omarov
20/08/2005, 02:12
الحصول على رقبة طويلة .. يتطلب مجهوداً شاقاً يبدأ منذ سن الطفولة .. ولكن هذا العنصر الذي يعتبر مقياساً للجمال .. وضمانة العثور على العريس المناسب .. جعل بعض النسوة يقعن فريسة سهلة لرجل اعمال تايلاندي خبيث استطاع ان يحتجز بالقوة (33) من النسوة والفتيات الصغار في حديقة حيوانات بشرية يزورها السياح .. حيث يدفع كل سائح مبلغاً يتراوح ما بين 5 - 10 دولارات مقابل قضاء وقت ممتع والتقاط صورة نادرة مع واحدة من هؤلاء الفتيات والنسوة الذي يطلق عليهن لقب " النسوة الزرافات " .
افاقت الطفلة الصغيرة "ماها فلي" من نومها مبكرة ، فبحثت عن جدتها "مو كي " ولكنها لم تجدها .. وكعادتها ادركت الطفلة الصغيرة بأن جدتها لا بد وان تكون ذهبت لاحضار الماء من بئر القرية التابع لقبيلة "البادونج " البورمية التي تنتمي اليها الطفلة "ماها فلي " .. وجدَّتها " مو كي "... وتعرف نساء هذه القبيلة بلقب " النساء الزرافات " بسبب طول اعناقهن الذي يحصلن عليه بعد سنوات طويلة من استعمال الطوق النحاسي ، وغالباً ما تبدأ الفتاة في استعمال هذا الطوق منذ سن الخامسة .
وكسائر فتيات القبيلة فإن "ماها فلي " كانت ترتدي طوقاً نحاسياً حول رقبتها ، ولهذا السبب كانت الصغيرة تنتظر عودة جدتها لمساعدتها في حمامها اليومي ولتنظيف الطوق النحاسي الثقيل ، فبحكم سنها لا تستطيع الفتاة الصغيرة تنظيف نفسها دون معونة خارجية . وبالاضافة للطوق الثقيل حول الرقبة فأن الفتيات يرتدين اطواقاً مشابهة حول معصم اليد وفي السيقان .
اسطورة .. وراء عادة الطوق
تنتشر في قبيلة البادونج عدة اساطير تقف وراء استعمال عادة الطوق النحاسي حول الرقبة .. ولكن الاسطورة الوحيدة التي يكاد يتفق عليها جميع افراد قبيلة " البادونج " الواقعة في احدى التلال الواقعة على الحدود بين بورما وتايلاند تقول : " انه في سالف العصر والآوان خرجت اجمل امرأة من هذه القبيلة لاحضار المياه من البئر القريب من سكن القبيلة وفي طريق عودتها هاجمها نمراً متوحشاً ، فسحبها من منطقة الحنجرة الى بيته حيث افترسها هو واولاده .. فأصبح من الشائع عند افراد هذه القبيلة ان النمر يهاجم النساء ويسحبهن من منطقة الحنجرة .. وحتى لا تتكرر قصة الضحية قررت نساء القبيلة ان يحمين منطقة الحنجرة بواسطة الاطواق النحاسية عن طريق لف هذه الاطواق حول منطقة العنق كاملة "
اما اليوم فلم تعد اسطورة النمر تعني شيئاً للنساء .. وأكثر ما اصبح يعنيهن هو العنصر الجمالي الذي يكتسبنه من استعمال الطوق ، حيث يتسبب استعماله في زيادة طول الرقبة الى الضعف وهو امر يلاقي استحسان جميع الرجال من هذه القبيلة الذين نادراً ما يتزوجون من نساء لا يرتدين الطوق ، لأن المرأة ذات الرقبة القصيرة تعتبر قبيحة من وجهة نظرهم .. فأصبحت جميع النسوة يحرصن على تطويق اعناق بناتهن بهذا الطوق النحاسي الثقيل حتى لا يفقدن فرصة الزواج في المستقبل .
لبس الطوق .. معاناة وعذاب مستمر !
ان لف الطوق النحاسي حول عنق فتاة قبيلة "البادونج" يشكل لها عذاباً يومياً وتشوهاً في العنق يرافقها مدى الحياة .. فالطوق الذي يبدأ بالالتفاف حول عنق الفتاة منذ بلوغها سن الخامسة يزداد في الوزن تدريجياً كلما زاد عمر الفتاة عن طريق اضافة لفة نحاسية اضافية كل ستة اشهر ، وبوصول الفتاة الى سن البلوغ تصبح عدد لفات هذا الطوق (20) لفة اما وزنه فيبلغ (10 كيلوغرامات) ترافق الفتاة مدى العمر .. ويتسبب هذا الوزن في تشويه العنق والعمود الفقري .
ويتوجب على فتيات " البادونج" السير بحذر ، لأن اية حركة مفاجأة تؤدي الى احتكاك الطوق بالرقبة بشكل مؤلم .. ويتوجب على كل فتاة ان تنظف الطوق بحيث يبدو لامعاً على الدوام ، ويتم التنظيف باستعمال مسحوق الغسيل العادي ولكن عوضاً عن الليفة تستعمل النساء اوراق عريضة من الاشجار يقمن بإداخلها بين لفات الطوق وفركه جيداً حتى يصبح لامعاً وبراقاً يجلب الانظار.
