باشق مجروح
06/10/2008, 00:54
هل قدرنا اما ان نكون مظلومين ومغلوب على أمرنا أو أن نكون ظالمين قساة القلوب متجمدي المشاعر . كيف يجب ان نربي أطفالنا في هذا العصر . هل سُحقت كل مفاهيم التسامح والمحبة ؟ . من هم الوسط في بلادنا ؟ .
أترككم الآن مع مقالة بعنوان ( الصيادون والفريسة ) تحمل نفس المعنى ولكن بحرقة ألم من بلد الآلام . الكاتبة العراقية : سلام خياط .
وأترك لكم التعليق والجواب على سؤالي :
الصيادون والفريسة
أما من خيار ثالث أمام إنسان هذا العصر إلّا أن يكون ثاني اثنين؛ إما جلاداً وإما ضحية؟
حين كان في الرابعة من العمر، جاءني مغبر الثياب والركبتين، مضرّج الخدين، منتشيا، مفاخرا، إنه أوقع صديقه أرضا وسلبه لعبته وحلواه، لأنه نابزه وشتمه، ورفض اللعب معه. يومها عنّفته، وصحبته إلى بيت الجار، ليردّ لصديقه لعبته، ويعتذر منه، ويتقاسم معه شطيرة حلواه، ويعقد معه عرى صداقة لا تفصمها الحزازات.
حين صار في السادسة، نحّيت عن طريقه كل أنواع اللعب الحادة، والجارحة، والحارقة. ويوم ضبطته مستعيرا مسدس الخشب من صديقه ليلعبا لعبة الشرطة والحرامية، أخذته باللوَم والزجر، وبدل المسدس ورشاشات النار، ملأت أدراج صناديقه بـ«الليكو والميكانو»، لعب الشد والحل والربط، ومكعبات الأرقام والحروف وخرائط تجميع الصور، وألبومات الطوابع من شتى بقاع المعمورة، عبأت جيوبه بالحلوى، واستبدلت بالنطاق المحشو بالرصاص «الخُلب» حقيبة ملأى بالأقلام الملونة، وصور عواصم العالم، وسير حياة النوابغ.
في التاسعة، بدأت لعبة الملاكمة تستهويه. فمجّدت قوته العضلية عن ذاك العبث، وقدّست كفيه وسيلة لحل المشاكل بالعنف، وصحبته إلى حيث يضع أنامله على أزرار البيانو، ليكتشف السر في همس العشاق، وصدح العنادل، وهدير الشلال.
في الحادية عشرة، زينت له اختيار أصدقائه بالاختبار، وحكيت له طويلا عن أصدقاء السوء، والفحمة التي لا تحرق، ولكنها تلوث الثوب والسيرة والسريرة.
في الثانية عشرة، عاقبته بالحرمان من المصروف اليومي، والذهاب في السفرة المدرسية، لأنه كذب على المعلمة، ووشى بصديقه عند مدير المدرسة، وحاول الغش بالامتحان.
في الثالثة عشرة، ملأت كفيه بحفنة قمح وصحبته للحديقة ليتعلم الصبر، ويتعمّد بالانتظار، وليشهد معجزة الحبة التي تستوي سنبلة، والسنابل تغدو بيادر قمح.
في الرابعة عشرة وضعته على سلالم المكتبة، فتعرّف على أصدقاء كبار، علماء وأدباء، وفلاسفة وأهل فن، علموه الكثير، ومحضوه النصيحة، وصاروا له أصحابا، وغدت صحبة كتاب معرفي، آثر لديه من أصدقاء سوء، أو جلسة ثرثرة.
في الخامسة عشرة صححت له مقولة جده القديمة: «خير لك أن تنام مظلوما من أن تنام ظالما» بأخرى: «حاذر مرة أن تنام ظالما، وحاذر ألف مرة أن تنام مظلوما».
في العشرين أخذت أرقب بزهو تلك البذرة-الشجرة، رجلا يافعا، سديد الرأي، ينضج بالتجربة، ويتطاول بالمعرفة، يغالب الصعاب بالصبر والحلم والحكمة، يحب بيته الصغير (عائلته الكبيرة)، ويعشق بيته الكبير بحجم حدقة العين (بلده).. لا يعتدي ولا يسمح بالاعتداء عليه، لا يغش، لا يكذب، نظيف اليدين نقي السريرة، يمور ثقة، ينشد الجمال، يتوق لأن يعم السلام البشرية، ولأن تتوزع العدالة على بني الإنسان.
