مئات القوانين التي تخالف الدستور ولا أحد يطعن بدستوريتها لأنه لا يحق لأحد القيام بذلك إلا من أصدرها , ولم يحدث أي سابقة في سوريا للطعن بدستورية أي قانون لمخالفته الدستور حتى الآن مع كثرة هذه القوانين التي تخالف الدستور.
كما أن صلاحية المحكمة الدستورية العليا بالطعن بشرعية وصحة الانتخابات معطلة لأن المادة 62 من الدستور تحصر هذه الصلاحية برفع تقرير إلى مجلس الشعب المنتخب وهو ( المجلس ) وحده الذي يقرر العمل بالتقرير أو إهماله مما يؤدي إلى تعطيل كامل للمحكمة ويعطي الخصم سلطة الحكم وبالتالي فإن أي عمليات تزوير أو بطلان بالانتخابات يمكن أن تمر بدون حساب أو مساءلة طالما المجلس المطعون بشرعية انتخابه هو صاحب القرار في النهاية .
وأخيرا جاءت المادة 153 لتتوّج كل هذه الانتهاكات والتناقضات بإبقاء التشريعات والقوانين السابقة له دون تغيير وسارية العمل دون أن أي إلزام بتعديلها أو إلغاء ما يخالف منها الدستور , مما أدى إلى استمرار العمل بقانون الطوارئ والقرارات الصادرة عن مجلس الثورة بصورة غير شرعية والقوانين التي تنتهك الحقوق الأساسية للإنسان والمقيدة والمانعة لحركة وحريّة المجتمع وتخالف مواد الدستور التي تنص على حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي وتأليف الأحزاب والجمعيات وحريّة الصحافة التي بقيت حبراً على ورق دون أي تطبيق لتعطيلها أساساً بالقوانين السابقة التي لم تلغى وبذلك كان الدستور وسيلة قانونية للإطباق الكامل على المجتمع من جهة وبدون أي فائدة أو جدوى على صعيد الحريات العامة وحقوق الإنسان .
وبالتالي فإنه لا يكفي المطالبة بإلغاء المادة الثامنة فقط من الدستور , بل لا بد من تغيير كل الآلية التي جاءت ضمن مواد الدستور والتي تميّز فئة معينة وشخص واحد وتركّز السلطات جميعها بيدهم وتمنع المحاسبة .
ثانيا : قانون الطوارئ
صدر قانون الطوارئ برقم / 51 / لعام 1962 وحدد بنصوصه طريقة وحالات إعلان حالة الطوارئ وحدد سلطات الحاكم العرفي .
فقد أوجبت المادة الأولى فقرة أ منه على أن حالة الطوارئ تعلن في حالة الحرب أو الزلازل أو الكوارث
كما جاءت المادة الثانية فقرة أ منه على أن حالة الطوارئ تعلن من قبل مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب بأول جلسة يعقدها.
ومنح قانون الطوارئ بالمواد التالية صلاحيات استثنائية للسلطة التنفيذية باتخاذ إجراءات دون العودة للمرجع القانوني منها منع التجمعات ومراقبة ومصادرة المطبوعات والتحري والتوقيف ومداهمة وتحري البيوت والمحلات وتحديد مواعيد فتح وإغلاق المحلات , ولكنه أبقى المراقبة والمساءلة القضائية في تجاوزت السلطات صلاحياتها أو تجاوزت أهداف إعلان الطوارئ بحماية أمن البلاد من التهديد وليس بقمع الحريّات العامة
ولكن الذي حدث ويحدث في سوريا أن إعلان حالة الطوارئ تم بموجب الأمر العسكري رقم 2 الصادر عن مجلس قيادة الثورة الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري مسلّح بتاريخ 8/ 3/1963 ولم يصدر عن مجلس الوزراء ولم يعرض على أي مجلس نواب حتى هذا التاريخ , وحتى لم يصدره رئيس الجمهورية بعد إقرار الدستور الدائم عام 1973 الذي هذه الصلاحية له . مما يجعل إعلانه واستمرار العمل به دون إسباغ أي شرعيه قانونية عليه عمل غير شرعي حتى الآن ويجعل جميع الإجراءات التي اتخذت تحت ستار إعلان حالة الطوارئ غير شرعية وترقى لمرتبة الجرائم بكل ما لهذه الكلمة من معنى .
كما إن إعلان حالة الطوارئ قد خالف شروط إعلانه التي حددها القانون بحالة الحرب أو الكوارث , وقد شرح قانون الجيش حالة الحرب بأنها الحالة التي تندلع بها المعارك العسكرية وتتم التعبئة العامة , وحيث أن فترة إعلان حالة الطوارئ لم تشهد حالة من هذا النوع وحيث أنه ومنذ توقيع اتفاق الهدنة على جبهة الجولان عام 1974 لم تعلن في سوريا التعبئة العامة وتندلع معارك عسكرية مما يفقد إعلان حالة الطوارئ الشرط الموضوعي لإعلانه .
كما أن القضاء الإداري المختص بالنظر بتجاوزات السلطة التنفيذية أحجم وامتنع عن النظر بقضايا إبطال تصرفات وتجاوزات السلطة التنفيذية لصلاحياتها بموجب قانون الطوارئ لوضعه تحت وصاية رئاسة مجلس الوزراء بموجب التعديل الذي تم على قانونه وبالتالي أصبح القضاء الإداري خاضعا لرئاسة مجلس الوزراء وأصبح هو الحكم والخصم بآن واحد هذا من جهة , ومن جهة أخرى لإهمال السلطة التنفيذية لقرارات القضاء الإداري وعدم تنفيذها في المرات النادرة التي تصدى بها هذا القضاء لإبطال تصرف أو قرار صادر عن صلاحيات قانون الطوارئ . وبهذه الطريقة تغوّلت السلطات التنفيذية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية تحت ستار حالة الطوارئ على كل شؤون البلاد والعباد والتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة دون حسيب أو رقيب ودون أي شرعية قانونية .
ثالثا – القوانين والمحاكم الاستثنائية
1- قانون حماية أهداف الثورة .
صدر قانون حماية أهداف الثورة بالمرسوم رقم 6 لعام 1964 بموجب قانون الطوارئ وقد نص هذا القانون على تجريم ومعاقبة كل من يناهض أهداف الثورة ( الوحدة والحرية والاشتراكية حسب الشعار المعلن ) وكل من يقاوم تطبيق النظام الاشتراكي بالقول أو بالكتابة أو بالفعل بالسجن مدى الحياة وتصل العقوبة في حال التشديد إلى الإعدام وأحدثت لهذا القانون الاستثنائي محكمة استثنائية خاصة معينّة .
ويعتبر هذا القانون السلاح الأمضى الذي أشهرته السلطات ليس بوجه معارضيها السياسيين فقط وإنما بوجه كل من ينتقدها أو يعلن عدم موافقته على سياساتها ونشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان , وبتجاوز عدم شرعية هذا القانون لعدم شرعية السلطة التي أصدرته والتي تم التطرق لها سابقا , فإن هذا القانون يخالف مبدأ قانونيا أساسيا وهو عدم جواز المحاسبة على الأقوال والآراء والأفكار والنوايا وإن العقوبة هي على الأفعال , كما أنه يخالف مبدأ أساسيا من مبادئ حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأكدّ عليها العهدين الدولييّن الخاصّين بالحقوق المدنية والسياسية والتي التزمت بها سوريا ووقعت عليها في عام 1969 والتي نصّ على حرية الفكر والرأي والتعبير والعمل السياسي والحقوقي ومنعت تجريم أصحاب الآراء والرأي . ومع أن نصوص القانون المدني في سوريا قد وضعت المعاهدات الدولية في مرتبة أعلى من القوانين الداخلية وأوجبت تطبيق نصوص المعاهدة في حال تعارضت مع نصوص القانون الداخلي إلا أن السلطات والمحاكم ما زالت تضرب عرض الحائط بنصوص المعاهدات الدولية لمصلحة القوانين الاستثنائية وتزج بالمعارضين وأصحاب الرأي بالسجون لعشرات السنين .
ولعل آخر من سلطّت السلطات السورية سيفها عليهم بموجب هذا القانون , المحامي أكثم نعيسة رئيس لجان الدفاع عن الحرياّت الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا وتم اعتقاله لأكثر من خمسة أشهر وأخلي سبيله بعدها وما زال المحاكمة مستمرة , والطالبين مهند الدبس ومحمد عرب اللذين شاركا باعتصام للتعبير عن احتجاجهما حول قانون جديد يلغي التزام الدولة بتعيين المهندسين وما زالا موقوفين حتى الآن . وهناك العشرات اللذين حكم عيهم وأمضوا فترات تصل لعشرات السنين ما زال قسم منهم حتى الآن في السجن ومنهم من أعدم بموجب هذا القانون , ولم يحدد القانون ماهية أو طبيعة الأفعال أو الأقوال أو الكتابة التي تعتبر مناهضة لأهداف الثورة أو مقاومة للنظام الاشتراكي وإنما جعل هذا الأمر غامضا مبهما تاركا للأجهزة الأمنية والمحكمة الاستثنائية التي أحدثها من أجله تفسير وتركيب التهم كما تريد وتشتهي دون أي رقابة عليها بذلك . وبذلك أصبح هذا السيف مسلطا على رقاب جميع المواطنين فأي عمل أو قول أو رأي يخالف السياسة العامة للدولة أو يعارضها أو ينتقدها يمكن أن توجه له هذه التهمة ويرسل إلى السجن لأعوام عديدة من أجلها , ونجح القانون بخلق حالة من الرعب ( ومازالت ).
2- القانون 49/1981
هو قانون خاص استثنائي أصدرته السلطات إثر المواجهات التي جرت مع جماعة الأخوان المسلمين , وقد نصّ القانون على الحكم بالإعدام على كل من ينتمي للجماعة المذكورة ولعله من أغرب القوانين في العالم حيث يدين ويعاقب على مجرد الانتماء السياسي دون أن يشترط القيام بأي فعل أو عمل مخالف للقانون وهذا يتعارض بشدة مع مبادئ حقوق الإنسان التي تمنع التجريم بسبب الانتماء السياسي أو الديني وللقواعد القانونية العامة التي تمنع العقاب دون فعل , ومع أن القانون متعارض مع كل ذلك إلا أنه لا يزال ساري المفعول ومعمولا به حتى الآن .
3- قانون العقوبات الاقتصادية
وهو قانون استثنائي أيضا صدر للتحكم بالحركة الاقتصادية وتوجيهها وتقييدها وقد نصّ على عقوبات تصل للسجن المؤبد في حال مخالفة أحكامه وقد أصدرت قوانين مكملة له هي المرسوم 13 الخاص بمنع التهريب والمرسوم 24 الخاص بمنع تداول العملات الأجنبية والذهب وقد أنشأت محكمة استثنائية لتحاكم المتهمين بهذه القوانين ولكن ألغيت منذ أشهر وخففت بعض العقوبات المنصوص عليها بالقوانين المذكورة ولكن ما زالت هذه القوانين سارية المفعول ويعمل بها إلى الآن .
4- محكمة أمن الدولة العليا
أنشأت محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية بالمرسوم رقم 47 لعام 1968 على أنقاض المحكمة العسكرية الدائمة التي ألغيت , إحداثها على اختصاصها بالنظر بالجرائم المنصوص عنها بالمرسوم رقم 6 لعام 1964 الخاص بناهضة أهداف الثورة وأضيفت إليها جميع القضايا التي يحيلها إليها الحاكم العسكري بغض النظر عن علاقتها بأمن الدولة أم لا , وقد شكلت هيئتها من قاضي نيابة يقوم بمهمة النيابة العامة والتحقيق والاتهام والإحالة , ومنع الطعن بقرارات النيابة العامة , كما شكلت هيئة المحكمة من رئيس وضابط من الجيش وقاض يندبه وزير العدل وتسمى هيئة المحكمة بمرسوم , وحصن قرارات المحكمة من الطعن أمام أيّ جهة وأخضعها للتصديق من الحاكم العرفي وحده الذي هو خصم المتهم وهو من أحاله أمام المحكمة ويعتبر ذلك انتهاك واضح لمبدأ حيادية ونزاهة واستقلال المحكمة كما أعفى المرسوم المحكمة من التقيد بالضمانات الأساسية للمتهم مما يؤدي إلى انتهاك واضح لمعايير المحاكم العادلة , وقد حاكمت محكمة أمن الدولة آلاف المتهمين أمامها وأصدرت أحكاما تصل للإعدام والسجن المؤبد وما زال المئات في السجون نتيجة لذلك , كل ذلك بشكل غير شرعي أو دستوري , منهم مجموعات الأخوان المسلمين وحزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي ( رياض الترك) ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان ونشطاء وكوادر الأحزاب والحركات الكردية وحزب الاتحاد الاشتراكي ( جمال الأتاسي ) وحزب التحرير الإسلامي ونشطاء المنظمات الفلسطينية ومعتقلي ربيع دمشق ( الدكتور عارف دليلة والمحامي حبيب عيسى ورفاقهم ) والصحفيين ( ابراهيم حميدي وعزيزة ونسرين سبيني ) والمتهمين بالدخول إلى شبكة الإنترنت وقراءة المواقع الممنوعة وإرسال الأخبار عن طريقها ( مهند قطيش وشقيقه ويحيى الأوس ) والعائدون من العراق وحزب البعث ( جناح العراق ) وحزب البعث ( صلاح جديد ) وما زال قسم منهم في السجون حتى الآن وبعضهم منذ عشرات السنين .