وبسبب الزاوية المستقيمة التي يتخذها وضع العنق يصبح من المستحيل على فتاة الباندونج تحريك رأسها للاسفل للنظر نحو قدميها .. ومن المستحيل ان تستطيع امرأة البادونج رؤية وجه رضيعها اثناء الرضاعة .. اما اذا رغبت في شرب الماء فيتوجب عليها الاستعانة بمصاصة طويلة وفي المساء تضطر صاحبة الطوق الى استعمال وسادة مرتفعة .
النساء يعملن اكثر من الرجال
ورغم الوقت الزائد الذي تحتاجه فتاة البادونج للاغتسال وارتداء الملابس بسبب الاعاقة التي يسببهاالطوق الثقيل ، إلا ان ذلك لا يعفيها من الذهاب مبكراً الى غابات وحقول بورما الشمالية لمزاولة اعمال الزراعة والحصاد وجمع الاحطاب .. والنساء في قبيلة البادونج يبذلن جهداً شاقاً في حياتهن اليومية يساوي اضعاف ما يبذله الرجال المشهورين بالكسل والاعتماد على النساء ، بل ان اغلبهم يفضلون البقاء في المنزل والاستمتاع بنوم الصباح ومزاولة بعض الالعاب فيما بينهم في انتظار عودة نساؤهم وبناتهم من الحقول . فالمرأة في قبيلة البادونج تقوم بالعمل في الحقل وتقوم بالطبخ والتنظيف والغسيل والاعتناء بالاطفال ويستمر يوم العمل بالنسبة لها من طلوع الفجر وحتى ما بعد الغروب .
القديس .. يحدد صلاحية الفتاة للبس الطوق
اشد ما يؤلم الام في هذه القبيلة هو حرمان ابنتها من فرصة لبس الطوق .. فهناك قسم من الفتيات يمنعن من لبس هذا الطوق بناءاً على توصيات قديس القبيلة الذي يحدد صلاحية ومقدرة الفتاة على تحمل عذاب الطوق .. اما تقديرات القديس فتأتي بعد ان يقوم بالاجتماع مع " مجلس الارواح " الذين يستدعيهم ويطلب مشورتهم في حالة كل فتاة على حدة .
فعند بلوغ فتاة او اكثر سن الخامسة وهو السن الذي يتوجب على الفتاة البدء في لبس الطوق يقوم الاهل بإستدعاء القديس وخلال حفل جماعي يشارك فيه معظم سكان القبيلة يصار الى طبخ وجبة شهيرة تتكون من عظام الدجاج .. فيقوم القديس بإلقاء نظرة على شكل عظام الدجاج المطبوخة ومن ثم يعقد اجتماعه المغلق مع الارواح .. وبعد ذلك يخرج ليعلن للاهل اذا ما كانت ابنتهم قادرة على لبس الطوق او انها غير مؤهلة لهذه المهمة .. وحكم القديس هذا هو موضع احترام لدى سكان القبيلة .. فالفتاة التي يحكم عليها القديس بعدم لبس الطوق تبقى هكذا طوال العمر بدون طوق .
اما اذا قرر القديس صلاحية الفتاة للبس الطوق .. فيبدأ الاهل باجراء الخطوات الاولية المتمثلة في دهن رقبة ابنتهم بمرهم خاص ويقومون بعمل المساجات اللازمة لفترة تمتد عدة ساعات .. ومن ثم يُلف عنقها بعدد قليل من الحلقات وبعد مرور شهرين تتم زيادة حلقة اضافية ويستمر اضافة الحلقات الاضافية وعند سن البلوغ يجب ان يكون عدد الحلقات قد وصل الى (20) حلقة بوزن مقداره (10) كيلوغرامات.
"البادونج" قبيلة مسالمة
تعتبر قبيلة البادونج جزء من قبيلة اكبر تسمى " قبيلة كاراني" وكانت الاراضي التي تسكنها هذه القبيلة قد شهدت معارك عصابات مستمرة منذ عام 1984 بحكم موقعها الملاصق لدولة تايلاند .. وفي فترة من الفترات قاتل رجال هذه القبيلة ضد حكومة بورما .. الامر الذي ادى قيام بورما بمحاربتهم ،فأضطر جزء كبير منهم الى الهرب الى دولة تايلاند المجاورة التي اسكنتهم في مخيمات خاصة للاجئين تشرف عليها وكالة الامم المتحدة .. وبعد هذا الهروب تشتت قبيلة البادونج بين دولتي بورما وتايلاند .
الوقوع في قبضة العصابة
الشوق للقاء الاهل جعل بعض سكان قبيلة البادونج القاطنين في بورما يقعون في قبضة عصابة يقودها احد رجال الاعمال التايلانديين الذي يدعى " تهانا ناكلوانج" .. فهذا النصاب الذي كان على اطلاع كبير على الواقع السياحي قرر انشاء حديقة حيوانات بشرية من "النساء الزرافات" لتكون محط انظار السياح القادمين من امريكا واوروبا واستراليا واسيا ... ومقابل قضاء وقت ممتع والتقاط الصور مع فتاة زرافة يقوم كل سائح بدفع مبلغ يتراوح بين ( 5 - 10 دولارات) .. فقام هذا النصاب وافراد عصابته بإستئجار مكان الحديقة المناسب ولم يتبقى عليهم سوى الحصول على الفتيات الزرافات لتكون حديقة الحيوانات البشرية قد اكتملت بإنتظار قدوم افواج السياح من مختلف انحاء العالم .