نمت بعدها رغدا، وما نمتُ.. فقد صحوت ذات فجر على قرقعة طرق على الباب عنيف. ثم رأيت أناسا غرباء، يتطاير الشرر من عيون غير الملثّمين منهم، يقتحمون البيت من كل جانب، من الباب والشبابيك، يتحدثون لغة لا أتبيّنها، يحملون الهراوات ويصوّبون أسلحتهم النارية على كل ما هو قائم، مزّقوا الكتب، كسروا أواني الزهر، بعثروا محتويات الأدراج، هشّموا أنامل البيانو، ثـم.. اتجهوا إلى حيث يجلس ولدي إزاء الكومبيوتر وأوثقوه بالحبال، وبدؤوا يوسعونه ضربا وركلا، ويدفعونه خارجا.. حاولت منعهم سدى، كانوا مسلحين غلاظاً، وولدي أهيف ومرهف وأعزل إلا من المعرفة والآمال.. سدى حاولت الصراخ: دافع يا ولدي عن نفسك، رد على صفعاتهم بمثلها، وعلى قسوتهم بأمثالها. نظر لي معاتباً، ومدّ يده البيضاء الناحلة المضرّجة بالدم: أنت التي مجّدت يدي عن إتيان العنف، وقلبي عن حمل الضغائن، أنت من خدعتني بالقول: إنّ السلام طريق السلامة.. أنت التي....
حينما صحوت كانت المخدة مبللة بالدمع، وأنا في لندن، وابني في بغداد، يعمل ويأمل. والأخبار تفبرك حسب مشيئة الإعلام الموجه؛ ومذيع النشرة الصباحية، يلقي الخبر بدم بارد: «ألقي القبض فجر هذا اليوم على عصابة للإرهابيين، بينما قصفت القوات المشتركة بطريق الخطأ مدرسة لرياض الأطفال، مما تسبب بقتل بعضهم وإصابة العديد منهم بجروح خطيرة». نسي المذيع أو تناسى أن يتم الجملة: كانت حقائبهم ملأى بالأحلام البريئة، وكانوا في طريقهم للمدرسة.
وأكرر سؤال الكاتبة :
أما من خيار ثالث أمام إنسان هذا العصر إلّا أن يكون ثاني اثنين؛ إما جلاداً وإما ضحية؟
أترككم الآن مع مقالة بعنوان ( الصيادون والفريسة ) تحمل نفس المعنى ولكن بحرقة ألم من بلد الآلام . الكاتبة العراقية : سلام خياط .
وأترك لكم التعليق والجواب على سؤالي :
الصيادون والفريسة
أما من خيار ثالث أمام إنسان هذا العصر إلّا أن يكون ثاني اثنين؛ إما جلاداً وإما ضحية؟
حين كان في الرابعة من العمر، جاءني مغبر الثياب والركبتين، مضرّج الخدين، منتشيا، مفاخرا، إنه أوقع صديقه أرضا وسلبه لعبته وحلواه، لأنه نابزه وشتمه، ورفض اللعب معه. يومها عنّفته، وصحبته إلى بيت الجار، ليردّ لصديقه لعبته، ويعتذر منه، ويتقاسم معه شطيرة حلواه، ويعقد معه عرى صداقة لا تفصمها الحزازات.
حين صار في السادسة، نحّيت عن طريقه كل أنواع اللعب الحادة، والجارحة، والحارقة. ويوم ضبطته مستعيرا مسدس الخشب من صديقه ليلعبا لعبة الشرطة والحرامية، أخذته باللوَم والزجر، وبدل المسدس ورشاشات النار، ملأت أدراج صناديقه بـ«الليكو والميكانو»، لعب الشد والحل والربط، ومكعبات الأرقام والحروف وخرائط تجميع الصور، وألبومات الطوابع من شتى بقاع المعمورة، عبأت جيوبه بالحلوى، واستبدلت بالنطاق المحشو بالرصاص «الخُلب» حقيبة ملأى بالأقلام الملونة، وصور عواصم العالم، وسير حياة النوابغ.
في التاسعة، بدأت لعبة الملاكمة تستهويه. فمجّدت قوته العضلية عن ذاك العبث، وقدّست كفيه وسيلة لحل المشاكل بالعنف، وصحبته إلى حيث يضع أنامله على أزرار البيانو، ليكتشف السر في همس العشاق، وصدح العنادل، وهدير الشلال.
