yass
29/10/2008, 03:03
لطالما اعتقدت أن الغضب هو الحالة التي تجعل الإنسان في أقسى حالات ضعفه, إذ ليس هناك ما هو أسهل من أذى من هو غاضب, فدفاعه منهار تماما و أوراقه "على الطاولة", و اللامنطقية و اللاعقلانية تسودان تفكيره.. في حال وجوده.
غالبا ما يستميت الغاضب في محاولة أذى مصدر غضبه, حتى لو كان بشكل انتحاري... و غالبا ما يؤذي الغاضب نفسه أكثر من أذاه لهذا المصدر, الذي يبتهج لرؤيته قد حقق مراده في "إغضاب" خصمه.
أستطيع أن أقضي الساعات الطوال و أنا أتحدث عن سيكولوجيا الغضب, و سيكون حديثي نابعا عن تجربة شخصية لمن يعتبر نفسه مريضا بالغضب, يحاول أن يتعافى من هجمات نوباته و يكاد ينجح... لكن مرادي من هذه السطور هو إسقاط نظرية الغضب الفردي على مجتمع بأكمله, و كيف يتحوّل سلوك الأفراد ضمن مجتمع "غاضب".
كما ذكرت في البداية, الغاضب إنسان عاجز على التفكير المنطقي العقلاني, و يحوّل حواسه و أفكاره جميعها باتجاه مصدر الغضب فقط, و يعتبر هذا المصدر هو مشكلته الوحيدة و إنهاؤه مهمة مقدسة. و لذلك, باستخدام الطرق النفسية الملائمة, فإن الغاضب يمكن أن يكون سلاحا فعّالا جدا بيد من ينجح بتوجيه غضب هذا الشخص نحو هدف معيّن, أو إقناعه بأن مصدر غضبه هو شيء محدد, لهدف ما.
و بنفس الطريقة التي تتم فيها السيطرة على الأفراد, يُسيطر فيها على الجماعات, بل قد تكون السيطرة على الجماعة أسهل حتى, باستخدام الهستيريا الجماعية التي تغلّف العقول بشكل خفي و دون أي فرصة للمقاومة.
على مر التاريخ, علم الحكام و الزعماء بأهمية الغضب و ضرورة معرفة إدارته لتوجيه الشعوب باتجاه معين, لأغراض عديدة تصب دائما في نفس البحر: البقاء على الكرسي. و لذلك, فقد تعلّموا على كيفية خلق الغضب و قولبته كما يرغبون.. و كذلك السيطرة عليه بإبقاءه ضمن حدود لا يجب أن يتجاوزها, لأن الغضب سلاح ذو حدين, و من السهل أن ينقلب السحر على الساحر. و المطلوب هو السيطرة على الشعب بإغضابه و بالتالي إضعاف حجته المنطقية, لا أكثر.
لخلق الغضب, يعتمد الطاغية على مزيج من المشاعر الجماعية تتداخل و تخلق شبكة نفسية معقّدة يوقع فيها غالبية أفراد الشعب إن كان بطريقة مباشرة أم غير مباشرة, و يوظّف في سبيل ذلك جميع الآليات الإعلامية و الديماغوجيا المتاحة, و التي تكون أكبر بطبيعة الحال في الدول التوتاليتارية و الديكتاتورية, و تنخفض في المجتمعات الديمقراطية.
يجدر الذكر أن سيكولوجيا الغضب الجماعي ليست مقتصرة على المجتمعات الأسيرة تحت براثن الديكتاتورية, فقد تجدها في أكثر المجتمعات ديمقراطية "نظريا", و لكن بدرجات أقل بطبيعة الحال.
هناك عاملان أساسيان من السهل استخدامهما لتوليد الغضب الجماعي, و لا نتحدث عن عوامل معزولة و منفصلة بل أنها قد تكون متداخلة و أحيانا ليس من السهل التفريق بينها, لكن الفرق جوهري, حسب الحالة التي نتحدث عنها.