الامور سارت بشكل اسهل مما تصوره "تهانا ناكوانج" الذي استعان بأحد سكان بورما ليعمل كوسيط بينه وبين افراد قبيلة البادونج ليجلب له بعض النساء والفتيات الزرافات من هذه القبيلة ليفتتح بهن حديقة الحيوانات البشرية التي يعتمد عليها مشروعه السياحي .
استطاع الرجل البورمي ان يتسلل الى قبيلة البادونج وهناك وبعد بحث طويل استطاع العثور على عدد كبير من النسوة والفتيات اللواتي يرغبن بزيارة اهلهن القاطنين في مخيم اللاجئين في تايلاند واستطاع الاتفاق مع 33 امرأة وفتاة على تهريبهن عبر الحدود التايلاندية الى مخيم اللاجئين الذي يقطن فيه اقاربهن ومن ضمن افراد البادونج الـ 33 كانت الفتاة الصغيرة " ماها فلي" وجدتاها " مو كي " التي كانت بمثابة القائد لافراد القبيلة في رحلتهم نحو تايلاند.
هروب .. واختفاء
كان على النساء والفتيات الصغيرات من قبيلة البادونج ان يخلعن الاطواق من حول رقابهن حتى لا يتم التعرف عليهن من قبل حرس الحدود التايلانديين الذين يعرفون ان هذه الاطواق تميز سكان نساء قبيلة البادونج الحدودية .. وبعد مسيرة ساعات طويلة بين الوديان والجبال وصلت نساء القبيلة وفتياتها الى داخل تايلاند .. ومنذ تلك اللحظة اختفى اي خبر عن مكان وجود هذه الجماعة ... وابتدأت واحدة من مآسي البشرية العظام .. مأساة معاملة الانسان واستغلاله لمتعة السياح مقابل دولارات معدودة .
الوصول الى الحديقة
بعكس ما كانت تعتقده النسوة والفتيات .... فساعات السفر الشاقة ورحلة التسلل عبر الحدود لم تثمر عن لقاء الفتاة بأبيها او امها .. ولا عن لقاء المرأة مع ابنها او زوجها .. فالنساء والفتيات وجدن انفسهن داخل شاحنات سافرت بهن الى منطقة تدعى "بان سان توندو" حيث حديقة الحيوانات التي كان يعتزم "تهانا" وعصابته المكونة من مكاتب سياحية واشخاص ذوو نفوذ في الحكومة التايلاندية استثمارها لجنى الاموال الطائلة من الدولارات التي سيدفعها السياح الاجانب مقابل زيارتهم الى اول حديقة حيوانات بشرية في آواخر القرن العشرين.
.. وبعد الوصول الى الحديقة أُجبرت النساء والفتيات على الاقامة في الحديقة وتم توزيعهن على مجموعة من الاكواخ المرتبة بنفس نظام اقفاص الحيوانات في اية حديقة عادية .. وتم توزيع الطعام والماء الذي يكفل لهن الاستمرار في الحياة ... وكانت سياط وبنادق حراس الحديقة جاهزة لقمع اي تمرد قد ينجم عن اي فرد من المجموعة .
وتم تلقين افراد مجموعة النسوة الزرافات بأن عليهن القيام مبكراً حيث ان يوم العمل سيبدأ من الساعة الثامنة صباحاً .. ويتوجب عليهن ان ينتشرن داخل اسوار الحديقة استعداداً لاستقبال الزوار وملاطفتهم والتقاط الصور معهم .
وصول الفوج السياحي الاول
بعد اسبوع من تجهيز الحديقة ، وبواسطة النشرات الدعائية والاعلانات عن حديقة " النساء الزرافات " التي كانت تقوم بها المكاتب السياحية في تايلاند وصلت الى الحديقة اربعة باصات تضم مجموعة من السياح الامريكان الذين قاموا بالتجوال في الحديقة بين النساء الزرافات والتقاط الصور معهن .. وكان يتعين على السائح ان يدفع خمس دولارات لقاء حضن المرأة او الفتاة الزرافة والتقاط صورة معها .. اما من كان يرغب بأكثر من ذلك فكان يتعين عليه دفع المزيد.
وبعد هذا الفوج السياحي فتحت باب السماء وبدأت افواج اخرى ممن سمعوا عن هذه الحديقة يزورون المكان ، فازدادت الافواج السياحية وهذه المرة كانت من دول اوروبا واستراليا واسيا .. وازدادت المبالغ الطائلة التي كانت تصب في جيوب تهانا واعوانه المشاركين في مؤامرة اهانة البشرية وتحقيرها الى هذه الدرجة التي يعجز عن وصفها اللسان .. وكما تقول "مو كي " لقد كانوا يقتربون منا ويشيرون الينا بإشارات تصاحبها ضحكات عالية كما لو كانوا يتعاملون مع القردة وحيوانات الشمبانزي .. ويبدو ان ترويج مكاتب السياحة لهذه الحديقة بإسم حديقة " النساء الزرافات" جعلتهم يعتقدون بالفعل بأننا فصيلة من الزراف .
احتياطات وقائية
وحتى يحافظ "تهانا" وعصابته على مصدر رزقهم قام المرتشون في مكتب العمل والهجرة التايلاندي بتسجيل النساء الزرافات في سجل العمال كعاملات رسميات استقدمهن "تهانا" لغرض عاملات قطف محاصيل التفاح ، لقاء اجر عبارة عن كميات من الرز وزيت الطبخ بالاضافة الى نصف دولار يومياً .