في الحادية عشرة، زينت له اختيار أصدقائه بالاختبار، وحكيت له طويلا عن أصدقاء السوء، والفحمة التي لا تحرق، ولكنها تلوث الثوب والسيرة والسريرة.
في الثانية عشرة، عاقبته بالحرمان من المصروف اليومي، والذهاب في السفرة المدرسية، لأنه كذب على المعلمة، ووشى بصديقه عند مدير المدرسة، وحاول الغش بالامتحان.
في الثالثة عشرة، ملأت كفيه بحفنة قمح وصحبته للحديقة ليتعلم الصبر، ويتعمّد بالانتظار، وليشهد معجزة الحبة التي تستوي سنبلة، والسنابل تغدو بيادر قمح.
في الرابعة عشرة وضعته على سلالم المكتبة، فتعرّف على أصدقاء كبار، علماء وأدباء، وفلاسفة وأهل فن، علموه الكثير، ومحضوه النصيحة، وصاروا له أصحابا، وغدت صحبة كتاب معرفي، آثر لديه من أصدقاء سوء، أو جلسة ثرثرة.
في الخامسة عشرة صححت له مقولة جده القديمة: «خير لك أن تنام مظلوما من أن تنام ظالما» بأخرى: «حاذر مرة أن تنام ظالما، وحاذر ألف مرة أن تنام مظلوما».
في العشرين أخذت أرقب بزهو تلك البذرة-الشجرة، رجلا يافعا، سديد الرأي، ينضج بالتجربة، ويتطاول بالمعرفة، يغالب الصعاب بالصبر والحلم والحكمة، يحب بيته الصغير (عائلته الكبيرة)، ويعشق بيته الكبير بحجم حدقة العين (بلده).. لا يعتدي ولا يسمح بالاعتداء عليه، لا يغش، لا يكذب، نظيف اليدين نقي السريرة، يمور ثقة، ينشد الجمال، يتوق لأن يعم السلام البشرية، ولأن تتوزع العدالة على بني الإنسان.
نمت بعدها رغدا، وما نمتُ.. فقد صحوت ذات فجر على قرقعة طرق على الباب عنيف. ثم رأيت أناسا غرباء، يتطاير الشرر من عيون غير الملثّمين منهم، يقتحمون البيت من كل جانب، من الباب والشبابيك، يتحدثون لغة لا أتبيّنها، يحملون الهراوات ويصوّبون أسلحتهم النارية على كل ما هو قائم، مزّقوا الكتب، كسروا أواني الزهر، بعثروا محتويات الأدراج، هشّموا أنامل البيانو، ثـم.. اتجهوا إلى حيث يجلس ولدي إزاء الكومبيوتر وأوثقوه بالحبال، وبدؤوا يوسعونه ضربا وركلا، ويدفعونه خارجا.. حاولت منعهم سدى، كانوا مسلحين غلاظاً، وولدي أهيف ومرهف وأعزل إلا من المعرفة والآمال.. سدى حاولت الصراخ: دافع يا ولدي عن نفسك، رد على صفعاتهم بمثلها، وعلى قسوتهم بأمثالها. نظر لي معاتباً، ومدّ يده البيضاء الناحلة المضرّجة بالدم: أنت التي مجّدت يدي عن إتيان العنف، وقلبي عن حمل الضغائن، أنت من خدعتني بالقول: إنّ السلام طريق السلامة.. أنت التي....
حينما صحوت كانت المخدة مبللة بالدمع، وأنا في لندن، وابني في بغداد، يعمل ويأمل. والأخبار تفبرك حسب مشيئة الإعلام الموجه؛ ومذيع النشرة الصباحية، يلقي الخبر بدم بارد: «ألقي القبض فجر هذا اليوم على عصابة للإرهابيين، بينما قصفت القوات المشتركة بطريق الخطأ مدرسة لرياض الأطفال، مما تسبب بقتل بعضهم وإصابة العديد منهم بجروح خطيرة». نسي المذيع أو تناسى أن يتم الجملة: كانت حقائبهم ملأى بالأحلام البريئة، وكانوا في طريقهم للمدرسة.
وأكرر سؤال الكاتبة :
أما من خيار ثالث أمام إنسان هذا العصر إلّا أن يكون ثاني اثنين؛ إما جلاداً وإما ضحية؟