5- المحكمة الميدانية
أحدثت بالقانون رقم 109 لعام 1968 وهي تابعة لوزارة الدفاع وتشّكل أثناء المعارك العسكرية لمحاكمة الجنود الذين يخالفون الأوامر العسكرية أو يتراجعون أمام العدو أو يفرّون من أمامه وتؤلف هيئتها من قادة التشكيلات العسكرية .لا يتمثّل فيها دفاع أو محامين ولا تتقيد بأي أصول من أصول المحاكمات , ولكن الحاكم العرفي بموجب قانون الطوارئ مدّ اختصاصها وزمانها لتشمل المدنيين وكلّ الدعوى التي يحيلها إليها الحاكم العرفي في أي وقت وجعلها دائمة وقد أحيلت أمامها دعوى كثيرة منها قضايا اقتصادية تتعلق بالفساد ( مجموعة سليم ألتون ورفاقه ومجموعة ضباط وصف ضباط الجمارك بتهم تتعلق بالفساد 1986 ومدير الجمارك السابق يشير نجار ومجموعته نهاية التسعينات مجموعة معتقلي داريا 2003 التي تنادت لمحاربة الفساد والرشاوى ولعلّ أكبر دور قامت به على امتداد الثمانينات إعدام الآلاف من الإخوان المسلمين بجلسات عقدت في سجن تدمر دون شهود أو محامين وعبر استجواب شكّلي في أحيان كثيرة . .
6- القضاء العسكري
وهو قضاء مختص قانونا بالجرائم التي نصّ عليها قانون العقوبات العسكرية , أي يختص النظر بالجرائم التي يرتكبها العسكريون بما يتعلق بإخلالهم بمهماتهم وتنفيذ الأوامر والتعليمات العسكرية فقط , ولكن الحاكم العرفي بموجب قانون الطوارئ مدّ اختصاصها استثنائيا لتشمل كافة الدعوى التي يكون طرفا فيها عنصر عسكري حتى لو كان الجرم منصوص عليه في قانون العقوبات العادي . كما شمّل اختصاصها دعاوى معينة حتى لو كان أطرافها مدنيين ( الجرائم التموينية لفترة ليست بعيدة) , ويمكن للحاكم العرفي بموجب قانون الطوارئ إحالة أي دعوى أمام القضاء العسكري للنظر فيها ( قضية المحامي هيثم المالح وطباعة مجلة تيارات – قضية الأربعة عشر ناشطا في حلب بحضور محاضرة – مروان عثمان وحسن صالح باعتصام أمام مجلس الشعب – قسم من الأكراد الذين أوقفوا على خلفية أحداث القامشلي )
7- المحاكم الأمنية
أعطي الحاكم العرفي للفروع الأمنية صلاحيات قضائية استثنائية بالبت بما يمكن تسميته جرائم صغيرة ( تهكم على النظام أو انتقاد أو شتم أحد المسؤولين … ) وتعقد هذه المحاكم جلساتها ضمن الفروع الأمنية وطبعا دون محامين أو شهود أو دفاع ويمكن دون حضور المتهم المعتقل نفسه وتصدر حكمها عليه ويصدّق من رئيس الشعبة الأمنية العائد لها الفرع وتنفذ العقوبة ) وتكون أحكام هذه المحاكم بين الشهر والسنة سجن .
7 لجنة تسريح العمال
وهي لجنة استثنائية مشكلة للبت بقضايا علاقات العمل لدى القطاع الخاص وتسريحهم ويرأسها قاضي وبقية الأعضاء موظفين خاضعين للتسلسل الوظيفي والسلطة التنفيذية وغير مستقلين إضافة إلى ممثل عن نقابة العمال ولا تتبع أمام هذه اللجنة الأصول والقاعد القانونية العامة بل تحاكم حسب أصول خاصّة نص عليها المرسوم 47 لعام 1962.الذي يعطي ميزات خاصة للعامل بمواجهة ربّ العمل
8- لجنة تحديد أجور العمل الزراعي والمجلس الزراعي الأعلى
وهي هيئة استثنائية خاصة تختص وقف أصول خاصة بالنظر بالقضايا المتعلقة بين المزارعين والعمال الزراعيين وأصحاب الأراضي من حيث الأجور وإنهاء علاقة المزارعة وقراراتها يطعن بها أما المجلس الزراعي الأعلى وتهين الهيئتين تعيينا من قاض رئيس وأعضاء موظفين خاضعين للتسلسل الوظيفي والسلطة التنفيذية إضافة إلى ممثل للفلاحين من اتحاد الفلاحين ولا تطبق الأصول والقواعد العامة وإنما أصول خاصّة وقانون خاص هو قانون العلاقات الزراعية , ويعطي هذا القانون مميزات خاصة للمزارعين بمواجهة مالك الأرض .
رابعا : قانون السلطة القضائية
القضاء هو الملجأ الأساسي للمواطن للحصول على حقوقه ومنع التعدي عليها وهو الذي يوضح حدود وصلاحيات كل سلطة من السلطات التنفيذية والتشريعية ويمن التجاوزات ويحمي حريات وحقوق المجتمع .ويعتبر المرجعية المستقلة والحيادية والنزيهة لحّل المشاكل وإظهار الحقوق
ولكن القضاء في سوريا فقد استقلاليته وحياده وأعطى السلطة التنفيذية موقع الهيمنة والوصاية عليه بموجب قانون السلطة القضائية الصادر برقم 24 لعام 1966 وتعديلاته , فلم يكتفي بإعطاء رئيس الجمهورية حق رئاسة مجلس القضاء الأعلى بموجب الدستور وإنما أعطى السلطة التنفيذية مجلا أوسع للهيمنة على القضاء فقد نصّت المادة 65 من قانون السلطة القضائية على أن مجلس القضاء الأعلى يشّكل من وزير العدل ومعاون وزير العدل ورئيس هيئة التفتيش القضائي والنائب العام التمييزي ورئيس محكمة النقض وأقدم مستشارين لدى محكمة النقض , مما يعني أنه بالإضافة إلى رئيس الجمهورية فإن أربعة من أعضاء مجلس القضاء الأعلى هم من السلطة التنفيذية وتحت وصايتها المباشرة بينما ثلاثة فقط من الهيئة القضائية , مما يؤدي إلى هيمنة كاملة على القرار من قبل السلطة التنفيذية . وحيث أن مجلس القضاء الأعلى هو السلطة المخولة بتعيين القضاة وتسريحهم وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وكل ما يتعلق بشؤونهم مما يعني أن قضاة الحكم تحت الوصاية الكاملة لوزير العدل منفذين لأوامره وبنصّ القانون فإن قضاة النيابة هم تابعين لوزير العدل إداريا وتنفيذيا منفذين لأوامره . هذا يعني أن كامل الهيكلية القضائية هي تحت السيطرة والهيمنة لوزير العدل , وتعدم أي استقلال أو حيادية لديها وتصبح أداة أخرى بيد السلطة التنفيذية وأجهزتها للتحكم بالمجتمع والسيطرة عليه ( محاكمة النائبين محمد مأمون الحمصي ورياض سيف أمام محكمة الجنات التي افتقدت لأبسط معايير المحاكمة العادلة والنزيهة ) ,
هذا بالإضافة إلى إخضاع القضاء لقانون العاملين الموحد ومعاملتهم أسوة بموظفين الدولة بالنسبة للراتب والمعاملة والترفيع بدون أيّ ميزات مما أدى إلى وضع اقتصادي متردٍ للقضاة وشكّل البيئة الملائمة والمناسبة لنمو الفساد والرشوة بعلم السلطات ومباركتها ورضاها طالما القاضي ينفذ ما هو مطلوب منه , أما إذا دفعت الشهامة أو التمسك بالقانون بأي قاض ليحكم بالعدالة مخالفا الأوامر فسيف التفتيش مشرع بوجهه وإذا كان من القضاة الشرفاء فسيف النقل والتأديب جاهز ( تم نقل القاضي عباس ديب من محكمة الجنايات إلى النيابة العامة بعدما خالف القرار الصادر بحق النائبين سيف والحمصي واعتبر عملهما مشروعا ) وفي حالات أخرى فإن التسريح موجود دائما لمعالجة الحالات المستعصية ( تم تسريح عشرات القضاة لأسباب سياسية ) , هذا الوضع أدى إلى ترد خطير في وضع القضاء ومؤسساته وتحّولها إلى أدوات قمع , هذا بالإضافة إلى أن الدولة بسلطتها التنفيذية هي أول من تجاهل القضاء وأهانه بتجاهلها المتعمد تنفيذ قراراته القطعية ولم تكتف بذلك بل نصّبت نفسها وصيا ووليا على القضاء بإعادة النظر من قبلها بالقرارات النهائية الصادرة عن أ‘لى مرجع قضائي ( شكّل رئيس الوزراء لجنة للبت بمدى صحة القرارات الصادرة بالدرجة النهائية والموضوعة لدى دائرة التنفيذ لتنفيذها بحق إدارات ومؤسسات الدولة ) وهناك آلاف القضايا والدعوى بحق الدولة ومؤسساتها وإداراتها والتي أصبحت مبرمة وواجبة التنفيذ بقضايا تعويض عن ضرر أو استملاك أو قرارات غير شرعية ولم تنفذها الدولة حتى الآن رغم مرور سنين عديدة , بهذه الطريقة المتعالية تتعامل السلطة التنفيذية مع القضاء وأحكامه , ولا يقتصر هذا الموضوع على السلطة التنفيذية كإدارة بل يشمل الأجهزة الأمنية حيث تعطي لنفسها الحق بالتحقيق بالقضايا وقرارات القضاة واستدعاء المحامين والقضاة ومنذ فترة قريبة أوقف رئيس محكمة القضاء الإداري - وما زال - من قبل الأمن السياسي للتحقيق معه بالقضايا القانونية التي أصدر بها قرارات أصبحت نهائية غير عابئ بالحصانة القضائية وكرامة القضاة مع أن القانون يسند هذه المهمة لمجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي وحدها .
ومع أن قانون السلطة القضائية المادة / 81 / يحظر على القضاء الالتزام الحزبي الا ان هذه المادة لا تطبق وعلى العكس فالانتماء لحزب البعث هو جواز مرور للوصول الى سلك القضاء وكذلك لمنحهم الترفيع والقضاة الحزبيين يعقدون اجتماعاتهم الحزبية في القصر العدلي وخصصت غرفة لهم لممارسة نشاطاتهم الحزبية وخصصت قاعة كبيرة للاحتفالات الحزبية / قاعة البيعة/ مما يعني صعوبة استقلالية أو حيادية القضاء .
كما ان القضاء الإداري الصادر بالمرسوم رقم 50 لعام 1961 تابع لرئيس مجلس الوزراء وإذا عرفنا ان كل الدعاوى المنظورة أمام مجلس الدولة هي ضد الوزارات والإدارات الرسمية فكيف يمكن ان يكون القاضي خصماً وحكماً في آن واحد طالما أن القاضي يتبع لنفس الجهة التي يخاصمها المواطن.
خامساً- قانون العمل:
صدر قانون العاملين الموحد رقم /1/ لعام 1985 ويعتبر من المفاصل الأساسية للتحكم بالمجتمع وبمصدر عيش المواطنين وإذا علمنا ان أي عامل بالدولة هو بحاجة لموافقة الأجهزة الأمنية حكماً وإذا تمكن من الحصول عليها فان إنهاء عمله هو بيد السلطة التنفيذية فقد قضت المادة /138/ من القانون على صلاحية رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص لتسريح أي عامل دون إبداء الأسباب ودون ان يحق للعامل المفصول مراجعة أي جهة إدارية أو قضائية ودون السماح له بالعمل عند الدولة ضمن أي وزارة أخرى. وقد سرحت الدولة تحت هذه المادة عشرات النشطاء السياسيين وقد رفضت السلطة إلغائها رغم كل الأصوات التي طالبت بإلغائها كونها مخالفة للدستور وحقوق الإنسان وما زالت موجودة في مشروع تعديل قانون العمل المطروح الآن على مجلس الشعب ولكن تحت رقم /137/ .
هذا مع العلم ان دور السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية بالتحكم بترفيع العمال عن طريق اللجان النقابية ونقلهم من مكان عملهم إلى مكان آخر / خارج المحافظة التي يقيمون بها / كعقوبة يتم عن طريق المحافظ وأمين فرع الحزب .
كما أن تحديد سقوف للرواتب يجعل أجور العمال ضئيلة وغير كافية لتلبية احتياجاته الضرورية مهما بلغ سنوات خدمته .