العامل الأول هو خلق الغضب باستخدام شعور الكراهية و الحقد, و خصوصا في المجتمعات المهزومة. و لكي نتعرّف على هذا العامل بشكل جيد يجب أن نفكر بشكل شامل بسيكولوجيا الهزيمة. فالمهزوم دائما مستعد لسماع من يرفع عنه مسؤولية الهزيمة ليعلّقها على عاتق مذنب آخر حتى لو كان خياليا. فنجد الطاغية يوجّه أصابع الاتهام نحو أشياء تبعد عنه و عن الظروف التي خلقها أو حتى تلك التي يريد المحافظة عليها رغم أنه لم يخلقها المسؤولية. و قد يكون المُتهم داخلي أو خارجي, أو كلاهما. و كثيرا ما نجد هذه الطريقة في خلق الغضب في الخطاب القومي و الشوفيني, فدائما أفراد القومية هم ملائكة الله على الأرض و لا يخطئون, و دائما الهزيمة ناتجة عن أعداء القومية من خونة و أعداء خارجيين و ليس بسبب سوء التصرّف.
لا داعي لذكر أمثلة عن هذا النوع, تكفي الدعوة لقراءة أي خطاب لأي زعيم قومي لشعب عانى من ويلات الهزيمة في العالم, من هتلر و حتى صدام حسين, كي يعرف القارئ عما أتحدث.
هذا العامل يعاني من خطر انتهاء الصلاحية بشكل مبكر, و خاصة في حال تم القضاء على المصدر المسؤول عن الهزيمة حسب الخطاب الأولي و تكررت الهزيمة بعد ذلك, فمن المسؤول الآن؟
العامل الثاني, و الأكثر سهولة حتى.. هو ثقافة الخوف و الاستهداف.. يكفي زرع الخوف بطرق قد تبدو معقّدة و صعبة, لكنها أسهل و أبسط بكثير مما يبدو, في الفكر الشعبي, و ايهام أننا (رغم كل سلبياتنا) أفضل مدافع عن الشعب ضد هذا الوحش الذي يستهدفه و يريد افتراسه. و نكون قد حققنا ما قد تعجز عنه الجيوش الجبارة.
هذه الطريقة في السيطرة على الفكر الشعبي هي أخطر و أحقر و أوضع طريقة يمكن أن يصل إليها العقل الماكيافيللي للحاكم.. لأنها أشد فعالية بالتنويم المغناطيسي, و خليط الخوف من العدو الرابض الذي ينتظر غفلة منا لنهش لحمنا, و الغضب من هذا العدو و من كل ما يمكن ربطه به بطريقة ما, هو خلطة مواد متفجرة خطيرة جدا. فالخوف يعم, و أشبّهه بالرمال المتحركة التي كلما حاولت الخروج منها, كلما سحبتك أكثر نحو الأسفل.
من مساوئ الغاضب الكثيرة أنه لا يقبل الحياد و لا حتى اختلاف الفكرة حتى لو كان الهدف واحدا, فالغضب يعمي البصر و البصيرة, و يجعل أسيره يعترف بموقفين فقط: "معي أو ضدي".. و مجرد محاولة إيضاح أنك معه و لكن تعتقد أنه مخطئ في تصرّفه.. كي تنال نعوتا تخوينية و اتهامات بالعمالة. و هذا الأمر يساعد الطاغية على أن ينشر الشعب ثقافة الخوف بنفسه, إذ يكفي أن يرمي البذرة, و يتركها تنمو و تنشر جذورها, و يصبح الشعب هو الرقيب و الحسيب.. لحسابه
أمثلة؟ الولايات المتحدة مثلا, و خطاب المحافظين الجدد, هذا أوضح مثال أجده لهذه الحالة, عندما يتحدثون عن استهداف بلدهم و أسلوب حياتهم من قبل "الشيوعية" سابقا, ثم التنظيمات الاسلامية و الأنظمة "المارقة" حاليا.
أما أمثلة عن استخدام الطريقتين في ذات الوقت, فلنأخذ أي خطاب لأي نظام عربي, و خصوصا دول "الرفض والممانعة" لنجدهما بأوضح صورهما.
طبعا من البديهي ذكر أن نظريات المؤامرة تظهر في هذه الحالات بأسخف أشكالها.. و يتقبّلها الجمهور بشكل استهلاكي ملفت للنظر, و مسبب للأسى و الأسف.
ليس سهلا أبدا التعامل مع الغضب الاجتماعي, و خصوصا إن خدمت الظروف الطاغية و أعطته مصداقية و لو ظاهرية. لكن حالة الغضب لا يمكن أن تكون دائمة, و من السهولة أن تنقلب ضد من يستخدمها. و خصوصا إن أخطأ باستخدامها أو بالغ في ذلك, فعندها يبقى الأمل أن يستفيق قطّاع مؤثر من المجتمع من هذا التنويم المغناطيسي, و يوجّهوا باقي الأفراد نحو الحقيقة.. هذه التي تظهر دائما مهما حاولوا دفنها تحت ركام القهر.
