*Marwa*
17/09/2008, 11:32
شـافـيـز يحرجـنا كـعـرب
عبد البـاري عطـوان
استفزني منظر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وهو يقف امام عدسات التلفزة العالمية ملوحاً بساعة يده، ومعلنا أنه يعطي السفير الأمريكي في بلاده 72 ساعة لمغادرتها تضامناً مع صديقه رئيس بوليفيا، الذي بادر قبل يومين بطرد السفير الأمريكي أيضا لأنه يتدخل بشكل سافر في شؤون بلاده الداخلية.
الرئيس شافيز بقميصه الأحمر الشهير لم يكتف بطرد سفير الدولة الأعظم في العالم فقط بل هدد بوقف امدادات نفط بلاده إلى الولايات المتحدة، واعترف باستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا، وقرر تبادل السفراء معهما، واستقبل قاذفات استراتيجية روسية على أرض بلاده.
أقول استفزني المنظر، لأننا لم نر زعيماً عربيا واحداً، يمثل دولة فقيرة أو غنية، نفطية أو مائية، صحراوية أو زراعية، مشرقية أو مغربية، ثورية أو رجعية، ممانعة أو معتدلة منبطحة، يجرؤ على طرد قنصل أمريكي، أو حتى اسرائيلي.
شافيز هو الذي يأخذ من الولايات المتحدة، ويقع في دائرة نفوذها، بينما نحن العرب الذين نعطيها، نعطيها النفط، والقواعد العسكرية، والاستثمارات، وصفقات الأسلحة الضخمة، وننقذ اقتصادها المنهار بشراء سنداتها، وننخرط بحماس غير معهود في حربها ضد ما يسمى بالارهاب، التي هي حرب ضد العرب والمسلمين.
يستعصي علينا فهم حالة الهوان والضعف التي نعيشها حاليا، بحيث اصبحت مكانتنا تحت الصفر في المعادلات الاستراتيجية الدولية يستأسد علينا الجميع، بينما نحن نطأطئ رؤوسنا وندير الجانب الآخر من وجهنا طلباً للمزيد من الصفعات، ونبتسم لجلادنا.. والأخطر من ذلك انه ممنوع علينا ان نصرخ ألماً، والا اعتبرنا من المتطرفين المتهورين.
الادارة الأمريكية غزت العراق واحتلته ودمرته، وانتهكت اعراض أهله ونسائه في سجن 'أبو غريب' وغيره، وقتلت وتسببت في قتل مليون ونصف المليون من ابنائه وشردت خمسة ملايين آخرين، ومع ذلك نركع امامها، ننفذ جميع املاءاتها، سواء بالغاء ديون لمساعدة حكومة عراقية طائفية معادية للعروبة، أو بإرسال السفراء لتطبيع العلاقات معها.
الاقتصاد الأمريكي يترنح، والبطالة ترتفع بمعدلات قياسية، والعجز يصل إلى 800 مليار دولار بسبب الحروب الظالمة في العراق وافغانستان، فتبادر حكوماتنا العربية الرشيدة، وحدها دون غيرها، لمكافأة الادارة الأمريكية على حروبها، وانحيازها الكامل لاسرائيل، بزيادة انتاج النفط بمقدار مليوني برميل لتخفيض اسعاره، وانقاذ الاقتصاد الامريكي، هل هناك غباء واستسلام ومازوشية (تعذيب الذات) اكثر من هذا؟
حكومات عربية اقامت علاقات دبلوماسية او تجارية، او الاثنتين معا، مع الدولة العبرية، تحت عنوان تشجيعها على المضي قدما في عملية السلام.. وطمأنة شعبها المذعور من العرب (ليسوا عرب اليوم على اي حال)، ومن لم يقم منهم اي علاقات علنية ذهب مهرولا الى مؤتمر انابوليس للسلام، ليكون شاهد زور على اعادة استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية للوصول الى هدف اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الذي تعهد بانجازه الرئيس بوش.