واعتاد تهانا القدوم مرة كل شهر الى حديقة الحيوانات راكباً سيارته الحديثة من طراز B.M.W لقبض الآف الدولارات التي تتجمع نتيجة زيارة الافواج السياحية ، اما باقي وقته فكان يمضيه في العاصمة بانكوك لغرض زيادة الدعاية والتنسيق مع المكاتب السياحية في سائر انحاء العالم لترتيب زيارة الوفود السياحية الى الحديقة .
بداية المتاعب ..
واصلت النساء الزرافات نضالهن من اجل التحرر من الحديقة ، ولم ييأسن مطلقاً من الفرج الذي سيأتي لا محالة .. وزاد من اصرارهن على ذلك موت واحدة منهن نتيجة الظروف الصحية الصعبة في الحديقة ، فقد ماتت "ماها بي" بعد اصابتها بآلام حادة في المعدة ولكن عدم توفر الدواء والاقتصار على اعطائها اقراص الاسبرين ادى بها الى النهاية المحتومة .. وبعد ان اصبحت محاولة الهرب من الحديقة من سابع المستحيلات بسبب الحراسة الشديدة التي يفرضها الحراس الذين ازداد عددهم مع ازدياد مدخولات الحديقة المادية .. بدأت النساء الزرافات يفكرن بطريقة اخرى .. فأهتدت احداهن الى فكرة جهنمية تتمثل استغلال اجهزة التسجيل التي تبث الموسيقى التي يرقصن عليها لزيادة متعة السياح .. ولم تكن فكرة التسجيل صعبة لأنه لم يخطر على بال الحراس بأن هذه التسجيلات ستُرسل بواسطة السياح الى ذويهن في قبيلة البادونج القاطنين في مخيم اللاجئين والذين ينتظرون قدومهن منذ اكثر من سنتين ومنذ اللحظات الاولى التي علموا بتسللهن الى تايلاند .. وكذلك فأن هذه الاشرطة ستصل الى عنوان قبيلة البادونج في بورما نفسها.
وفضلت النساء الزرافات ان تتم الاستعانة بالسياح من غير الاصل الاسيوي ، خشية ان يكون بعض هؤلاء الاسيويين قد حضروا للتجسس عليهن ولمعرفة خططهن في الهرب.
تحركات حكومية
اولى اشرطة التسجيل وصلت الى افراد قبيلة البادونج في بورما الذين قاموا بالاتصال بوكالة شؤون اللاجئين والتي قامت بتنظيم حملة اعلامية تهدف الى اجبار الحكومة على التدخل لدى السلطات التايلاندية للافراج عن النساء المحتجزات ولكن الحكومة خيبت ظن الجميع عندما بررت احتجاز النساء في تايلاند بتهمة التسلل غير المشروع والعمل غير الشرعي .
اما حكومة تايلاند نفسها فلم تحقق بالموضوع وانما اكتفت بأخذ غرامات مالية عن النساء المتسللات لقاء السماح ل"تهانا" باستمرار تشغيلهن في قطف التفاح والاعمال الزراعية وفقاً للاتفاقات المسجلة في مكتب العمل والهجرة التايلاندي .
وكانت الرشاوي والمبالغ المالية التي حصل عليها مختلف المسؤولون والمتنفذين في الحكومة التايلاندية كفيلة بالتعتيم على الموضوع ووضعه على الرف لعدة سنوات ... وهذا ما حصل عندما طلب "سودرات سيرويت" عضو جمعية حقوق الانسان التايلاندية من الحكومة التايلاندية بالتحقيق الجدي في الموضوع ، فكانت النتيجة تقرير مزيف ومفبرك قامت بتجهيزه اجهزة الشرطة ، يفند اداعاءات جمعية حقوق الانسان.
العدالة تتحقق !
لم تنقطع الضغوطات التي بدأت تمارس على الحكومة التايلاندية وهذه المرة من جمعيات حقوق الانسان في الخارج .. فأضطر رئيس الوزراء التايلاندي الى التحقيق في الموضوع بنفسه ، فارسل طاقماًمن مكتبه برئاسة سكرتيرته " لادوان ونج سونك " لزيارة مفاجئة الى هذه الحديقة التي اقامت الدنيا واقعدتها .. وكانت المفاجأة والنتائج تؤكد على الحقائق التي رفضت الحكومة التايلاندية تصديقها ... وبعد اجتماع سكرتيرة رئيس الوزراء مع " موكي " اخبرتها الاخيرة بقصة المعاناة التي عشنها على مدى سنتين وعن الظروف اللانسانية من قبل الحراس ...ومع رؤية السكرتيرة لاحدى النساء الحوامل من سكان الحديقة التي اجبرت على العمل رغم انها في الشهر التاسع من حملها ، لم يبقى هناك مجال لأي شك في طبيعة الحياة داخل الحديقة .
وبعد وقت قصير كانت قوات حكومية مسلحة تحاصر الحديقة .. حيث تم الافراج عن " النساء الزرافات" واعتقال "تهانا" وافراد عصابته .
وبدأت الحكومة حملة تحقيقات واسعة لمعرفة الاسباب التي ساعدت علي انشاء حديقة الحيوانات البشرية فوق الاراضي التايلاندية .. وشملت حملة الاعتقالات مسؤولين كبار في اجهزة الشرطة والداخلية .. اما بالنسبة للنساء الزرافات فقد قررت الحكومة عدم اعادتهن الى بورما بناءاً على طلبهن وخوفاً من ان يتعرضن للسجن او الاعدام بسبب تسللهن الى تايلاند .. الا ان مشكلتهن لا تزال عالقة.