سادساً- حرية الصحافة:
أ - قانون المطبوعات
بعد 8 آذار 1962 صدر الأمر العسكري رقم / 4 / عن مجلس قيادة الثورة بأغلال جميع الصحف السورية ومصادرة آلات الطباعة وإغلاق دور النشر وتوقف العمل بالقانون رقم/53/ لعام 1949 المنظم لإصدار المطبوعات وتجمدت الحياة الصحفية منذ ذلك الحين وكثرت المؤسسات التابعة لحزب البعث والسلطة التنفيذية واتبعت سياسة الإعلام الوحيد الموجه ومنع الصحف والكتب العربية والأجنبية الصادرة خارج سوريا واستمرار الحال حتى عام 2001 حيث صدر قانون المطبوعات الجديد رقم 50 لعام 2001 الذي حاول إعطاء انطباع ان السلطة جادة في تحرير الإعلام ولكن على العكس جاء القانون لزيادة ضبط الإعلام فقد وضع عقوبات عالية تصل للسجن ثلاث سنوات لتهم غامضة وغير محددة / المس بالشعور القومي- المس بالجيش- المس بوحدة المجتمع- إذاعة أنباء كاذبة/ المواد / 29- 51- 44- 52- وغيرها/ وترك المجال للقضاء الغير حيادي لتوجيه التهم كما ترك القانون سلطة المنح والمنع لإصدار المطبوعات في يد وزير الإعلام ورئيس مجلس الوزراء / المواد من 9 حتى 12 من القانون/
كذلك منح التراخيص للمراسلين للصحف العربية والأجنبية بيد وزير الإعلام دون اية ضوابط قانونية او إدارية أو قضائية.
وبذلك وضع المطبوعات تحت السيطرة والوصاية المباشرة لوزير الإعلام وأية خروج عن توجهات السلطة يعرض الصحيفة للإلغاء كما حدث مع صحيفة الدومري للرسام العالمي علي فرزات حيث اصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بسحب ترخيصها كونها تعرضت للفساد وللمسؤولين عنه وكذلك تم سحب تراخيص لخمسة مجلات مخصصة للأطفال دون ان تصدر أي عدد دون ذكر الأسباب ويأتي بعد ذلك التعليمات التنفيذية لقانون المطبوعات الصادر عن وزير الأعلام رقم 297 لعام 2001 حيث أرهقت إصدار المطبوعات بالتزامات اقتصادية باهظة فألزمت الصحف السياسية بعدد صفحات كبير وألزمتها بالاشتراك بوكالة الإنباء السورية ووكالة أنباء عربية وأجنبية وألزمتها بعدد معين من الموظفين وصفة معينة لطالبي التراخيص ومديري التحرير واستمارات عديدة يتوجب ملاها قيل الحصول على الترخيص وطبعاً لم يتطرق قانون المطبوعات على وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية وإبقاءها حكراً على الدولة فقط.
ب - المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات:
تم إحداث هذه المؤسسة بالمرسوم رقم 24 لعام 1975 ومهمتها الرقابة المسبقة على جميع المطبوعات الموزعة في سوريا من صحف ومجلات وكتب . وقد نصّ قانون إحداثها على أنها المؤسسة الوحيدة المصرح لها توزيع المطبوعات في سوريا , ويشكل مجلس إدارتها من مسؤولين في وزارة الإعلام والجيش وحزب البعث , وأعطاها صلاحية الرقابة على المطبوعات ورفض توزيع أي مطبوعة أو تحديد كمية توزيعها دون أي رقابة أو دور للناشر أو الموزع , وتشكل بذلك حلقة أساسية من حلقات ضبط الإعلام والأفكار . وقد منعت المؤسسة المذكورة آلاف الكتب من الدخول إلى سوريا أو مزقت صفحات منها قبل التوزيع , وقد حدث هذا عدة مرات مع جريدة الدومري حيث تمّ تمزيق بعض المقالات أو إلغائها بالطمس , كما إنها وعندما لاحظت أن جريدة الدومري توزع أعدادا أكبر من الصحف الرسمية مجتمعة (حوالي ستين ألغ عدد أسبوعيا ) ألزمت الجريدة بعدم توزيع إلا أربعة عشر ألفا فقط مما شكّل عبئا اقتصاديا كبيرا على الناشر لعدم تغطية النفقات وهذا أحد طرق الضغط على الإعلام .
ج- المؤسسة العامة للإعلان
أحدثت المؤسسة العامة للإعلان لاحتكار والسيطرة على سوق الإعلان وتوجيهه حسب رغبة وإرادة السلطات حيث توجه التمويل الإعلاني باتجاه صحف معينة وحجبه عن أخرى :اسلوب من أساليب الترغيب والترهيب , كما حددت نسبة المؤسسة المذكورة ب أكثر من 30% من قيمة الإعلانات هذا بالإضافة للضرائب العامة الأخرى ( ضريبة الدخل وضريبة الأجور والرواتب وضرائب رأس المال ) مما يشكل إرهاقا اقتصاديا كبيرا على الناشر يدفعه إما للإغلاق أو الاعتماد على التمويل الحكومي في ظل منع أي تمويل خارجي تحت طائلة قانون المطبوعات وبالتالي يخضع للسيطرة الحكومية .
د- قانون اتحاد الصحفيين
صدر قانون اتحاد الصحافيين برقم 1 لعام 1990 وقد نصّ في المادة 3 منه أن اتحاد الصحفيين هو اتحاد مؤمن بأهداف الأمة الوحدة والحرية والاشتراكية ملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته . كما نص في المادة 54 أن الاتحاد يعاقب كل عضو يخرج عن أهداف الاتحاد , فإذا ما عرفنا أنه لا يمكن العمل بالصحافة دون أن يكون منتسبا للاتحاد فإن هذا وحده كاف لضبط العمل الصحافي والصحافيين والسطرة والهيمنة عليهم .
سابعا : قانون الأحزاب والجمعيات
1- قانون الأحزاب
لا يوجد في سوريا قانون لتنظيم العمل السياسي وإنشاء الأحزاب السياسية وليس هناك اعتراف رسمي بأي عمل سياسي خارج إطار الجبهة الوطنية التقدمية التي نصّت عليها المادة الثامنة من الدستور دون أن تحدد هذه الأحزاب أو شرعية وجودها القانوني وأبقى هذا الموضوع رهنا بإرادة حزب البعث وحده فهو الذي يدعو الأحزاب للانضمام للجبهة أو يرفض ذلك وبالتالي أصبح هو الوحيد المتحكم بشرعية العمل السياسي يعطيها لمن يشاء ويحجبها على من يشاء دون أي ضابط أو قانون كما أن الدخول بالجهة لا يعطي الحزب أي شخصية اعتبارية قانونية أو موقعا شرعيا بشكل دائم بل يبقى تحت سيف الطرد من الجبهة واعتباره حزبا غير شرعي بأي وقت سلاحا مسلطا على رقاب الأحزاب تجعلها تحت الهيمنة والوصاية المطلقة من قبل حزب البعث وبالتالي يفقد مبرر وجوده السياسي والشعبي ويصبح مجموعة ملحقة بحزب البعث لا أكثر ولا أقل دون أي دور , وهذا ما حصل مع الأحزاب المنضوية في الجهة حيث آلت إلى عدد من الأفراد دون أي قاعدة شعبية ودون أي تميّز يذكر عن ممارسات حزب البعث .
2- قانون الجمعيات
صدر بالمرسوم 97 لعام 1958 وتعديلاته وقد جمّد العمل به بعد 8 آذار واقتصر منح الرخص على الجمعيات الخيرية التي تعنى بمساعدة الفقراء , وأعطى القانون المذكور وزير الشؤون الاجتماعية والعمل صلاحية رفض أي ترخيص دون إبداء الأسباب مع عدم إمكانية اللجوء للقضاء للتظلم , مما منح السلطة التنفيذية سلطة مطلقة للتحكم بنشاط المجتمع المدني .
وقد رفضت عشرات الطلبات لإنشاء جمعيات ومنظمات لنشاطات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها من فعاليات المجتمع المدني بناء على رفض الجهات الأمنية لذلك . مما أدى إلى فقان الحياة في المجتمع تحت خوف الأشخاص في حال النشاط المدني من الملاحقة بتهمة جمعية سرية غير مشروعة وهو السيف المشهر على نشاطات المجتمع المدني .
ثامنا : قانون النقابات المهنية
في الواقع لا يوجد أي تجمع خارج سيطرة أو هيمنة حزب البعث على قراره فجميع قوانين النقابات وضعت فيها المادة القانونية التي تنصّ على أن هذه النقابات تخضع لتوجيهات القيادة القطرية لحزب البعث وتعمل وفق مقرراتها ( اتحاد نقابات العمال – الاتحاد النسائي – اتحاد الجمعيات الحرفية – النقابات المهنية من محامين أو أطباء أو مهندسين ) وقد تناولت اتحاد الصحافيين سابقا وكمثال سأتطرق إلى قانون تنظيم مهنة المحاماة ويمكن القياس عليه لجميع النقابات الأخرى , فقد جاء بالمادة الثالثة من القانون الصادر برقم 39 الخاص بتنظيم مهنة المحاماة أن نقاب المحامين تنظيم ملتزم بأهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية وملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مبادئ ومقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته ,
وجاء بالمادة الرابعة أن النقابة تعمل بالتنسيق مع المكتب المختص بالقيادة القطرية لحزب البعث . واعتبرت المادة 37 أن اجتماعات الهيئة العامة تكون غير قانونية إذا لم يحضرها ممثل عن المكتب المختص في القيادة القطرية , كما منعت الفقرة ب من المادة نفسها الدعوة لمؤتمر استثنائي قبل الحصول على إذن من مكتب القيادة القطرية , كما أعطت المادة 107 من القانون رئيس مجلس الوزراء حق حلّ المؤتمر العام ومجلس النقابة المنتخب ومجال الفروع في حال انحرافها عن أهدافها وقرا رئيس مجلس الوزراء بهذا الشأن غير خاضع لأي طريق من طرق المراجعة القضائية أو الإدارية , مما يعني هيمنة كاملة على جميع النقابات والهيئات الشعبية .
تاسعا : قانون الانتخابات
بعام 1973 صدر قانون الانتخابات برقم 26 وقد كرس هيمنة السلطة التنفيذية على العملية الانتخابية فقد اعتبرت المادة 13 أن المحافظة دائرة انتخابية واحدة مما أفقد الصلة بين الناخب والمرشح , كما سمحت المادة 18 للمحافظين وضباط الشرطة والجيش أن يرشحوا أنفسهم لمجلس الشعب مما ترك لهم المجال واسعا لاستغلال نفوذهم , وأعطت المادة 20 وزير الداخلية صلاحية تشكيل اللجنة المركزية للانتخاب برئاسة المحافظ وعضوية قاض وممثل عن العمال والفلاحين , وأعطى هذا اللجنة كامل الصلاحيات بالنظر بالشكاوى والاعتراضات والطعون وفرز الأصوات وعدّها ورفع قوائم بها لوزير الداخلية واعتبر قرارها مبرما دون أي إمكانية مراجعة قضائية أو إدارية , كما أعطاها سلطة تعيين لجان الصناديق وهم حكما من العاملين بالدولة وتكون هي المرجع الوحيد لقرارات هذه اللجان , كما ألزم المرشحين المستقلين تسليم ثلاثة نسخ عن البيانات والنشرات التي سيصدرها قبل طباعتها لتشكل رقابة مسبقة عليها وتغاضى عن إعلان جداول الشطب للناخبين واعتبر أن الناخب يستطيع الانتخاب أينما يشاء دون الالتزام بمركزه الانتخابي مما يمكن الناخب من الإدلاء بصوته لأكثر من مرة وبأكثر من مركز دون أي رقابة وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار استخدام وسائل الإعلام الرسمية (وهي الوحيدة ) مع وسائل النقل العائدة للدولة والإعلانات المدفوعة من قبل الدولة لمصلحة المرشحين من قبل حزب البعث , وحرمان الآخرين منها ووضع الصناديق الانتخابية في أماكن العمل نفسها دون أن يكون يوم الانتخابات يوم عطلة رسمية مما يخضع الناخب للسيطرة المباشرة من رؤسائه في العمل على خياره الانتخابي هذا بالإضافة إلى الصناديق المتحركة بين المناطق مما يفقد إمكانية متابعتها من قبل مندوبين المرشحين كل هذا يعني سيطرة كاملة على مجمل العملية الانتخابية منذ بدايتها وحتى إعلان الناجحين وتحكم كامل بأسمائهم دون أي رقابة قضائية , وإذا ما فرضنا جدلا أن عمليات تزوير مكشوفة قد تمت وتم الطعن بصحة الانتخابات أمام المحكمة الدستورية , فصلاحيات المحكمة تقتصر على رفع تقرير بعد التحقيق لمجلس الشعب الجديد الذي طعن بانتخابه وهو صاحب القرار بإبطال العضوية أم لا . وبالتالي فإن السلطة هي التي تقرر بالنهاية باعتبار لها أكثرية أعضاء المجلس أن تقرر إبطال العضوية أم لا حتى لو ثبت التزوير والتلاعب بالانتخابات .