Yass
غالبا ما يستميت الغاضب في محاولة أذى مصدر غضبه, حتى لو كان بشكل انتحاري... و غالبا ما يؤذي الغاضب نفسه أكثر من أذاه لهذا المصدر, الذي يبتهج لرؤيته قد حقق مراده في "إغضاب" خصمه.
أستطيع أن أقضي الساعات الطوال و أنا أتحدث عن سيكولوجيا الغضب, و سيكون حديثي نابعا عن تجربة شخصية لمن يعتبر نفسه مريضا بالغضب, يحاول أن يتعافى من هجمات نوباته و يكاد ينجح... لكن مرادي من هذه السطور هو إسقاط نظرية الغضب الفردي على مجتمع بأكمله, و كيف يتحوّل سلوك الأفراد ضمن مجتمع "غاضب".
كما ذكرت في البداية, الغاضب إنسان عاجز على التفكير المنطقي العقلاني, و يحوّل حواسه و أفكاره جميعها باتجاه مصدر الغضب فقط, و يعتبر هذا المصدر هو مشكلته الوحيدة و إنهاؤه مهمة مقدسة. و لذلك, باستخدام الطرق النفسية الملائمة, فإن الغاضب يمكن أن يكون سلاحا فعّالا جدا بيد من ينجح بتوجيه غضب هذا الشخص نحو هدف معيّن, أو إقناعه بأن مصدر غضبه هو شيء محدد, لهدف ما.
و بنفس الطريقة التي تتم فيها السيطرة على الأفراد, يُسيطر فيها على الجماعات, بل قد تكون السيطرة على الجماعة أسهل حتى, باستخدام الهستيريا الجماعية التي تغلّف العقول بشكل خفي و دون أي فرصة للمقاومة.
على مر التاريخ, علم الحكام و الزعماء بأهمية الغضب و ضرورة معرفة إدارته لتوجيه الشعوب باتجاه معين, لأغراض عديدة تصب دائما في نفس البحر: البقاء على الكرسي. و لذلك, فقد تعلّموا على كيفية خلق الغضب و قولبته كما يرغبون.. و كذلك السيطرة عليه بإبقاءه ضمن حدود لا يجب أن يتجاوزها, لأن الغضب سلاح ذو حدين, و من السهل أن ينقلب السحر على الساحر. و المطلوب هو السيطرة على الشعب بإغضابه و بالتالي إضعاف حجته المنطقية, لا أكثر.
لخلق الغضب, يعتمد الطاغية على مزيج من المشاعر الجماعية تتداخل و تخلق شبكة نفسية معقّدة يوقع فيها غالبية أفراد الشعب إن كان بطريقة مباشرة أم غير مباشرة, و يوظّف في سبيل ذلك جميع الآليات الإعلامية و الديماغوجيا المتاحة, و التي تكون أكبر بطبيعة الحال في الدول التوتاليتارية و الديكتاتورية, و تنخفض في المجتمعات الديمقراطية.
يجدر الذكر أن سيكولوجيا الغضب الجماعي ليست مقتصرة على المجتمعات الأسيرة تحت براثن الديكتاتورية, فقد تجدها في أكثر المجتمعات ديمقراطية "نظريا", و لكن بدرجات أقل بطبيعة الحال.
هناك عاملان أساسيان من السهل استخدامهما لتوليد الغضب الجماعي, و لا نتحدث عن عوامل معزولة و منفصلة بل أنها قد تكون متداخلة و أحيانا ليس من السهل التفريق بينها, لكن الفرق جوهري, حسب الحالة التي نتحدث عنها.
العامل الأول هو خلق الغضب باستخدام شعور الكراهية و الحقد, و خصوصا في المجتمعات المهزومة. و لكي نتعرّف على هذا العامل بشكل جيد يجب أن نفكر بشكل شامل بسيكولوجيا الهزيمة. فالمهزوم دائما مستعد لسماع من يرفع عنه مسؤولية الهزيمة ليعلّقها على عاتق مذنب آخر حتى لو كان خياليا. فنجد الطاغية يوجّه أصابع الاتهام نحو أشياء تبعد عنه و عن الظروف التي خلقها أو حتى تلك التي يريد المحافظة عليها رغم أنه لم يخلقها المسؤولية. و قد يكون المُتهم داخلي أو خارجي, أو كلاهما. و كثيرا ما نجد هذه الطريقة في خلق الغضب في الخطاب القومي و الشوفيني, فدائما أفراد القومية هم ملائكة الله على الأرض و لا يخطئون, و دائما الهزيمة ناتجة عن أعداء القومية من خونة و أعداء خارجيين و ليس بسبب سوء التصرّف.