اسرائيل رفضت مبادرة السلام العربية الذليلة، وضاعفت الاستيطان بمعدل 500' منذ انابوليس حسب احصاءات منظمة بيتسيلم، وجماعة السلام الآن الاسرائيليتين، فهل شاهدنا رئيس دولة واحدة من الذين ذهب وزراء خارجيتهم الى انابوليس يحتج بقوة على هذه الممارسات، او يطرد سفيرا اسرائيليا من عاصمته لان حكومته لم تلتزم بالاتفاقات التي جرى التوصل اليها؟
نذهب الى ما هو اكثر من ذلك، ونذّكر بالمجازر الاسرائيلية في قطاع غزة، والحصار النازي الاسرائيلي البشع المفروض عليها، فهل تحركت دماء الكرامة في عروق زعيم عربي واحد، وقرر ان يغلق السفارة الاسرائيلية في بلاده، او مكتب العلاقات التجارية، او يستدعي، ولا نقول يطرد، السفير الامريكي محتجا، ومتعاطفا مع اشقائه المحاصرين المجوعين؟
حتى العسكر في بلادنا باتوا اكثر استسلاما وخنوعا من القيادات المدنية، فبينما نظيرهم في باكستان (الجنرال اشفاق كياني قائد الجيش) يعلن غضبه من اقدام الولايات المتحدة على قصف مواقع داخل بلاده على الحدود مع افغانستان دون استشارته، ويهدد بانهاء التحالف العسكري معها، ووقف التعاون في الحرب على الارهاب، يلتزم العسكريون في بلادنا الصمت المطبق على كل الممارسات الاذعانية لقيادتهم السياسية، وتذهب عشرات المليارات التي انفقت على تدريب وتسليح جنرالاتهم، وتعبئتهم وطنيا ادراج الرياح.
لنأخذ المؤسسة العسكرية في تركيا كمثال، فهذه المؤسسة لم تجرؤ على الانقلاب على الحزب الاسلامي الحاكم في انقرة، ليس خوفا او جبنا، وهي التي نصبت نفسها حاميا لعلمانية اتاتورك، وانما لأن الحكومة التركية حكومة وطنية تضع مصلحة بلادها فوق كل اعتبار، وتحتكم الى المعايير الديمقراطية، تحارب الفساد وتحقق اعلى معدلات النمو، وترسخ اسس اقتصاد قوي.
لا نطالب بانقلابات عسكرية، فتجربتنا معها سيئة ومخيبة للآمال، والشواهد التي نراها في اكثر من عاصمة من بقايا تلك المرحلة المقيتة ما زالت ماثلة للعيان، لكن نطالب بجنرالات وطنيين يقولون للحكام الفسدة 'كفى'، نطالبهم ان يضغطوا من اجل تصحيح هذه الاوضاع الشاذة العفنة، واعادة شيء من الكرامة لامتنا.
لقد طفح الكيل، وبلغ مداه، عندما وصلت بنا درجة الهوان الى درجة ان يتطاول ايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل على الرئيس الفلسطيني، يقول انه رئيس منظمة التحرير التي قدمت فصائلها آلاف الشهداء، ويقرعّه (من التقريع وليس من قريع) لانه صافح المناضل سمير القنطار، ويبادر الثاني، اي الرئيس الفلسطيني بمحاولة تبرير موقفه هذا معتذرا بطريقة غير مباشرة، وربما مباشرة، عن فعلته الشنيعة هذه.
وطفح الكيل، وفاض اكثر، عندما شاهدنا القوات المصرية تمنع مواطنين مصريين يحملون الاغذية والادوية للتضامن مع اشقائهم المحاصرين في قطاع غزة، ليس من كسر الحصار، وتدمير بوابات معبر رفح المصري، وانما من عبور قناة السويس، خوفا من غضب اولمرت، او الولايات المتحدة. اسرائيل سمحت لقوارب الاجانب الشجعان بالوصول الى غزة بادويتها ومعداتها الطبية، بينما لم تسمح القوات المصرية لمواطنين مصريين بالمرور في سيناء المصرية.