عاشرا : أجهزة الرقابة ومحاربة الفساد
1- الجهاز المركزي للرقابة المالية .
وهو جهاز معني بمراقبة الأداء المالي للحكومة وصحة الإنفاق وخضوعه للقوانين المالية , والمشكلة الأولى هي ضعف الكادر الإداري للجهاز مما يجعله قاصرا وبشكل مخيف عن ملاحق ومتابعة الكمّ الهائل من أوامر الصرف وأوجه الإنفاق فيلجأ لأخذ عينات محدودة من ممارسات الجهات العامة دون أن يتابع كافة عمليات الإنفاق , والمشكلة الثانية وهي الأهم خضوع هذا الجهاز وتبعيته إلى وزير المالية أي الجهة التي من المفروض أن يراقب عملها كما أنه لا يستطيع تحريك الدعوى العام تجاه ملفات الفساد إلا بإذن وموافقة وزير المالية
مما يفقده أي قدرة على كشف ومحاسبة الفساد طالما هذا الفساد بعلم وحماية وزير المالية.
2- الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش
وهو جهاز مهني بمراقبة الأداء الحكومي والعقود المبرمة وصحتها وانطباقها على القاعد القانونية والمشكلة الأولى ضعف المستوى الفني والثقافي للمفتشين وقلّة عددهم وعدم وجود الاختصاصات اللازمة ( يمكن إرسال مفتش باختصاص تجاري للتحقيق بملف هندسي – أو حقوقي للتحقيق بملف حول صفقة كهرباء ) وبالتالي تكون الرقابة عشوائية وغير صحيحة أو مجدية والمشكلة الأهم هي تبعية هذا الجهاز إلى رئيس مجلس الوزراء (وليس لجهة مستقلة عنه كمجلس الشعب مثلا أو حتى لرئيس الجمهورية )ولا يستطيع المفتش أو رئيس الجهاز إحالة أي ملف للقضاء قبل موافقة رئيس الوزراء وهو طبعا الجهة التي تتم مراقبتها فكيف يمكن أن نفهم أن يقوم الشخص بمراقبة نفسه وتحريك الدعاوى بحق نفسه أو أنصاره أمام القضاء , إن هذا الخلل في بنية الجهازين وتبعيتهما أديا إلى انقلابهما من أدوات رقابة ومحاربة للفساد إلى آليات لدعم الفساد ومحاربة المخلصين فرئيس مجلس الوزراء يحفظ الملفات المثارة ضد أعوانه ومواليه ( هناك المئات من الملفات المحفوظة والتي تحتوى على صفقات فساد كبيرة ) ويحرك أجهزة الرقابة ضد الشرفاء والمخلصين لعملهم والمعارضين ويحيلهم إلى القضاء بتهم تمس شرفهم ويصبح هذا السيف وسيلة للهيمنة والسيطرة بدلا أن يكون أداة للإصلاح ومحاربة الفساد والهدر .
حادي عشر : الطلائع واتحاد شبيبة الثورة والاتحاد الوطني لطلبة سوريا
وهي إحدى أهم الأدوات للسيطرة على الجيل الجديد ففي ظلّ غياب أي مجال للطلاب للنشاطات الفردية والجماعية ( بعد إلغاء منظمة الكشّافة الأهلية في نهاية السبعينات وإلحاق جميع النوادي الرياضية الأهلية للاتحاد الرياضي العام الذي هو كباقي الاتحادات تحت السيطرة والهيمنة الحكومية كما سبق ) فإن منظمة طلائع البعث تحتكر نشاط الطلاب في المرحلة الابتدائية ومنظمة اتحاد شبيبة الثورة تحتكر نشاطات الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية والاتحاد الوطني لطلبة سوريا الذي يسيطر ويحتكر نشاطهم في المرحلة الجامعية وينع على الطلاب أي نشاط حزبي أو ثقافي أو اجتماعي إلا من خلال هذه المنظمات وتمارس هذه المنظمات دورها في تحطيم روح الطلبة وتغذية الانتهازية والتزلف والخنوع , وتكافئ من ينجح باختبار الموالاة بإعطائه علامات إضافية دون وجه حق حين يتقدم للالتحاق بالجامعة تمكنهم من الدخول إلى كليّات لا يستحقونها مما يشكل سياسة تمييزية على أساس الانتماء الحزبي و يرسخ روح الانتفاع والمصلحة و يشكل أداة هيمنة وسيطرة على الشباب باحتكار مجال النشاط وقمع وترهيب الناشطين خارج الاتحاد وترغيب الآخرين بمميزات لا يستحقونها لإبقائهم تحت السيطرة .
ثاني عشر : قانون إدارة المخابرات وقوى الأمن وحماية التعذيب
إن التعذيب الجسدي والنفسي سياسة ثابتة للسيطرة على المجتمع في حال عدم نجاح الوسائل السابقة في تطويعه وتمارس كافة وسائل وآليات التعذيب في سجون وأقبية الأمن وأقسام الشرطة من الضرب والركل والصفع والجلد باليدين أو بالسوط أو بالعصا إلى استخدام الدولاب والتعليق من اليدين والرجلين لفترات طويلة والشبح واستخدام الكهرباء على مختلف أنحاء الجسم إلى العزل الانفرادي بزنازين صغيرة ورطبة لا يدخلها النور أو الهواء إلى تغطيس الرأس بالماء لحد الاختناق إلى قلع الأظافر وهناك شهادات حية كثيرة حول وسائل التعذيب التي تم استخدامها وقد مات كثيرون من جراء التعذيب الذي مورس عليهم . والمشكلة القانونية عدم إمكانية محاسبة أي مسؤول يقوم بعمليات تعذيب أو يأمر بها فالمادة 16 من قانون إدارة المخابرات العامة تمنع تحريك الدعوى العامة بحق أي عنصر من عناصر الأمن قبل الحصول على موافقة مدير الإدارة وقانون قوى الأمن الداخلي تعلق إقامة الدعوى إلى قرار مجلس التأديب قي وزارة الداخلية وبالتالي فإن هذا يشكّل حماية قانونية لممارسي التعذيب ويمنحهم ضوءا أخضر وإذنا مفتوحا لممارسته وحتى ارتكاب جرائم القتل تحت التعذيب . وهذا يفسر أن توقيع سوريا على اتفاقية مناهضة التعذيب لم يقدم أي شيء جديد على هذا الصعيد بل لقد تتالت عمليات التعذيب واشتدت وثمة إخبارات عن موت عدد من الموقوفين تحت التعذيب .
خاتمة
مما سبق يتبن أن قرار الإصلاح والانتقال إلى وضع ديموقراطي حقيقي يحترم حقوق الإنسان فعلا وإلى دولة المؤسسات وسيادة القانون لا يتم بمجرد الإعلان عن ذلك وإصدار عدد من القوانين وأوامر الإصلاح أو التطوير أو رعاية مصالح الشعب وتغيير بالأسماء والشخصيات بل لا بد من تغيير حقيقي بالبنية القانونية التي صيغت عبر العقود الماضية والتي شكّلت حلقة متينة تخنق المجتمع ولا بد من إلغاء كل القيود التي وضعت على حركة المجتمع والتي تتمثل بنيتها الأساسية بالقوانين التي سبق ذكرها وإن الإعلان عن إطلاق طاقات المجتمع قبل إلغاء وتعديل هذه الآلية القانونية مجرد كلام لا يسمن أو يغني من جوع ولا يكفي أن نتناول واحد من هذه القوانين بالتعديل أو التغيير وإنما ينبغي مناقشتها ككل واحد لأنها آلية متكاملة وحلقات متسلسلة مترابطة لا يمكن التحرر منها إلا بتغييرها الشامل .
المحامي أنور البني
أنور البني
دراسة عن آلية السيطرة والهيمنة على المجتمع في القوانين الأساسية السورية
ومعوقات الحركة نحو التغيير الديموقراطي وحقوق الإنسان
قديم لكن هام جداَ
مقدمة:
بمرور أربع سنوات على استلام الرئيس بشار الأسد للسلطة في سوريا ومع تزايد الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي بمسالة الديموقراطية وحقوق الإنسان وبناء على الإعلانات المتزايدة من قبل السلطات السورية أنها بصدد إجراء تطوير وتحديث لإدارتها للمجتمع تتماشى مع هذا الاهتمام ومع صدور عدد كبير من القوانين والمراسيم التشريعية خلال هذه الفترة مما يوحي ان هناك اتجاها جادا لدى القيادة السياسية لإجراء هذا التغيير وتحريك المجتمع نحو وضع اكثر ديموقراطية واكثر احتراما لحقوق الإنسان.
ومع النظر إلى النتيجة المخيبة للآمال بعد مرور هذه الفترة والتي بدأت ببشائر إصلاح سياسي مع خطاب القسم في تموز عام 2000 وظهور بوادر حراك سياسي حقوقي ديموقراطي انحسرت باعتقال مجموعة ربيع دمشق العشرة وتراجعت الوعود إلى إصلاح اقتصادي يعد برفع مستوى المعيشة لفئات الشعب , وعندما لم تظهر أية نتائج ذات مغزى لهذه الوعود , طرح موضوع الإصلاح الإداري الذي كان مثل سابقه وتم تحميل المسؤولية للهيكلية الإدارية المتخلفة وأصبحت الآمال الكبيرة مجرد أحلام
أمام هذه الحقائق يتبادر إلى الذهن من المسؤول حقيقة وما هي المعوقات وكيف يمكن أن تخرج سوريا من هذا النفق المظلم وتبادر إلى وضع خطواتها الأولى على طريق بناء مجتمع ديموقراطي حقيقي وتختلف وجهات النظر بتحميل مسؤولية التدهور الذي وصل إليه الوضع مع كل الوعود والشعارات البرّاقة التي أطلقت , فمنهم من حمّل الممانعة الكبيرة للحرس القديم الذي يقف حائلا أمام ترجمة قرارات التطوير إلى واقع ملموس وأن المشروع الإصلاحي سيبعد هذه الفئة عن مراكزها وامتيازاتها وهذا يحتاج إلى الوقت وإلى دعم المشروع والانتظار حتى تظهر نتائجه على الأرض .
وهناك رأي آخر يرى أن المشكلة تكمن في عدم وجود مشروع إصلاحي وإنما أفكار وجهود إصلاحية متفرقة دون رؤية استراتيجية أو مشروع متكامل وتفتقر للأدوات التي تترجم هذه الأفكار , وأن الأدوات المتاحة هي الأدوات القديمة ذاتها وبالتالي فلا يمكن لهذه الأفكار أن ترى النور أو تترجم لواقع . وهناك من يرى أن النظام لم يتغير ومستمر في مشروعه القديم وهو السيطرة الكاملة على المجتمع وسلب موارده وأن ما تردد عن مشروع إصلاحي تغيرت صوره ما هو إلا محاولة لتخفيف الاحتقان في المجتمع من جهة وتمرير خطوة انتقال السلطة بالشكل الذي انتقلت به بأقل قدر ممكن من ردود الأفعال وعبر تسويق إعلامي لمحاولات تغيير واختلاف في الرأي بين مراكز السلطة والقرار لخلق بلبلة وانقسام في الجانب الآخر وتمييع المواقف المعارضة وإضعافها بينما في الواقع أن النظام متماسك وموحد ويمارس نفس سياسته القديمة بأسلوب مختلف . وأن ما يراه المراقب الخارجي من تخفيف للقبضة الأمنية وتراجع في علنية سيطرة السلطة على المجتمع ووجود هامش أوسع للأصوات المعارضة , ما هو إلا تحوّل شكلّي مؤقت فرضته التطورات الدولية وليس نابعا من رغبة أو إرادة حقيقية لدى النظام وهو محاولة للهروب من الانتقادات والمطالبات الدولية وكسب للوقت أملا بتحول ما يعيد إليه القدرة على ممارساته القديمة بحق المجتمع والانتقام من منتقد ينه , وأن الهدف الأساس للنظام ما زال باستمرار هيمنته على المجتمع والدولة والتمتع بكل مميزات السلطة والقوة والسيطرة مهما كلف الأمر من تنازلات على المحاور الأخرى.
لست أحاول هنا أن أدعم وجهة نظر على أخرى ولكن أحاول قدر الممكن أن ألقي الضوء على الآلية القانونية التي صنعتها السلطة خلال ربع القرن الماضي والتي أحكمت بموجبها القبض على كافة جوانب المجتمع في سوريا وشكلت بهذه القوانين دائرة محكّمة قيدت كل النشاطات ووضعتها تحت الوصاية والهيمنة المباشرة , ولا بد قبل الحديث عن أي إصلاح أو بوادر إصلاح من كسر هذه الحلقة وتغيير هذه القوانين مما يحرر المجتمع من القبضة السلطوية , ويحقق أبسط المعايير الأخلاقية لحقوق الإنسان وضمان حريات النشاط والتعبير.
لا أدعي أن هذه الدراسة شاملة , ولكنها تتطرق للقوانين الأساسية التي تعتبر مفتاح حركة المجتمع وحريته والبوابة الأساسية لمشاركة المواطن في بناء بلده والتي تقلب تسميتنا من رعية إلى مواطنين .