ملاحظة:السائح يدفع (5-10) دولارات مقابل التقاط صورة مع " الفتاة الزرافة"
افاقت الطفلة الصغيرة "ماها فلي" من نومها مبكرة ، فبحثت عن جدتها "مو كي " ولكنها لم تجدها .. وكعادتها ادركت الطفلة الصغيرة بأن جدتها لا بد وان تكون ذهبت لاحضار الماء من بئر القرية التابع لقبيلة "البادونج " البورمية التي تنتمي اليها الطفلة "ماها فلي " .. وجدَّتها " مو كي "... وتعرف نساء هذه القبيلة بلقب " النساء الزرافات " بسبب طول اعناقهن الذي يحصلن عليه بعد سنوات طويلة من استعمال الطوق النحاسي ، وغالباً ما تبدأ الفتاة في استعمال هذا الطوق منذ سن الخامسة .
وكسائر فتيات القبيلة فإن "ماها فلي " كانت ترتدي طوقاً نحاسياً حول رقبتها ، ولهذا السبب كانت الصغيرة تنتظر عودة جدتها لمساعدتها في حمامها اليومي ولتنظيف الطوق النحاسي الثقيل ، فبحكم سنها لا تستطيع الفتاة الصغيرة تنظيف نفسها دون معونة خارجية . وبالاضافة للطوق الثقيل حول الرقبة فأن الفتيات يرتدين اطواقاً مشابهة حول معصم اليد وفي السيقان .
اسطورة .. وراء عادة الطوق
تنتشر في قبيلة البادونج عدة اساطير تقف وراء استعمال عادة الطوق النحاسي حول الرقبة .. ولكن الاسطورة الوحيدة التي يكاد يتفق عليها جميع افراد قبيلة " البادونج " الواقعة في احدى التلال الواقعة على الحدود بين بورما وتايلاند تقول : " انه في سالف العصر والآوان خرجت اجمل امرأة من هذه القبيلة لاحضار المياه من البئر القريب من سكن القبيلة وفي طريق عودتها هاجمها نمراً متوحشاً ، فسحبها من منطقة الحنجرة الى بيته حيث افترسها هو واولاده .. فأصبح من الشائع عند افراد هذه القبيلة ان النمر يهاجم النساء ويسحبهن من منطقة الحنجرة .. وحتى لا تتكرر قصة الضحية قررت نساء القبيلة ان يحمين منطقة الحنجرة بواسطة الاطواق النحاسية عن طريق لف هذه الاطواق حول منطقة العنق كاملة "
اما اليوم فلم تعد اسطورة النمر تعني شيئاً للنساء .. وأكثر ما اصبح يعنيهن هو العنصر الجمالي الذي يكتسبنه من استعمال الطوق ، حيث يتسبب استعماله في زيادة طول الرقبة الى الضعف وهو امر يلاقي استحسان جميع الرجال من هذه القبيلة الذين نادراً ما يتزوجون من نساء لا يرتدين الطوق ، لأن المرأة ذات الرقبة القصيرة تعتبر قبيحة من وجهة نظرهم .. فأصبحت جميع النسوة يحرصن على تطويق اعناق بناتهن بهذا الطوق النحاسي الثقيل حتى لا يفقدن فرصة الزواج في المستقبل .
لبس الطوق .. معاناة وعذاب مستمر !
ان لف الطوق النحاسي حول عنق فتاة قبيلة "البادونج" يشكل لها عذاباً يومياً وتشوهاً في العنق يرافقها مدى الحياة .. فالطوق الذي يبدأ بالالتفاف حول عنق الفتاة منذ بلوغها سن الخامسة يزداد في الوزن تدريجياً كلما زاد عمر الفتاة عن طريق اضافة لفة نحاسية اضافية كل ستة اشهر ، وبوصول الفتاة الى سن البلوغ تصبح عدد لفات هذا الطوق (20) لفة اما وزنه فيبلغ (10 كيلوغرامات) ترافق الفتاة مدى العمر .. ويتسبب هذا الوزن في تشويه العنق والعمود الفقري .
ويتوجب على فتيات " البادونج" السير بحذر ، لأن اية حركة مفاجأة تؤدي الى احتكاك الطوق بالرقبة بشكل مؤلم .. ويتوجب على كل فتاة ان تنظف الطوق بحيث يبدو لامعاً على الدوام ، ويتم التنظيف باستعمال مسحوق الغسيل العادي ولكن عوضاً عن الليفة تستعمل النساء اوراق عريضة من الاشجار يقمن بإداخلها بين لفات الطوق وفركه جيداً حتى يصبح لامعاً وبراقاً يجلب الانظار.
وبسبب الزاوية المستقيمة التي يتخذها وضع العنق يصبح من المستحيل على فتاة الباندونج تحريك رأسها للاسفل للنظر نحو قدميها .. ومن المستحيل ان تستطيع امرأة البادونج رؤية وجه رضيعها اثناء الرضاعة .. اما اذا رغبت في شرب الماء فيتوجب عليها الاستعانة بمصاصة طويلة وفي المساء تضطر صاحبة الطوق الى استعمال وسادة مرتفعة .