كنا نقول، وحتى فترة قريبة، ان الامل في الاعلام، والصحوة الاعلامية الفضائية التي شاهدنا ارهاصاتها في العقد الاخير، ولكن هذه الصحوة تبخرت، وجرى الاجهاز عليها بالكامل بصدور وثيقة 'الشرف الاعلامي' عن 'منظمة' وزراء الإعلام العرب، التي اعتبرت كل من يتحدث عن الكرامة والوطنية، وتقاعس الزعماء، وفساد انظمتهم انه يمارس تحريضا يستحق صاحبه السجن واحتلال مكانة متقدمة على اللوائح السوداء، اما المحطة التي تستضيفه فسحب الترخيص واغلاق المكاتب.
تحول مرعب يحدث حاليا في الاعلام الفضائي العربي غير مسبوق، فالقنوات الفضائية العربية باتت تتسابق، وبطريقة مرضية لاستضافة المسؤولين الاسرائيليين، ليس انطلاقا من نظرية عرض وجهة النظر الاخرى التي صدعونا بها، وانما لارضاء هؤلاء المسؤولين وحكومتهم ونيل رضاها وتجنب غضبها.
في السابق كان مقدمو البرامج في الفضائيات العربية 'يشوون' المسؤولين الاسرائيليين باسئلتهم الاستفزازية اثناء اللقاءات معهم، وكنا نشفق عليهم من ضغط الدم او انفجار في المخ، وعروق رقبتهم تتضخم من شدة الغضب ووجوههم حمراء من شدة الانفعال، الان تغير الحال كليا، وبات المسؤولون الاسرائيليون هم الذين يتطاولون على المذيعين العرب بكل وقاحة وكأنهم هم اصحاب المحطة، ويلقون عليهم دروسا في الاعلام المهني.
بالامس شاهدت مقابلة مع السيدة تسيبي ليفني مع قناة 'العربية'، وصعقت وانا ارى المذيع يتعامل معها وكأنها المهاتما غاندي، بالكاد يهمس في اذنها، ولا يجرؤ مطلقا على مقاطعتها، ويترك لها الميدان لتصول وتجول دون مقاطعة تذكر.
قناة 'الجزيرة' الفضائية لم تكتشف 'المهنية' الاعلامية الا بعد ثورة الحكومة الاسرائيلية ضدها بسبب بثها حفلا بعيد ميلاد سمير القنطار. وشاهدنا 'لجنة حكماء' الجزيرة تجتمع وتصدر بيانا تؤكد فيه ان مدير مكتبها في بيروت خرج عن اصول المهنية عندما ذهب الى الحفل، وصوره، وبثه مباشرة. الامر الذي فسره الكثيرون على انه اعتذار من الجزيرة، بينما اصرت المحطة انها لم تعتذر مطلقا. والمعنى في بطن الشاعر.
اسرائيل اصبحت هي الجهة التي تعطينا دروسا في الاعلام المهني، وتقرر لنا ماذا نبث وماذا لا نبث، ومن هو الارهابي، ومن هو الحكيم المعتدل الرزين الذي يجب استضافته لانه 'موضوعي' يؤيد السلام ويسعى له، ويقبل بالاستمرار في عملية سلمية عقيمة.
الفضائيات العربية باتت تحرص على تواجد مكاتب لها في القدس المحتلة، اكثر من حرصها على مكاتب مماثلة في العواصم العربية، والشيء نفسه في العراق المحتل، ولهذا بدأنا نقرأ ونسمع ونشاهد المسؤولين الاسرائيليين يهددون بسحب الاعتمادات الصحافية وعدم التعاون مع مراسلي هذه الفضائيات.
امر مؤسف ان شافيز ليس عربيا، ولا يوجد له مثيل في المنطقة العربية، بل ولا يوجد مؤشر الى صعود شخص مثله الى سدة الحكم، فنحن امة محكومة بالعجزة، أمة فقدت هيبتها ومكانتها وكرامتها.