أتطرق للدستور وقانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية والقوانين الاستثنائية وقانون السلطة القضائية وقانون العمل وقانون المطبوعات وملحقاته من القوانين المقيدة لحرية الإعلام وقانون الانتخابات والأحزاب والجمعيات وقوانين النقابات المهنية وقوانين هيئات الرقابة والتفتيش والتعذيب .
أولاَ : الدستور .
صدر الدستور السوري عام 1973 وقد تضمن أول وأهم وأساس المبادئ القانونية في تفرد الحزب والسلطة في السيطرة على المجتمع والدولة ,
فجاءت المادة 8 منه لتقونن التمييز على أساس الانتماء الحزبي حيث نصّت على أن حزب البعث العربي الاشتراكي يقود الدولة والمجتمع من خلال جبهة وطنية تقدمية ,
كما نصت المادة 84 على أن اختيار رئيس الجمهورية يتم عبر استفتاء عام يطرحه مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث, أي أنه لا يجوز لأي شخص أن يترشح لرئاسة الجمهورية من خارج الحزب الحاكم وعبر اقتراح من قيادة الحزب ويطرح للاستفتاء وإذا لم ينجح تقترح غيره وهكذا حتى ينجح مرشحها .
وإذا ما عرفنا أن ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية الموقع عام 1972 قد أعطى لحزب البعث نصف الأصوات زائد واحد أي الأغلبية , وأن القرارات تتخذ بالأغلبية , لوضح أن القرار بالنهاية بيد حزب البعث وحده وأن الجبهة ما هي إلا ديكور سياسي لتغطية الهيمنة الكاملة . وهذا يعتبر الأساس القانوني للهيمنة والتمييز على أساس الانتماء الحزبي وهو أول انتهاك لإعلان مبادئ حقوق الإنسان التي منعت التمييز على أساس الانتماء الحزبي يوازي في وضوحه سياسة التمييز العنصري مع التوضيح بأن سيطرة الحزب على الدولة لم تأت نتيجة فوز بانتخابات أو تأييد شعبي كاسح وإنما جاءت بانقلاب عسكري , وإذا ما فرضنا جدلا أن الحزب كان يتمتع بأغلبية في تلك الفترة فإنه وظّفها لضمان استمرار سيادته وسيطرته بإقرارها عبر نصوص الدستور دون اعتبار لحق الشعب بتغيير آرائه ومواقفه وهذا يشكل انتهاكا آخر لحقوق الإنسان . هذا إذا استثنينا المادة الثالثة من الدستور التي تميز على أساس الانتماء الديني حيث نصت على وجوب أن يكون دين رئيس الجمهورية هو الإسلام .
كما نصّت المواد 93 – 94 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية ويعين رئيس مجلس الوزراء ويحدد الساسة العامة للحكومة والدولة , كما نصت المادة 91 على أنه لا يمكن محاسبة أو مساءلة رئيس الجمهورية على تصرفاته فيما خلا حالة الخيانة العظمى , وأنه لا يحاكم إلا أمام المحكمة الدستورية العليا ( التي يعين أعضاءها هو كما سنرى لاحقا ) وهذا يعطي حماية مطلقة من المحاسبة والمساءلة له وللسلطة التنفيذية التي يرأسها وبالتالي فإن رئيس الجمهورية ( وهو الحاكم العرفي كذلك بموجب قانون الطوارئ ) مهما ارتكب من تجاوزات أو انتهاكات فإنه محميّ من المساءلة والمحاسبة القضائية أو الشعبية بموجب الدستور وهذا خرق واضح بالنسبة لحق المقاضاة ومسؤولية الشخص عن الأفعال التي يرتكبها .
ونصت المادة 132 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يرأس مجلس القضاء الأعلى أي أعلى الهرم القضائي كما نصت على أن رئيس الجمهورية يضمن استقلال القضاء فكيف يمكن أن يجتمع الضدّان ؟ وكيف يمكن أن نتحدث عن استقلال القضاء إذا كان رئيس السلطة التنفيذية نفسه يرأس السلطة القضائية ومحميّ من أي مساءلة ؟
ونصت المادة 111 من الدستور على إعطاء رئيس الجمهورية حقوق التشريع كاملة بإعطائه حق إصدار القوانين والتشريعات في فترة عدم انعقاد مجلس الشعب أو بين دورتين متتاليتين
أي أن رئيس الجمهورية يمسك بيديه جميع السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية مما يجعله يمارس سلطة مطلقة كاملة على إدارة الدولة والمجتمع دون حسيب أو رقيب أو مساءلة , وهذا يناقض الدستور نفسه الذي نصّ على مبدأ فصل السلطات .
ونصّت المادة 139 على إنشاء المحكمة الدستورية العليا للطعن بدستورية القوانين والطعن بالانتخابات . ولكن تشكيها وحق ممارستها لمهامها عطلت هذه المحكمة وجعلتها أداة بيد رئيس الجمهورية , فأعضاء المحكمة يعينهم رئيس الجمهورية بمرسوم ولمدة أربع سنوات فقط ( مدة ولاية رئيس الجمهورية سبع سنوات قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية ) مما يعطيه الوصاية الكاملة على أعضاء هذه المحكمة المدينين بوجودهم لاختيار الرئيس .
كما نصّت المادة 145 على أن الطعن بدستورية القوانين لا يتم إلا عن طريق رئيس الجمهورية أو بطلب من ربع أعضاء مجلس الشعب فقط , فكيف يمكن أن نتصور أن من يصدر القوانين سيقوم نفسه بالطعن بدستوريتها مما أدى إلى وجود مئات القوانين التي تخالف الدستور ولا أحد يطعن بدستوريتها لأنه لا يحق لأحد القيام بذلك إلا من أصدرها , ولم يحدث أي سابقة في سوريا للطعن بدستورية أي قانون لمخالفته الدستور حتى الآن مع كثرة هذه القوانين التي تخالف الدستور.
كما أن صلاحية المحكمة الدستورية العليا بالطعن بشرعية وصحة الانتخابات معطلة لأن المادة 62 من الدستور تحصر هذه الصلاحية برفع تقرير إلى مجلس الشعب المنتخب وهو ( المجلس ) وحده الذي يقرر العمل بالتقرير أو إهماله مما يؤدي إلى تعطيل كامل للمحكمة ويعطي الخصم سلطة الحكم وبالتالي فإن أي عمليات تزوير أو بطلان بالانتخابات يمكن أن تمر بدون حساب أو مساءلة طالما المجلس المطعون بشرعية انتخابه هو صاحب القرار في النهاية .
وأخيرا جاءت المادة 153 لتتوّج كل هذه الانتهاكات والتناقضات بإبقاء التشريعات والقوانين السابقة له دون تغيير وسارية العمل دون أن أي إلزام بتعديلها أو إلغاء ما يخالف منها الدستور , مما أدى إلى استمرار العمل بقانون الطوارئ والقرارات الصادرة عن مجلس الثورة بصورة غير شرعية والقوانين التي تنتهك الحقوق الأساسية للإنسان والمقيدة والمانعة لحركة وحريّة المجتمع وتخالف مواد الدستور التي تنص على حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي وتأليف الأحزاب والجمعيات وحريّة الصحافة التي بقيت حبراً على ورق دون أي تطبيق لتعطيلها أساساً بالقوانين السابقة التي لم تلغى وبذلك كان الدستور وسيلة قانونية للإطباق الكامل على المجتمع من جهة وبدون أي فائدة أو جدوى على صعيد الحريات العامة وحقوق الإنسان .
وبالتالي فإنه لا يكفي المطالبة بإلغاء المادة الثامنة فقط من الدستور , بل لا بد من تغيير كل الآلية التي جاءت ضمن مواد الدستور والتي تميّز فئة معينة وشخص واحد وتركّز السلطات جميعها بيدهم وتمنع المحاسبة .
ثانيا : قانون الطوارئ
صدر قانون الطوارئ برقم / 51 / لعام 1962 وحدد بنصوصه طريقة وحالات إعلان حالة الطوارئ وحدد سلطات الحاكم العرفي .
فقد أوجبت المادة الأولى فقرة أ منه على أن حالة الطوارئ تعلن في حالة الحرب أو الزلازل أو الكوارث
كما جاءت المادة الثانية فقرة أ منه على أن حالة الطوارئ تعلن من قبل مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب بأول جلسة يعقدها.
ومنح قانون الطوارئ بالمواد التالية صلاحيات استثنائية للسلطة التنفيذية باتخاذ إجراءات دون العودة للمرجع القانوني منها منع التجمعات ومراقبة ومصادرة المطبوعات والتحري والتوقيف ومداهمة وتحري البيوت والمحلات وتحديد مواعيد فتح وإغلاق المحلات , ولكنه أبقى المراقبة والمساءلة القضائية في تجاوزت السلطات صلاحياتها أو تجاوزت أهداف إعلان الطوارئ بحماية أمن البلاد من التهديد وليس بقمع الحريّات العامة
ولكن الذي حدث ويحدث في سوريا أن إعلان حالة الطوارئ تم بموجب الأمر العسكري رقم 2 الصادر عن مجلس قيادة الثورة الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري مسلّح بتاريخ 8/ 3/1963 ولم يصدر عن مجلس الوزراء ولم يعرض على أي مجلس نواب حتى هذا التاريخ , وحتى لم يصدره رئيس الجمهورية بعد إقرار الدستور الدائم عام 1973 الذي هذه الصلاحية له . مما يجعل إعلانه واستمرار العمل به دون إسباغ أي شرعيه قانونية عليه عمل غير شرعي حتى الآن ويجعل جميع الإجراءات التي اتخذت تحت ستار إعلان حالة الطوارئ غير شرعية وترقى لمرتبة الجرائم بكل ما لهذه الكلمة من معنى .
كما إن إعلان حالة الطوارئ قد خالف شروط إعلانه التي حددها القانون بحالة الحرب أو الكوارث , وقد شرح قانون الجيش حالة الحرب بأنها الحالة التي تندلع بها المعارك العسكرية وتتم التعبئة العامة , وحيث أن فترة إعلان حالة الطوارئ لم تشهد حالة من هذا النوع وحيث أنه ومنذ توقيع اتفاق الهدنة على جبهة الجولان عام 1974 لم تعلن في سوريا التعبئة العامة وتندلع معارك عسكرية مما يفقد إعلان حالة الطوارئ الشرط الموضوعي لإعلانه .
كما أن القضاء الإداري المختص بالنظر بتجاوزات السلطة التنفيذية أحجم وامتنع عن النظر بقضايا إبطال تصرفات وتجاوزات السلطة التنفيذية لصلاحياتها بموجب قانون الطوارئ لوضعه تحت وصاية رئاسة مجلس الوزراء بموجب التعديل الذي تم على قانونه وبالتالي أصبح القضاء الإداري خاضعا لرئاسة مجلس الوزراء وأصبح هو الحكم والخصم بآن واحد هذا من جهة , ومن جهة أخرى لإهمال السلطة التنفيذية لقرارات القضاء الإداري وعدم تنفيذها في المرات النادرة التي تصدى بها هذا القضاء لإبطال تصرف أو قرار صادر عن صلاحيات قانون الطوارئ . وبهذه الطريقة تغوّلت السلطات التنفيذية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية تحت ستار حالة الطوارئ على كل شؤون البلاد والعباد والتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة دون حسيب أو رقيب ودون أي شرعية قانونية .
ثالثا – القوانين والمحاكم الاستثنائية
1- قانون حماية أهداف الثورة .
صدر قانون حماية أهداف الثورة بالمرسوم رقم 6 لعام 1964 بموجب قانون الطوارئ وقد نص هذا القانون على تجريم ومعاقبة كل من يناهض أهداف الثورة ( الوحدة والحرية والاشتراكية حسب الشعار المعلن ) وكل من يقاوم تطبيق النظام الاشتراكي بالقول أو بالكتابة أو بالفعل بالسجن مدى الحياة وتصل العقوبة في حال التشديد إلى الإعدام وأحدثت لهذا القانون الاستثنائي محكمة استثنائية خاصة معينّة .
ويعتبر هذا القانون السلاح الأمضى الذي أشهرته السلطات ليس بوجه معارضيها السياسيين فقط وإنما بوجه كل من ينتقدها أو يعلن عدم موافقته على سياساتها ونشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان , وبتجاوز عدم شرعية هذا القانون لعدم شرعية السلطة التي أصدرته والتي تم التطرق لها سابقا , فإن هذا القانون يخالف مبدأ قانونيا أساسيا وهو عدم جواز المحاسبة على الأقوال والآراء والأفكار والنوايا وإن العقوبة هي على الأفعال , كما أنه يخالف مبدأ أساسيا من مبادئ حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأكدّ عليها العهدين الدولييّن الخاصّين بالحقوق المدنية والسياسية والتي التزمت بها سوريا ووقعت عليها في عام 1969 والتي نصّ على حرية الفكر والرأي والتعبير والعمل السياسي والحقوقي ومنعت تجريم أصحاب الآراء والرأي . ومع أن نصوص القانون المدني في سوريا قد وضعت المعاهدات الدولية في مرتبة أعلى من القوانين الداخلية وأوجبت تطبيق نصوص المعاهدة في حال تعارضت مع نصوص القانون الداخلي إلا أن السلطات والمحاكم ما زالت تضرب عرض الحائط بنصوص المعاهدات الدولية لمصلحة القوانين الاستثنائية وتزج بالمعارضين وأصحاب الرأي بالسجون لعشرات السنين .