النساء يعملن اكثر من الرجال
ورغم الوقت الزائد الذي تحتاجه فتاة البادونج للاغتسال وارتداء الملابس بسبب الاعاقة التي يسببهاالطوق الثقيل ، إلا ان ذلك لا يعفيها من الذهاب مبكراً الى غابات وحقول بورما الشمالية لمزاولة اعمال الزراعة والحصاد وجمع الاحطاب .. والنساء في قبيلة البادونج يبذلن جهداً شاقاً في حياتهن اليومية يساوي اضعاف ما يبذله الرجال المشهورين بالكسل والاعتماد على النساء ، بل ان اغلبهم يفضلون البقاء في المنزل والاستمتاع بنوم الصباح ومزاولة بعض الالعاب فيما بينهم في انتظار عودة نساؤهم وبناتهم من الحقول . فالمرأة في قبيلة البادونج تقوم بالعمل في الحقل وتقوم بالطبخ والتنظيف والغسيل والاعتناء بالاطفال ويستمر يوم العمل بالنسبة لها من طلوع الفجر وحتى ما بعد الغروب .
القديس .. يحدد صلاحية الفتاة للبس الطوق
اشد ما يؤلم الام في هذه القبيلة هو حرمان ابنتها من فرصة لبس الطوق .. فهناك قسم من الفتيات يمنعن من لبس هذا الطوق بناءاً على توصيات قديس القبيلة الذي يحدد صلاحية ومقدرة الفتاة على تحمل عذاب الطوق .. اما تقديرات القديس فتأتي بعد ان يقوم بالاجتماع مع " مجلس الارواح " الذين يستدعيهم ويطلب مشورتهم في حالة كل فتاة على حدة .
فعند بلوغ فتاة او اكثر سن الخامسة وهو السن الذي يتوجب على الفتاة البدء في لبس الطوق يقوم الاهل بإستدعاء القديس وخلال حفل جماعي يشارك فيه معظم سكان القبيلة يصار الى طبخ وجبة شهيرة تتكون من عظام الدجاج .. فيقوم القديس بإلقاء نظرة على شكل عظام الدجاج المطبوخة ومن ثم يعقد اجتماعه المغلق مع الارواح .. وبعد ذلك يخرج ليعلن للاهل اذا ما كانت ابنتهم قادرة على لبس الطوق او انها غير مؤهلة لهذه المهمة .. وحكم القديس هذا هو موضع احترام لدى سكان القبيلة .. فالفتاة التي يحكم عليها القديس بعدم لبس الطوق تبقى هكذا طوال العمر بدون طوق .
اما اذا قرر القديس صلاحية الفتاة للبس الطوق .. فيبدأ الاهل باجراء الخطوات الاولية المتمثلة في دهن رقبة ابنتهم بمرهم خاص ويقومون بعمل المساجات اللازمة لفترة تمتد عدة ساعات .. ومن ثم يُلف عنقها بعدد قليل من الحلقات وبعد مرور شهرين تتم زيادة حلقة اضافية ويستمر اضافة الحلقات الاضافية وعند سن البلوغ يجب ان يكون عدد الحلقات قد وصل الى (20) حلقة بوزن مقداره (10) كيلوغرامات.
"البادونج" قبيلة مسالمة
تعتبر قبيلة البادونج جزء من قبيلة اكبر تسمى " قبيلة كاراني" وكانت الاراضي التي تسكنها هذه القبيلة قد شهدت معارك عصابات مستمرة منذ عام 1984 بحكم موقعها الملاصق لدولة تايلاند .. وفي فترة من الفترات قاتل رجال هذه القبيلة ضد حكومة بورما .. الامر الذي ادى قيام بورما بمحاربتهم ،فأضطر جزء كبير منهم الى الهرب الى دولة تايلاند المجاورة التي اسكنتهم في مخيمات خاصة للاجئين تشرف عليها وكالة الامم المتحدة .. وبعد هذا الهروب تشتت قبيلة البادونج بين دولتي بورما وتايلاند .
الوقوع في قبضة العصابة
الشوق للقاء الاهل جعل بعض سكان قبيلة البادونج القاطنين في بورما يقعون في قبضة عصابة يقودها احد رجال الاعمال التايلانديين الذي يدعى " تهانا ناكلوانج" .. فهذا النصاب الذي كان على اطلاع كبير على الواقع السياحي قرر انشاء حديقة حيوانات بشرية من "النساء الزرافات" لتكون محط انظار السياح القادمين من امريكا واوروبا واستراليا واسيا ... ومقابل قضاء وقت ممتع والتقاط الصور مع فتاة زرافة يقوم كل سائح بدفع مبلغ يتراوح بين ( 5 - 10 دولارات) .. فقام هذا النصاب وافراد عصابته بإستئجار مكان الحديقة المناسب ولم يتبقى عليهم سوى الحصول على الفتيات الزرافات لتكون حديقة الحيوانات البشرية قد اكتملت بإنتظار قدوم افواج السياح من مختلف انحاء العالم .
الامور سارت بشكل اسهل مما تصوره "تهانا ناكوانج" الذي استعان بأحد سكان بورما ليعمل كوسيط بينه وبين افراد قبيلة البادونج ليجلب له بعض النساء والفتيات الزرافات من هذه القبيلة ليفتتح بهن حديقة الحيوانات البشرية التي يعتمد عليها مشروعه السياحي .