المـصـدر : بـكـرا .
عبد البـاري عطـوان
استفزني منظر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وهو يقف امام عدسات التلفزة العالمية ملوحاً بساعة يده، ومعلنا أنه يعطي السفير الأمريكي في بلاده 72 ساعة لمغادرتها تضامناً مع صديقه رئيس بوليفيا، الذي بادر قبل يومين بطرد السفير الأمريكي أيضا لأنه يتدخل بشكل سافر في شؤون بلاده الداخلية.
الرئيس شافيز بقميصه الأحمر الشهير لم يكتف بطرد سفير الدولة الأعظم في العالم فقط بل هدد بوقف امدادات نفط بلاده إلى الولايات المتحدة، واعترف باستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا، وقرر تبادل السفراء معهما، واستقبل قاذفات استراتيجية روسية على أرض بلاده.
أقول استفزني المنظر، لأننا لم نر زعيماً عربيا واحداً، يمثل دولة فقيرة أو غنية، نفطية أو مائية، صحراوية أو زراعية، مشرقية أو مغربية، ثورية أو رجعية، ممانعة أو معتدلة منبطحة، يجرؤ على طرد قنصل أمريكي، أو حتى اسرائيلي.
شافيز هو الذي يأخذ من الولايات المتحدة، ويقع في دائرة نفوذها، بينما نحن العرب الذين نعطيها، نعطيها النفط، والقواعد العسكرية، والاستثمارات، وصفقات الأسلحة الضخمة، وننقذ اقتصادها المنهار بشراء سنداتها، وننخرط بحماس غير معهود في حربها ضد ما يسمى بالارهاب، التي هي حرب ضد العرب والمسلمين.
يستعصي علينا فهم حالة الهوان والضعف التي نعيشها حاليا، بحيث اصبحت مكانتنا تحت الصفر في المعادلات الاستراتيجية الدولية يستأسد علينا الجميع، بينما نحن نطأطئ رؤوسنا وندير الجانب الآخر من وجهنا طلباً للمزيد من الصفعات، ونبتسم لجلادنا.. والأخطر من ذلك انه ممنوع علينا ان نصرخ ألماً، والا اعتبرنا من المتطرفين المتهورين.
الادارة الأمريكية غزت العراق واحتلته ودمرته، وانتهكت اعراض أهله ونسائه في سجن 'أبو غريب' وغيره، وقتلت وتسببت في قتل مليون ونصف المليون من ابنائه وشردت خمسة ملايين آخرين، ومع ذلك نركع امامها، ننفذ جميع املاءاتها، سواء بالغاء ديون لمساعدة حكومة عراقية طائفية معادية للعروبة، أو بإرسال السفراء لتطبيع العلاقات معها.
الاقتصاد الأمريكي يترنح، والبطالة ترتفع بمعدلات قياسية، والعجز يصل إلى 800 مليار دولار بسبب الحروب الظالمة في العراق وافغانستان، فتبادر حكوماتنا العربية الرشيدة، وحدها دون غيرها، لمكافأة الادارة الأمريكية على حروبها، وانحيازها الكامل لاسرائيل، بزيادة انتاج النفط بمقدار مليوني برميل لتخفيض اسعاره، وانقاذ الاقتصاد الامريكي، هل هناك غباء واستسلام ومازوشية (تعذيب الذات) اكثر من هذا؟
حكومات عربية اقامت علاقات دبلوماسية او تجارية، او الاثنتين معا، مع الدولة العبرية، تحت عنوان تشجيعها على المضي قدما في عملية السلام.. وطمأنة شعبها المذعور من العرب (ليسوا عرب اليوم على اي حال)، ومن لم يقم منهم اي علاقات علنية ذهب مهرولا الى مؤتمر انابوليس للسلام، ليكون شاهد زور على اعادة استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية للوصول الى هدف اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الذي تعهد بانجازه الرئيس بوش.