ولعل آخر من سلطّت السلطات السورية سيفها عليهم بموجب هذا القانون , المحامي أكثم نعيسة رئيس لجان الدفاع عن الحرياّت الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا وتم اعتقاله لأكثر من خمسة أشهر وأخلي سبيله بعدها وما زال المحاكمة مستمرة , والطالبين مهند الدبس ومحمد عرب اللذين شاركا باعتصام للتعبير عن احتجاجهما حول قانون جديد يلغي التزام الدولة بتعيين المهندسين وما زالا موقوفين حتى الآن . وهناك العشرات اللذين حكم عيهم وأمضوا فترات تصل لعشرات السنين ما زال قسم منهم حتى الآن في السجن ومنهم من أعدم بموجب هذا القانون , ولم يحدد القانون ماهية أو طبيعة الأفعال أو الأقوال أو الكتابة التي تعتبر مناهضة لأهداف الثورة أو مقاومة للنظام الاشتراكي وإنما جعل هذا الأمر غامضا مبهما تاركا للأجهزة الأمنية والمحكمة الاستثنائية التي أحدثها من أجله تفسير وتركيب التهم كما تريد وتشتهي دون أي رقابة عليها بذلك . وبذلك أصبح هذا السيف مسلطا على رقاب جميع المواطنين فأي عمل أو قول أو رأي يخالف السياسة العامة للدولة أو يعارضها أو ينتقدها يمكن أن توجه له هذه التهمة ويرسل إلى السجن لأعوام عديدة من أجلها , ونجح القانون بخلق حالة من الرعب ( ومازالت ).
2- القانون 49/1981
هو قانون خاص استثنائي أصدرته السلطات إثر المواجهات التي جرت مع جماعة الأخوان المسلمين , وقد نصّ القانون على الحكم بالإعدام على كل من ينتمي للجماعة المذكورة ولعله من أغرب القوانين في العالم حيث يدين ويعاقب على مجرد الانتماء السياسي دون أن يشترط القيام بأي فعل أو عمل مخالف للقانون وهذا يتعارض بشدة مع مبادئ حقوق الإنسان التي تمنع التجريم بسبب الانتماء السياسي أو الديني وللقواعد القانونية العامة التي تمنع العقاب دون فعل , ومع أن القانون متعارض مع كل ذلك إلا أنه لا يزال ساري المفعول ومعمولا به حتى الآن .
3- قانون العقوبات الاقتصادية
وهو قانون استثنائي أيضا صدر للتحكم بالحركة الاقتصادية وتوجيهها وتقييدها وقد نصّ على عقوبات تصل للسجن المؤبد في حال مخالفة أحكامه وقد أصدرت قوانين مكملة له هي المرسوم 13 الخاص بمنع التهريب والمرسوم 24 الخاص بمنع تداول العملات الأجنبية والذهب وقد أنشأت محكمة استثنائية لتحاكم المتهمين بهذه القوانين ولكن ألغيت منذ أشهر وخففت بعض العقوبات المنصوص عليها بالقوانين المذكورة ولكن ما زالت هذه القوانين سارية المفعول ويعمل بها إلى الآن .
4- محكمة أمن الدولة العليا
أنشأت محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية بالمرسوم رقم 47 لعام 1968 على أنقاض المحكمة العسكرية الدائمة التي ألغيت , إحداثها على اختصاصها بالنظر بالجرائم المنصوص عنها بالمرسوم رقم 6 لعام 1964 الخاص بناهضة أهداف الثورة وأضيفت إليها جميع القضايا التي يحيلها إليها الحاكم العسكري بغض النظر عن علاقتها بأمن الدولة أم لا , وقد شكلت هيئتها من قاضي نيابة يقوم بمهمة النيابة العامة والتحقيق والاتهام والإحالة , ومنع الطعن بقرارات النيابة العامة , كما شكلت هيئة المحكمة من رئيس وضابط من الجيش وقاض يندبه وزير العدل وتسمى هيئة المحكمة بمرسوم , وحصن قرارات المحكمة من الطعن أمام أيّ جهة وأخضعها للتصديق من الحاكم العرفي وحده الذي هو خصم المتهم وهو من أحاله أمام المحكمة ويعتبر ذلك انتهاك واضح لمبدأ حيادية ونزاهة واستقلال المحكمة كما أعفى المرسوم المحكمة من التقيد بالضمانات الأساسية للمتهم مما يؤدي إلى انتهاك واضح لمعايير المحاكم العادلة , وقد حاكمت محكمة أمن الدولة آلاف المتهمين أمامها وأصدرت أحكاما تصل للإعدام والسجن المؤبد وما زال المئات في السجون نتيجة لذلك , كل ذلك بشكل غير شرعي أو دستوري , منهم مجموعات الأخوان المسلمين وحزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي ( رياض الترك) ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان ونشطاء وكوادر الأحزاب والحركات الكردية وحزب الاتحاد الاشتراكي ( جمال الأتاسي ) وحزب التحرير الإسلامي ونشطاء المنظمات الفلسطينية ومعتقلي ربيع دمشق ( الدكتور عارف دليلة والمحامي حبيب عيسى ورفاقهم ) والصحفيين ( ابراهيم حميدي وعزيزة ونسرين سبيني ) والمتهمين بالدخول إلى شبكة الإنترنت وقراءة المواقع الممنوعة وإرسال الأخبار عن طريقها ( مهند قطيش وشقيقه ويحيى الأوس ) والعائدون من العراق وحزب البعث ( جناح العراق ) وحزب البعث ( صلاح جديد ) وما زال قسم منهم في السجون حتى الآن وبعضهم منذ عشرات السنين .
5- المحكمة الميدانية
أحدثت بالقانون رقم 109 لعام 1968 وهي تابعة لوزارة الدفاع وتشّكل أثناء المعارك العسكرية لمحاكمة الجنود الذين يخالفون الأوامر العسكرية أو يتراجعون أمام العدو أو يفرّون من أمامه وتؤلف هيئتها من قادة التشكيلات العسكرية .لا يتمثّل فيها دفاع أو محامين ولا تتقيد بأي أصول من أصول المحاكمات , ولكن الحاكم العرفي بموجب قانون الطوارئ مدّ اختصاصها وزمانها لتشمل المدنيين وكلّ الدعوى التي يحيلها إليها الحاكم العرفي في أي وقت وجعلها دائمة وقد أحيلت أمامها دعوى كثيرة منها قضايا اقتصادية تتعلق بالفساد ( مجموعة سليم ألتون ورفاقه ومجموعة ضباط وصف ضباط الجمارك بتهم تتعلق بالفساد 1986 ومدير الجمارك السابق يشير نجار ومجموعته نهاية التسعينات مجموعة معتقلي داريا 2003 التي تنادت لمحاربة الفساد والرشاوى ولعلّ أكبر دور قامت به على امتداد الثمانينات إعدام الآلاف من الإخوان المسلمين بجلسات عقدت في سجن تدمر دون شهود أو محامين وعبر استجواب شكّلي في أحيان كثيرة . .
6- القضاء العسكري
وهو قضاء مختص قانونا بالجرائم التي نصّ عليها قانون العقوبات العسكرية , أي يختص النظر بالجرائم التي يرتكبها العسكريون بما يتعلق بإخلالهم بمهماتهم وتنفيذ الأوامر والتعليمات العسكرية فقط , ولكن الحاكم العرفي بموجب قانون الطوارئ مدّ اختصاصها استثنائيا لتشمل كافة الدعوى التي يكون طرفا فيها عنصر عسكري حتى لو كان الجرم منصوص عليه في قانون العقوبات العادي . كما شمّل اختصاصها دعاوى معينة حتى لو كان أطرافها مدنيين ( الجرائم التموينية لفترة ليست بعيدة) , ويمكن للحاكم العرفي بموجب قانون الطوارئ إحالة أي دعوى أمام القضاء العسكري للنظر فيها ( قضية المحامي هيثم المالح وطباعة مجلة تيارات – قضية الأربعة عشر ناشطا في حلب بحضور محاضرة – مروان عثمان وحسن صالح باعتصام أمام مجلس الشعب – قسم من الأكراد الذين أوقفوا على خلفية أحداث القامشلي )
7- المحاكم الأمنية
أعطي الحاكم العرفي للفروع الأمنية صلاحيات قضائية استثنائية بالبت بما يمكن تسميته جرائم صغيرة ( تهكم على النظام أو انتقاد أو شتم أحد المسؤولين … ) وتعقد هذه المحاكم جلساتها ضمن الفروع الأمنية وطبعا دون محامين أو شهود أو دفاع ويمكن دون حضور المتهم المعتقل نفسه وتصدر حكمها عليه ويصدّق من رئيس الشعبة الأمنية العائد لها الفرع وتنفذ العقوبة ) وتكون أحكام هذه المحاكم بين الشهر والسنة سجن .
7 لجنة تسريح العمال
وهي لجنة استثنائية مشكلة للبت بقضايا علاقات العمل لدى القطاع الخاص وتسريحهم ويرأسها قاضي وبقية الأعضاء موظفين خاضعين للتسلسل الوظيفي والسلطة التنفيذية وغير مستقلين إضافة إلى ممثل عن نقابة العمال ولا تتبع أمام هذه اللجنة الأصول والقاعد القانونية العامة بل تحاكم حسب أصول خاصّة نص عليها المرسوم 47 لعام 1962.الذي يعطي ميزات خاصة للعامل بمواجهة ربّ العمل
8- لجنة تحديد أجور العمل الزراعي والمجلس الزراعي الأعلى
وهي هيئة استثنائية خاصة تختص وقف أصول خاصة بالنظر بالقضايا المتعلقة بين المزارعين والعمال الزراعيين وأصحاب الأراضي من حيث الأجور وإنهاء علاقة المزارعة وقراراتها يطعن بها أما المجلس الزراعي الأعلى وتهين الهيئتين تعيينا من قاض رئيس وأعضاء موظفين خاضعين للتسلسل الوظيفي والسلطة التنفيذية إضافة إلى ممثل للفلاحين من اتحاد الفلاحين ولا تطبق الأصول والقواعد العامة وإنما أصول خاصّة وقانون خاص هو قانون العلاقات الزراعية , ويعطي هذا القانون مميزات خاصة للمزارعين بمواجهة مالك الأرض .