استطاع الرجل البورمي ان يتسلل الى قبيلة البادونج وهناك وبعد بحث طويل استطاع العثور على عدد كبير من النسوة والفتيات اللواتي يرغبن بزيارة اهلهن القاطنين في مخيم اللاجئين في تايلاند واستطاع الاتفاق مع 33 امرأة وفتاة على تهريبهن عبر الحدود التايلاندية الى مخيم اللاجئين الذي يقطن فيه اقاربهن ومن ضمن افراد البادونج الـ 33 كانت الفتاة الصغيرة " ماها فلي" وجدتاها " مو كي " التي كانت بمثابة القائد لافراد القبيلة في رحلتهم نحو تايلاند.
هروب .. واختفاء
كان على النساء والفتيات الصغيرات من قبيلة البادونج ان يخلعن الاطواق من حول رقابهن حتى لا يتم التعرف عليهن من قبل حرس الحدود التايلانديين الذين يعرفون ان هذه الاطواق تميز سكان نساء قبيلة البادونج الحدودية .. وبعد مسيرة ساعات طويلة بين الوديان والجبال وصلت نساء القبيلة وفتياتها الى داخل تايلاند .. ومنذ تلك اللحظة اختفى اي خبر عن مكان وجود هذه الجماعة ... وابتدأت واحدة من مآسي البشرية العظام .. مأساة معاملة الانسان واستغلاله لمتعة السياح مقابل دولارات معدودة .
الوصول الى الحديقة
بعكس ما كانت تعتقده النسوة والفتيات .... فساعات السفر الشاقة ورحلة التسلل عبر الحدود لم تثمر عن لقاء الفتاة بأبيها او امها .. ولا عن لقاء المرأة مع ابنها او زوجها .. فالنساء والفتيات وجدن انفسهن داخل شاحنات سافرت بهن الى منطقة تدعى "بان سان توندو" حيث حديقة الحيوانات التي كان يعتزم "تهانا" وعصابته المكونة من مكاتب سياحية واشخاص ذوو نفوذ في الحكومة التايلاندية استثمارها لجنى الاموال الطائلة من الدولارات التي سيدفعها السياح الاجانب مقابل زيارتهم الى اول حديقة حيوانات بشرية في آواخر القرن العشرين.
.. وبعد الوصول الى الحديقة أُجبرت النساء والفتيات على الاقامة في الحديقة وتم توزيعهن على مجموعة من الاكواخ المرتبة بنفس نظام اقفاص الحيوانات في اية حديقة عادية .. وتم توزيع الطعام والماء الذي يكفل لهن الاستمرار في الحياة ... وكانت سياط وبنادق حراس الحديقة جاهزة لقمع اي تمرد قد ينجم عن اي فرد من المجموعة .
وتم تلقين افراد مجموعة النسوة الزرافات بأن عليهن القيام مبكراً حيث ان يوم العمل سيبدأ من الساعة الثامنة صباحاً .. ويتوجب عليهن ان ينتشرن داخل اسوار الحديقة استعداداً لاستقبال الزوار وملاطفتهم والتقاط الصور معهم .
وصول الفوج السياحي الاول
بعد اسبوع من تجهيز الحديقة ، وبواسطة النشرات الدعائية والاعلانات عن حديقة " النساء الزرافات " التي كانت تقوم بها المكاتب السياحية في تايلاند وصلت الى الحديقة اربعة باصات تضم مجموعة من السياح الامريكان الذين قاموا بالتجوال في الحديقة بين النساء الزرافات والتقاط الصور معهن .. وكان يتعين على السائح ان يدفع خمس دولارات لقاء حضن المرأة او الفتاة الزرافة والتقاط صورة معها .. اما من كان يرغب بأكثر من ذلك فكان يتعين عليه دفع المزيد.
وبعد هذا الفوج السياحي فتحت باب السماء وبدأت افواج اخرى ممن سمعوا عن هذه الحديقة يزورون المكان ، فازدادت الافواج السياحية وهذه المرة كانت من دول اوروبا واستراليا واسيا .. وازدادت المبالغ الطائلة التي كانت تصب في جيوب تهانا واعوانه المشاركين في مؤامرة اهانة البشرية وتحقيرها الى هذه الدرجة التي يعجز عن وصفها اللسان .. وكما تقول "مو كي " لقد كانوا يقتربون منا ويشيرون الينا بإشارات تصاحبها ضحكات عالية كما لو كانوا يتعاملون مع القردة وحيوانات الشمبانزي .. ويبدو ان ترويج مكاتب السياحة لهذه الحديقة بإسم حديقة " النساء الزرافات" جعلتهم يعتقدون بالفعل بأننا فصيلة من الزراف .
احتياطات وقائية
وحتى يحافظ "تهانا" وعصابته على مصدر رزقهم قام المرتشون في مكتب العمل والهجرة التايلاندي بتسجيل النساء الزرافات في سجل العمال كعاملات رسميات استقدمهن "تهانا" لغرض عاملات قطف محاصيل التفاح ، لقاء اجر عبارة عن كميات من الرز وزيت الطبخ بالاضافة الى نصف دولار يومياً .
واعتاد تهانا القدوم مرة كل شهر الى حديقة الحيوانات راكباً سيارته الحديثة من طراز B.M.W لقبض الآف الدولارات التي تتجمع نتيجة زيارة الافواج السياحية ، اما باقي وقته فكان يمضيه في العاصمة بانكوك لغرض زيادة الدعاية والتنسيق مع المكاتب السياحية في سائر انحاء العالم لترتيب زيارة الوفود السياحية الى الحديقة .