اسرائيل رفضت مبادرة السلام العربية الذليلة، وضاعفت الاستيطان بمعدل 500' منذ انابوليس حسب احصاءات منظمة بيتسيلم، وجماعة السلام الآن الاسرائيليتين، فهل شاهدنا رئيس دولة واحدة من الذين ذهب وزراء خارجيتهم الى انابوليس يحتج بقوة على هذه الممارسات، او يطرد سفيرا اسرائيليا من عاصمته لان حكومته لم تلتزم بالاتفاقات التي جرى التوصل اليها؟
نذهب الى ما هو اكثر من ذلك، ونذّكر بالمجازر الاسرائيلية في قطاع غزة، والحصار النازي الاسرائيلي البشع المفروض عليها، فهل تحركت دماء الكرامة في عروق زعيم عربي واحد، وقرر ان يغلق السفارة الاسرائيلية في بلاده، او مكتب العلاقات التجارية، او يستدعي، ولا نقول يطرد، السفير الامريكي محتجا، ومتعاطفا مع اشقائه المحاصرين المجوعين؟
حتى العسكر في بلادنا باتوا اكثر استسلاما وخنوعا من القيادات المدنية، فبينما نظيرهم في باكستان (الجنرال اشفاق كياني قائد الجيش) يعلن غضبه من اقدام الولايات المتحدة على قصف مواقع داخل بلاده على الحدود مع افغانستان دون استشارته، ويهدد بانهاء التحالف العسكري معها، ووقف التعاون في الحرب على الارهاب، يلتزم العسكريون في بلادنا الصمت المطبق على كل الممارسات الاذعانية لقيادتهم السياسية، وتذهب عشرات المليارات التي انفقت على تدريب وتسليح جنرالاتهم، وتعبئتهم وطنيا ادراج الرياح.
لنأخذ المؤسسة العسكرية في تركيا كمثال، فهذه المؤسسة لم تجرؤ على الانقلاب على الحزب الاسلامي الحاكم في انقرة، ليس خوفا او جبنا، وهي التي نصبت نفسها حاميا لعلمانية اتاتورك، وانما لأن الحكومة التركية حكومة وطنية تضع مصلحة بلادها فوق كل اعتبار، وتحتكم الى المعايير الديمقراطية، تحارب الفساد وتحقق اعلى معدلات النمو، وترسخ اسس اقتصاد قوي.
لا نطالب بانقلابات عسكرية، فتجربتنا معها سيئة ومخيبة للآمال، والشواهد التي نراها في اكثر من عاصمة من بقايا تلك المرحلة المقيتة ما زالت ماثلة للعيان، لكن نطالب بجنرالات وطنيين يقولون للحكام الفسدة 'كفى'، نطالبهم ان يضغطوا من اجل تصحيح هذه الاوضاع الشاذة العفنة، واعادة شيء من الكرامة لامتنا.
لقد طفح الكيل، وبلغ مداه، عندما وصلت بنا درجة الهوان الى درجة ان يتطاول ايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل على الرئيس الفلسطيني، يقول انه رئيس منظمة التحرير التي قدمت فصائلها آلاف الشهداء، ويقرعّه (من التقريع وليس من قريع) لانه صافح المناضل سمير القنطار، ويبادر الثاني، اي الرئيس الفلسطيني بمحاولة تبرير موقفه هذا معتذرا بطريقة غير مباشرة، وربما مباشرة، عن فعلته الشنيعة هذه.
وطفح الكيل، وفاض اكثر، عندما شاهدنا القوات المصرية تمنع مواطنين مصريين يحملون الاغذية والادوية للتضامن مع اشقائهم المحاصرين في قطاع غزة، ليس من كسر الحصار، وتدمير بوابات معبر رفح المصري، وانما من عبور قناة السويس، خوفا من غضب اولمرت، او الولايات المتحدة. اسرائيل سمحت لقوارب الاجانب الشجعان بالوصول الى غزة بادويتها ومعداتها الطبية، بينما لم تسمح القوات المصرية لمواطنين مصريين بالمرور في سيناء المصرية.