رابعا : قانون السلطة القضائية
القضاء هو الملجأ الأساسي للمواطن للحصول على حقوقه ومنع التعدي عليها وهو الذي يوضح حدود وصلاحيات كل سلطة من السلطات التنفيذية والتشريعية ويمن التجاوزات ويحمي حريات وحقوق المجتمع .ويعتبر المرجعية المستقلة والحيادية والنزيهة لحّل المشاكل وإظهار الحقوق
ولكن القضاء في سوريا فقد استقلاليته وحياده وأعطى السلطة التنفيذية موقع الهيمنة والوصاية عليه بموجب قانون السلطة القضائية الصادر برقم 24 لعام 1966 وتعديلاته , فلم يكتفي بإعطاء رئيس الجمهورية حق رئاسة مجلس القضاء الأعلى بموجب الدستور وإنما أعطى السلطة التنفيذية مجلا أوسع للهيمنة على القضاء فقد نصّت المادة 65 من قانون السلطة القضائية على أن مجلس القضاء الأعلى يشّكل من وزير العدل ومعاون وزير العدل ورئيس هيئة التفتيش القضائي والنائب العام التمييزي ورئيس محكمة النقض وأقدم مستشارين لدى محكمة النقض , مما يعني أنه بالإضافة إلى رئيس الجمهورية فإن أربعة من أعضاء مجلس القضاء الأعلى هم من السلطة التنفيذية وتحت وصايتها المباشرة بينما ثلاثة فقط من الهيئة القضائية , مما يؤدي إلى هيمنة كاملة على القرار من قبل السلطة التنفيذية . وحيث أن مجلس القضاء الأعلى هو السلطة المخولة بتعيين القضاة وتسريحهم وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وكل ما يتعلق بشؤونهم مما يعني أن قضاة الحكم تحت الوصاية الكاملة لوزير العدل منفذين لأوامره وبنصّ القانون فإن قضاة النيابة هم تابعين لوزير العدل إداريا وتنفيذيا منفذين لأوامره . هذا يعني أن كامل الهيكلية القضائية هي تحت السيطرة والهيمنة لوزير العدل , وتعدم أي استقلال أو حيادية لديها وتصبح أداة أخرى بيد السلطة التنفيذية وأجهزتها للتحكم بالمجتمع والسيطرة عليه ( محاكمة النائبين محمد مأمون الحمصي ورياض سيف أمام محكمة الجنات التي افتقدت لأبسط معايير المحاكمة العادلة والنزيهة ) ,
هذا بالإضافة إلى إخضاع القضاء لقانون العاملين الموحد ومعاملتهم أسوة بموظفين الدولة بالنسبة للراتب والمعاملة والترفيع بدون أيّ ميزات مما أدى إلى وضع اقتصادي متردٍ للقضاة وشكّل البيئة الملائمة والمناسبة لنمو الفساد والرشوة بعلم السلطات ومباركتها ورضاها طالما القاضي ينفذ ما هو مطلوب منه , أما إذا دفعت الشهامة أو التمسك بالقانون بأي قاض ليحكم بالعدالة مخالفا الأوامر فسيف التفتيش مشرع بوجهه وإذا كان من القضاة الشرفاء فسيف النقل والتأديب جاهز ( تم نقل القاضي عباس ديب من محكمة الجنايات إلى النيابة العامة بعدما خالف القرار الصادر بحق النائبين سيف والحمصي واعتبر عملهما مشروعا ) وفي حالات أخرى فإن التسريح موجود دائما لمعالجة الحالات المستعصية ( تم تسريح عشرات القضاة لأسباب سياسية ) , هذا الوضع أدى إلى ترد خطير في وضع القضاء ومؤسساته وتحّولها إلى أدوات قمع , هذا بالإضافة إلى أن الدولة بسلطتها التنفيذية هي أول من تجاهل القضاء وأهانه بتجاهلها المتعمد تنفيذ قراراته القطعية ولم تكتف بذلك بل نصّبت نفسها وصيا ووليا على القضاء بإعادة النظر من قبلها بالقرارات النهائية الصادرة عن أ‘لى مرجع قضائي ( شكّل رئيس الوزراء لجنة للبت بمدى صحة القرارات الصادرة بالدرجة النهائية والموضوعة لدى دائرة التنفيذ لتنفيذها بحق إدارات ومؤسسات الدولة ) وهناك آلاف القضايا والدعوى بحق الدولة ومؤسساتها وإداراتها والتي أصبحت مبرمة وواجبة التنفيذ بقضايا تعويض عن ضرر أو استملاك أو قرارات غير شرعية ولم تنفذها الدولة حتى الآن رغم مرور سنين عديدة , بهذه الطريقة المتعالية تتعامل السلطة التنفيذية مع القضاء وأحكامه , ولا يقتصر هذا الموضوع على السلطة التنفيذية كإدارة بل يشمل الأجهزة الأمنية حيث تعطي لنفسها الحق بالتحقيق بالقضايا وقرارات القضاة واستدعاء المحامين والقضاة ومنذ فترة قريبة أوقف رئيس محكمة القضاء الإداري - وما زال - من قبل الأمن السياسي للتحقيق معه بالقضايا القانونية التي أصدر بها قرارات أصبحت نهائية غير عابئ بالحصانة القضائية وكرامة القضاة مع أن القانون يسند هذه المهمة لمجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي وحدها .
ومع أن قانون السلطة القضائية المادة / 81 / يحظر على القضاء الالتزام الحزبي الا ان هذه المادة لا تطبق وعلى العكس فالانتماء لحزب البعث هو جواز مرور للوصول الى سلك القضاء وكذلك لمنحهم الترفيع والقضاة الحزبيين يعقدون اجتماعاتهم الحزبية في القصر العدلي وخصصت غرفة لهم لممارسة نشاطاتهم الحزبية وخصصت قاعة كبيرة للاحتفالات الحزبية / قاعة البيعة/ مما يعني صعوبة استقلالية أو حيادية القضاء .
كما ان القضاء الإداري الصادر بالمرسوم رقم 50 لعام 1961 تابع لرئيس مجلس الوزراء وإذا عرفنا ان كل الدعاوى المنظورة أمام مجلس الدولة هي ضد الوزارات والإدارات الرسمية فكيف يمكن ان يكون القاضي خصماً وحكماً في آن واحد طالما أن القاضي يتبع لنفس الجهة التي يخاصمها المواطن.
خامساً- قانون العمل:
صدر قانون العاملين الموحد رقم /1/ لعام 1985 ويعتبر من المفاصل الأساسية للتحكم بالمجتمع وبمصدر عيش المواطنين وإذا علمنا ان أي عامل بالدولة هو بحاجة لموافقة الأجهزة الأمنية حكماً وإذا تمكن من الحصول عليها فان إنهاء عمله هو بيد السلطة التنفيذية فقد قضت المادة /138/ من القانون على صلاحية رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص لتسريح أي عامل دون إبداء الأسباب ودون ان يحق للعامل المفصول مراجعة أي جهة إدارية أو قضائية ودون السماح له بالعمل عند الدولة ضمن أي وزارة أخرى. وقد سرحت الدولة تحت هذه المادة عشرات النشطاء السياسيين وقد رفضت السلطة إلغائها رغم كل الأصوات التي طالبت بإلغائها كونها مخالفة للدستور وحقوق الإنسان وما زالت موجودة في مشروع تعديل قانون العمل المطروح الآن على مجلس الشعب ولكن تحت رقم /137/ .
هذا مع العلم ان دور السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية بالتحكم بترفيع العمال عن طريق اللجان النقابية ونقلهم من مكان عملهم إلى مكان آخر / خارج المحافظة التي يقيمون بها / كعقوبة يتم عن طريق المحافظ وأمين فرع الحزب .
كما أن تحديد سقوف للرواتب يجعل أجور العمال ضئيلة وغير كافية لتلبية احتياجاته الضرورية مهما بلغ سنوات خدمته .
سادساً- حرية الصحافة:
أ - قانون المطبوعات
بعد 8 آذار 1962 صدر الأمر العسكري رقم / 4 / عن مجلس قيادة الثورة بأغلال جميع الصحف السورية ومصادرة آلات الطباعة وإغلاق دور النشر وتوقف العمل بالقانون رقم/53/ لعام 1949 المنظم لإصدار المطبوعات وتجمدت الحياة الصحفية منذ ذلك الحين وكثرت المؤسسات التابعة لحزب البعث والسلطة التنفيذية واتبعت سياسة الإعلام الوحيد الموجه ومنع الصحف والكتب العربية والأجنبية الصادرة خارج سوريا واستمرار الحال حتى عام 2001 حيث صدر قانون المطبوعات الجديد رقم 50 لعام 2001 الذي حاول إعطاء انطباع ان السلطة جادة في تحرير الإعلام ولكن على العكس جاء القانون لزيادة ضبط الإعلام فقد وضع عقوبات عالية تصل للسجن ثلاث سنوات لتهم غامضة وغير محددة / المس بالشعور القومي- المس بالجيش- المس بوحدة المجتمع- إذاعة أنباء كاذبة/ المواد / 29- 51- 44- 52- وغيرها/ وترك المجال للقضاء الغير حيادي لتوجيه التهم كما ترك القانون سلطة المنح والمنع لإصدار المطبوعات في يد وزير الإعلام ورئيس مجلس الوزراء / المواد من 9 حتى 12 من القانون/
كذلك منح التراخيص للمراسلين للصحف العربية والأجنبية بيد وزير الإعلام دون اية ضوابط قانونية او إدارية أو قضائية.
وبذلك وضع المطبوعات تحت السيطرة والوصاية المباشرة لوزير الإعلام وأية خروج عن توجهات السلطة يعرض الصحيفة للإلغاء كما حدث مع صحيفة الدومري للرسام العالمي علي فرزات حيث اصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بسحب ترخيصها كونها تعرضت للفساد وللمسؤولين عنه وكذلك تم سحب تراخيص لخمسة مجلات مخصصة للأطفال دون ان تصدر أي عدد دون ذكر الأسباب ويأتي بعد ذلك التعليمات التنفيذية لقانون المطبوعات الصادر عن وزير الأعلام رقم 297 لعام 2001 حيث أرهقت إصدار المطبوعات بالتزامات اقتصادية باهظة فألزمت الصحف السياسية بعدد صفحات كبير وألزمتها بالاشتراك بوكالة الإنباء السورية ووكالة أنباء عربية وأجنبية وألزمتها بعدد معين من الموظفين وصفة معينة لطالبي التراخيص ومديري التحرير واستمارات عديدة يتوجب ملاها قيل الحصول على الترخيص وطبعاً لم يتطرق قانون المطبوعات على وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية وإبقاءها حكراً على الدولة فقط.
ب - المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات:
تم إحداث هذه المؤسسة بالمرسوم رقم 24 لعام 1975 ومهمتها الرقابة المسبقة على جميع المطبوعات الموزعة في سوريا من صحف ومجلات وكتب . وقد نصّ قانون إحداثها على أنها المؤسسة الوحيدة المصرح لها توزيع المطبوعات في سوريا , ويشكل مجلس إدارتها من مسؤولين في وزارة الإعلام والجيش وحزب البعث , وأعطاها صلاحية الرقابة على المطبوعات ورفض توزيع أي مطبوعة أو تحديد كمية توزيعها دون أي رقابة أو دور للناشر أو الموزع , وتشكل بذلك حلقة أساسية من حلقات ضبط الإعلام والأفكار . وقد منعت المؤسسة المذكورة آلاف الكتب من الدخول إلى سوريا أو مزقت صفحات منها قبل التوزيع , وقد حدث هذا عدة مرات مع جريدة الدومري حيث تمّ تمزيق بعض المقالات أو إلغائها بالطمس , كما إنها وعندما لاحظت أن جريدة الدومري توزع أعدادا أكبر من الصحف الرسمية مجتمعة (حوالي ستين ألغ عدد أسبوعيا ) ألزمت الجريدة بعدم توزيع إلا أربعة عشر ألفا فقط مما شكّل عبئا اقتصاديا كبيرا على الناشر لعدم تغطية النفقات وهذا أحد طرق الضغط على الإعلام .
ج- المؤسسة العامة للإعلان
أحدثت المؤسسة العامة للإعلان لاحتكار والسيطرة على سوق الإعلان وتوجيهه حسب رغبة وإرادة السلطات حيث توجه التمويل الإعلاني باتجاه صحف معينة وحجبه عن أخرى :اسلوب من أساليب الترغيب والترهيب , كما حددت نسبة المؤسسة المذكورة ب أكثر من 30% من قيمة الإعلانات هذا بالإضافة للضرائب العامة الأخرى ( ضريبة الدخل وضريبة الأجور والرواتب وضرائب رأس المال ) مما يشكل إرهاقا اقتصاديا كبيرا على الناشر يدفعه إما للإغلاق أو الاعتماد على التمويل الحكومي في ظل منع أي تمويل خارجي تحت طائلة قانون المطبوعات وبالتالي يخضع للسيطرة الحكومية .
د- قانون اتحاد الصحفيين
صدر قانون اتحاد الصحافيين برقم 1 لعام 1990 وقد نصّ في المادة 3 منه أن اتحاد الصحفيين هو اتحاد مؤمن بأهداف الأمة الوحدة والحرية والاشتراكية ملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته . كما نص في المادة 54 أن الاتحاد يعاقب كل عضو يخرج عن أهداف الاتحاد , فإذا ما عرفنا أنه لا يمكن العمل بالصحافة دون أن يكون منتسبا للاتحاد فإن هذا وحده كاف لضبط العمل الصحافي والصحافيين والسطرة والهيمنة عليهم .
سابعا : قانون الأحزاب والجمعيات
1- قانون الأحزاب
لا يوجد في سوريا قانون لتنظيم العمل السياسي وإنشاء الأحزاب السياسية وليس هناك اعتراف رسمي بأي عمل سياسي خارج إطار الجبهة الوطنية التقدمية التي نصّت عليها المادة الثامنة من الدستور دون أن تحدد هذه الأحزاب أو شرعية وجودها القانوني وأبقى هذا الموضوع رهنا بإرادة حزب البعث وحده فهو الذي يدعو الأحزاب للانضمام للجبهة أو يرفض ذلك وبالتالي أصبح هو الوحيد المتحكم بشرعية العمل السياسي يعطيها لمن يشاء ويحجبها على من يشاء دون أي ضابط أو قانون كما أن الدخول بالجهة لا يعطي الحزب أي شخصية اعتبارية قانونية أو موقعا شرعيا بشكل دائم بل يبقى تحت سيف الطرد من الجبهة واعتباره حزبا غير شرعي بأي وقت سلاحا مسلطا على رقاب الأحزاب تجعلها تحت الهيمنة والوصاية المطلقة من قبل حزب البعث وبالتالي يفقد مبرر وجوده السياسي والشعبي ويصبح مجموعة ملحقة بحزب البعث لا أكثر ولا أقل دون أي دور , وهذا ما حصل مع الأحزاب المنضوية في الجهة حيث آلت إلى عدد من الأفراد دون أي قاعدة شعبية ودون أي تميّز يذكر عن ممارسات حزب البعث .
2- قانون الجمعيات
صدر بالمرسوم 97 لعام 1958 وتعديلاته وقد جمّد العمل به بعد 8 آذار واقتصر منح الرخص على الجمعيات الخيرية التي تعنى بمساعدة الفقراء , وأعطى القانون المذكور وزير الشؤون الاجتماعية والعمل صلاحية رفض أي ترخيص دون إبداء الأسباب مع عدم إمكانية اللجوء للقضاء للتظلم , مما منح السلطة التنفيذية سلطة مطلقة للتحكم بنشاط المجتمع المدني .