لا داعي لذكر أمثلة عن هذا النوع, تكفي الدعوة لقراءة أي خطاب لأي زعيم قومي لشعب عانى من ويلات الهزيمة في العالم, من هتلر و حتى صدام حسين, كي يعرف القارئ عما أتحدث.
هذا العامل يعاني من خطر انتهاء الصلاحية بشكل مبكر, و خاصة في حال تم القضاء على المصدر المسؤول عن الهزيمة حسب الخطاب الأولي و تكررت الهزيمة بعد ذلك, فمن المسؤول الآن؟
العامل الثاني, و الأكثر سهولة حتى.. هو ثقافة الخوف و الاستهداف.. يكفي زرع الخوف بطرق قد تبدو معقّدة و صعبة, لكنها أسهل و أبسط بكثير مما يبدو, في الفكر الشعبي, و ايهام أننا (رغم كل سلبياتنا) أفضل مدافع عن الشعب ضد هذا الوحش الذي يستهدفه و يريد افتراسه. و نكون قد حققنا ما قد تعجز عنه الجيوش الجبارة.
هذه الطريقة في السيطرة على الفكر الشعبي هي أخطر و أحقر و أوضع طريقة يمكن أن يصل إليها العقل الماكيافيللي للحاكم.. لأنها أشد فعالية بالتنويم المغناطيسي, و خليط الخوف من العدو الرابض الذي ينتظر غفلة منا لنهش لحمنا, و الغضب من هذا العدو و من كل ما يمكن ربطه به بطريقة ما, هو خلطة مواد متفجرة خطيرة جدا. فالخوف يعم, و أشبّهه بالرمال المتحركة التي كلما حاولت الخروج منها, كلما سحبتك أكثر نحو الأسفل.
من مساوئ الغاضب الكثيرة أنه لا يقبل الحياد و لا حتى اختلاف الفكرة حتى لو كان الهدف واحدا, فالغضب يعمي البصر و البصيرة, و يجعل أسيره يعترف بموقفين فقط: "معي أو ضدي".. و مجرد محاولة إيضاح أنك معه و لكن تعتقد أنه مخطئ في تصرّفه.. كي تنال نعوتا تخوينية و اتهامات بالعمالة. و هذا الأمر يساعد الطاغية على أن ينشر الشعب ثقافة الخوف بنفسه, إذ يكفي أن يرمي البذرة, و يتركها تنمو و تنشر جذورها, و يصبح الشعب هو الرقيب و الحسيب.. لحسابه
أمثلة؟ الولايات المتحدة مثلا, و خطاب المحافظين الجدد, هذا أوضح مثال أجده لهذه الحالة, عندما يتحدثون عن استهداف بلدهم و أسلوب حياتهم من قبل "الشيوعية" سابقا, ثم التنظيمات الاسلامية و الأنظمة "المارقة" حاليا.
أما أمثلة عن استخدام الطريقتين في ذات الوقت, فلنأخذ أي خطاب لأي نظام عربي, و خصوصا دول "الرفض والممانعة" لنجدهما بأوضح صورهما.
طبعا من البديهي ذكر أن نظريات المؤامرة تظهر في هذه الحالات بأسخف أشكالها.. و يتقبّلها الجمهور بشكل استهلاكي ملفت للنظر, و مسبب للأسى و الأسف.
ليس سهلا أبدا التعامل مع الغضب الاجتماعي, و خصوصا إن خدمت الظروف الطاغية و أعطته مصداقية و لو ظاهرية. لكن حالة الغضب لا يمكن أن تكون دائمة, و من السهولة أن تنقلب ضد من يستخدمها. و خصوصا إن أخطأ باستخدامها أو بالغ في ذلك, فعندها يبقى الأمل أن يستفيق قطّاع مؤثر من المجتمع من هذا التنويم المغناطيسي, و يوجّهوا باقي الأفراد نحو الحقيقة.. هذه التي تظهر دائما مهما حاولوا دفنها تحت ركام القهر.
Yass