كنا نقول، وحتى فترة قريبة، ان الامل في الاعلام، والصحوة الاعلامية الفضائية التي شاهدنا ارهاصاتها في العقد الاخير، ولكن هذه الصحوة تبخرت، وجرى الاجهاز عليها بالكامل بصدور وثيقة 'الشرف الاعلامي' عن 'منظمة' وزراء الإعلام العرب، التي اعتبرت كل من يتحدث عن الكرامة والوطنية، وتقاعس الزعماء، وفساد انظمتهم انه يمارس تحريضا يستحق صاحبه السجن واحتلال مكانة متقدمة على اللوائح السوداء، اما المحطة التي تستضيفه فسحب الترخيص واغلاق المكاتب.
تحول مرعب يحدث حاليا في الاعلام الفضائي العربي غير مسبوق، فالقنوات الفضائية العربية باتت تتسابق، وبطريقة مرضية لاستضافة المسؤولين الاسرائيليين، ليس انطلاقا من نظرية عرض وجهة النظر الاخرى التي صدعونا بها، وانما لارضاء هؤلاء المسؤولين وحكومتهم ونيل رضاها وتجنب غضبها.
في السابق كان مقدمو البرامج في الفضائيات العربية 'يشوون' المسؤولين الاسرائيليين باسئلتهم الاستفزازية اثناء اللقاءات معهم، وكنا نشفق عليهم من ضغط الدم او انفجار في المخ، وعروق رقبتهم تتضخم من شدة الغضب ووجوههم حمراء من شدة الانفعال، الان تغير الحال كليا، وبات المسؤولون الاسرائيليون هم الذين يتطاولون على المذيعين العرب بكل وقاحة وكأنهم هم اصحاب المحطة، ويلقون عليهم دروسا في الاعلام المهني.
بالامس شاهدت مقابلة مع السيدة تسيبي ليفني مع قناة 'العربية'، وصعقت وانا ارى المذيع يتعامل معها وكأنها المهاتما غاندي، بالكاد يهمس في اذنها، ولا يجرؤ مطلقا على مقاطعتها، ويترك لها الميدان لتصول وتجول دون مقاطعة تذكر.
قناة 'الجزيرة' الفضائية لم تكتشف 'المهنية' الاعلامية الا بعد ثورة الحكومة الاسرائيلية ضدها بسبب بثها حفلا بعيد ميلاد سمير القنطار. وشاهدنا 'لجنة حكماء' الجزيرة تجتمع وتصدر بيانا تؤكد فيه ان مدير مكتبها في بيروت خرج عن اصول المهنية عندما ذهب الى الحفل، وصوره، وبثه مباشرة. الامر الذي فسره الكثيرون على انه اعتذار من الجزيرة، بينما اصرت المحطة انها لم تعتذر مطلقا. والمعنى في بطن الشاعر.
اسرائيل اصبحت هي الجهة التي تعطينا دروسا في الاعلام المهني، وتقرر لنا ماذا نبث وماذا لا نبث، ومن هو الارهابي، ومن هو الحكيم المعتدل الرزين الذي يجب استضافته لانه 'موضوعي' يؤيد السلام ويسعى له، ويقبل بالاستمرار في عملية سلمية عقيمة.
الفضائيات العربية باتت تحرص على تواجد مكاتب لها في القدس المحتلة، اكثر من حرصها على مكاتب مماثلة في العواصم العربية، والشيء نفسه في العراق المحتل، ولهذا بدأنا نقرأ ونسمع ونشاهد المسؤولين الاسرائيليين يهددون بسحب الاعتمادات الصحافية وعدم التعاون مع مراسلي هذه الفضائيات.
امر مؤسف ان شافيز ليس عربيا، ولا يوجد له مثيل في المنطقة العربية، بل ولا يوجد مؤشر الى صعود شخص مثله الى سدة الحكم، فنحن امة محكومة بالعجزة، أمة فقدت هيبتها ومكانتها وكرامتها.
المـصـدر : بـكـرا .