وقد رفضت عشرات الطلبات لإنشاء جمعيات ومنظمات لنشاطات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها من فعاليات المجتمع المدني بناء على رفض الجهات الأمنية لذلك . مما أدى إلى فقان الحياة في المجتمع تحت خوف الأشخاص في حال النشاط المدني من الملاحقة بتهمة جمعية سرية غير مشروعة وهو السيف المشهر على نشاطات المجتمع المدني .
ثامنا : قانون النقابات المهنية
في الواقع لا يوجد أي تجمع خارج سيطرة أو هيمنة حزب البعث على قراره فجميع قوانين النقابات وضعت فيها المادة القانونية التي تنصّ على أن هذه النقابات تخضع لتوجيهات القيادة القطرية لحزب البعث وتعمل وفق مقرراتها ( اتحاد نقابات العمال – الاتحاد النسائي – اتحاد الجمعيات الحرفية – النقابات المهنية من محامين أو أطباء أو مهندسين ) وقد تناولت اتحاد الصحافيين سابقا وكمثال سأتطرق إلى قانون تنظيم مهنة المحاماة ويمكن القياس عليه لجميع النقابات الأخرى , فقد جاء بالمادة الثالثة من القانون الصادر برقم 39 الخاص بتنظيم مهنة المحاماة أن نقاب المحامين تنظيم ملتزم بأهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية وملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مبادئ ومقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته ,
وجاء بالمادة الرابعة أن النقابة تعمل بالتنسيق مع المكتب المختص بالقيادة القطرية لحزب البعث . واعتبرت المادة 37 أن اجتماعات الهيئة العامة تكون غير قانونية إذا لم يحضرها ممثل عن المكتب المختص في القيادة القطرية , كما منعت الفقرة ب من المادة نفسها الدعوة لمؤتمر استثنائي قبل الحصول على إذن من مكتب القيادة القطرية , كما أعطت المادة 107 من القانون رئيس مجلس الوزراء حق حلّ المؤتمر العام ومجلس النقابة المنتخب ومجال الفروع في حال انحرافها عن أهدافها وقرا رئيس مجلس الوزراء بهذا الشأن غير خاضع لأي طريق من طرق المراجعة القضائية أو الإدارية , مما يعني هيمنة كاملة على جميع النقابات والهيئات الشعبية .
تاسعا : قانون الانتخابات
بعام 1973 صدر قانون الانتخابات برقم 26 وقد كرس هيمنة السلطة التنفيذية على العملية الانتخابية فقد اعتبرت المادة 13 أن المحافظة دائرة انتخابية واحدة مما أفقد الصلة بين الناخب والمرشح , كما سمحت المادة 18 للمحافظين وضباط الشرطة والجيش أن يرشحوا أنفسهم لمجلس الشعب مما ترك لهم المجال واسعا لاستغلال نفوذهم , وأعطت المادة 20 وزير الداخلية صلاحية تشكيل اللجنة المركزية للانتخاب برئاسة المحافظ وعضوية قاض وممثل عن العمال والفلاحين , وأعطى هذا اللجنة كامل الصلاحيات بالنظر بالشكاوى والاعتراضات والطعون وفرز الأصوات وعدّها ورفع قوائم بها لوزير الداخلية واعتبر قرارها مبرما دون أي إمكانية مراجعة قضائية أو إدارية , كما أعطاها سلطة تعيين لجان الصناديق وهم حكما من العاملين بالدولة وتكون هي المرجع الوحيد لقرارات هذه اللجان , كما ألزم المرشحين المستقلين تسليم ثلاثة نسخ عن البيانات والنشرات التي سيصدرها قبل طباعتها لتشكل رقابة مسبقة عليها وتغاضى عن إعلان جداول الشطب للناخبين واعتبر أن الناخب يستطيع الانتخاب أينما يشاء دون الالتزام بمركزه الانتخابي مما يمكن الناخب من الإدلاء بصوته لأكثر من مرة وبأكثر من مركز دون أي رقابة وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار استخدام وسائل الإعلام الرسمية (وهي الوحيدة ) مع وسائل النقل العائدة للدولة والإعلانات المدفوعة من قبل الدولة لمصلحة المرشحين من قبل حزب البعث , وحرمان الآخرين منها ووضع الصناديق الانتخابية في أماكن العمل نفسها دون أن يكون يوم الانتخابات يوم عطلة رسمية مما يخضع الناخب للسيطرة المباشرة من رؤسائه في العمل على خياره الانتخابي هذا بالإضافة إلى الصناديق المتحركة بين المناطق مما يفقد إمكانية متابعتها من قبل مندوبين المرشحين كل هذا يعني سيطرة كاملة على مجمل العملية الانتخابية منذ بدايتها وحتى إعلان الناجحين وتحكم كامل بأسمائهم دون أي رقابة قضائية , وإذا ما فرضنا جدلا أن عمليات تزوير مكشوفة قد تمت وتم الطعن بصحة الانتخابات أمام المحكمة الدستورية , فصلاحيات المحكمة تقتصر على رفع تقرير بعد التحقيق لمجلس الشعب الجديد الذي طعن بانتخابه وهو صاحب القرار بإبطال العضوية أم لا . وبالتالي فإن السلطة هي التي تقرر بالنهاية باعتبار لها أكثرية أعضاء المجلس أن تقرر إبطال العضوية أم لا حتى لو ثبت التزوير والتلاعب بالانتخابات .
عاشرا : أجهزة الرقابة ومحاربة الفساد
1- الجهاز المركزي للرقابة المالية .
وهو جهاز معني بمراقبة الأداء المالي للحكومة وصحة الإنفاق وخضوعه للقوانين المالية , والمشكلة الأولى هي ضعف الكادر الإداري للجهاز مما يجعله قاصرا وبشكل مخيف عن ملاحق ومتابعة الكمّ الهائل من أوامر الصرف وأوجه الإنفاق فيلجأ لأخذ عينات محدودة من ممارسات الجهات العامة دون أن يتابع كافة عمليات الإنفاق , والمشكلة الثانية وهي الأهم خضوع هذا الجهاز وتبعيته إلى وزير المالية أي الجهة التي من المفروض أن يراقب عملها كما أنه لا يستطيع تحريك الدعوى العام تجاه ملفات الفساد إلا بإذن وموافقة وزير المالية
مما يفقده أي قدرة على كشف ومحاسبة الفساد طالما هذا الفساد بعلم وحماية وزير المالية.
2- الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش
وهو جهاز مهني بمراقبة الأداء الحكومي والعقود المبرمة وصحتها وانطباقها على القاعد القانونية والمشكلة الأولى ضعف المستوى الفني والثقافي للمفتشين وقلّة عددهم وعدم وجود الاختصاصات اللازمة ( يمكن إرسال مفتش باختصاص تجاري للتحقيق بملف هندسي – أو حقوقي للتحقيق بملف حول صفقة كهرباء ) وبالتالي تكون الرقابة عشوائية وغير صحيحة أو مجدية والمشكلة الأهم هي تبعية هذا الجهاز إلى رئيس مجلس الوزراء (وليس لجهة مستقلة عنه كمجلس الشعب مثلا أو حتى لرئيس الجمهورية )ولا يستطيع المفتش أو رئيس الجهاز إحالة أي ملف للقضاء قبل موافقة رئيس الوزراء وهو طبعا الجهة التي تتم مراقبتها فكيف يمكن أن نفهم أن يقوم الشخص بمراقبة نفسه وتحريك الدعاوى بحق نفسه أو أنصاره أمام القضاء , إن هذا الخلل في بنية الجهازين وتبعيتهما أديا إلى انقلابهما من أدوات رقابة ومحاربة للفساد إلى آليات لدعم الفساد ومحاربة المخلصين فرئيس مجلس الوزراء يحفظ الملفات المثارة ضد أعوانه ومواليه ( هناك المئات من الملفات المحفوظة والتي تحتوى على صفقات فساد كبيرة ) ويحرك أجهزة الرقابة ضد الشرفاء والمخلصين لعملهم والمعارضين ويحيلهم إلى القضاء بتهم تمس شرفهم ويصبح هذا السيف وسيلة للهيمنة والسيطرة بدلا أن يكون أداة للإصلاح ومحاربة الفساد والهدر .
حادي عشر : الطلائع واتحاد شبيبة الثورة والاتحاد الوطني لطلبة سوريا
وهي إحدى أهم الأدوات للسيطرة على الجيل الجديد ففي ظلّ غياب أي مجال للطلاب للنشاطات الفردية والجماعية ( بعد إلغاء منظمة الكشّافة الأهلية في نهاية السبعينات وإلحاق جميع النوادي الرياضية الأهلية للاتحاد الرياضي العام الذي هو كباقي الاتحادات تحت السيطرة والهيمنة الحكومية كما سبق ) فإن منظمة طلائع البعث تحتكر نشاط الطلاب في المرحلة الابتدائية ومنظمة اتحاد شبيبة الثورة تحتكر نشاطات الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية والاتحاد الوطني لطلبة سوريا الذي يسيطر ويحتكر نشاطهم في المرحلة الجامعية وينع على الطلاب أي نشاط حزبي أو ثقافي أو اجتماعي إلا من خلال هذه المنظمات وتمارس هذه المنظمات دورها في تحطيم روح الطلبة وتغذية الانتهازية والتزلف والخنوع , وتكافئ من ينجح باختبار الموالاة بإعطائه علامات إضافية دون وجه حق حين يتقدم للالتحاق بالجامعة تمكنهم من الدخول إلى كليّات لا يستحقونها مما يشكل سياسة تمييزية على أساس الانتماء الحزبي و يرسخ روح الانتفاع والمصلحة و يشكل أداة هيمنة وسيطرة على الشباب باحتكار مجال النشاط وقمع وترهيب الناشطين خارج الاتحاد وترغيب الآخرين بمميزات لا يستحقونها لإبقائهم تحت السيطرة .
ثاني عشر : قانون إدارة المخابرات وقوى الأمن وحماية التعذيب
إن التعذيب الجسدي والنفسي سياسة ثابتة للسيطرة على المجتمع في حال عدم نجاح الوسائل السابقة في تطويعه وتمارس كافة وسائل وآليات التعذيب في سجون وأقبية الأمن وأقسام الشرطة من الضرب والركل والصفع والجلد باليدين أو بالسوط أو بالعصا إلى استخدام الدولاب والتعليق من اليدين والرجلين لفترات طويلة والشبح واستخدام الكهرباء على مختلف أنحاء الجسم إلى العزل الانفرادي بزنازين صغيرة ورطبة لا يدخلها النور أو الهواء إلى تغطيس الرأس بالماء لحد الاختناق إلى قلع الأظافر وهناك شهادات حية كثيرة حول وسائل التعذيب التي تم استخدامها وقد مات كثيرون من جراء التعذيب الذي مورس عليهم . والمشكلة القانونية عدم إمكانية محاسبة أي مسؤول يقوم بعمليات تعذيب أو يأمر بها فالمادة 16 من قانون إدارة المخابرات العامة تمنع تحريك الدعوى العامة بحق أي عنصر من عناصر الأمن قبل الحصول على موافقة مدير الإدارة وقانون قوى الأمن الداخلي تعلق إقامة الدعوى إلى قرار مجلس التأديب قي وزارة الداخلية وبالتالي فإن هذا يشكّل حماية قانونية لممارسي التعذيب ويمنحهم ضوءا أخضر وإذنا مفتوحا لممارسته وحتى ارتكاب جرائم القتل تحت التعذيب . وهذا يفسر أن توقيع سوريا على اتفاقية مناهضة التعذيب لم يقدم أي شيء جديد على هذا الصعيد بل لقد تتالت عمليات التعذيب واشتدت وثمة إخبارات عن موت عدد من الموقوفين تحت التعذيب .
خاتمة
مما سبق يتبن أن قرار الإصلاح والانتقال إلى وضع ديموقراطي حقيقي يحترم حقوق الإنسان فعلا وإلى دولة المؤسسات وسيادة القانون لا يتم بمجرد الإعلان عن ذلك وإصدار عدد من القوانين وأوامر الإصلاح أو التطوير أو رعاية مصالح الشعب وتغيير بالأسماء والشخصيات بل لا بد من تغيير حقيقي بالبنية القانونية التي صيغت عبر العقود الماضية والتي شكّلت حلقة متينة تخنق المجتمع ولا بد من إلغاء كل القيود التي وضعت على حركة المجتمع والتي تتمثل بنيتها الأساسية بالقوانين التي سبق ذكرها وإن الإعلان عن إطلاق طاقات المجتمع قبل إلغاء وتعديل هذه الآلية القانونية مجرد كلام لا يسمن أو يغني من جوع ولا يكفي أن نتناول واحد من هذه القوانين بالتعديل أو التغيير وإنما ينبغي مناقشتها ككل واحد لأنها آلية متكاملة وحلقات متسلسلة مترابطة لا يمكن التحرر منها إلا بتغييرها الشامل .
المحامي أنور البني