بداية المتاعب ..
واصلت النساء الزرافات نضالهن من اجل التحرر من الحديقة ، ولم ييأسن مطلقاً من الفرج الذي سيأتي لا محالة .. وزاد من اصرارهن على ذلك موت واحدة منهن نتيجة الظروف الصحية الصعبة في الحديقة ، فقد ماتت "ماها بي" بعد اصابتها بآلام حادة في المعدة ولكن عدم توفر الدواء والاقتصار على اعطائها اقراص الاسبرين ادى بها الى النهاية المحتومة .. وبعد ان اصبحت محاولة الهرب من الحديقة من سابع المستحيلات بسبب الحراسة الشديدة التي يفرضها الحراس الذين ازداد عددهم مع ازدياد مدخولات الحديقة المادية .. بدأت النساء الزرافات يفكرن بطريقة اخرى .. فأهتدت احداهن الى فكرة جهنمية تتمثل استغلال اجهزة التسجيل التي تبث الموسيقى التي يرقصن عليها لزيادة متعة السياح .. ولم تكن فكرة التسجيل صعبة لأنه لم يخطر على بال الحراس بأن هذه التسجيلات ستُرسل بواسطة السياح الى ذويهن في قبيلة البادونج القاطنين في مخيم اللاجئين والذين ينتظرون قدومهن منذ اكثر من سنتين ومنذ اللحظات الاولى التي علموا بتسللهن الى تايلاند .. وكذلك فأن هذه الاشرطة ستصل الى عنوان قبيلة البادونج في بورما نفسها.
وفضلت النساء الزرافات ان تتم الاستعانة بالسياح من غير الاصل الاسيوي ، خشية ان يكون بعض هؤلاء الاسيويين قد حضروا للتجسس عليهن ولمعرفة خططهن في الهرب.
تحركات حكومية
اولى اشرطة التسجيل وصلت الى افراد قبيلة البادونج في بورما الذين قاموا بالاتصال بوكالة شؤون اللاجئين والتي قامت بتنظيم حملة اعلامية تهدف الى اجبار الحكومة على التدخل لدى السلطات التايلاندية للافراج عن النساء المحتجزات ولكن الحكومة خيبت ظن الجميع عندما بررت احتجاز النساء في تايلاند بتهمة التسلل غير المشروع والعمل غير الشرعي .
اما حكومة تايلاند نفسها فلم تحقق بالموضوع وانما اكتفت بأخذ غرامات مالية عن النساء المتسللات لقاء السماح ل"تهانا" باستمرار تشغيلهن في قطف التفاح والاعمال الزراعية وفقاً للاتفاقات المسجلة في مكتب العمل والهجرة التايلاندي .
وكانت الرشاوي والمبالغ المالية التي حصل عليها مختلف المسؤولون والمتنفذين في الحكومة التايلاندية كفيلة بالتعتيم على الموضوع ووضعه على الرف لعدة سنوات ... وهذا ما حصل عندما طلب "سودرات سيرويت" عضو جمعية حقوق الانسان التايلاندية من الحكومة التايلاندية بالتحقيق الجدي في الموضوع ، فكانت النتيجة تقرير مزيف ومفبرك قامت بتجهيزه اجهزة الشرطة ، يفند اداعاءات جمعية حقوق الانسان.
العدالة تتحقق !
لم تنقطع الضغوطات التي بدأت تمارس على الحكومة التايلاندية وهذه المرة من جمعيات حقوق الانسان في الخارج .. فأضطر رئيس الوزراء التايلاندي الى التحقيق في الموضوع بنفسه ، فارسل طاقماًمن مكتبه برئاسة سكرتيرته " لادوان ونج سونك " لزيارة مفاجئة الى هذه الحديقة التي اقامت الدنيا واقعدتها .. وكانت المفاجأة والنتائج تؤكد على الحقائق التي رفضت الحكومة التايلاندية تصديقها ... وبعد اجتماع سكرتيرة رئيس الوزراء مع " موكي " اخبرتها الاخيرة بقصة المعاناة التي عشنها على مدى سنتين وعن الظروف اللانسانية من قبل الحراس ...ومع رؤية السكرتيرة لاحدى النساء الحوامل من سكان الحديقة التي اجبرت على العمل رغم انها في الشهر التاسع من حملها ، لم يبقى هناك مجال لأي شك في طبيعة الحياة داخل الحديقة .
وبعد وقت قصير كانت قوات حكومية مسلحة تحاصر الحديقة .. حيث تم الافراج عن " النساء الزرافات" واعتقال "تهانا" وافراد عصابته .
وبدأت الحكومة حملة تحقيقات واسعة لمعرفة الاسباب التي ساعدت علي انشاء حديقة الحيوانات البشرية فوق الاراضي التايلاندية .. وشملت حملة الاعتقالات مسؤولين كبار في اجهزة الشرطة والداخلية .. اما بالنسبة للنساء الزرافات فقد قررت الحكومة عدم اعادتهن الى بورما بناءاً على طلبهن وخوفاً من ان يتعرضن للسجن او الاعدام بسبب تسللهن الى تايلاند .. الا ان مشكلتهن لا تزال عالقة.
ملاحظة:السائح يدفع (5-10) دولارات مقابل التقاط صورة مع " الفتاة الزرافة"